|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين النبع الصافي والمستنقع أ. شائع محمد الغبيشي مفارقة عجيبة جدًّا أن تكون بجانب عين جارية يتدفق منها ماء عذب زُلالٌ، وقد بلغ بك الظمأ مبلغه، فتتركها وتبحث عن الري في مستنقع مُنتن، رائحته تزكم الأنوف، فتقبل على الماء الحمئة تعُب منها بنهم عجيب؛ إنه مَثَلٌ مُشاهَد لمن يُعرض عن الحق الواضح الأبلج بُلوج الصبح، فيتركه ويهرول خلف الباطل يلهث وراءه ويفتش عن فِجاجه المظلمة، إنه مثل يضربه الله لنا في كتابه في أكثر من آية؛ قال تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]. ماذا لو رأيت رجلًا يمر بوادٍ وهو ظمآنُ، فيترك الماء ويقبل على زبد الوادي يشرب من أوساخه ونتنه؟ ألهذا الرجل شيء من العقل؟! ماذا لو رأيت رجلًا يقع على أكوام من الذهب قد خالطه التراب، فيُقبل على الذهب يرمي به يمنةً ويسرةً، ويملأ كيسه بأكوام التراب؟ ألهذا الرجل شيء من العقل؟! أمثلة مكرورة نشاهدها في واقع الحياة، ونقرؤها عبر صفحات التاريخ لمن قبِل الحق وأقبل عليه وفتح له قلبه، ومن أعرض عن الحق واتبع الباطل، بل ربما جنَّد نفسه لحرب الحق وأهله. تأمل بعد أن ضرب الله المثل السابق، كيف بين ثمرة اتباع الحق واتباع الباطل؟ فقال سبحانه: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18]؛ قال السعدي رحمه الله: "﴿ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ﴾ [الرعد: 18]؛ أي: الحالة الحسنة والثواب الحسن، فلهم من الصفات أجَلُّها، ومن المناقب أفضلها، ومن الثواب العاجل والآجل ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛﴿ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 18]،وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه من عمل سيئ، وما ضيَّعوه من حقوق الله وحقوق عباده، ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [الرعد: 18] الجامعة لكل عذاب؛ من الجوع الشديد، والعطش الوجيع، والنار الحامية والزقوم والزمهرير، والضريع وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب"[1]. وقد ضرب الله مثلين آخرين لهذين الفريقين؛ فقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 11، 12]. وهناك أمثلة عجيبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها عمه أبو طالب الذي ناصره، ودافع عنه، واعترف أن دينه حق، وما سواه باطل، وأنشد يقول: ولقد علمت بأن دين محمد ![]() من خير أديان البرية دينا ![]() لولا الملامة أو حذار مسبَّة ![]() لوجدتني سمحًا بذاك مبينا ![]() والله لن يصلوا إليك بجمعهم ![]() حتى أوسَّد في التراب دفينا ![]() فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ![]() وأبشر وقرَّ بذاك منك عيونا ![]() ومع كل ذلك بقيَ على الكفر ولم يؤمن بالله عز وجل، ومات على الشرك والعياذ بالله. والمثال الآخر قصة الطفيل بن عمرو الدوسي، وكان قد قدم مكة، فاجتمع به أشراف قريش وحذروه من رسول الله، ونهَوه أن يجتمع به أو يسمع كلامه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألَّا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفًا[2]؛ فرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول اللهصلى الله عليه وسلمقائم يصلي عند الكعبة قال: فقمت قريبًا منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله: قال: فسمعت كلامًا حسنًا، قال: فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبِلته، وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف رسول اللهصلى الله عليه وسلمإلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك، حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يُسمِعنيه، فسمعت قولًا حسنًا فاعرض عليَّ أمرك، فعرض عليَّ الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فوالله ما سمعت قولًا قط أحسن ولا أمرًا أعدل منه، وقال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق[3]. وأعظم الخسران والبوار أن يعرف العبد الحقَّ، ويكرمه الله به ثم ينكص على عقبيه، ويضل على علمٍ، والعياذ بالله؛ تأمل هذا المثل: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 175 - 177]. إن من أعظم العقوبات للمعرضين عن الحق المتبعين للغي المكذبين بآيات الله، أن يصرف الله قلوبهم عن الإيمان بآياته والاعتبار بها؛ قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 146، 147]. فما أحوجنا أن نفتش عن المورد العذب الزلال لنرتوي منه ونتضلع، ونُعرض عن الزبد والمستنقع المنتن! ما أحوجنا أن يكون الحق ضالتنا متى وجدناه يمَّمناه وجوهنا بفرح وسعادة، فنُقبل عليه ونمتثله، ونجعله منهجًا لحياتنا، ومنهاجًا لا نحيد عنه، ونعرض عن الباطل ونفر منه ونستجير بالله منه! ونلهج لله بهذا الدعاء العظيم؛ الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به إذا قام من الليل: ((اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))؛ [رواه مسلم]. يقول ابن القيم: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع من كان، ولو كان مع من يُبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هدى الله لما اختُلف فيه من الحق، فهذا أعلم الناس، وأهداهم سبيلًا وأقومهم قيلًا"[4]. اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. [1] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 416). [2] الكرسف: القطن. [3] السيرة النبوية من البداية والنهاية – ت: عبدالواحد (2/ 73). [4] ابن القيم، الصواعق المرسلة، د.ت، الرياض، دار العاصمة، ص516.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |