الحياة بين الإفراط والتفريط
شعيب ناصري
أما بعد:
فإن بعض الحقائق ألمها أشد من ألم ضربة حد السيف، ومن هذه الحقائق حقيقة ما بعد الموت، ونحن – المسلمين - نؤمن بكل خبر جاء عنه في الكتاب والسنة، لكننا نعيش في هذه الحياة بأحلام آلاف السنين، وتركنا العمل لدار الحساب، فحياتنا اليوم بين الإفراط والتفريط في العبادات بين الفرائض والنوافل، ومنه ضياع الوقت دون استغلال إيجابي، والله المستعان، ومع مرور الأيام والشهور بسرعة البرق نجد السنين يزاحم بعضها بعضًا، وعمر الإنسان يتقدم ويزيد، وتقدمه يكون إلى القبر، وزيادته تكون في السن، وهو يضحك ويلعب، فبعض القلوب امتلأت بعين الغرور، وأخرى امتلأت بالأحقاد والشرور، وأقلها من تعمل لأجل ملاقاة العلي الغفور، فمن أراد أن يعظ نفسه؛ فعليه بوصية النبي صلى الله عليه وسلم وهي زيارة المقابر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة))؛ [رواه ابن ماجه]، فسيرى الناس فيها أكثرهم من الشباب الأصاغر، وكانت لهم طموحات فتركوها وسلكوا طريق المعابر، وهناك من صرَّح بها على المنابر فطالت غيبتهم، وطالت توبتنا، فبعض الناس عيشهم مثل عيش البهائم، بل إن بعض البهائم أكرمكم الله أفضل منهم؛ فإن هؤلاء يعيشون عِدة جوانب؛ ومنها التقصير في الثواب والأجور، والإفراط عند المجاهرة بالقبيح والفجور والله المستعان، وإن قلت لهم: (توبوا إلى الرحمن)، قالوا: (سوف نتوب عندما نتقدم في الزمان)، فهذه هي حقيقة الدنيا فقد أعمت بصائر الناس فعمِلوا لأجل فنائها، وتركوا الآخرة وبقاءها، فضاقت بهم الحياة رغم تنوع النِّعم فيها والخيرات، وأصبح الكثير منهم يتمنى الموت رغم أنهم يعلمون أن الزاد قليل، وهذا التمني ليس إلا من باب كثرة الفتن، وقِلة الحيلة، وضعف الإيمان، بل إن بعضهم يطبِّقون أفكار الشيطان عندما يأمرهم بالانتحار، فتذهب أعمارهم سدًى دون نور ولا هدًى؛ فإن الإسلام جاء من أجل أن نعيش بسلام، نَعم، لسلامة القلب من فساد الأديان والعقائد، ولسلامة العقل من شبهات الشرك والمصائد، ولسلامة البدن من الظلم والمكائد، ولسلامة الأموال من الربا والتي تسمى اليوم بالفوائد، ولسلامة البلاد من ضيق الشدائد، ولسلامة النفس والروح من عذاب القبر ويوم الحصائد؛ فأكثروا من هذا الدعاء وقولوا: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))؛ [رواه الترمذي وغيره]، واسألوا الله حسن الخاتمة، وأن يتقبل منا العمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.