|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
توهم إضاعة الدين بسبب الاختلاف في ثبوت بعض الأحاديث عمرو عبدالله ناصر يعترض بعض من يشكك في صيانة الشريعة وحفظ الدين، فيزعم أن الأمة قد فرّطت في شريعتها وضَيَّعت بعض أحكامها، ويستدل على ذلك بما يقع بين الأئمة من الاختلاف في قبول بعض الأحاديث وتضعيفها؛ إذ قد يثبت الحديث عند طائفة منهم فيعملون بموجبه ويقولون بحكمه، بينما يضعّفه آخرون ويرون عدم ثبوته فينفون الحكم. وحينئذٍ فلابد أن يكون أحد الفريقين مصيبًا والآخر مخطئًا: فإن كان المصيب هو من أثبت الحديث، فقد أضاع الفريق الآخر حكمًا من أحكام الشرع برده للحديث، وإن كان المصيب هو من ضعّف الحديث، فقد زاد الفريق الأول في الدين ما ليس منه. فأيًّا ما كان الأمر - على زعمهم - فالنتيجة أن الأمة قد أضاعت شيئًا من الشريعة أو زادت فيها ما ليس منها، وهذا عندهم دليل على أن حفظ الدين لم يتحقق، وأن الاختلاف في الأحاديث أفضى إلى تضييع الشريعة. ويُجاب عن هذا بما يأتي: أولًا:أن الأمة بمجموعها لا يمكن أن تُضيع دينها، ولا أن يُرفع الحق عن جميعها، لأن الله تعالى تكفّل بحفظ هذا الدين فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. وهذا الحفظ يشمل نصوص الوحي وألفاظه، ويشمل معاني الشريعة ومقاصدها، كما يشمل عصمة مجموع الأمة من الاجتماع على ضلالة، وقد ثبت أصل ذلك في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، فلو كان في اجتماعهم جميعًا تقريرٌ للباطل أو نهيٌ عن الحق لما امتدحهم الله وخصهم بالخيرية. ثانيًا: أن الاختلاف في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها لا يقدح في حفظ الدين، بل هو من طبيعة الاجتهاد البشري الذي جُعل له بابًا مضبوطًا بالضوابط الشرعية؛ إذ تختلف مناهج الأئمة في شروط القبول والرد، وفي مراتب الضبط، وفي طرق الجمع بين النصوص. وهذا من سنن الله في باب الاجتهاد، ولا يلزم منه ضياع الحق أو تفريط الأمة في دينها، بل الحق محفوظ، يظهر عند طائفة، وقد يخفى على أخرى، ومع ذلك يبقى قائمًا في الأمة ظاهرًا لا يضيع. وهذا الاختلاف ـ وإن وقع بين الأئمة ـ إلا أنه مضبوط عندهم بالضوابط الشرعية، تجري عليه قواعد الدين الكلية، وتحكمه أصول الشريعة المحكمة، فلا ينفلت عن نظامها، ولا يخرج عن مقاصدها. ومن ثمّ لا يكون هذا الخلاف باعثًا على الفرقة والبغضاء، ولا مؤديًا إلى التنازع، وإلا لكان من الاختلاف المذموم الذي ورد الشرع بذمه والنهي عنه. كما أن هذا النوع من الاختلاف لا يخرم أصل الدين ولا يقدح في كلياته؛ إذ لم يكن بين الأئمة خلاف معتبر في أصول الدين الكبرى وكلياته العظمى، وإنما دار خلافهم في الفروع والجزئيات التي يسوغ فيها الاجتهاد، وتتسع فيها أنظار العلماء. ثالثًا: الأحاديث المختلف فيها من هذه الجهة لا تخرج عن أحد حالين: • أن يكون الحديث ثابتًا في نفس الأمر، فيكون من صححه قد أصاب الحق، ومن ضعفه فقد أخطأ في اجتهاده، لكنه لم يُضيع الدين، بل اجتهد وفق القواعد العلمية التي تقررت في علم الرواية، فيكون قوله واجتهاده بعلم وحجة. • أو أن يكون الحديث غير ثابت في نفس الأمر، فيكون من ضعفه قد أصاب الحق، ومن صححه قد أخطأ في اجتهاده، ولم يكن بذلك مضيعًا للدين، بل حاول نصرة الحق والدين على مقتضى ما ظهر له من الحجة. فالحاصل أن الحق باقٍ محفوظ، وأن الأمة لا تجتمع على باطل، وإنما يقع الخطأ في اجتهاد بعض أفرادها، مع بقاء غيرهم مصيبًا للحق. رابعًا: ما يُتوهم من أن الفريق المخطئ قد أضاع شيئًا من الدين ليس بصحيح، لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والمجتهد إذا اجتهد فأخطأ فهو مأجور غير آثم، وقد اتقى الله ما استطاع، فخطؤه ليس تضييعًا للدين، بل هو من مقتضيات نظام الاجتهاد في الشريعة. وإنما التضييع أن يُعرض عن النصوص أو تُخالَف اتباعًا للهوى، لا أن يخطئ المجتهد في امتثال قواعد العلم الصحيحة طالبًا سبيل الحق فيها. خامسًا: أن موارد الاختلاف بين العلماء في قبول الرواية وردّها لا تقع في أصول الدين وكلياته، وإنما تقع في فروعه وجزئياته. فأصول الدين الكبرى، وأركان الشريعة العظمى، ومعالم الملة الظاهرة، كلها ثابتة بأدلة قطعية من الكتاب والسنة المتواترة، واستقر عليها إجماع الأمة، ولا مدخل فيها للاحتمال أو الاجتهاد الظني. ولهذا لا يُتصور أن يختلف الأئمة في أصل من أصول الدين أو ركن من أركان الإسلام بسبب اختلافهم في تصحيح رواية أو تضعيفها. فالاختلاف إنما يَرِد في المسائل الجزئية التي يسوغ فيها الاجتهاد، لا في الكليات التي بها يتحقق حفظ الدين. وعليه: فالاختلاف في ثبوت بعض الأحاديث لا يقدح في أصل الحفظ، ولا يدل بحال على إضاعة الأمة شيئًا من الدين، بل هو من سنن الاجتهاد الذي أُذِن به في الجملة، وجُعل طريقًا لتحصيل العلم والبيان. وإنما يجري هذا الاختلاف في الفروع والجزئيات التي تقبل النظر والاجتهاد، متى قام على أصول العلم، واستند إلى الحجة والبرهان، وجُعلت عليه القواعد المقررة عند أهل الحديث والفقه حاكمة، ومع ذلك تبقى الكليات محفوظة لا يتطرق إليها الخلل، وتبقى معالم الشريعة وأصولها العظمى ثابتة راسخة، والحق قائمًا ظاهرًا فيمن تقوم بهم الحجة من أهل العلم والهدى، ولا ينطمس الحق في الأمة جمعاء البتة.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |