تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 25 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #241  
قديم 14-10-2020, 06:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

حكم التحلل بحصر الحوادث وحكم الاشتراط في الحج

وأما الحصر بالحوادث فالحوادث تختلف، أنا أصابني حادث وانقلبت بي السيارة وضربت في رأسي وبقيت محرماً في المستشفى حتى شفيت وعدت إلى مكة واعتمرت، فإذا كان الحادث خطيراً فحينئذ هذا هو المرض الخطير الذي يحصر به، وأما إذا كان جزئياً وأنت بوعيك، وإنما جراحات أو آلام فقط فلتصبر عليها بالعلاج حتى تشفى، هذا كله إذا لم يشترط المعتمر أو الحاج عند إحرامه، فإن اشترط وقال: لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة، وإن محلي حيث تحبسني من الأرض، فهذا الذي اشترط على ربه إذا أصابه حادث أو مرض أو منع من عدو فما عليه إلا أن يتحلل ويعود إلى دياره.هذه القضية خالف فيها مالك وحده، ولم يبلغه الاشتراط، ولكنه صح وثبت وعمل به الصحابة، فلا نلتفت إلى رأي إمام من الأئمة والحديث أمامنا، ولم نعمل نحن بالحديث، فقد عمل به أئمة من إخوان مالك، ونحن لا قيمة لنا.فلهذا من اشترط على ربه تعالى أن محله من الأرض حيث يحبسه، وحبس بالفعل بمرض أو بمانع آخر فليتحلل بحلق رأسه وليعد إلى بلاده، ولا حرج عليه. وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] أين محل الهدي؟ الحرم، إذا كان في الإمكان أن يبلغ، وإذا قالوا: لا يدخل شيء بلادنا، فماذا نصنع؟ نفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ نحر هناك في الحديبية، وإذا ما استطعنا لأنه ما عندنا شاة ولا بعير فإنا نعود إلى ديارنا وننحر وقد امتثلنا أمر ربنا عز وجل.

معنى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)

وقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] هذا حكم آخر، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:196] أيها المؤمنون ويا أيتها المؤمنات مَرِيضًا [البقرة:196] به جراحات لا يستطيع أن يعري جسمه، لا بد من ثياب، أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196] لا بد أن يحلق شعره؛ لأن القمل آذاه، كما حدث للصحابي الجليل كعب بن عجرة . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ [البقرة:196] فليغط رأسه، فليلبس الثوب أو السراويل وعليه فدية، فالواجب فدية مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الصيام فقال: ثلاثة أيام، وفسر الصدقة: بإطعام ستة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف أرز، والنسك: ذبح شاة أو بقرة أو بعير حسب قدرته، النسك هنا معناه: ذبح شاة لهذا الذي غطى رأسه أو لبس ثيابه لمرض أو لأذى في رأسه كالقمل ونحوه، هذه رحمة الله بعباده المؤمنين، وهذه الفدية على التخيير، إن شئت ذبحت أو صمت أو أطعمت.

معنى قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)

فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فرغنا من هذا الحكم، وبقي حكم آخر: فَإِذَا أَمِنتُمْ [البقرة:196] من العدو، وانتهت حرب الحديبية، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] بمعنى: أحرم بعمرة من أجل أن يقضيها ويبقى في مكة فإذا جاء الحج أحرم به، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] بأن يحرم في شوال في القعدة بالعمرة ويقصر شعره ويبقى في مكة، فيدخل الحج فيحج، فماذا عليه؟ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] فما الواجب؟ قال تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، الذي تيسر: شاة.. بعير.. بقرة، ويشترك سبعة في بقرة أو بعير.

معنى قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة)

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [البقرة:196] إما أنه ما وجد المال، أو ما وجد الشاة وتعذر وجودها، فالواجب ما هو؟قال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196] في مكة ومنى لا في جدة، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] فالمجموع عشرة كاملة، أحرم في شوال بالعمرة وجلس، ثم دخل شهر الحج وهو عازم على الحج، فإنه يصوم ثلاثة أيام: أول الحجة ثاني الحجة ثالث الحجة، أو ثاني وثالث ورابع، أو ثالث ورابع وخامس، أو خامس وسادس وسابع؛ لكن كونه أحرم بالعمرة في شوال وتحلل ينتظر الحج فقد لا يحج، فلهذا قال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196].قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] أي: إلى بلادكم ودياركم. تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196] فثلاثة وسبعة عشرة.والخلاصة أن من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وبقي في مكة ينتظر الحج ليحج فماذا عليه إن حج؟ عليه هدي ذبح شاة أو أن يشترك في بعير مع سبعة أنفار هو السابع، فإن لم يجد المال أو الحيوان فما هو الواجب؟ صيام عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، يصوم ثلاثة أيام في شهر الحج، فهو أحرم بالعمرة في القعدة وجلس، فما هناك حاجة إلى أن يصوم؛ لأنه لا يدري أيحج أو لا؟ لكن حين يدخل شهر الحج فمعناه أن المسألة قربت، فهنا ما دام ليس عنده نقود فإنه يصوم ثلاثة أيام، ولو نسي أو عجز يصوم حتى بعد العيد بثلاثة أيام، أيام التشريق يصح أن يصومها، يصوم السابع والثامن والتاسع أيضاً إلا العاشر، فيوم العيد لا يصومه، أو يصوم الثلاثة الأيام بعده، فإذا انقضت الأيام الثلاثة وما أصبح يسعه الصيام فعليه الهدي في ذمته.

معنى قوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)

وقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] هذا الذي سمعتم من حكم صيام عشرة أيام أو ذبح شاة على من تمتع، هذا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، أما الذي يسكن في مكة وفي منى وفي الحرم بأهله فهذا لو اعتمر ألف عمرة ما عليه هدي، فهذا في بلده، والحكم لمن جاء من خارج الحرم من جدة من الطائف من المدينة من أسبانيا وجلس في مكة ينتظر الحج وقد دخل بعمرة في أشهر الحج، هذا الذي عليه الهدي، أما الذي يسكن في مكة فخرج إلى الطائف وإلى جدة ودخل بعمرة وحج من عامه، فهذا ليس عليه هدي أو صيام؛ لأن الله تعالى قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]. ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] أما من كان أهله نساء وأولاداً في مكة فإنه لو يعتمر عشرين عمرة ليس عليه هدي. ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، أما من كان يسكن في داخل الحرم ولو ولم يكن في مكة بل حدود الحرم؛ فهذا إذا اعتمر في أشهر الحج وحج فلا هدي عليه ولا صيام.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب)

وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:196] انتبهوا خافوه فلا تفسقوا عن أمره وتخرجوا عن طاعته وتتصرفوا كما تشاءون، وإن كان هذا اللفظ عاماً في أوامر الله ونواهيه، ولكن بصورة خاصة هذه التعاليم لا يعبث بها أو يلعب بها كما علمنا.وهددنا فقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196]إذا عاقب؛ فلهذا لا يحل التلاعب أبداً بالعبادة، تؤدى كما هي، وهذا لصالحنا؛ لأن العبادة لو بذلت فيها الملايين وجهدك بكامله وما أديتها على الوجه المطلوب لا تنتج لك حسنة واحدة، وأنت مطالب بها لأجل زكاة نفسك لتدخل الجنة.

الخلاف في اعتبار المعتمر في أشهر الحج متمتعاً إذا رجع إلى بلده

وهنا مسألتان:الأولى: اختلف في هذا الرجل إذا اعتمر في أشهر الحج وعاد إلى بلاده ثم حج من عامه هل يعتبر متمتعاً؟الصحيح الذي عليه أكثر الأئمة أنه ليس بمتمتع متى عاد إلى بلاده، حتى ولو كان في الطائف وجدة أو بحرة، وهذا الذي عليه أئمة الإسلام ونقول به.والقول الشاذ يقول: ما دام حج من عامه فهو متمتع، ولا نلتفت إلى هذا، هذه واحدة.ثم إن اليمني الذي جاء من الجنوب واعتمر ثم جاء إلى المدينة بالشمال هل يعتبر متمتعاً أو غير متمتع؟فنحن نقول: لو كان السفر سفراً كما كان فوالله! لا نقول: إنه متمتع أبداً، يأتي من مكة إلى المدينة في عشرة أيام على رجليه ويعود في عشرة أيام، فأين التمتع؟ تمتع بماذا؟ لا بنوم ولا براحة، ولكن المسألة الآن بالطائرة يسير ساعتين ويعود، فماذا نقول؟نقول: إن استطعت أن تعتبر نفسك متمتعاً فخير لك فصم أو اذبح، أما لو كان السفر كما كان فيأتي المدينة في عشرة أيام ويعود في عشرة أيام فأي شيء تمتع به؟ لا راحة ولا نوم، لكن المتمتع ذاته يستقر في مكة، يأكل ويشرب وهو نائم مستريح، وإذا جاء الحج حج، ويتمتع حتى بزوجته حين يأتيها. لكن هذا السفر إلى المدينة فيه مشقة؛ فلهذا ترانا إذا وجدنا الرجل ضعيفاً نرحمه فنقول: ما دمت قد تجاوزت الميقات لمسافة القصر فلا عليك شيء، وإن وجدناه سميناً نقول: خير لك أن تذبح شاة وتطمئن نفسك؛ لأن الجمهور على أن من خرج من الحرم مسافة قصر-يعني: مسافة ثمانية وأربعين كيلو أو خمسة وسبعين كما عند بعض الأئمة- فما أصبح متمتعاً، وهذا كله ملاحظ أيام كان الذي يمشي مسافة قصر على الأقل ثلاثة أيام ذهاب وثلاثة أيام إياب وهو في شقاء وتعب، أما اليوم فالحمد لله نطير كالملائكة. فمن هنا خذوا هذه ولكم أن تفتوا بها بعد موتي ولا تخافوا، فمن كان فقيراً ضعيفاً فلا تحملوه؛ فقد تجاوز مسافة قصر مرتين أو ثلاثاً، أليس كذلك؟ وهذا مذهب الجمهور، فقولوا: لا بأس، وإذا رأيتموه في استطاعته أن يذبح أو يصوم فقولوا: الأفضل لك لتطمئن أنك تصوم أو تطعم، هذه القضية الأولى.

المفاضلة بين أنواع النسك في الحج

الثانية: أي أنواع النسك أفضل: الإفراد أو التمتع أو القران؟الآية: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] معناها: فمن لم يتمتع فلا شيء عليه، فالآية نص في مشروعية الحج بدون عمرة.فلهذا أئمة الإسلام وهداة المسلمين على أن أنواع النسك ثلاثة: الإفراد والتمتع والقران، إن شئت أفردت أو تمتعت أو قرنت، الكل جائز.وذهب بعض الذاهبين في متاهات فقالوا: لا إفراد أبداً! فيقال لهم: الله يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]! فقالوا: ليس بصحيح، فقيل لهم: كيف وهذا تخفيف الله عز وجل؟ ولهم شبهة دحضها أهل العلم وانتهينا منها، الشبهة هذه أنه لما حج الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهي الأولى والأخيرة، فرحمة بالمؤمنين الذين كانوا يسيرون على أرجلهم أو على البهائم، فرآهم تعبوا وشعثوا فقال: ( من ساق منكم الهدي فلا يحل، ومن لم يسق الهدي فليجعل حجه عمرة )، وبهذا أدى فائدتين:الأولى: رحمة بإخوانه المؤمنين الشعث الغبر من التعب، قال لهم: تحللوا، والآن بقي على الحج أربعة أيام أو خمسة فتمتعوا وأتوا حتى نساءكم.ثانياً: كان العرب لا يجيزون ولا يبيحون أبداً التمتع في أشهر الحج، لا يتمتعون إلا في صفر، فأبطل الرسول هذه البدعة التي كان عليها المشركون.ففهم من فهم أنه لا إفراد، أحدهم في قرن التابعين، والآخر في القرن الرابع وهو ابن حزم ، وآخر في القرن السابع، وآخر في القرن الرابع عشر، قالوا: ما هناك إفراد!ونحن سلمنا أن أنواع النسك ثلاثة، والله! إنها لثلاثة: الإفراد والتمتع والقران، يبقى: أيها أفضل؟ الجواب: إذا سقت الهدي من قريتك من دويرتك وأنت تلبي فالقران أفضل، وجه الفضل فيه: أن الله اختار لرسوله القران ولا يختار لرسوله إلا ما هو أكمل وأفضل، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ) قاله تطيباً لخواطر إخوانه؛ حتى لا يكربوا ولا يحزنوا، لكل مقام مقال، حتى تطيب خواطرهم، وإلا فالله لا يختار لرسوله إلا أكمل العبادات.أقول: من ساق الهدي من القصيم من نجران من تبوك من المدينة من الطائف، ساق جمله أو شاته وهو يلبي، هذا القران أفضل له، ومن لم يستطع سوق القران وحج قارناً فحجه مفضول. ومن استطاع أن يذهب إلى مكة معتمراً ويعود إلى بلاده ثم يعود فيحج من عامه فالإفراد أفضل بلا شك؛ لأنه أنفق نفقة في سفر خاص للعمرة وعاد إلى دياره وعاد إلى الحج بنفقة أخرى، فكيف يكون مفضولاً وقد أنفق نفقتين؟وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #242  
قديم 14-10-2020, 06:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (127)
الحلقة (134)



تفسير سورة البقرة (92)

بعد أن بين الله عز وجل حكم الحج إلى بيته الحرام وفضل ذلك ذكر هنا الأشهر التي يكون فيها الإحرام بالحج، وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، وبين أن من أحرم فيها بالحج فيجب عليه أن يجتنب الرفث والفسوق والجدال، حتى لا يفسد حجه أو ينقص من أجره فيه، وانتدب سبحانه من أراد الحج أن يكثر من فعل الخيرات من صدقات وغيرها، وأن يتقي الله ربه، فالتقوى خير زاد.

تفسير قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل. وسنتلو هذه الآيات الثلاث، ثم نتدارسها بيننا؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، وأعظمه أن يذكرنا الله في الملكوت الأعلى.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:197-199].

المراد بأشهر الحج المعلومات

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] ؟ هذا خبر، فمن المخبر؟ الله جل جلاله، كيف عرفنا أنه الله؟ لأن هذا كتابه، أنزله على من؟ على مصطفاه ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الخبر له شأن أم لا؟ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] ما معنى هذا الخبر؟ الحج الذي هو زيارة البيت، وأداء المناسك من الإحرام إلى الوقوف بعرفة إلى طواف الوداع، هذا الحج أشهر معلومات معروفات محفوظات، وما هو في حاجة إلى ذكرها؛ لأن العرب يعرفونها، ولأن رسوله صلى الله عليه وسلم ملزم ببيانها، لأنه لو قال: الحج أشهر معلومات هي شوال والقعدة والحجة فسيصبح القرآن لا يحفظ، ولا تحمله الإبل لطوله! فلهذا يأتي مجملاً والرسول يبينه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فصلوا عليه وسلموا تسليماً.إذاً: المراد من الأشهر المعلومات التي يحرم فيها العبد بالحج هي شهر شوال بعد رمضان مباشرة، والقعدة، وعشر ليال من الحجة، هذه الأشهر يحل لك أن تحرم بالحج من أول شوال، وتبقى تلبي وتذكر الله وتعبده شهرين وعشر ليال، وليس هناك من يلومك، لو أراد أحدنا أن يحرم من رمضان، أو من شعبان، أو رجب فلِم يرهق نفسه؟ ما الداعي إلى هذا؟ فالله عز وجل بين لنا الأشهر التي نحرم فيها ونلبي؛ فلهذا يكره للمؤمن أن يحرم بالحج في غير أشهره، وإن فرضنا أنه أحرم فإنا نقول له: تحلل بفدية، واخرج من هذه، وإن أصر فليبق يذكر ربنا الليل والنهار في العبادة، لأن المحرم لا يتأتى له العصيان، كيف يفسق؟ مربوط بربه، اتركوه محرماً.وهل يستطيع أحدنا أن يحج يوم العاشر من ذي الحجة، فيحرم ويأتي يلبي، ويدخل عرفة وحده ويرجع؟ كلا. فلو أحرم بالحج ليلة العيد وأدرك ووصل إلى عرفات في نفس الليلة قبل الفجر فيعتبر حاجاً وقد صح حجه، لكن إذا أحرم من الشام ومشى وتعطلت الدابة أو هبطت الطيارة وما وصل إلا بعد الفجر؛ فنقول: في العام الآتي تحج إن شاء الله، الحج الآن انتهى، فامش وطف بالبيت واسع وتحلل وانوها عمرة؛ وذلك لأن مولانا عز وجل علمنا فقال: الحج المعروف وتلك العبادة في أشهر معلومات.

معنى قوله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)

وقوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] هذا خبر آخر أم لا؟ وهو يحمل معه الإنشاء والتكليف، فمن فرض على نفسه في تلك الأشهر الحج، وقال: لبيك اللهم لبيك حجاً لا رياء فيه ولا سمعة فهذا دخل في العبادة، كالذي يحرم بالصلاة: (الله أكبر) ودخل في الفريضة والنافلة، فهل يجوز أن يضحك؟ يأكل؟ يشرب؟ ينادي أمه؟ يقول: أغلقوا الباب؟ لا كلام أبداً ولا ضحك ولا أكل ولا شرب؛ لأنه دخل في مناجاة الله، ولو تكلم بكلمة بطلت صلاته، فالحج إذا لبى العبد وقال: لبيك اللهم لبيك فقد دخل في هذه العبادة، ومن ثم فَلا رَفَثَ [البقرة:197]، الرفث بعبارة موجزة يطلق على الجماع: وطء الزوجة أو الجارية، ويشمل كل مقدمات الجماع من الغمز والمضاحكة والمجالسة، كل تلك المقدمات داخلة في الرفث.فمن لبى ودخل في الحج لا يحل له أن يجامع امرأته أبداً، ولا يحل له أن يغازلها أو يلمسها بشهوة؛ لأنه كالذي في الصلاة. فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197] ما الفسوق؟ هو الخروج عن طاعة الله ورسوله بترك واجب أو بفعل حرام، فمن منا يعجز عن حفظ هذه الكلمة؟ من هو الفاسق؟ الذي يترك الواجبات ويغشى المحرمات، هذا الفاسق، على شرط أن يواصل ذلك، أما من ترك واجباً وندم ثم فعله فما يبقى فاسقاً. فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197] لا معصية مطلقاً وأنت محرم، لا تحل أبداً، فهي كبيرة عظيمة، وإليكم مثالاً: سبك لفلان وأنت خارج الصلاة كبيرة عظيمة أم لا؟ لكن إذا قلت وأنت تصلي: يا ملعون فكيف يكون هذا الموقف؟ أهو بشع أم لا؟ فسبك للمؤمن وأنت وهو لستما في الصلاة حرام، كبيرة من كبائر الذنوب أم لا؟ لكن أرأيت لو سببته وأنت تصلي، كيف يصبح هذا؟ فكذلك الفسق مطلقاً حرام، ولكن أن يفسق وهو متلبس بعبادة فكيف يكون هذا؟! فلا رفث بالمرة ولا وجود له، ولا فسوق، وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] وكلمة: (في الحج) ليست عائدة على الجدال فقط، بل الرفث والفسوق والجدال الكل في الحج حرام وقبيحة من أكبر القبائح؛ لأن من أحرم بالحج أصبح في الحج، والحج ما هو بيوم واحد، بل شهران وعشرة أيام، أي: سبعون ليلة. فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] ما الجدال؟ الجدل، الخصومة، كل يريد أن يثني رأي الآخر ويغلبه، حتى ولو كان في المساومة في البيع، كأن يقول: بكم الكيلو من التفاح؟ قال: بريالين. فيقول: بريال ونصف! ويتجادلان، فهل يجوز لهما؟ لا يجوز.أو أن يسأل أحدهم: كم يوماً في الشهر؟ فهذا يقول: سبعة عشر، هذا يقول: ستة عشر، ويتجادلان وهما محرمان، لا يجوز مطلق الجدل. لا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] لم؟ لأن الحاج متلبس بعبادة، هو مع الله، كيف يتفرغ ويجادل الناس ويخاصمهم؟ عرفتم هذا؟

ثواب مجتنب الرفث والفسوق في الحج

واسمعوا الرسول الكريم يقول: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، هذه جائزة محمد صلى الله عليه وسلم، من ظفر بها؟! السابقون الأولون، ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) لا شيء عليه.وإن قلت: كيف؟ فالجواب: إذا وفقك الله لهذا فأنت مهيأ من قبل، إذا وفقت لأن تحج ولم تفسق ولم ترفث فأنت مهيأ لهذا الكمال من قبل، ثم يتوب عليك ويقبل توبتك، وبذلك يمحى كل ذنب سجل عليك، وتكون كأنك ما ارتكبت ذنباً، كأنك الآن خرجت من بطن أمك.وعندنا لطيفة: فهنا ميزان معرفة الطاقة، كيف نعرف أن فلاناً خرج من ذنبه كيوم ولدته أمه؟ نقول: إذا فرغ من الحج وودع، وركب دابته أو طائرته؛ فإن رأيناه يراجع الذنوب بترك الواجب وفعل المنكر والمحرم عرفنا أن هذا ما غفر له، ما زالت نفسه ملطخة عفنة لا نور فيها ولا إشراق، لكن إذا رجع من الحج لا ينطق بسوء، ولا يتلفظ ببذاءة، ولا يمد يده إلى ما حرم الله، ولا يتخلى عن واجب؛ فهذا هو والله العظيم، هذا الذي قبل؛ لأن نفسه مشرقة كأنفس الصبيان، ما يغشى كبيرة أبداً، والنور أمامه، فكيف يعصي؟ لكن إذا كان ما قبل في الحج وما غفر له، فمعناه أنه: بقيت الظلمة على النفس أم لا؟ والسيئات متراكمة ما زالت.إذاً: من السهولة أن يحلف بالكذب في المطار، وأن يدخن وهو في الطيارة، وأن يقرأ مجلة الدعارة والعهر وهو في المطار، في الطائرة. فهذه اللطيفة خير من ألف ريال هذه، وبلغوها: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) والحمد لله. فكيف نعرف أننا فزنا بهذه الجائزة المحمدية؟ قلنا: عندما نخرج من مكة ونبدأ نباشر في الحياة؛ إن اتحد سلوكنا وانتظم، وأصبحنا مع الله كما كنا في الحج، لا كذب ولا سرقة ولا فجور، ولا حسد ولا رياء ولا شرك ولا نفاق؛ فقد علمنا أننا قد قبلنا وغفر لنا، وإن كنا نبدأ من مكة في الذنوب والآثام فما حججنا.والتعليل واضح: فحين يغفر له تزول كل ظلمة عن النفس أم لا؟ تشرق نفسه أم لا؟ فصاحب النور هل يدوس حية؟ هل يجلس في المرحاض؟ كلا، فالنور أمامه، كيف يقع -إذاً- في المحرمات والنور بين يديه؟ لكن الذي لا نور له هو الذي يتخبط.

معنى قوله تعالى: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله)

وقوله تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة:197] ليست القضية قضية أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال فحسب، فهناك أيضاً مساعدات، افعلوا الخير وأنتم في الحج، هذا بالكلمة الطيبة، وهذا بتعليم أخيه، وهذا بتوجيهه، وهذا بإرشاده، وهذا بسد جوعته، وهذا بسقيه الماء، وهذا بإعطائه الدواء، فعل الخيرات في الحج تتضاعف حسناته فوق العادة، وما تفعلوا من خير في الحج يعلمه الله، وإذا كان يعلمه فإنه يثيب عليه، وما قال: يجزي به، ولكن لن يضيع المعروف أبداً عند الله.

معنى قوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وبيان سبب نزوله

ثم قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] هذا أمر أم لا؟ فمن الآمر؟ الله. من المأمور؟ المؤمنون، يقول تعالى: تزودوا، فمن كان عنده تمر يحمل تمره معه، أو خبز ولو جافاً، أو جبن، ما تطعمه في حجك تزود به، ولا تمد يدك للناس. على الحاج أن يحمل معه طعامه وشرابه، وما تطلبه أيامه وهو في الحج، لا يحرج الناس ويفتقر إليهم ويقول: أعطوني! وإذا ما كان عنده زاد ولا طعام فالحج ما هو بواجب عليه حتى يقوى عليه، أليس كذلك؟ فالاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة، والذي ليس عنده زاد لا يحج، كيف يحج وهو يسأل الحجاج ويؤذيهم؟ حرام هذا.أراد الله رفعتنا وإعلاء مقامنا، فكيف ونحن في ضيافته نسأل غيره ونذل للأغنياء ونسألهم ونحن أولياء الله؟ فما يريد الله لنا هذا.والآية كان لها سبب نزول، فبعض إخواننا من اليمن قالوا: نحن متوكلون، كيف نذهب إليه ونطلبه ونحمل الزاد ونحن ضيوفه؟ كيف ننزل عليه في بيته ونحمل الزاد؟! فلما وصلوا إلى الحج أخذوا يسألون الناس، فنزلت هذه الآية: وَتَزَوَّدُوا [البقرة:197] فمن ثم ما أصبح حاج من الشرق أو الغرب يأتي أبداً إلا ومعه زاده، إما نقود يشتري بها، أو يحمل طعامه وشرابه، فإن لم يكن عنده قدرة لم يحج، فكيف ببعض الفقراء من العالم الإسلامي يحجون للسؤال؟! يحج لهذا الغرض! فهذه فاحشة أكبر من الأولى، لا يجوز هذا أبداً.وقوله تعالى: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] أي: تزودوا بالطعام والشراب أو بالدنانير والدراهم لتأكلوا وتشربوا وتركبوا، واعلموا أن أفضل زاد هو تقوى الله عز وجل، لا تعتز بالريالات فقط في جيبك فتقول: أنا متزود، هناك زاد أعظم من هذا، وهو تقواه عز وجل، الخوف منه جل جلاله، يتمثل في طاعته وطاعة رسوله، بفعل ما يأمران به وترك ما ينهيان عنه، هذا أغلى زاد، فالزاد محمود وقد أمر الله به، لكن لا تعول عليه فقط، عليك بتقوى الله عز وجل، وهذه التعاليم الإلهية موجهة إلى المؤمنين، زادهم الله كمالاً.

معنى قوله تعالى: (واتقون يا أولي الألباب)

وقوله: وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197] أمرنا بتقواه أم لا؟ إياكم أن تعصوه، وتخرجوا عن طاعته، فإن الأمر صعب، إن أرواحكم بيده، أرزاقكم بيده، مصيركم إليه، فانتبهوا يا أصحاب العقول. والألباب: جمع لب، ولب الشيء: داخله، وأين يوجد العقل؟ في الباطن، أو في المخ، فيا أصحاب العقول! اتقوا الجبار، امتثلوا أمره في هذا وفي غيره.

تفسير قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ...)

ثم قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] ما هذه الجملة؟ ما هذا الخبر العظيم؟ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [البقرة:198] أي: إثم أو حرج أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، تبتغوا: تطلبون، فمن أين؟ أمن الأغنياء؟ أم من سيدي عبد القادر؟ كلا. بل من ربكم، خالقكم، مالككم، رازقكم، من إليه مصيركم.هذه الآية أذن الله تعالى فيها للمؤمنين في أيام منى وهم في ضيافة الرحمن عز وجل ثلاثة أيام بلياليها حتى يستردوا قواهم وطاقتهم التي ذهبت في الحج، وبعد ذلك ودع وسافر.في هذه الأيام إذا بعت شيئاً زائداً فاضلاً عندك فلا بأس، وجدت بضاعة نفيسة ولا توجد في ديارك فاشتريتها فلا بأس: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا [البقرة:198] أي: تطلبوا فضل رزق من ربكم، بأية واسطة؟ بدعائه وبالبيع والشراء، على شرط: ألا يخرج من بلاده يريد هذا، لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، إنما لما فرغ من العبادة وانتهى من عرفات ومزدلفة وجلس في أيام المتعة والراحة، فإن اشترى بضاعة أو باع شيئاً من عنده يرى فيه فضلاً من الله فلا بأس. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] واضح هذا المعنى؟ وسبحان الله! هل أصبحنا كلنا مفسرين للقرآن؟! أي نعم، فهو ما نزل إلا ليفهمه الرجل والمرأة، ولو اجتمع عليه المسلمون في جد لفهموه، وأصبحوا علماء ربانيين، ولو لم يقرءوا ولم يكتبوا، هذه تعاليم تلقى إليهم فقط.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #243  
قديم 14-10-2020, 06:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)

ثم قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] ما معنى هذا الكلام؟ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ [البقرة:198] كيف أفضنا من عرفات؟ أفضنا: تدفقنا كالماء، ولو شاهدت الحجيج مع أذان المغرب وهم مفيضون لرأيتهم كسيل وفيضان. فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ [البقرة:198] ووصلتم إلى مزدلفة حيث المشعر الحرام فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] ما هو المشعر هذا؟ مكان الإشعار، ومشعر على وزن مفعل، كمضرب حيث الضرب، فالمشعر: مكان الإشعار في مزدلفة، وهي بين عرفات ومنى، هذا المكان في جبيل، كان المشركون في الجاهلية يشعرون هديهم هناك، يأتي من الشرق من الغرب فيشعر ناقته أو بقرته ويعلمها، والإشعار: الإعلام، يعلم بأنها مهداة للحرم، إما أن يجرحها بالمبضع في سنامها فيسيل الدم ويلطخها به في الوبر، وإما أن يعلق فيها شيئاً، ليعلم الناس أن هذه ذاهبة إلى الله، مهداة إلى الله عند هذا المكان؛ فسمي بالمشعر الحرام، وهو داخل الحرم، ما هو بخارج الحرم، كمنى داخل الحرم.إذاً: فإذا أفضتم من عرفات، ونزلتم بمزدلفة فماذا تصنعون؟ هل تغنون؟ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ومن هنا فالمبيت في مزدلفة واجب، فمن تركه لغير عذر وجب عليه دم والتوبة بالبكاء والندم والاستغفار، ومن عجز عن المبيت فلا شيء عليه. ومن ذكر الله في مزدلفة أن نصلي المغرب والعشاء جمعاً، المغرب دخل علينا في عرفات، والعشاء ونحن مشاة، قد يؤذن قبل أن نصل، أو نصل ولم يؤذن، الكل واحد؛ فنصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، وهذا من ذكر الله أم لا؟ الأذان والإقامة والتسبيح هذا هو الذكر. ثم استريحوا، وقبل الفجر قوموا، فيكون الأذان والصلاة ثم الدعاء ساعة كاملة إلى قبيل طلوع الشمس وأنتم واقفون بين يدي الله تسألون حاجاتكم، حتى إذا كان الإسفار مشيتم إلى منى، والتقطتم حصيات سبع لرمي الشيطان بها.

معنى قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين)

فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة:198] أين؟ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] كنتم مشركين كفرة ضلالاً تعبدون الأصنام، وفي جاهلية، فمن هداكم؟ الله. فأصبحتم أفضل الخلق على الإطلاق في هذه الأرض.إذاً: اذكروه كما هداكم، اذكروا هدايته لكم، اشكروه عليها، وذلك بدعائه واللجأ إليه، وذكره وتسبيحه وحمده، وإفاضة الخير أيضاً على إخوانكم شكراً لله على هذه النعمة، فهذه نعمة عظيمة يعرفها من عاش في الجاهلية وعاش في الإسلام. وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] أي: الذين ضلوا الطريق ما عرفوه فهم في متاهات الحياة في الجهل والكفر والضلال، فكلام الله بين.

تفسير قوله تعالى: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم)

ثم قال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] فكيف هذا؟ كان الحمس -جمع أحمس، كحُمر واحدهم أحمر، والحمس: أشراف مكة من قريش- كانت لهم ميزة أنهم لا يقفون مع الناس في عرفة في وسطها، يقفون دونها، يقفون دون عرفة في مزدلفة، حتى إذا أذن المغرب وأفاضوا يصبحون هم الأولين، لا يصطدمون مع الناس ولا يؤذونهم؛ لأنهم أشراف! فلم يرض الله تعالى لعباده هذه الحالة، فقال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] من المكان الذي أفاض منه أهل الموقف أفيضوا أنتم، لا تتميزوا بمكان خاص تقولون: هذا مكان الأشراف، حتى لا تصطدموا بالمشاة والركبان من الحجاج، هذا تعليم الله تعالى، وأصبح القرشي والحبشي على حد سواء. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199] عما سبق من ذنوبكم، ولهذا فالملك والمملوك والتاجر والغني والأبيض والأسود بمجرد أن يقول: لبيك اللهم لبيك كلهم سواء: الرءوس عارية، والنعال في الأقدام، والكفن على الأبدان إزار ورداء، ولو كنت تملك بنوك أمريكا كلها فهذا هو سبيلك، أليس كذلك؟ وكذلك الطواف بالبيت، لا تقل: أنا شريف، لا تزاحمني، وكذلك السعي واحد، والذهاب إلى منى، كل الحج صورة واحدة تتجلى فيه عبودية الله عز وجل.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

يقول تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة:197] والطعام والشراب إذا استطعتم. وَتَزَوَّدُوا [البقرة:197] لا تأتوا من دياركم إلا ومعكم نقودكم ودراهمكم، لا تعولوا على الحجاج يطعمونكم ويسقونكم، من لم يستطع فلا يأت، وتزودوا لحجكم فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] تأتي بالأموال ولا تطيع الرحمن، هل ينفعك ذلك؟ فهذا تنبيه عجيب.وقوله: وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197] خافوني يا عقلاء قبل أن نحيل نعمتكم إلى نقمة، وسعادتكم إلى شقاء. وكيف نتقيك يا رب؟! يقول: لا تعصني، نفذ أوامري هذه وطبقها، بهذا تتقيني، لا بالجبال ولا بالجيوش ولا بالحصون، يتقى الله بالإذعان له، بالتسليم له، وهل في الإذعان والتسليم له شقاء؟ والله! لا شقاء أبداً، ما فيه إلا زيادة كمال، لا تفهم يا غافل أن الله يأمر بتقواه لإهانتك والتحكم فيك، انزع هذا الباطل من ذهنك، والله! ما أمرنا إلا بما يسعدنا وينجينا من الشقاء والبلاء، ولا نهانا عن شيء إلا لأنه ضار بنا، مدمر لحياتنا، وهو الرحمن الرحيم.وما تراه من ضعف وهزال وشقاء وذل وهون فهو والله لعصيانه، لا بفعل أوامر وترك نواه، بل لخروجنا عن طاعته، كالذي نهاك أن تأكل السم فأكلته فإنك تموت، أنت الذي أمت نفسك. وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] ما هذه الجملة؟ ما هذا الخبر؟ أي: لا حرج إذا بعت واشتريت أيام منى، لكن لا أنك تأتي لهذا الغرض، ثم ماذا؟ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]. هذا بيان أن النزول بمزدلفة والمبيت بها لذكر الله واجب، أمر الله به: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] والأذان والإقامة والصلاة ذكر، وأي ذكر أعظم من هذا؟ وقوله: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] هل هذه تتلاءم مع الصحابة فقط؟ فنحن أما هدانا؟ من أمثالنا ملايين ضلال، بل مليارات البشر لا يعرفون الله ولا يقفون بين يديه، فهل هدانا نحن أم لا؟ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] أشراف مكة الحمس كانوا يقفون في مكان مستقل حتى يبتعدوا عن الاصطدام حين يفيض الناس، فقال تعالى: لا، أفيضوا مع الناس في وقت واحد من مكان واحد. وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [البقرة:199] أستغفر الله .. أستغفر الله، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199] من استغفره غفر له، ومن استرحمه رحمه، إذ هذه صفات الكمال لله تعالى، فاستغفروه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:أشهر معلومات: هي شوال والقعدة وعشر ليال من الحجة، هذه هي الأشهر التي يحرم فيها بالحج ]، أما العمرة ففي أي يوم طوال السنة، لكن الحج في هذه الأشهر.[ فرض الحج: نوى الحج وأحرم به ]، فقوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة:197] يعني: فرضه على نفسه، أحرم به ودخل فيه.[ فَلا رَفَثَ [البقرة:197]: الرفث: الجماع ومقدماته ] التي تسبقه، وهل الجماع يقع بدون مقدمات؟ مستحيل هذا، كيف يتم؟ [ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197]: الفسق والفسوق: هو الخروج عن طاعة الله بترك واجب أو فعل حرام.الجدال: المخاصمة والمنازعة.الجناح: الإثم. تَبْتَغُوا فَضْلًا [البقرة:198]: تطلبوا ربحاً في التجارة من الحج. أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ [البقرة:198]: الإفاضة من عرفات تكون بعد الوقوف بعرفة يوم الحج، وذلك بعد غروب الشمس من اليوم التاسع من شهر الحجة.المشعر الحرام: مزدلفة، وذكر الله تعالى عندها هو صلاة المغرب والعشاء جمعاً بها، وصلاة الصبح ].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات.ما زال السياق في بيان أحكام الحج والعمرة، فأخبر تعالى أن الحج له أشهر معلومة، وهي شوال والقعدة وعشر ليال من الحجة ]، يقال: الحِجة والحَجة والقِعدة والقَعدة، كلها جائزة.قال: [ فلا يحرم بالحج إلا فيها ]، أما العمرة فأحرم حيث شئت، [ وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن يتجنب الرفث والفسوق والجدال حتى لا يفسد حجه، أو ينقص أجره ]، إما أن يفسد بالكلية أو ينقص الأجر، كيف؟ أرأيتم من جامع امرأته وهو محرم هل فسد حجه أم لا؟ بالإجماع فسد حجه، ومن كذب كذبة أو قال باطلاً وهو في الحج هل يفسد حجه؟ والله! ما فسد، وإنما نقص أجره؛ لأن العبارة كما ترى: [ وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن يتجنب الرفث والفسوق والجدال؛ حتى لا يفسد حجه أو ينقص أجره ]، إذاً: يفسد بالجماع، وينقص بفعل الحرام.قال: [ وانتدب الحاج إلى فعل الخير من صدقة وغيرها، فقال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة:197]، ولازمه أنه يثيب عليه ويجزي به، وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن السؤال، فقال: وَتَزَوَّدُوا [البقرة:197]، وأرشد إلى خير الزاد وهو التقوى، ومن التقوى عدم سؤال الناس أموالهم والعبد غير محتاج ]. فهناك من يسأل ويوفر في المال، فهو غير محتاج، أكثر المتسولين هكذا، عندما يموت يجدون عنده الألوف، لأنه ألف واعتاد، وإلا فالمؤمن ما يسأل أبداً، فإن جاع واشتد جوعه ما يقول: أعطني مائة ريال، يسأله أن يشتري له قرص عيش على قدر حاجته، أو يقول: أنا أتعشى معك الليلة، لا إله إلا الله! أين أمتنا من هذه الكمالات؟ قال: [ وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن السؤال، فقال: وَتَزَوَّدُوا [البقرة:197]، وأرشد إلى خير الزاد وهو التقوى، ومن التقوى عدم سؤال الناس أموالهم، والعبد غير محتاج، وأمرهم بتقواه عز وجل، أي: بالخوف منه؛ حتى لا يعصوه في أمره ونهيه، فقال: وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197] والله أحق أن يتقى؛ لأنه الواحد القهار، ثم أباح لهم الاتجار أثناء وجودهم في مكة ومنى، فقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] يريد: رزقاً حلالاً بطريق التجارة المباحة، ثم أمرهم بذكر الله تعالى في مزدلفة بصلاة المغرب والعشاء والصبح بها، وذلك بعد إفاضتهم من عرفة بعد غروب الشمس، فقال: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، ثم ذكرهم بنعمة هدايته لهم بعد الضلال الذي كانوا فيه، وانتدبهم إلى شكره، وذلك بالإكثار من ذكره، فقال تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198].ثم أمرهم بالمساواة ]، المساواة في عرفة في موقف واحد، لا الغني هنا والشريف هنا والفقير هنا، كلنا سواء، [ ثم أمرهم بالمساواة في الوقوف في عرفة، والإفاضة منها كذلك، فليقفوا كلهم في عرفات، وليفيضوا منها جميعاً، فقال عز وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] وذلك أن الحمس كانوا يفيضون من أدنى عرفات حتى ينجوا من الزحمة ويسلموا من الحطمة. وأخيراً أمرهم باستغفار الله، أي: طلب المغفرة منه، ووعدهم بالمغفرة بقوله: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199]].عجب هذا القرآن! أهذا يقرأ على الموتى؟! فهل يتعلم الميت؟! من حول قراءة القرآن من الأحياء إلى الموتى؟ العدو، ذاك المركب من ثلاث حيات: اليهود، المجوس، النصارى.ووالله! إنهم إلى الآن يتآمرون على الإسلام بشتى أنواع المؤامرات، ومن جملة ما نجحوا فيه أن صرفوهم عن القرآن، بدل أن يجتمع اثنان أو ثلاثة يقرءون القرآن ويتدبرونه حولوه إلى الموتى، فتمر بمدن العالم الإسلامي في الشوارع فإذا سمعت القرآن يقرأ في بيت علمت أن فيه ميتاً! فلا إله إلا الله! وأصبح طلبة القرآن -والله- ما يتعلمون إلا ليقرءوه على الموتى؛ ليحصلوا على الطعام وشيء من الدراهم!وكانت هناك نقابة موجودة، فإذا مات لك ميت فاتصل، فيقولون: تريد كم طالباً؟ تقول: عشرة، فيقال: من فئة مائة ريال أو من فئة خمسين؟! ووالدتي رحمة الله عليها -وقد تابت إلى الله وعرفت، ماتت موحدة- كنت صغيراً في حجرها يتيماً وهي تقول: يا رب! اجعل ولدي طالباً أو جزاراً! لأن الجزار يذبح الشاة ويبيعها، فيأتي باللحم الذي يفضل، يأتي بالقلب بالرئة بكذا، تقول: يا رب! اجعل ولدي طالباً أو جزاراً؛ حتى يأتي باللحم، فاللحم ما نأكله إلا من الموسم إلى الموسم! وكذلك التي ابنها حافظ للقرآن يمشي ليقرأ على الموتى ويأتي باللحمة في منديله، ويقدمه لوالدته، فهي تطلب هذا.ووالله! لو كنا في ذلك الوقت لما استطاع شيخكم هذا أن يتكلم ويقول: قال الله. بل يرمونه بالحجارة، يقولون: أنت تقول: قال الله؟ هل تعرف كلام الله، حرام هذا؟ تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر، ويسد أذنيه، فحرموا المسلمين من تلاوة كتاب الله وفهمه والعمل به تماماً حتى هبطنا، لما هبطنا ركبوا على ظهورنا، استعمرونا، استذلونا، فعلوا فينا العجائب، وما زلنا سكارى إلى الآن لم نفق! وكم صرخنا على هذا الكرسي نقول: هيا نعود إلى الله تعالى بأيسر طريق وأسهله، نقول فقط: يا أهل القرية! لا يتخلف أحد من نسائكم ولا رجالكم ولا أطفالكم عن صلاة المغرب في هذا المسجد؛ لنتعلم الكتاب والحكمة، كل ليلة طول العمر؛ فهل يبقى جاهل في القرية أو جاهلة؟ وإذا انتفى الجهل وحل العلم فهل يقع الزنا؟ اللواط؟ السرقة؟ الكبر؟ الغش؟ الخداع؟ هل يبقى من يجوع وإخوانه شباع؟ ومن يعرى وإخوانه مكسوون؟ والله! ما يكون.ومع هذا هل أفقنا؟ هل استجبنا؟ لا شيء، فلا إله إلا الله!وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #244  
قديم 14-10-2020, 06:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (128)
الحلقة (135)



تفسير سورة البقرة (93)

يشرع للحاج إذا قضى مناسكه من يوم النحر أن يكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى، وأن يسأل الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة، ولا يكون كالجاهلين الذين كانوا يذكرون مفاخر آبائهم، وإذا سألوا الله عز وجل فإنهم يسألونه من خير الدنيا ومصالحها ولا يسألونه من أمور الآخرة شيئاً، فأولئك ليس لهم إلا ما سألوا، وأما أهل الإيمان الموحدون فإن الله يعطيهم من خير الدنيا فضلاً عما يدخره لهم من خير الآخرة ونعيمها.

تفسير قوله تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، راجين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فلنحمد الله على هذا الإنعام وهذا الإفضال. وها نحن مع هذه الآيات المباركات، فاسمعوها وتأملوها قبل أن نأخذ في تدريسها وشرحها وبيان معانيها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:200-203].هذا كلام من؟ كلام الله، فالحمد لله أن عرفنا الله وعرفنا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه، فأصبحنا نتلو كلامه، ونسمع كلامه تعالى، وما رأيناه لضعفنا وقصور طاقتنا عن رؤية ربنا، إذ لو كشف الحجاب عن وجهه لاحترق الكون، ولكن الحمد لله فهذا كلامه نتلوه، ونتدبره، ونعمل بهداية الله فيه، فأية نعمة أعظم من هذه النعمة؟! والله! لا توجد، وفي الشرق والغرب ملايين البشر لا يعرفون الله عز وجل، ولا يسمعون به، ولا يعرفون له كلاماً، ولا شرعا، يعيشون كالبهائم، والله! لأشر من البهائم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من هم شر البرية؟ لا تقل: الحيات والذئاب والثعابين. لا؛ تلك طاهرة، شر البرية من كفروا بربهم، وتنكروا له وأعرضوا عن ذكره، وخرجوا عن طاعته، وعبدوا الشهوات والأهواء والشياطين، ومثلوها في أصنام وتماثيل، أولئك شر الخلق.

أمر المؤمنين بذكر الله تعالى بعد فراغهم من مناسك الحج

فاسمع ما يقول تعالى لنا ونحن حجاج بيته يعلمنا ويرشدنا، يقول: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] أكملتموها، أتممتموها، أحرمتم وطفتم ووقفتم بعرفة، ونزلتم للضيافة الإلهية في منى ثلاثة أيام، للتهيؤ للعودة إلى الديار، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] فماذا تفعلون؟ قال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة:200] اذكروا الله بألسنتكم: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الحمد لله، هذا ذكر الله. فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ [البقرة:200] أي: يا من كنتم تجتمعون في منى للمفاخرة والمباهاة وإنشاد الأشعار والتباهي بالقبيلة وزعمائها في عهد الظلام عهد الجاهلية! اذكروا الله كما كنتم تذكرون آباءكم، إذ كانوا كفرة مشركين لا يعرفون الله، فيذكرون آباءهم وأجدادهم: هذا فعل كذا، وهذا فعل كذا. أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200] أي نعم، بل أشد ذكراً؛ لأن ذكر الله يرفعهم، وذكر الآباء والأجداد يهبط بهم، ولكن من باب أنكم كنتم أيام منى تتفاخرون ثلاثة أيام وتذكرون أجدادكم فالآن اذكروا ربكم أشد ذكراً.ومن ثم فطول الليل والنهار ونحن في ذكر الله، لا سيما عند رمي الجمرات: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر سبع مرات، وننزل إلى الثانية مثل ذلك، وإلى الثالثة مثل ذلك، وكلنا ذكر، وإذا صلينا الصلوات الخمس من ظهر يوم العيد إلى عصر اليوم الثالث ونحن في بيوت الله في الشرق في الغرب في كل مكان، ما إن نسلم من الصلاة حتى نقول جهراً: الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد، ثلاث مرات في العالم بأسره. والحمد لله، فهل استجبنا لربنا أم لا؟ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] فماذا تفعلون؟ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200].

معنى قوله تعالى: (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق)

ثم قال تعالى مزيحاً الستار عن صورة: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا [البقرة:200] طيلة ما هو في الحج وهو يسأل الله الزوجة، الولد، البقرة، الشاة، المنصب، الوظيفة، لا يسأل الله سوى هذه والعياذ بالله! هابط لاصق بالأرض، نسي الله والدار الآخرة مرة واحدة، همه حين يرفع كفيه: يا رب! زوجني، يا رب! انصرني على فلان، يا رب! أكثر إبلي وغنمي، وهل هذا موجود؟ والله! إنه لموجود، أيخبر الله تعالى وتشك؟! فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا [البقرة:200] ماذا؟ الذي بينت لكم، وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] أي: من نصيب، همه الدنيا، تطلع الشمس أو يطلع النهار وتقبل البشرية على العمل و(95%) لا يسألون الله إلا الدنيا، مع أنها زائلة وفانية ومنتنة وعفنة، كلها بلاء وشر، ومع هذا فكل الطاقات والجهود للدنيا، وعلة هذا الكفر والجهل، الكافرون كافرون، والمؤمنون جهلة ما يعرفون.هذا إخبار العليم الحكيم أم لا؟ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] أبداً، مصيره عالم الشقاء إلى الأبد.

تفسير قوله تعالى: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )

قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] اللهم اجعلنا منهم. والذي يسمع هذه الدعوة في المجلس وما كان يحفظها ولم يحاول أن يحفظها الليلة ويعود بها إلى بيته ويدعو بها؛ بشروه بأنه لا شيء، وأنه ميت، ولا تنزعجوا، فهذا الواقع.كيف بدعوة يعلمها الله أولياءه، ويبشرهم بقبولها وأنت لا تبالي بها؟ تقول: امش إلى المقهى خير لك! ما هذا مقامك.هذه الدعوة هي قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] حتى لو كانت على غير لغتك، فسهل عليك أن تحفظها، ما هي؟ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، لا دعوة أجمع من هذه الدعوة، إذا أعطاك حسنة الدنيا فلا تسأل عن الأبناء والزوجة والإخوان والصلاح والطهر، وإذا أعطاك حسنة الآخرة فالجنة، ووقاك النار وصرفك عنها، فماذا بقي لك؟ وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يدخل الجنة يوم الحشر والحساب رجل قبله قط، أول من يدخل الجنة، لا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى، كان إذا طاف في عُمَره أو في حجه يختم الشوط بهذه الدعوة، يبدأ بالحجر الأسود ويطوف، عندما يقاربه يدعو الله بهذه الدعوة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] في كل شوط، وهو مبشر بالجنة، هو صاحب المفتاح بإذن الله، ونحن نطوف ولا نذكرها! وَمِنْهُمْ [البقرة:201] اللهم اجعلنا منهم مَنْ يَقُولُ [البقرة:201] في تلك الأيام المشرقة أيام الحج: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

تفسير قوله تعالى: (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب)

قال تعالى: أُوْلَئِكَ [البقرة:202] الأشراف السامون الأعلون، لأنه أشار إليهم بكاف البعد، أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202] لهم نصيب عظيم مما كسبوا من الصالحات، من الإيمان والعمل الصالح، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202] يعني: موقفهم في ذلك اليوم الذي طوله خمسون ألف سنة يدخلون الجنة في فترة كما بين الصبح والظهر؛ لأن الله سريع الحساب.

تفسير قوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه)

ثم يقول تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] هذا أمر الله أم لا؟ موجه إلى من؟ إلى كل مؤمن ومؤمنة، حتى ولو لم يكن في الحج، أما قدمنا أن تلك الأيام الثلاثة يذكر الله فيها في العالم بأسره بعد الصلوات الخمس؟ إذا سلمنا من صلاة الصبح نقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثم نقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، والمسجد كله دوي بهذا في العالم بأسره ثلاثة أيام. وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] من بين العدد؟ الموكل ببيان كلام الله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، معدودات عداً، يوم العيد ويومان بعده.

معنى قوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم إليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)

قال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] بمعنى: تعجل السفر والعودة إلى أهله، أفاض وحلق واستراح، فيجوز له في ثاني يوم أن يرمي الجمرة ويودع، يطوف بالبيت ولا شيء عليه. وَمَنْ تَأَخَّرَ [البقرة:203] إلى اليوم الثالث حتى رمى الجمرات بعد العصر أو بعد الظهر فليودع ويخرج. يقول تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] ما هي هذه الأيام المعدودات؟ أيام التشريق الثلاثة، لم قيل فيها: أيام التشريق؟ لأنا نشرق فيها الغنم نذبحها، فمتى نذبح الذبائح؟ أيام التشريق، وأيام التشريق هي يوم العيد وثلاثة أيام بعده.قال: وَمَنْ تَأَخَّرَ [البقرة:203] ما استعجل فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] فلا إثم على الأول ولا الثاني، مع ملاحظة لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] لا يقل قائل: لقد نفى الله عني الإثم في هذا اليوم، فدعنا نفسق ونفجر! وإنما لمن اتقى الله، فلم يخرج عن طاعته، ولم يفسق عن أمره. فبعض الجهلة يقول: هذا اليوم ما فيه شيء، لا إثم علينا، ويشرب المحرم، أو يأكل الحرام، أو ينهش عرض المؤمن أو يسلب ماله، يقول: هذا اليوم ما فيه إثم! فهل انتبهتم لهذا الاحتراس أم لا؟

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #245  
قديم 14-10-2020, 06:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

سبب الأمر بالتقوى في قوله تعالى: (واتقوا الله)

يقول تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:203] لم يأمر بالتقوى دائماً؟ لن تنتظم حياة البشرية على سطح هذه الأرض إلا على قانون تقوى الله عز وجل، إن اتقوا الله فلا سرقة، ولا خيانة، لا حرب، لا كذب، لا خداع، لا غش، لا باطل، لا ظلم، لا جور، لأن تقوى الله تورث هذا الكمال. وإن فسقوا فما اتقوا الله فيا ويلهم، حياتهم حياة الحيوانات والبهائم يأكل بعضها بعضاً، وهل يذكر السامعون منزلة التقوى؟ إن بها تتحقق ولاية الله للعبد، فالإيمان أولاً، وتقوى الله ثانياً، فأيما بشري على الإطلاق أبيض أو أصفر آمن حق الإيمان واتقى الله فقد أصبح من أولياء الله، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].إذاً: بم تتحقق ولاية الله؟ بالإيمان وتقوى الرحمن، هل يمكن أن يوالي الله عبداً ما آمن به ولا اتقاه؟ والله! ما كان.

سبب سعي العدو لصرف المسلمين عن مدارسة القرآن الكريم

الآن عرفتم أنتم ما لم يعرفه آباؤكم وأجدادكم، قبل هذه الحركة الإصلاحية كنت تدخل إلى القاهرة المعزية أو إلى دمشق أو كراتشي أو إسطنبول عاصمة العالم الإسلامي، تدخل وتلتقي بمواطن فتقول: يا أخي! أنا أتيت زائراً من بلاد بعيدة، فدلني من فضلك على ولي من أولياء هذه البلاد. فوالله! ما يقودك إلا إلى قبر عليه قبة وضريح، ولا يفهم أن في أسطنبول والقاهرة ولياً يمشي في الشارع! فهل فهمتم هذه؟ فالشيخ يحلف على علم، ما نعرف ولياً إلا من عبد فذبحت له الذبائح، وأقسم باسمه، والتف حوله النساء والرجال، وعكفوا عليه وزاروه، هذا هو الولي! ومن يكذب هذا فليرفع رأسه وليراجع التاريخ. وما هو السبب؟ من فعل بنا هذا؟ هل سيدنا علي ؟ هل الإمام مالك ؟ هل الإمام أبو حنيفة ؟ من فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود، ما الثالوث الأسود؟! ذاك المكون من المجوس واليهود والنصارى.لم تكون هذا الثالوث؟ للانتقام، فعرش كسرى أسقطه الإسلام، واليهود حرموا من آمالهم وما كانوا يأملونه، والنصارى غشيهم نور الإسلام، فصاح الرهبان والقسس وقالوا: ما بقي لنا وجود، فهيا نتعاون مع الموتورين، فوجدوا عبد الله بن سبأ الزعيم اليهودي، وفلاناً وفلاناً وكونوا منظمة عالمية لضرب الإسلام.ونجحوا، ومن مظاهر نجاحهم أن القرآن الكريم الذي هو روح ولا حياة بدونه، والله الذي سماه روحاً: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، وما حيي المسلمون في القرون الذهبية -والله- إلا على القرآن؛ لأنه روح، وما كانت تلك الأشعة وذلك الكمال البشري إلا على روح القرآن، فالقرآن روح حييت به هذه الأمة، وخاصة العرب الذين كانوا لاصقين بالأرض لا وجود لهم ولا قيمة. فقالوا: ماذا نصنع بالقرآن؟ لا يمكن أن نأخذه من قلوبهم أبداً، هذا يحفظه النساء والرجال، فما هناك حيلة أبداً إلا أننا نحتال عليهم حتى يتخلوا عنه ويتركوه للموتى، فلا يجتمع اثنان على قراءة آية وتدبرها وفهم مراد الله منها، ونجحوا، فمضت قرون عدة والعالم الإسلامي لا يجتمع فيه الناس على القرآن إلا على الموتى. أيها الأحداث! اسألوا كبار الشيوخ يعلموكم، لا يجتمع اثنان ولا عشرة على تلاوة آية وتدبرها، وفهم مراد الله منها؛ للنهوض والعمل بما فيها أبداً، إذا مررت بحي في طرف وسمعت القرآن يقرأ فاعلم أن ميتاً هنا فقط، فهل نجحوا أم لا؟ نجحوا، وإلا فكيف مزقونا واستبدوا بنا واستعمرونا وجهلونا واستغلونا وأذلونا، كيف ما نجحوا؟ هل سنن الله تتبدل؟ فالروح سلبوها فمتنا.الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لـابن مسعود : ( اقرأ علي شيئاً من القرآن. فيعجب عبد الله فيقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! فيقول: إني أحب أن أسمعه من غيري )، وأنتم أيها الحاضرون هل رأيتم رجلاً قال لأخيه: تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن؟! تحت ظل شجرة، أو جدار أو في المسجد أو في المصنع؟ أبداً! لأننا ورثنا هذه القاعدة: القرآن تفسيره صوابه خطأ، وخطؤه كفر، فحرموا أمة الإسلام من الروح فماتت.فهذه مسألة واضحة أم لا؟ ولأن تتعلم هذا خير لك من خمسين ألف ريال تعود بها إلى بيتك أو إلى بلدك إن كنت ذا روح ترقى إلى السماء.

سبب سعي العدو في حصر الولاية في الموتى

والثانية: لماذا حصروا ولاية الله في الموتى؟ كيف تفسر هذه الظاهرة الاجتماعية السياسية؟ ما هو السر؟ حصروا الولاية في الموتى، أتدرون لماذا؟ أعلمكم بإذن ربي أنهم يريدون أن يستبيحوا فروج نسائنا وأموالنا وأعراضنا ودمائنا؛ لأنهم لا يخافون منا، فما نحن بأولياء! أما الولي فترتعد فرائصهم منه؛ لأن الله تعالى قال: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، حتى إن الرجل إذا فجر لا يمر بقبر الولي، يخاف، وتحلفه بالله فيحلف بالله سبعين مرة، وتقول: احلف بسيدي فلان فما يحلف، يخاف، حتى إن القضاة أصبحوا يحلفون بالأولياء، يقولون: دفاعاً عن حقوق الناس! يقول له: احلف بالله فيحلف سبعين مرة، ويقول: احلف بالسيد فلان فما يحلف، فماذا أصنع أنا القاضي؟ أنا مسئول عن رد الحقوق والمحافظة عليها.إذاً: فلما حصروا الولاية في الموتى فالأحياء ما هم بأولياء، سب، اشتم، مزق، قل، افعل بهم، احتل عليهم، امكر بهم، ولا تخف، فما هم بأولياء، فزال الأمن والطهر والإخاء والمودة والولاء، وأصبح المسلمون كالبهائم يأكل بعضهم بعضاً، إلا من رحم الله؛ لأنك لو عرفت أن هذا ولي فلن تستطيع حتى أن تفتح عينيك فيه، هذا ولي الله، والله يقول من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فجاءوا فقلبوا الوضع وحصروا الولاية في الأموات، كما حصروا القرآن في الأموات، تمشي إلى الضريح فتجد الناس حوله ليلة الجمعة أو الإثنين وترى البكاء والتمرغ والدعاء والصياح أكثر من الطائفين بالبيت!وكم سنة ونحن نصرخ هذا الصراخ: لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تناديما زلنا في اضطرابات وشكوك وأوهام، وبعضنا يقول: هذا الشيخ عميل، هذا كذا، يقولون كلاماً يعجز عنه الشيطان وإن كان هو الذي يمليه، ولا شيء إلا لصرف النفوس عن الهدى؛ ليبقى الضلال والفساد كما هو.وا حر قلباه ممن قلبه شبم.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

معاشر المستمعين والمستمعات! إليكم شرح هذه الآيات في الكتاب.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح كلمات: قضيتم: أديتم وفرغتم منها ]، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] كيف قضيناها؟ أديناها وفرغنا منها.[ المناسك ] في قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] واحدها منسك، [ جمع منسك، وهي عبادات الحج المختلفة ] من الإحرام إلى الرمل إلى الطواف، إلى الوقوف بعرفة، إلى المبيت بمزدلفة، هذه كلها مناسك أم لا؟ الواحد منسك، بمعنى: أنه مطهر، يطهر الروح البشرية، كلما تقوم بمنسك تطهر نفسك. [ الخلاق: الحظ والنصيب ]، وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] أي: من نصيب.[ حسنة ] في قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] [ الحسنة: كل ما يسر ولا يضر ]، عبارة لطيفة، كل ما يسر ولا يضر؛ فشيء يسر ويضر ما هو بحسنة، بل سيئة، ويوجد ما يضر ولا يسر بالمرة، وهذه أقبح سيئة، فالحسنة [ كل ما يسر ولا يضر من زوجة صالحة وولد صالح ورزق حلال، وحسنة الآخرة: النجاة من النار ودخول الجنان ].[ وَقِنَا [البقرة:201] ] يقال: وقاه يقيه وقاية، والوقاية: ما تقي به نفسك من الشمس أوالحر والبرد، فقنا بمعنى: [ احفظنا ونجنا من عذاب النار ].[ نصيب: حظ وقسط من أعمالهم الصالحة ودعائهم الصالح.الأيام المعدودات: أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد. تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203] بمعنى: رمى اليوم الأول والثاني وسافر ]، هذا معنى (تعجل)، ويوم العيد لا يحسب.[ وَمَنْ تَأَخَّرَ [البقرة:203]: رمى للأيام الثلاثة كلها. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] أي: لا ذنب في التعجل ولا في التأخر. لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]: للذي اتقى ربه بعدم ترك واجب أوجبه أو فعل حرام حرمه. (تحشرون): تجمعون للحساب والجزاء يوم القيامة ]. فقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203] من يحشرنا؟ الملائكة، فنحن مشتتون في الأرض، من يحشرنا ويقودنا إلى ساحة فصل القضاء والحكم الإلهي؟ الملائكة: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ:38] وهل هناك من يهرب؟ فهذه المفردات يستعين بها الطالب على الفهم اللغوي.

معنى الآيات

الآن تسمعون الشرح في الآيات، وهذا كتاب (أيسر التفاسير) هو أسهل التفاسير، أقول لكم: درسنا التفاسير وتصفحنا وعرفنا ولا يوجد تفسير بهذا المستوى في السهولة واليسر والبيان أبداً، ولا تقولوا: الشيخ يمدح كتابه، نقول هذا من أجل أن يفهم العالم الإسلامي، أما أنا فماذا أستفيد؟ فأجري عند الله.والله! إن المفروض أن يدرس هذا في كل العالم الإسلامي، إذ لابد من فهم مراد الله من كلامه، فإذا كان هذا التفسير يشرح بسهولة ويبين بيقين وسلامة العقيدة قبل كل شيء، لا خرافة لا ضلالة لا تدجيل لا حكايات لا قصص لا أعاجيب، فلم لا يجتمع عليه المسلمون؟ حين يحيون إن شاء الله سيتم هذا.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ بهذه الآيات الأربع انتهى الكلام على أحكام الحج ]، هذا آخر كلام في الحج في هذه الآيات من سورة البقرة، [ ففي الآية الأولى -وهي رقم مائتين- يرشد تعالى المؤمنين إذا فرغوا من مناسكهم بأن رموا جمرة العقبة ونحروا وطافوا طواف الإفاضة واستقروا بمنى للراحة والاستجمام أن يكثروا من ذكر الله تعالى عند رمي الجمرات وعند الخروج من الصلوات ذكراً مبالغاً في الكثرة منه على النحو الذي كانوا في الجاهلية يذكرون فيه مفاخر آبائهم وأحساب أجدادهم. وبين تعالى حالهم، وهي أن منهم من همه الدنيا وهو لا يسأل الله تعالى إلا ما يهمه منها، وهذا كان عليه أكثر الحجاج في الجاهلية، وأن منهم من يسأل الله تعالى خير الدنيا والآخرة وهم المؤمنون الموحدون، فيقول تعالى عنهم: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، وهذا متضمن تعليم المؤمنين وإرشادهم إلى هذا الدعاء الجامع والقصد الصالح النافع، فلله الحمد والمنة. وفي الآية الثانية بعد المائتين يخبر تعالى أن لأهل الدعاء الصالح -وهم المؤمنون الموحدون- لهم نصيب من الأجر على أعمالهم التي كسبوها في الدنيا، وهو تعالى سريع الحساب فيعجل لهم تقديم الثواب وهو الجنة. وفي الآية الثالثة بعد المائتين يأمر تعالى عباده الحجاج المؤمنين بذكره تعالى في أيام التشريق عند رمي الجمار وبعد الصلوات الخمس قائلين: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات إلى عصر اليوم الثالث في أيام التشريق. ثم أخبرهم الله تعالى بأنه لا حرج على من تعجل السفر إلى أهله بعد رمي اليوم الثاني، كما لا حرج على من تأخر فرمى في اليوم الثالث، فقال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، فالأمر على التخيير، وقيد نفي الإثم بتقواه عز وجل، فمن ترك واجباً أو فعل محرماً فإن عليه إثم معصيته ولا يطهره منها إلا التوبة، فنفي الإثم مقيد بالتعجل وعدمه فقط ]، أما مع الإثم فما ينفى إلا بالتوبة، [ فكان قوله تعالى: لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] قيداً جميلاً، ولذا أمرهم بتقواه عز وجل ونبههم إلى مصيرهم الحتمي وهو الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى، فليستعدوا لذلك اليوم بذكره وشكره والحرص على طاعته ].

هداية الآيات

هذه الآيات بعد تفسيرها نستخرج منها درراً غالية، وهذا مما امتاز به هذا التفسير. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: وجوب الذكر بمنى عند رمي الجمرات؛ إذ يكبر مع كل حصاة قائلاً: الله أكبر.ثانياً: فضيلة الذكر والرغبة فيه لأنه من محاب الله تعالى ]، الله يحب الذكر، وكيف لا وقد أمر به فقال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة:203]؟ثالثاً: فضيلة سؤال الله تعالى الخيرين، وعدم الاقتصار على أحدهما، وشره الاقتصار على طلب الدنيا وحدها. رابعاً: فضيلة دعاء (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، فهي جامعة للخيرين معاً؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت يختم بها كل شوط ]، ولا تفهم أن هذا خاص بالطواف، كل يوم ندعو بهذا الدعاء ليلاً ونهاراً. [ خامساً: وجوب المبيت ثلاث ليال بمنى ووجوب رمي الجمرات؛ إذ بها يتأتى ذكر الله في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق.سادساً: الرخصة في التعجل لمن رمى اليوم الثاني. سابعاً: الأمر بتقوى الله وذكر الحشر والحساب والجزاء؛ إذ هذا الذكر يساعد على تقوى الله عز وجل ].أنا أقول دائماً: أتحدى أن يستطيع أحد أن يذكر الله بقلبه ولسانه ويمد يده ليسرق؟ هل يذكر الله بقلبه ولسانه وينظر إلى امرأة مرت بين يديه ويتابعها بالنظر؟ والله! ما كان. هل يستطيع أحد أن يذكر الله بلقبه ولسانه ويذبح أخاه؟ مستحيل، فلهذا لا حصانة أكثر من الذكر، ولن يقع في المعاصي والجرائم إلا تارك لذكر الله وناسيه. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #246  
قديم 17-10-2020, 07:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (129)
الحلقة (136)



تفسير سورة البقرة (94)

ضرب الله عز وجل في كتابه الكريم مثلاً لأهل الإيمان الصادق وأهل النفاق، فضرب عز وجل لنبيه وللمؤمنين معه مثلاً لأهل النفاق بالأخنس بن شريق، وأنه يحسن كلامه حتى يعجب المؤمنين ويشهد الله على ذلك الكلام، لكنه إذا فارق مجالس المؤمنين تولى في الأرض بالمعاصي والموبقات والفساد الذي يؤدي لرفع رحمة الله عن العباد والبلاد، أما أهل الإيمان فقد ضرب لهم مثلاً في صهيب الرومي رضوان الله عليه؛ لأنه باع نفسه وماله في الدنيا لله عز وجل، وطلباً لرضوانه تعالى، وهذان المثلان هما لكل مؤمن صادق الإيمان، ولكل منافق مريض القلب والوجدان.

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع هذه الآيات القرآنية الكريمة من سورة البقرة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:204-207].

ذكر من نزلت فيهما الآيات الكريمات

هذه الآيات الأربع نزلت في شخصيتين إحداهما ملعونة وثانيتهما مرحومة، الأولى شخصية الأخنس بن شريق من شياطين المشركين، والثانية في صهيب الرومي رضي الله عنه وأرضاه، فهيا نتأمل الكلمات الإلهية كلمة كلمة. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] من القائل؟ الله، يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أتباعه صلى الله عليه وسلم يتناولنا الخطاب يتناولنا إذا آمنا حق الإيمان وأسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله. ومن الناس شخصية عفنة خبيثة منتنة، لأنه ما بعد الكفر وسخ ولا دنس، فكيف إذا أضيف إليه المكر والتمرد والكذب والنفاق؟ والصيغة صيغة تعجب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] إذا تكلم في الدنيا: في الطبخ في التجارة في الحرب تعجب بكلامه لبراعته وطلاقة لسانه، كلامه عجب.

معنى قوله تعالى: (ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)

وإذا تكلم يشهد الله يقول: الله يشهد أني ما قلت إلا حقاً، يشهد الله أنه كذا وكذا وهو كاذب، وإنما يريد التمويه والتغطية والتضليل. وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] بارع في الخصومة شديد قوي؛ لأن إبليس يمده بالطاقة. وقوله تعالى: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] استنبطنا منه أن المؤمن إذا قال: أشهد الله على كذا، الله يشهد أني كذا، الله يعلم؛ فاحذر يا عبد الله أن تكون كاذباً فتقع في هذه الهاوية، فلا تقل: أشهد الله على ما قلت، الله يشهد على ما قلت، الله يعلم أني كذا، ينبغي أن تكون صادقاً وإلا فهي الحالقة، لأن هذا المسلك سلكه الأخنس ، واسمع ما توعده الله. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] أي: إذا تكلم في أمور الحياة -اللباس الطعام الحكم الدولة- تعجب، بيان وفصاحة، ويؤكد أقواله وآراءه بكلمة: يشهد الله على كذا، أشهد الله، الله يعلم، حتى يموه ويغرق الناس في الأوهام والباطل، والله فضحه شر فضيحة.

تفسير قوله تعالى: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ...)

وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] أو حكم وساد واستولى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205] الحرث كل ما يحرث ويزرع من الحبوب والثمار إلى غير ذلك، والنسل كل الحيوانات كالإبل البقر، المهم أنه يدمر الحياة. وأيضاً: وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] رجع من مجلسه وانصرف عنه وغاب عن حضرتك أهلك الحرث والنسل، فكيف إذا تولى بمعنى حكم وتسلط؟ يدمر الحياة كلها، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] ويكرهه، وإذا كره الفساد كره المفسد من باب أولى، إذ هو الذي جر الفساد وأتى به، والفساد في الأرض يكون بالشرك والمعاصي، تتعفن وتصبح بلاء وشراً ولا خير فيها إذا ساد الشرك وعبد غير الله وعصي الله عز وجل بمخالفة أوامره ونواهيه. قرية يدخلها شخص يروج فيها الباطل والمنكر والبدعة والضلالة فإنه يفسدها، قرية يأتي تاجر يبيع فيها أشرطة الدعارة والخلاعة فقد أفسدها، وهكذا لا يتم فساد في الأرض إلا بالشرك والمعاصي، ومن قال: لا؛ فليتفضل ليرينا أرضاً طالحة لم يشرك أهلها ولم يعصوا الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ...)

وقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ [البقرة:206] يقول له من يعرفه، من ينصح له، من يوجهه من قريب أو زميل أو مسئول: اتق الله يا فلان، لا تقل هذا الكلام، لا تفعل هذا الفعل، فكيف يكون موقفه؟ قال: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ [البقرة:206] وتعنتر وتعالى وغضب ورد عليه، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ [البقرة:206] مصحوبة بِالإِثْمِ [البقرة:206] لأنه مريض الباطن ما يطيق ولا يتحمل، أما المؤمن فإذا زلت قدمه، إذا قال كلمة سوء، إذا تحرك حركة يكرهها الله، إذا قال قولاً لا يحبه الله وقيل له: اتق الله، أما تخاف الله؟ فعلى الفور يستغفر الله ويتطامن ويعتذر. أما هذا المريض بالشرك والكفر والفساد في الأرض فإذا قلت: اتق الله تأخذه العزة بطيارة الإثم وتعلو به في مجالات الفساد والدمار، لا يطيق كلمة (اتق الله).فخذ أنت هذا الميزان، إذا لاحظ أخوك خطأً منك وقال: اتق الله يا فلان، كيف تقول هذه الكلمة؟ فانظر إلى حالك: إن اشتد غضبك واحمرت عيناك وصحت فإنك من هذا النوع، وإن أنت قلت: أستغفر الله وأتوب إليه، أستغفر الله وأتوب إليه، علمت أنك من أهل الكمال، هذا ميزان. وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ [البقرة:206] هذا الجزاء يكفيه، أما يكفيه جهنم؟ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] هي، تمهد له.

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد)

وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:207] من هذا؟ هذا صهيب الرومي ، قصة صهيب ستأتي، هذا أسلم في مكة، وكان -كما تعرفون- في جوار أحد أهل مكة؛ لأنه رومي من بلاد الروم، وأسلم، وتاقت نفسه إلى الهجرة وأراد أن يهاجر، فخرج فاعترضته قوات قريش في الطريق: إلى أين؟ قال: إلى محمد؟ قالوا: لن تخرج حتى تدلنا أين وضعت مالك، أما أن تخرج بنفسك ومالك فلا! فأطلعهم على كل دراهمه ودنانيره، وخرج لا يملك شيئاً، وما إن رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل بوجهه حتى قال: ( ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى )، باع كل الدنيا من أجل الله، وفيه نزل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي [البقرة:207] أي: يبيع نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207] أي: طلباً لرضا الله عز وجل، وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207]، ما تركه الله، أعزه وأكرمه وأصبح من خيرة الناس في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ). وجرب، فمنذ حوالي ثلاثين سنة لما بدأت فتنة الربا كان البنك الأهلي، وكانوا يعملون سراً، فقد كان الربا ممنوعاً، لكن كانوا يرابون بالحيلة، وانكشفت القضية لنا وكتبنا (رسالة إلى اللاعبين بالنار)، من هم اللاعبون بالنار؟ المرابون، وتململ الناس وانكشفت العورة، كانوا يعملون سراً. وكان أحد الطلبة في الحلقة موظفاً عندهم بأربعمائة ريال، فقال: إذاً: من الآن لن أعود، وانقطع وجاءنا بعد أيام وبشرنا بأنه أعطاه الله أفضل مما ترك، وقلنا: الحمد لله، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) .

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

الآن أسمعكم الآيات مرة أخرى فتأملوا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] يعني: إذا قال في شئون الحياة الدنيا، قال: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] أنه صادق وأنه يحبكم وأنه وأنه، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] فتميزت هذه الشخصية بين الناس الآن. وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] عن مجلسك وانصرف، أو تولى فحكم وأدار شيئاً سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205]، الآن يهلكون النسل، ليس نسل البهائم، يريدون أن يهلكوا نسل البشر، بتحديد الأولاد وتنظيم الولادة وكذا، هذا إهلاك للنسل البشري هو مثل إهلاك النسل الحيواني: الإبل والبقر والغنم، والقرآن عجب، فهذا النوع والله! ليوجد الآن، وهذه الشخصيات بالآلاف، يعجبك قوله في مسائل الدنيا، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] أني صادق ومحب لكم وأريد خيركم وكمالكم وسعادتكم، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:204-205] استقل وأدار فإنه يسعى في الأرض بالفساد لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:205-206] لم يقل: أستغفر الله، ولا: أتوب إليه، ولا يندم أبداً، بل يبقى مصمماً، إذاً: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:206-207] يبيعها، باع نفسه لله، يذبح يصلب يقتل يخرج من ماله من بيته من أهله لوجه الله: ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207]، همه وطلبه أن يرضى الله عنه، هذه أسمى غاية وأعلى هدف. وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] معناه: أن الله لا يضيعه، هل ضيع صهيباً الرومي؟ خرج من مكة ليس معه إلا ثيابه عليه، وترك أمواله كلها في الخزانة أو صندوق ودلهم عليه فأخذوه، فما ضيعه الله عز وجل.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #247  
قديم 17-10-2020, 07:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

الآن تسمعون شرح الكلمات لتزدادوا معرفة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: يُعْجِبُكَ [البقرة:204]: يروق لك وتستحسنه ]، أعجبني كلامه: راق لي ومشى في جسمي واستحليته واستعذبته. [ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]: إذا تحدث في أمور الدنيا ]، أما أمور الآخرة فليس لها بأهل ولا يعرف عنها شيئاً؛ لأنه لا يؤمن بما فيها، أما الدنيا فإذا تكلم عن التجارة والصناعة يبدع. [ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] قوي الخصومة شديدها لذلاقة لسانه ] وانطلاقه، خريج كلية السحر أو كلية الأدب، كلية إبليس، كلية القانون. [ تَوَلَّى [البقرة:205]: رجع وانصرف، أو كانت له ولاية ]، والقرآن حمال الوجوه، هذه كلمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: (القرآن حمال الوجوه)، الآية تحمل وجهين وثلاثة وكلها حق ومراد الله عز وجل؛ لأنه موجز، ولو كانت تفسر الكلمة بما تحمله لأصبح القرآن لا يحفظ أبداً ولا تحمله إلا الإبل أو السفن؛ فلهذا فيه إجمال عجب، وأهل البصيرة والمعرفة والنور يستخرجون من الآية أنواراً،كـعلي بن أبي طالب ، فلهذا قال: (القرآن حمال الوجوه). فانظر إلى قوله تعالى: تَوَلَّى [البقرة:205]، فهو صالح لمعنى: رجع من عندكم، أو تولى ولاية وأصبح يدير بلداً أو قرية أو جماعة. [ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205]: الحرث: الزرع مطلقاً ]، النخل يزرع وكل الفواكه والخضار زرع، [ والنسل: الحيوان. أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206]: أخذته الحمية والأنفة بذنوبه، فهو لا يتقي الله. يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:207]: يبيع نفسه لله تعالى بالجهاد في سبيله بنفسه وماله ]؛ إذ هاجر من مكة إلى المدينة ليجاهد مع رسول الله والمؤمنين.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات ]، فهيا مع معنى الآيات نتدبرها مرة ثانية. قال: [ يخبر تعالى رسوله والمؤمنين ]، فيقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ [البقرة:204] يا رسولنا، ويعجبكم أيها المؤمنون من أتباعه صلى الله عليه وسلم إن كنتم على منهجه، [ يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن حال المنافقين والمؤمنين الصادقين ] في شخصية الأخنس وشخصية صهيب، وهو صالح لكل المنافقين ولكل المؤمنين، [ فقال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن الناس منافق يحسن القول إذا قال يعجبك قوله لما عليه من طلاوة ورونق، وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا، بخلاف أمور الآخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول فيها؛ لأنه كافر ]، ينافق بالإسلام يظهره ويبطن الكفر. [ وعندما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول ]، يقول: أشهد الله أني أحبك يا رسول الله وأني مؤمن من المؤمنين، وهذا النوع موجود أمثاله بالملايين. قال: [ وعندما يحدث يشهد الله أنه يعتقد ما يقول، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم: يعلم الله أني مؤمن وأني أحبك، ويشهد الله أني كذا وكذا، وإذا قام من مجلسك يا رسولنا وانصرف عنك سعى في الأرض، أي: مشى فيها بالفساد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم، فيمنع المطر وتيبس المحاصيل الزراعية وتمحل الأرض وتموت البهائم وينقطع النسل، وعمله هذا مبغوض لله تعالى، فلا يحبه ولا يحب فاعله ]. ما معنى هذا الكلام؟ هذه المعاصي والذنوب إذا عمت وانتشرت ورضيها أهلها يعاقبهم الله عز وجل بالقحط والجدب وقلة المطر، فلا محاصيل زراعية، والبهائم تموت نقمة من الله عز وجل، فإذا أخذ الناس يعصون الله ويفجرون ويخرجون عن طاعته وطاعة رسوله يوماً بعد يوم فإنهم يستوجبون نقمة الله، وبذلك يكونون هم الذين أهلكوا الحرث والنسل، هم الذين أفسدوا الوضع بذنوبهم وآثامهم. وإن قلت: الكفار قد لا يمنعهم الله المطر؟ فالجواب: كم مرة منعهم، ففي سنة من السنين أجدبت فرنسا جدباً لا نظير له، والله! اضطروا إلى أن يقولوا للمسلمين: استسقوا لنا ليسقينا الله، واجتمع المسلمون وصلوا في مساجدهم وسقاهم الله. فإقبال الناس على المعاصي متحدين غير مبالين بما أحل الله ولا بما حرم، ويواصلون ذلك يجعلهم يتعرضون لنقمة إلهية، ويصبحون هم الذين أفسدوا في الأرض ودمروها، ولهذا قلنا: الشرك والمعاصي بهما يتم الفساد في البلاد والعباد. قال: [ كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أُمر بمعروف أو نهي عن منكر فقيل له: اتق الله لا تفعل كذا، اتق الله اترك كذا؛ تأخذه الأنفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس بها، فلا يتقي الله ولا يتوب إليه، فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشاً له يجلس عليها لا يبرح منها أبداً، ولبئس المهاد جهنم ]، والمهاد: الفراش والمهد للطفل، فجهنم مهاد له يجلس عليها. [ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق ] هذا صهيب ، وهذه أمثلة فقط، فالأخنس انتهى وصهيب في الملكوت الأعلى، ولكن القرآن الكريم كتاب هداية، فلنحذر أن نسلك سبيل الأخنس أو نتخلى عن سبيل صهيب ، لنتبع سلوك صهيب ونبغض سلوك الأخنس بن شريق ، ولهذا فالقرآن يبقى ما بقيت الحياة ثم يرفعه الله لأن المهمة انتهت؛ إذ لا هداية بدون هذا الكتاب. قال: [ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق فيقول: من الناس رجل مؤمن صادق الإيمان باع نفسه وماله لله تعالى طلباً لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلام ]، وهل بلغكم أن رائداً ارتادها؟ لقد ارتادها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجول في ساحاتها ووطئت أرضها قدماه الشريفتان، وشاهد أنوارها وقصورها وحورها حتى امرأة عمر أيضاً، لما قص الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر أنه رأى حوراء فقال: لمن هذه؟ قالوا: هذه لـعمر ، قال: فغضضت بصري وانصرفت، خفت من غيرتك يا عمر ، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟إذاً: عمر كان غيوراً، لا يسمح لرجل أن ينظر إلى امرأته، والذين هبطوا يقدمونها: تفضل هذه المدام صافحها، وهبطوا حتى أصبح زوجها يجلس وهي ترقص في الحفل، فأين غيرة عمر ؟ ذهبت.فرسول الله صلى الله عليه وسلم أول رائد للسماوات، أما هؤلاء الرواد فكالذباب حول السماء هذه، فأنى لهم أن يخترقوا سماء واحدة والمسافة سمكها مسافة خمسمائة عام وأنت طائر. حتى كذبة صعود القمر انتهت وانفضحت، والله! ما وضعوا أقدامهم على القمر ولا وصلوا إليه، فالذي كانوا يزعمون صعوده كذبهم قبل أن يموت. قال: [ كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق في إيمانه فيقول: من الناس رجل مؤمن صادق الإيمان باع نفسه وماله لله تعالى طلباً لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلام ]، هل بلغكم أن الله تعالى يدعو إلى الجنة؟ في سورة يونس يقول تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] أن: هلموا عباد الله إلى الجنة، ما وكل بذلك ملكاً، هو بنفسه يدعو إلى دار السلام، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25] إلى صراط يصل به إلى الجنة، هو يدعو إلى الجنة فكيف نصل؟ لا بد من طريق، ما هذا الطريق؟ والله! إنه الإسلام، الطريق الموصل إلى الجنة والله! إنه للإسلام، ولا طريق آخر. وما دامت القضية عنده أنه يهدي من يشاء فكيف نصنع؟ لقد شرحنا هذا وبيناه، فالذي يشاء الله هدايته هو ذاك الذي يطلب الهداية ويبحث عنها ويرحل من أجلها ويترك طعامه للحصول عليها، هذا الراغب هذا الطالب هو الذي يشاء الله هدايته، أما المتكبر المستنكف الضاحك المستهزئ الساخر بالإيمان والمؤمنين فهذا الذي لا يشاء الله هدايته. لأنك قد تقول: إذاً: ما دامت المشيئة له فما هناك حيلة، لنترك الموضوع له! فلا تفهم هذا الفهم، فقد علمنا أنه من قرع بابه أدخله ومن استنكف وأعرض طرده، من طلب الهداية اهتدى ومن أعرض عنها فلن يهتدي، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، أي: الصراط الذي يصل إلى الجنة، فهو تعالى يدعو إلى الجنة، وطريقها هو الإسلام، فمن شرح صدره له وانفتح قلبه ولبى وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ مشى في الطريق، ومن أعرض أو لوى رأسه واستكبر لا يهديه الله. قال: [ فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] رحيم بهم، قيل: إن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاث هو الأخنس بن شريق ، وإن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة هو صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى ]، هذا قول، قد لا يكون الأخنس بن شريق بالضبط ولا صهيباً بالضبط؛ لأن الله ما أخبر عنهما، قال: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:207] رجل في الأول والثاني، فلهذا قلت: (قيل) بصيغة التضعيف، ما فيها الجزم. قال: [ قيل: إن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه الآيات الثلاث هو الأخنس بن شريق ، وإن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الآية الرابعة هو صهيب بن سنان الرومي أبو يحيى ؛ إذ المشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول وأصحابه قالوا: لن تذهب بنفسك ومالك لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلن نسمح لك بالهجرة إلا إذا أعطيتنا مالك كله، فأعطاهم كل ما يملك وهاجر، فلما وصل المدينة ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )] من أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف اطلع؟ سبق الوحي، فقال: ( ربح البيع )، وهل صهيب باع؟ أما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي [البقرة:207] بمعنى: يبيع، شرى بمعنى: باع واشترى كذلك، يصح هذا وذاك، إلا أن شراه في البيع واشتراه في الشراء في الغالب، قال له: ( ربح البيع أبا يحيى ) وهنا يؤخذ منه أن الكنية الطيبة محمودة، فإذا رأيت رجلاً يحب الكمال فكنه بأبي جميل. وقد كانت كنية علي بن أبي طالب (أبو تراب)، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو الحسن ، وإنما كناه بذلك لقصة لطيفة ظريفة؛ حيث طلب النبي صلى الله عليه وسلم صهره علياً زوج فاطمة لأمر ما، فقال: أي فاطمة ! أين علي ، أين بعلك؟ قالت: خرج، قد يكون في المسجد، ما هناك إلا المسجد، فـعلي لهمه اضطجع ونام في المسجد لا فراش وطاء، فعلاه التراب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( قم أبا تراب ) ، فكان علي يقول: لا أحب إلي من هذه الكنية أبداً؛ إذ كناني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا جنرال الرسول صلى الله عليه وسلم ومفتي المدينة والعرب بكلها ينام على الأرض في المسجد! فيا ويلنا: ننام على الأسرة ونجلس على الفرش ونصلي على هذا ولا حمد ولا شكر!فلابد من كلمة (الحمد لله) حارة تخرج من القلب على هذا الإنعام العجب كأننا في الجنة، انظر إلى هذه الكواكب فوق رءوسنا، وهذه الفرش التي تحتنا، هذه المراكب أمامنا نطير بها في السماء، كيف نحمد الله وكيف نشكره إن لم نظل طول يومنا على قول: الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله؟وأكثر من (95%) لا يذكرون النعمة ولا يعرفها أحدهم ولا يقول: الحمد لله، أكل شرب لبس ركب هبط نكح ولا يقول: الحمد لله، أموات وهم لا يشعرون، ما علة هذا؟ الجهل. وقد فاتتني كلمة في درس الصباح؛ حيث كان موضوع الدرس الجهاد: أسباب الجهاد وأركان الجهاد، فقلنا: على المسلمين أن يعدوا العتاد الحربي للجهاد، سواء كانوا دولة واحدة أو متفرقين، هذه فريضة الله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، لكن لا بد أن يكون إعداد العدة والرجال والتدريب من أجل الله ليعبد الله وحده، لا من أجل المال والتراب والطين أبداً، فقط من أجل أن يعبد الله، فأولياؤه يحفظون حتى يعبدوا الله أحراراً، ويدخل الآخرون في رحمة الله تعالى. ثم قلت: لم ما يجتمع المسلمون في هذه الروضة؟ لو جاء الحكام واجتمعوا في روضة الرسول وبايعوا إمامهم وقالوا: أنت إمام المسلمين، وأخذوا الدستور في أيديهم وأخذوا يطبقونه، ونحن مستعدون أن نضع لهم الدستور في أربعين يوماً، ما يحتاجون إلى فلسفة ولا فكر هراء، وتصبح أمة الإسلام أمة واحدة. فقيل: هذا بعيد كالمستحيل، وقد طالبنا به وكتبنا رسالة وبعثناها للملوك والرؤساء منذ ثلاثين سنة فكأنما وزعت على المقابر، وبقي شيء: وهو أن هذا الاجتماع لن يتم -والله- ولن يكون إلا إذا أسلم شعوبهم ومحكوموهم قلوبهم لله تعالى.لن يأتي الحكام ويبايعون إماماً في روضة الرسول عاصمة الإسلام الأولى إلا إذا أسلم شعوبهم قلوبهم ووجوههم لله تعالى، فحينئذ يجدون أنفسهم متهيئين، أما والأمم والشعوب هابطة تعبد الهوى والشهوة لاصقة بالأرض تعبد الضلالة والخرافة، ومن يتكلم في الإسلام يبغض ويكره، فأنى لهم ؟ من سيدفعهم لهذا الاجتماع؟ مستحيل. وهل في الإمكان أن يطهر المسلمون ويصفوا في مدة سنة؟ عدنا إلى بيت القصيد، والله لو آمنوا حق الإيمان واجتمعوا في بيوت ربهم بنسائهم وأطفالهم كل ليلة فقط من المغرب إلى العشاء يدرسون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في أربعة أشهر لمحيت الفوارق، لا وطنية ولا حمية ولا حزبية ولا مذهبية، ولأصبحوا كلمة واحدة بيتاً واحداً، وطهرت بلادهم وصفت وزالت تلك المخاوف، لا فقر لا خبث لا خوف لا هم لا كرب لا حزن؛ لأن الله نفى عن أوليائه ذلك: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، ولتغيرت الحياة، ولله ما هي إلا أيام بعد أن يبايعوا إمام المسلمين وتصبح البلاد الإسلامية كلها ولايات تابعة، ويصبح القانون واحداً، والأمة قلبها واحد لا مذهبية ولا عنصرية ولا طائفية، بل مسلم عنده قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. والفرص مواتية إلى أبعد حد، أصبح العالم كالبلد الواحد، قبل ثلاثمائة سنة يستحيل هذا، أما الآن ففي يوم واحد نطير في السماء، وكتاب واحد يطبع بملايين النسخ على قدر المسلمين ويوضع في كل مسجد. لقد هممت أن أقولها والآن جاءت الفرصة، يستحيل أن يجتمع حكام المسلمين على الحق والهدى والنور وشعوبهم هابطة لاصقة بالأرض، فإذا قامت الشعوب وقالت: الله ربنا، واستقامت وأخذت بمنهج الله عز وجل ورسوله ففي أربعين يوماً فقط يصبح المسلمون أمرهم واحد وعلى كلمة واحدة. قال: [ والآيات وإن نزلت في شأن الأخنس وصهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فـالأخنس مثل سوء لكل من يتصف بصفاته، وصهيب مثل خير وكمال لكل من يتصف بصفاته ]، اللهم اجعلنا من جماعة صهيب .

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات، هذه الآيات الأربع لها هداية تقودك إلى الجنة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات:[ أولاً: التحذير من الاغترار بفصاحة وبيان الرجل إذا لم يكن من أهل الإيمان والإخلاص ]، أما إذا كان مؤمناً صادقاً مخلصاً وأوتي فصاحة وبلاغة فهذا خير كثير، لكن الفاسق والكافر والمنافق لا تغتر بفصاحته وبيانه.[ ثانياً: شر الناس من يفسد في الأرض بارتكاب الجرائم مما يسبب فساداً وهلاكاً للناس والمواشي ] أيضاً. [ ثالثاً: قول الرجل: يعلم الله، يشهد الله يعتبر يميناً، فليحذر المؤمن أن يقول ذلك وهو يعلم من نفسه أنه كاذب ]، قلت لكم: هذه احذرها، لا تقل: يعلم الله كذا أو يشهد الله إلا إذا كنت صادقاً؛ لأنها يمين. [ رابعاً: إذا قيل للمؤمن: اتق الله، يجب عليه ألا يغضب أو يكره من أمره بالتقوى، بل عليه أن يعترف بذنبه ويستغفر الله تعالى ويقلع عن المعصية فوراً ]؛ لأنه حي قادر على هذا. [ خامساً: الترغيب في الجهاد بالنفس والمال، وجواز أن يخرج المسلم من كل ماله في سبيل الله تعالى، ولا يعد ذلك إسرافاً ولا تبذيراً؛ إذ الإسراف والتبذير في الإنفاق في المعاصي والذنوب ]، فـصهيب خرج من كل ماله يريد الله والدار الآخرة، هل قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أسرفت وبذرت، ما كان من حقك أن تفعل هكذا، اصبر يا صهيب ولا تعط مالك للكفار؟ ماذا قال؟ قال: ( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )، اللهم اجعلنا من جماعة صهيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #248  
قديم 17-10-2020, 07:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (130)
الحلقة (137)



تفسير سورة البقرة (95)


ينادي الله عز وجل عباده المؤمنين آمراً إياهم بالدخول في الإسلام دخولاً كلياً شاملاً، بحيث لا يتخيرون من أحكامه وشرائعه ولا يتشهون فيها، فما وافق أهواءهم ومصالحهم قبلوه وعملوا به، وما لم يوافق ردوه أو تركوه وأهملوه، ثم نهاهم سبحانه عن اتباع الشيطان في تحسين القبيح وتزيين المنكر، إذ هو الذي زين لبعض مؤمني أهل الكتاب تعظيم السبت وتحريم أكل لحم الإبل بحجة أن هذا ما كان عليه صلحاء بني إسرائيل، حيث أنساهم أن دين الإسلام جاء مهيمناً على كل ما قبله من أديان.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله القرآن العظيم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. وها نحن مع قول ربنا جل ذكره وعظم سلطانه من سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:208-210].هذه الآيات عظيمة الشأن أيها المستمعون والمستمعات، فهيا نكرر قراءتها ونتدبرها. يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:208] لبيك اللهم لبيك، نادانا بعنوان الإيمان لأننا أحياء؛ إذ المؤمنون أحياء والكافرون أموات، فالله لا ينادي الأموات ولكن ينادي الأحياء، الحمد لله أن كنا أهلاً لأن ينادينا الله الذي خلق كل شيء وملك كل شيء وبيده كل شيء، ذاك الذي يحيي ويميت ويعز ويذل ويرفع ويضع ويعطي ويمنع، ذاك الذي أمره أن يقول للشيء إذا أراده: (كن) فيكون. الله الذي خلقنا ووهبنا عقولنا وأوجد الحياة كلها من أجلنا، وأوجد دار السلام لنا وأوجد دار البوار لأعدائنا، هذا الله ينادينا، فكيف حال قلوبنا؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] لا يتخلف منكم أحد، لهذا نادانا، نادانا لأن يأمرنا بأن ندخل في الإسلام نساءً ورجالاً أحرارً وعبيداً، لم؟ إذ لا كمال ولا سعادة إلا بالإسلام. ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا شعب ولا قبيلة، هذا سبيل نجاتكم وسعادتكم، فالحمد لله، فأعظم برحمة ربنا وحلمه! ينادينا ليأمرنا بما يسعدنا وينجينا من الشقاء والخسران الأبدي: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208].

ذكر المعنيين في الآية الكريمة وبيان مناسبة نزولها

ومن معاني هذه الكلمة -والقرآن حمال الوجوه كما علمنا عن علي بن أبي طالب -، من معانيها: ادخلوا في الإسلام كلكم لا يتخلف رجل ولا امرأة من الذين آمنوا. والمعنى اللطيف الآخر: طبقوا كل ما يأمر الله به وينهى عنه بفعل المأمور وترك المنهي، ولا ترغبوا عن شيء وتعرضوا عن آخر سواء كان أمراً أو نهياً. ويوضح هذا المعنى أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه، ذلكم الحبر اليهودي الإسرائيلي الذي كان أول من أسلم من أهل الكتاب، ما إن دخل الرسول المدينة حتى جاء يمتحنه فطرح عليه ثلاثة أسئلة، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أن جبريل قد أتاه بها الآن قبل مجيئك إلي، فما إن أجابه على الثلاثة حتى قال: أشهد أنك رسول الله، وكان بحراً في العلم. ومضت أيام وزين له الشيطان أن يعظم السبت كما كان يعظمه في شريعة بني إسرائيل، وقال: وما الفرق؟ تعظيم السبت طاعة لله عز وجل؛ إذ فرض هذا على عباده، فلنضف إلى تعظيم الجمعة تعظيم السبت! وسمع ذلك منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] لا يبقى شيء من الإسلام خارجاً عنكم أو أنتم خارجون عنه، لا تدخل في الإسلام ببعضه، تدخل في الإسلام وتبقى متعلقاً بتعظيم السبت الذي كان شريعة مضت ونسخها الله عز وجل. كما أن بعضهم أيضاً ممن أسلموا استمروا على عدم أكل لحم الإبل؛ لأنها محرمة على بني إسرائيل في الكتاب، فقالوا: نبقى على تحريمها أيضاً، فلا نأكلها، فكانت هذه الآية رادعة لهم عن هذه الخواطر والهواجس التي يمليها الشيطان، فلا يصح إسلامك يا عبد الله حتى تسلم قلبك ووجهك لله، حتى لا يبقى لك اختيار مع الله. والله عز وجل قد نسخ تلك الشريعة بكاملها فلم تتشبث ببعض ما فيها وإن كنت برغبة صادقة تريد أن تزيد حسناتك وأن يعظم أجرك؟ فكفوا عن ذلك وانتهوا.

معنى قوله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208] إذ هو الذي مشى أمامهم ووسوس لهم ومشوا وراءه حتى كاد يرديهم ويهلكهم، حتى كاد يوقعهم في الكفر والعياذ بالله، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208] وعلل ذلك بقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208] . أيعقل أن رجلاً يعرف أن آخر عدو له وفي يده سكين ليذبحه ويمشي وراءه؟ أمعقول هذا؟ مستحيل، عدوك الذي يريد أن يقتلك والخنجر أو السكين في يده أو البندقية ويقول: تعال إلى ما وراء الجبل، فهل هناك عاقل يمشي وراءه؟ فالشيطان عدو الآدميين عداوة أصيلة باقية لا تزول ما بقيت الحياة، لا يريد لهم سعادة ولا كمالاً أبداً، لا يريد لهم إلا الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة معاً، فكيف -إذاً- نستجيب لندائه ونمشي وراءه خطوة بخطوة؟! من مشى وراءه فوالله! لن ينتهي به إلا إلى فضيحة وإلى جريمة من جرائم الذنوب، فلهذا جاء نداء آخر لعامة المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21]، فكل فاحشة ارتكبت الشيطان هو الذي دعا إليها، وكل منكر فضيع أو غير فضيع ما فعله الآدمي إلا بدعوة الشيطان له وتحسينه له وتزيينه؛ لأنه عدو هذه مهمته، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208] بين العداوة ظاهرها، ما ارتكبت جريمة على الأرض إلا وهو الداعي إليها والباعث عليها. ما يريد الآدمي أن يكمل ويسعد بحجة أنه شقي بسببه، وذلك يعود إلى أنه لما أمر بالسجود لآدم رفض وتعالى وتكبر فأبلسه الله وطرده، فقال: هذا الذي أبلست بسببه وطردت إلى النار وأبعدت من الجنة؛ إذاً: لأعملن طول حياتي على إفساده وإضلاله. وقد قالها واضحة: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، فانظر إلى عبد الله بن سلام المبشر بالجنة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه ووسوس وقال له: ما هناك شيء، فالسبت عظمه الله في التوراة فلنعظمه أيضاً، وهذا اللحم حرمه الله علينا في التوراة، إذاً: لا نأكله، وليس فيه ضرر، لكن فيه حنين وشوق إلى ما نسخه الله من الشريعة السابقة، وما أراد الله هذا. فكانت هذه الآيات تتناول هذه الحادثة بالذات، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لو أن مؤمناً في بريطانيا أو إيطاليا أو في اليابان أو الصين وقال: أنا سأدخل في الإسلام إلا أنني لا أستطيع ولا أقدر على ترك الخمر، هل يقبل إسلامه؟ ما يقبل، لو قال: أنا أسلم وسأفعل كل شيء إلا أنني ما أصلي صلاة الفجر، فهل يقبل إسلامه؟ وهكذا لو رفض مسألة واحدة من واجبات الإسلام ما صح إسلامه حتى يذعن ظاهراً وباطناً ويقبل ذلك، ونقرأ عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]. وقوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208] هذا لفظ أيضاً عام. يا معشر المستمعين والمستمعات! إن الشيطان يحسن لنا القبائح ويزين الفضائح، فلا نستجب له، لنطرده بكلمة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لم؟ لأنه عدو لنا بين العداوة ظاهرها أصيل فيها، فكيف نتبعه؟

تفسير قوله تعالى: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم)

ثم قال تعالى: فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209]، يقال: زلت قدمه، أي: زلق، يمشي في الماء والطين فزلق وسقط وتكسر، يصاب بانكسار في عظمه. فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] أنتم ماشون في الطريق إلى الله على الصراط المستقيم، فمن زل أو سقط فاستحل ما حرم الله أو ترك وهجر ما أوجب الله فهذا الذي زل وسقط. فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209] بترك فرائض أو بارتكاب محرمات، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] التي يحملها القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فما من حرام إلا وقد جاء في القرآن وبينه الرسول عليه الصلاة والسلام، وما من واجب ولا فريضة إلا جاء في القرآن وبينه الرسول عليه الصلاة والسلام. فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا [البقرة:209] ماذا نعلم؟ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209] عزيز لا يمانع في شيء أراده أبداً، عزيز غالب قاهر لكل شيء، حتى لا تظنوا أنكم بقبائلكم ورجالكم أو ما أنتم عليه يمكنكم أن تنجوا من نقمة الله، انزعوا هذا من أذهانكم، فإن الله عزيز غالب قاهر. وشيء آخر: أنه حكيم لا ينتقم إلا ممن يستحق النقمة، لا يعذب إلا من استحق العذاب، فلا يخلط ولا يخبط حتى تظن أنه يلتبس عليه الأمر ولا يراك وأنت تستر نفسك بمعصيتك، فهو القوي القادر الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه؛ إذ كل الحياة بين يديه، فهل هذا يُعصى؟ هل يحاول العاقل أن يهرب منه ويمشي وراء عدوه؟ لو كان عاجزاً فقد تقول: لا يستطيع أن ينزل البلاء بأمة كاملة، لو كان غير حكيم فستقول: ممكن أنه بدل أن يضربنا نحن العصاة يضرب آخرين، فلا والله ما كان ولن يكون.

تفسير قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ...)

ثم قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ [البقرة:210]، فالكسالى المعرضون البطالون الشهوانيون المتعصبون المتزمتون، هؤلاء الذين استجابوا للشيطان عدوهم وأعرضوا عن ربهم فدخلوا في بعض الإسلام وخرجوا من البعض الآخر، فأحلوا بعضاً وحرموا الآخر، وقاموا ببعض وتركوا البعض، هؤلاء ماذا ينتظرون بعد هذا التهديد والوعيد: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] وعرفتم الحلال والحرام والواجب والمطلوب فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209].إذاً: ما لهم تقاعدوا فما تحركوا، ماذا ينتظرون؟ هذا الوعيد الشديد: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210] هل ينظر هؤلاء المعرضون عن الله المتكبرون عن طاعته الخارجون عن نظامه، هؤلاء السائحون بالباطل ماذا ينتظرون بعد هذا التهديد والوعيد؟ لم ما أسلموا ودخلوا في الإسلام بكامله، ماذا ينتظرون؟ هل ينتظرون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة أيضاً؟ وإذا جاء الله لفصل القضاء هل بقي أمل للآملين؟ واقرءوا من سورة الفجر: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:21-23]، ماذا ينفع؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر:67-68] مرة أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ [الزمر:68-71]، ثم قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73]، وانتهت الحياة كلها واستقر أهل النعيم في نعيمهم وأهل الشقاء في شقائهم، إذ لا عالم ثالثاً، عالم علوي هو الجنة دار السلام وعالم سفلي هو النار دار الشقاء والبوار.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #249  
قديم 17-10-2020, 07:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

استبطاء المسلمين في تحكيم الشريعة والعمل بكامل الإسلام

سبحان الله! هذه الآية استبطأت العرب المسلمين، ماذا ينتظرون إلى الآن إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210]؟ حكموا وسادوا فلم ما يعبدون ربهم؟ لم لا يدخلون في الإسلام بكامله؟ يحلون البعض ويحرمون البعض، يقومون ببعض ويتركون البعض، من خيرهم في هذا؟ من أعطاهم الخيرة؟ لا إله إلا الله! يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في الإسلام بكامله، حرموا ما حرم الله وأحلوا ما أحل الله وانهضوا بكل ما أوجب الله وتخلوا واتركوا كل ما نهى الله بكلكم، ليس هناك اختيار لا للفرد ولا للجماعة ولا للأمة، وإلا فالنقمة منتظرة. وقد يقال: كيف تقول للمسلمين هذا، وتقول: النقمة منتظرة؟ والله! إنها لمنتظرة، وهل سبق في تاريخ المسلمين أن أصابهم شيء؟ لما عبدوا سيدي عبد القادر وحجوا القبور وزاروا الأضرحة واستحلوا الحرام، وأصبح الذي لا يزني ليس له قيمة، يقول لصاحبه: أنت ما عندك صديقة؟ فيقول: لا، فيقول له: أنت ميت! وأصبح القرآن يقرءونه على الموتى ولا يجتمع اثنان على تلاوة آية يتدبرانها، وهبطت الأمة، فسلط الله تعالى عليهم الكفرة المشركين، فساموهم الخسف وأذاقوهم مر العذاب، استعمروهم استعبدوهم أذلوهم ترفعوا فوقهم وسادوهم، كيف تم هذا؟ لأنهم ما قبلوا الإسلام بكامله، اختل نظام الإسلام، نظام الإسلام نظام دقيق كالمركبات الكيماوية إذا اختل فيه جزء هبط فلم يفعل شيئاً. عطلوا حدود الله عز وجل وأوقفوها، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وفعلوا ما فعلوا، فضربنا الجبار تلك الضربة، والآن ننتظر متى تنزل النقمة، لم لا تقام الصلاة في العالم الإسلامي بكل دقة ولا يبقى عسكري ولا مدني ولا رجل ولا امرأة لا يشهد صلاة الجماعة إذا دقت الساعة؟ أما خلقنا لهذه؟ لم ما تجبى الزكاة ويعرض عن الضرائب إلا من حاجة؟ لم عطلت الزكاة؟ لم ما هناك من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر؟ يقوم الرجل في المقهى فيكفر حتى تحمر السماء، ولا يجد من يقول: هذا لا يجوز، وامرأة تخرج سافرة عاهرة وليس هناك من يقول: هذا باطل أو منكر، فماذا نقول؟ إعراض كامل. وبعد فماذا يفعل الله بهم؟ يمهلهم على حسب علمه، فإذا دقت الساعة ضربهم، وقد قلت: كان نبينا صلى الله عليه وسلم على ذاك المنبر وقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ثم قال: ( إن الله ليملي للظالم حتى أخذه لم يفلته ). أين الأندلس؟ أين الجمهوريات الإسلامية في شرق أوروبا؟ انتقم الله تعالى، فهذه الآية هل درسها المسلمون، هل اجتمع عليها ثلاثة أو أربعة وتفكروا فيها؟ هل درسها مجلس الوزراء وتكلم فيها؟ والله! ما قرءوها ولا يريدون أن يقرءوها. المهم النجاة النجاة، يا عبد الله! اطلب النجاة لنفسك، عجل والتزم بما ألزمك الله به، كف لسانك لا تنطق إلا بما فيه رضا ربك، غض بصرك، طيب طعامك وشرابك وكساءك، ولا تبال بما عليه غيرك من الهابطين، والزم باب الله فإنك لن تذل ولن تخزى، ويجعل الله لك النجاة، أما أن تمشي مع ركب الهالكين فستهلك معهم في أي مكان من العالم. يقول تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210] من هؤلاء؟ المتباطئون، ماذا ينتظرون وبعضهم في الإسلام وبعضهم خارج عنه والله تعالى يقول لهم: ادخلوا كلكم كافة، قبل أن يحين الحين وتدق الساعة، هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210] إذا جاء الله لفصل القضاء وجاء الملك صفاً صفاً انتهت الحياة، وقضي الأمر وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210] إليه تعود كل القضايا والشئون.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: السلم: الإسلام.كافة ] في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]: [ جميعاً، لا يتخلف عن الدخول في الإسلام أحد، ولا يترك من شرائعه ولا من أحكامه شيء ]. أما قلت: إن الآية تحمل وجهين مشرقين أم لا؟ أولاً: لا يتخلف عن الدخول في الإسلام أحد لا أبيض ولا أصفر ولا أسود في العالم البشري.ثانياً: لا يترك من شرائعه ولا من أحكامه شيء، كل أحكام الله يجب أن تطبق وتنفذ، كل شرائعه يجب أن ينهض بها المؤمنون والمؤمنات.[ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:208]: مسالكه في الدعوة إلى الباطل وتزيين الشر والقبيح. فَإِنْ زَلَلْتُمْ [البقرة:209]: وقعتم في الزلل، وهو الفسق والمعاصي ]، الفسق عن طاعة الله ورسوله والخروج عنها ومعصية الله ورسوله.[ هَلْ يَنظُرُونَ [البقرة:210]: ما ينظرون، الاستفهام للنفي ] ما ينظرون إلا كذا فقط، إلا ساعة الحساب والجزاء.[ الظلل: جمع ظلة، ما يظلل من سحاب أو شجر ونحوهما.الغمام: السحاب الرقيق الأبيض ]، هذا الذي يتجلى فيه الله عز وجل.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين الكريمتين:نادى الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين ] فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:208]، [ ناداهم آمراً إياهم بالدخول في الإسلام دخولاً شمولياً ] ما يبقى جزء لا من الناس ولا من الشريعة، [ بحيث لا يتخيرون بين شرائعه وأحكامه، ما وافق مصالحهم وأهواءهم قبلوه وعملوا به، وما لم يوافق ردوه أو تركوه وأهملوه، وإنما عليهم أن يقبلوا شرائع الإسلام وأحكامه كافة، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان في تحسين القبيح وتزيين المنكر، إذ هو الذي زين لبعض مؤمني أهل الكتاب تعظيم السبت وتحريم أكل الإبل بحجة أن هذا من دين الله الذي كان عليه صلحاء بني إسرائيل، فنزلت هذه الآية فيهم تأمرهم وتأمر سائر المؤمنين بقبول كافة شرائع الإسلام وأحكامه، وتحذرهم من عاقبة اتباع الشيطان فإنها الهلاك التام، وهو ما يريده الشيطان بحكم عداوته للإنسان. هذا ما تضمنته الآية الثامنة بعد المائتين.أما الآية الثانية -وهي التاسعة بعد المائتين- فقد تضمنت أعظم تهديد وأشد وعيد لمن أزله الشيطان فقبل بعض شرائع الإسلام ولم يقبل البعض الآخر، وقد عرف أن الإسلام حق وشرائعه حق ]، وفي العالم الإسلامي من يصلي ومنهم من لا يصلي، منهم من يزكي ومنهم من لا يزكي، امرأة محجوبة متحجبة وأخرى سافرة، الربا مباح، البنوك نتكالب عليها، بيوت المؤمنين من صلاة العشاء تغني فيها العواهر ويزغردن ويرقصن، وفيها صور الفساق والفجار والكفار يتبجحون بالكلام وأهل البيت ينظرون، هل كفروا بعد إيمانهم؟ آلله أذن لهم في هذا؟ هذا هو الإسلام؟ ولولا حلم الله وإنظاره وإمهاله لكانت هذه موجبة لنقمة الله منا، بيوتنا شأنها شأن بيوت الرب لا تسمع فيها لغواً ولا باطلاً ولا كلمة سوء، ولا ترى فيها منظراً يسيء بحال من الأحوال؛ لأن المؤمنون أولياء الله، كيف تصبح كبيوت اليهود والنصارى وأخبث؟ أين يذهب بعقولنا؟ يا شيخ! لا تلمنا لأننا ما علمنا! أي نعم ما علموا، والله! ما علموا، ومن علمهم؟إذاً: الطريق هو أن نعلم أم لا؟ والله الذي لا إله غيره! لا طريق إلى إقامتنا واستقامتنا وتحقيق ولاية ربنا إلا بالعودة إلى الكتاب والحكمة في بيوت الرب تعالى، وأعطوني وزراء الإعلام ووزراء التعليم ووزراء الدولة فإن غلبوني فاذبحوني، والله لا سبيل إلى النجاة مما يتوقع في يوم ما من الخراب والدمار إلا بالعودة إلى بيوت الله عز وجل، ففي الساعة السادسة مساءً يقف دولاب العمل، لا مقهى ولا متجر ولا مصنع ولا مزرعة ولا ملهى، ونحمل نساءنا وأطفالنا وقد تطهرنا وتطيبنا إلى بيوت ربنا، ما هي بيوت الله؟ المساجد حيث الطهر الكامل، ونصلي المغرب كما صليناه الآن ونجلس كما جلسنا الآن، فالنساء وراء الستارة والفحول أمامهن، وليلة آية وأخرى حديثاً، ندرس كتاب الله وسنة رسول الله، فلا نزال نسمو ونعلو ونرتفع، والعلم نور وهداية، فنطهر، فلا غش ولا خداع ولا كذب ولا شح ولا باطل ولا إسراف ولا ترف ولا كسل ولا قعود عن العمل، وبعد سنة واحدة يصير أهل القرية كأنهم أسرة واحدة من أسر الصحابة رضوان الله عليهم. ومن غير هذا فوالله الذي لا إله غيره! لا يتحقق الكمال، وجربنا، أما عندكم مدارس وكليات وجامعات، أين آثارها؟ أين هي؟ السرقة والتلصص والإجرام والخيانة والكذب وشهادة الزور والربا؛ لأننا ما علمنا، ما عرفنا، أعرضنا فأعرض الله عنا.وعندنا بشرى قد يفرح بها بعض المؤمنين، وهي: أننا -كما علمتم- لسنة كاملة وزيادة ونحن نصرخ هذا الصراخ ونبكي هذا البكاء ونقول: هيا بنا نعود إلى ربنا ليرحمنا، فقط من المغرب إلى العشاء، المصانع تشتغل والمدارس وكل الأعمال طول النهار، وفيما بين المغرب والعشاء فقط نأتي بيت ربنا بأطفالنا ونسائنا ونبكي بين يديه ساعة وندعوه ونستمطر رحماته ونطلب ألطافه وإحسانه، ونخرج شباعاً مستنيري القلوب والبصائر، وهذا كل ليلة، فلا تمضي سنة إلا ونحن علماء، ليلة نحفظ آية ونفهم معناها وغداً نطبقها على الفور ونعمل بها، وفي الليلة بعدها حديث من أحاديث الرسول الشارحة للقرآن المفسرة المبينة له، يحفظ الحديث ويعمل به، وبعد سنة أو سنتين كيف تكون تلك الأمة؟ كأنهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لا غيبة، لا نميمة، لا كبر، لا غش، لا خداع، لا شح، لا بخل، لا كبر، كل مظاهر السوء والباطل تنتهي؛ لأنها سنة الله في خلقه.وندلل على هذا ونقول: هيا يا علماء الفلسفة والنفس، فعندنا شيء واقع: أعلمنا بالله وأعرفنا به وبمحابه أتقانا لله عز وجل، في أي بقعة، هل هناك من يرد هذا؟ أعرفنا بالله أتقانا لله، أقلنا سوءاً وباطلاً ومنكراً، وأجهلنا أكثرنا ضلالاً وظلماً وشراً وفساداً، أمر واضح كالشمس، فمن يرده؟ ثم أكبر برهان أن القرون الذهبية الثلاثة لما كانت الأمة فيها مقبلة على الكتاب والسنة لا تعرف غيرهما أين وصلت؟ والله! ما عرفت الدنيا لهم نظيراً ولا مثيلاً.ثانياً: لما هجرنا الكتاب والسنة وأحيل القرآن إلى الموتى وتركت السنة وأهملت أين وصلنا؟ إلى الحضيض. وهل تطالب بدليل وبرهان؟ تفضل امش إلى قرية واجمع نساءها وأطفالها وعلمهم ليلة آية وليلة حديثاً وانظر العاقبة كيف تتم؟ ففي سنة واحدة فقط نسبة الفساد تقل أكثر من خمسة وتسعين في المائة. وهذه البشرى أزفها إليكم؛ حيث وردنا اليوم كتاب يقول صاحبه: حضرنا دروسكم في المسجد النبوي وقرأنا معكم كتاب (المسجد وبيت المسلم)، وقد حملنا الفكرة كما هي في قرية في مدينة صحراء الديار الجزائرية البعيدة، يقول: نحن الآن إذا جاء المغرب لن تجد رجلاً ولا ولداً ولا امرأة في الشارع، كلهم في المسجد، ونقرأ ليلة آية وليلة حديثاً كما في الكتاب، وضاق المسجد بنا ما اتسع لنا فوسعناه فاتسع. هذه ظاهرة ككوكب لاح في سماء المسلمين، فلو عمل العلماء وأخذوا بهذه لانتشر هذا النور في الشرق والغرب، ولكن ما وفقوا. قال: [ أما الآية الثانية -وهي التاسعة بعد المائتين- فقد تضمنت أعظم تهديد وأشد وعيد لمن أزله الشيطان فقبل بعض شرائع الإسلام ولم يقبل البعض الآخر، وقد عرف أن الإسلام حق وشرائعه حق، فقال تعالى: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] يحملها كتاب الله القرآن الكريم ويبينها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله سينتقم منكم؛ لأنه تعالى غالب على أمره، حكيم في تدبيره وإنجاز وعده ووعيده. وأما الآية الثالثة فقد تضمنت حث المتباطئين على الدخول في الإسلام؛ إذ لا عذر لهم في ذلك حيث قامت الحجة وظهرت ولاحت المحجة ] أي: الطريق، [ فقال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ [البقرة:210] أي: ما ينظرون إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210] وعند ذلك يؤمنون، ومثل هذا الإيمان الاضطراري لا ينفع حيث يكون العذاب لزاماً بقضاء الله العادل، قال تعالى: وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة:210] أي: إذا جاء الله تعالى لفصل القضاء وانتهى الأمر إليه فحكم وانتهى كل شيء، فعلى أولئك المتباطئين المترددين في الدخول في الإسلام المعبر عنه بالسلم -لأن الدخول فيه حقاً سلم، والخروج منه أو عدم الدخول فيه حقاً حرب ] والعياذ بالله عليهم [ أن يدخلوا في الإسلام، ألا إلى الإسلام يا عباد الله ] عجلوا، أسلموا قلوبكم ووجوهكم لله، إذا أحل شيئاً فأحلوه، وإذا حرم شيئاً فحرموه حتى النظرة والكلمة، وإذا أوجب واجباً فقوموا به، وإذا نهى عن شيء فاتركوه، هذا هو الإسلام؟

هداية الآيات

هاتان الآيتان تضمنتا خمس هدايات. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: وجوب قبول شرائع الإسلام كافة وحرمة التخير فيها.ثانياً: ما من مستحل حراماً أو تارك واجباً إلا وهو متبع للشيطان في ذلك.ثالثاً: وجوب توقع العقوبة عند ظهور المعاصي العظام؛ لئلا يكون أمناً من مكر الله.رابعاً: إثبات صفة المجيء للرب تعالى لفصل القضاء يوم القيامة.خامساً: حرمة التسويف والمماطلة ] والتراخي [ في التوبة ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #250  
قديم 17-10-2020, 07:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (131)
الحلقة (138)



تفسير سورة البقرة (96)

لقد أخبر الله عز وجل عن بني إسرائيل وبين حالهم مع أنبيائهم ومع رسالات ربهم، حيث إنه لم يرسل الله إلى أحد من خلقه من الرسل بقدر ما أرسل إلى بني إسرائيل، لكنهم لفرط طغيانهم وتمردهم كذبوا كل رسول جاءهم، وطلبوا الآيات المعجزات الدالة على صدق الرسالة، ومع ذلك لم يؤمنوا ولم تخبت قلوبهم لربهم، وإنما أمعنوا في الضلال فكذبوا المرسلين حتى إنهم قتلوا فريقاً منهم، فاستحقوا بذلك غضب الله وأليم عقابه.

تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل وكلنا أمل ورجاء في أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ولا ننس تلك البشرى أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وها نحن مع قول ربنا جل ذكره وعظم سلطانه من سورة البقرة: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:211-212].هاتان الآيتان نوران وكوكبان، من يهتدي بهما وعليهما؟معاشر المستمعين والمستمعات! يا من يتدارسون كتاب الله! قوله تعالى: سَلْ [البقرة:211] هذه بمعنى: اسأل، فحذفت الهمزتان للتخفيف؛ لأن هذا القرآن يحفظ عن ظهر قلب، فمن هنا يسره الله وسهله، وقد أخبر بذلك في غير آية: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، ففرق بين: (اسأل) و(سل).

ذكر بعض خبر إبراهيم عليه السلام الذي انحدر من نسله بنو إسرائيل

يقول تعالى: سَلْ [البقرة:211] من المأمور بأن يسأل؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هم بنو إسرائيل؟ إنهم ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ويعقوب هو الملقب بإسرائيل، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أولاد يعقوب انتشروا وتكونت منهم أمة بني إسرائيل إلى الآن. وهل تعرفون عن إسحاق ويعقوب شيئاً؟لما هاجر إبراهيم من أرض بابل من دياره وديار آبائه وأجداده، فكانت هجرته أول هجرة في التاريخ البشري، هاجر لأنه دعا إلى الله في أمة تعبد الأوثان والأصنام، فلم يجد من يصغي إليه أو يسمع أو يستجيب، ووقف والده آزر في حلقه وشدد عليه، وأصدرت الحكومة حكمها بالإعدام عليه وبأبشع صورة في قتل الآدمي؛ إذ حكموا بإحراقه بالنار، وقد علمنا أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، ولكنه الظلم البشري، وشاء الله أن يريهم آية من آياته ومعجزة من معجزاته الخارقة للعادات، أججوا النيران وأوقدوها وأسهم كل واحد بحزمة حطب، والحيوانات ما أسهمت في هذه النار إلا الوزغ، فالوزغة كانت تنفخ بفمها لتؤجج النار، ولهذا سن النبي صلى الله عليه وسلم قتلها في البيوت في المدينة، وكانت لأمنا عائشة الصديقة جريدة من جريد النخل في حجرتها، فكلما رأتها قتلتها.لما أرادوا أن يلقوه في ذلك الأتون من النار ما استطاعوا أن يقتربوا من النار، فكيف يصلون بإبراهيم إلى تلك النار الملتهبة كأعظم تنور في التاريخ؟ فما كان منهم إلا أن أرشدهم الشيطان بواسطة أوليائه بأن يصنعوا منجنيقاً أو ما يسمى بالمقلاع، وهو موجود عندنا كنا نرمي به الحجارة، فصنعوا المقلاع ووضعوا فيه إبراهيم ودفعوه؛ لأن الطير ما كان يمر فوقها، كان يحترق من النار.لما رموا به عرض له جبريل يمتحنه: يا إبراهيم! هل لك حاجة؟ وهو في أشد الحاجة، فلحظات وستلتهمه النيران، فقال: أما إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل. هذه قالها إبراهيم وقالها المهاجرون والأنصار في هذه الدار بعدما تمت هزيمتهم في أحد، سبحان الله! هل هزموا وهم الأنصار والمهاجرون؟ إي ورب الكعبة، لم؟ لتأديبهم وتربيتهم، لأنهم مهيئون لأن يضيئوا الدنيا بنور الله، فلو سامحهم وعفا عنهم وقد خالفوا نظام الحرب والقتال لقالوا: من الآن لا خوف علينا ولا حزن، نفعل ما نشاء، نحن أولياء الله! وقد ذكرت لكم رؤيا رآها الشيخ محمد عبده أو تلميذه رشيد رضا، ذكرت في تفسير المنار لهما قالا: تكلمنا في هذه القضية ونمنا، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قادماً من أحد وهو يقول: لو خيرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة. ليوافق ربه عز جل؛ لأن الرماة -وكانوا خمسين رامياً- أجلسهم القائد صلى الله عليه وسلم في مركز وألزمهم بالثبات ألا يتحركوا حتى ولو تتخطفهم الطير، ولكن العدو إبليس لما انهزم المشركون وجرى وراءهم أبطال الإيمان يسلبون ويأخذون الغنائم قال لهم: الآن ما بقي حاجة إلى البقاء في هذا المركز، الهزيمة تمت للمشركين، فنزلوا إلا قائدهم ونفر، قال: أمرنا رسول الله أن نثبت فلنثبت. ما إن نزلوا من الجبيل الموجود إلى الآن حتى جاءت خيل المشركين يقودها خالد بن الوليد ، فاستحلوا المركز وأرسلوا عليهم نبالهم وسهامهم، فوقعوا بين فكي المقراض، فكانت هزيمة، يكفي أن تكسر رباعية الرسول القائد صلى الله عليه وسلم، وأن يشج وجهه وتسيل دماؤه، يكفي أن يستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ومعه سبعون مؤمناً، لمخالفة لا نعدها نحن مخالفة أبداً ولا معصية، ونريد أن نعيش على طول الخط مخالفين لرسول الله وفي كل شيء وننتصر ونعتز ونسود، والله! ما كان ولن يكون.ثم إن أبا سفيان لما انتصر وعاد بجيشه وتجاوز الروحاء فكر في العودة لاستئصال البقية الباقية، قالوا: ما حققنا الهدف الحقيقي، هيا نرجع. فبلغ رسول الله وأصحابه أن أبا سفيان يريد الكر عليهم من جديد، فقالوا قولة إبراهيم: حسبنا الله ونعم الوكيل. وسجلها الله في كتابه العزيز، واقرءوا: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:171-173]، والله! لقد خرج الرجل يحمل أخاه جريحاً كسيراً ليشهد المعركة من جديد، ما هي إلا ليلة واحدة وحمل المؤمنون أنفسهم وخرجوا لقتال جيش أبي سفيان ، ولكن الله صرف أبا سفيان وأبعده، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174].فإبراهيم عليه السلام قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فنجاه الله، إذ قال الله تعالى للنار المتأججة الملتهبة التي جمع لها الحطب أكثر من أربعين يوماً وهي تشتعل، صدر أمر الله تعالى إليها وهو قوله: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، وهل النار تعقل؟ أيكلمها خالقها ولا تعقل ولا تفهم؟ ما الفرق بينك وبينها؟ ما الفرق بينك وبين السحاب والرياح؟ الكل مخلوق فقط. يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] لولا قوله تعالى: وَسَلامًا [الأنبياء:69] لمات إبراهيم من شدة البرد، لكن قال تعالى: وَسَلامًا [الأنبياء:69] فسلم، والله! ما احترق من الخليل إلى كتافه الذي يشد به يداه ورجلاه فقط، وخرج وجبينه يتفصد عرقاً، ومن ثَمَّ هاجر، فلا ضرورة تستدعي بقاءه هنا، فمن خرج معه؟ زوجه بنت عمه سارة وابن أخيه لوط عليه السلام، هذه هي حصيلة دعوة إبراهيم كذا سنة من السنين، فخرج، وتجول في أرض الشام إلى أن انتهى إلى مصر كما تعلمون.

البشارة بإسحاق الذي كان من ذريته بنو إسرائيل

وخلاصة القول في إسحاق: أنه لما أرسل الله تعالى لوطاً إلى سدوم عمورة، مدن كبيرة هي الآن تسمى بالبحر الميت، حتى الحوت لا يوجد فيه، لأنه منتن، إذ قلب جبريل تلك المدن عاليها سافلها.إذاً: لما أرسل الله تعالى لوطاً إلى تلك الأمة العاتية الطاغية المتحضرة المتمدنة التي استزلها الشيطان وأسقطها إلى حضيض الوسخ، وأراد الله عز وجل إهلاكها؛ لأنها بدلت نعمة الله كفراً؛ كان إبراهيم عليه السلام في أرض فلسطين، وإذا بوفد من ثلاثة رجال من خيار الرجال وأحسنهم، إنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، نزلوا عليهم ضيوفاً فأهل وسهل ورحب، وفجأة مال إلى وراء بيته وجاء بعجل ذبيح سمين وقربه إليهم، فلهذا لقب بأبي الضيفان، وقربه إليهم وقال: ألا تأكلون؟ وهنا لطيفتان كثيراً ما قلناهما: اللطيفة الأولى: أنه قربه إليهم، ما وضعه في الغرفة وقال: تعالوا ليسوقهم كالأغنام، بل أدناه منهم وقربه إليهم.الثانية: ما قال: كلوا كأنه يأمرهم ويتحكم فيهم، بل قال: أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27] ألا: أداة عرض، أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27] قالوا: إنا لا نأكل طعاماً إلا بحقه. قال: إذاً: كلوه بحقه. قالوا: وما حقه؟ قال: أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره.يا معشر الآكلين والآكلات والمزدردين والمزدردات للطعام كل يوم! افتتحوه بباسم الله واختموه بحمد الله وإلا فأكلكم باطل وما أكلتم حلالاً، ما حق الطعام؟ البسملة في أوله وحمد الله في آخره، باسم الله وتشرع في الأكل، فإذا ختمت فالحمد لله، هذا هو الثمن، وإلا أكلت ما لا ينبغي لك، ما هو حقك. وهنا نظر جبريل إلى ميكائيل أو مكائيل إلى جبريل وقال: حق للرجل أن يتخذه ربه خليلاً! أي: وجب وثبت للرجل أن يتخذه ربه خليلاً، هل بعد الخلة حب؟ كل أنواع الحب الخلة فوقها؛ لأنها تتخلل شرايين القلب وتملؤه، فمن خليل الرحمن؟ هل جاء بعده لله من خليل؟ أي نعم. رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ) معناه: أنه اتخذ الله خليلاً. إذاً: وعرف أنهم ملائكة، وكانت البشرى، فقد كانت السيدة سارة هذه زعيمة نساء العالم عليها ألف سلام إلى يوم القيامة، كانت تباشر مع زوجها، ساعدته على تقديم الطعام وهي واقفة، فبشروها بغلام، فصكت وجهها متعجبة: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود:72] فصكت وجهها على عادة ربات الحياء وقالت: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:72-73].قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] لما قدم تلك الضيافة أكرمه الله: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] هذه البشرى لن يقوى عليها كائن من الخلق، بشروه بإسحاق، فشعرت بالولد في بطنها وقد كانت عقيماً ما تلد وكبرت سنها وإبراهيم تجاوز المائة والعشرين، لكن كونه يحيا إسحاق ويولد له ويسمى بيعقوب هذا هو الذي ذكرنا، هذا يعقوب هو إسرائيل، وإسرائيل كعبد الله، كعبد الرحمن، لأن (إيل) بمعنى: الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 256.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 251.06 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]