فضلهما وما تشتركان فيه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دعاء الشفاء ودعاء الضائع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2020, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة : Egypt
افتراضي فضلهما وما تشتركان فيه

فضلهما وما تشتركان فيه
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1]، نحمده على ما هدانا وأعطانا، ونشكره على ما أولانا وكفانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل القرآن شفاءً للقلوب، وهدايةً للنفوس، وصلاحًا للعباد في الحال والمآل؛ {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصِّلت: 44]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اجتباه ربُّه وهداه، ومِن الخير أعطاه، فعلَّمه من العلوم أنفعَها، وصرفه عن ضررها؛ {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وأقيموا له دينكم، وأسلموا له وجوهكم؛ {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].

أيها الناس:
أنزل الله - تعالى - القرآن؛ هدايةً للناس، وحُجةً عليهم، وبيانًا لما ينفعهم ويضرهم، وإمامًا يقودهم إلى معرفة الله - تعالى - ومعرفة دينه الذي ارتضاه لهم؛ {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، ومن حكمتِه - سبحانه - أنه فاضَلَ بين سُورِه وآياته، وخصَّ بعضها بأوقات أو صلوات دون غيرها؛ لمصلحة العباد وتذكيرهم، وقرع قلوبهم بالموعظة والبيان.

ويومُ الجمعة هو أفضل الأيام، وهو عيد الأسبوع، وفيه من الفضائل والخصائص ما تنزَّلتْ به الآيات، وجاءت به الأحاديث، وأُلِّفت فيه الكُتب، ومن السُّنة قراءةُ سورتي السجدة والإنسان في فَجْرِه، ومَن تأمَّل المعانيَ العظيمة التي حوتْها هاتانِ السورتان العظيمتان، أدرك شيئًا من حِكمة الشارع الحكيم في مشروعية قراءتهما في فجر الجمعة، واحتساب ذلك من سُنن الجمعة وخصائصها.

إن سورتي السجدة والإنسان تشتركانِ في جملةٍ من المعاني العظيمة الجليلة، منها: قصة خلْق الإنسان، ومعلوم أن آدمَ - الذي هو أصل البشر - قد خُلق يوم الجمعة؛ كما جاء في الأحاديث، ونجد في السجدة تذكيرًا بذلك، وبيانًا لأصل هذا الإنسان؛ {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 7 - 9]، وكُرِّر هذا المعنى في سورة الإنسان، مع التذكير بأن الإنسان قبل الخلقِ لم يُذكر ولم يُعرف؛ لبيان نعمة الله - تعالى - عليه بالخلق، الذي به عُرف وذُكر؛ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 1، 2]، والإنسان محتاج إلى تَكرار التذكير بهذه النعمة؛ لئلا ينسى أصلَه، فيكفر بالخالق، ويبغي على الخلق.

وأدوات العلم التي بها يُدرِك الإنسانُ المعارفَ الدينية والدنيوية، إنما هي من الله - عز وجل - فكل معرفة أدركوها بأسماعهم وأبصارهم وعقولهم، فمردُّها إلى مَنْ علَّمهم ذلك، ورزقهم آلات تحصيلها وإدراكها، وقد جاءت المنَّة بذلك في السورتين العظيمتين؛ ففي السجدة: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9]، وفي الإنسان: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2]، وبالسمع والأبصار والأفئدة يعرف الناسُ خالِقَهم، ويبصرون آياتِه في الكون، ويسمعون القرآن فلا يجدون كلامًا يشبهه، فتهديهم عقولهم إلى أن هذه الآياتِ الكونيةَ والشرعية دالةٌ على وجود الله - تعالى - وربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، وتلك هي هداية الله - تعالى - لعباده المذكورة في سورة الإنسان؛ {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3].

ومع ذلك، فإن التوفيق لهذه الهداية لا يملكه أحدٌ من الخلق؛ بل مردُّه إلى الله - تعالى - يهبه مَن شاء مِن عبادِه، ويحرم منه مَن شاء، وقد اشتركت السورتان في بيان ذلك؛ ففي السجدة: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]، وفي الإنسان: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 29، 30].

والبشر إزاء هذه الهداية على قسمين: مَنْ وُفِّق لها فكان من السعداء، ومن حُرِمها فكان من الأشقياء، ولهذين الفريقين أعمالٌ وأوصاف، جاء ذِكر جملة منها في السورتين؛ فالموفَّقون منهم يعبدون الله - تعالى - بإخلاص، يرجون رحمته، ويخافون عذابه، ويتَّعظون بمواعظه؛ كما في سورة السجدة: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 15، 16].

ويتكرر التأكيد على العبادة لله - تعالى - بإخلاص وخوف ورجاء في سورة الإنسان؛ {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 7 - 10].

فما أعظمَ الإخلاصَ والخوف والرجاء! إذ أكَّد الله - تعالى - عليها في السورتين جميعًا، وجعلها سببًا للفوز والفلاح.

وجزاءُ هؤلاء الموفَّقين مذكورٌ في السورتين؛ ففي السجدة إجمال يأخذ بالقلوب، فتشتاق النفوس لمعرفة تفاصيله؛ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17 - 19].

وفي سورة الإنسان تفصيل لبعض هذا النعيم، يحفِّز النفوسَ إلى الإيمان والعمل الصالح؛ {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 11 - 22].

وأما الفريق الآخر، فهم المجرمون المكذِّبون، جاء نعتُهم بالإجرام في السجدة مرتين: {وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12]، وفي آية أخرى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22]، وعقابُهم: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14]، وفي موضع آخر: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 20، 21]، وفي سورة الإنسان: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلاَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيرًا} [الإنسان: 4].

وكون هذين الفريقين متباينين في الدِّين والأفكار، وفي تصور عالمي الغيب والشهادة؛ فإن الاختلاف والاحتراب سيكون قائمًا بينهما في الدنيا، ما دام فيها إيمان وكفر، وأبرار وفجَّار، وإن الظن باجتماعهما على كلمة سواء، أو تعايشهما سلمًا، هو محض جهل وافتراء، وأمانٍ خاطئةٌ كاذبة، وسراب خادع؛ ولأجل ذلك نُهي المؤمنون عن طاعة الكافرين، وأُمروا بالصبر على تكذيبهم، وبكثرة العبادة؛ فهي سبب للثبات على الحق، مع الأخذ بالكتاب العزيز، وقراءته وتدبُّره والعمل به؛ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [الإنسان: 23 - 26].

ونجد هذا المعنى في سورة السجدة؛ إذ بُدئت بذِكر الكتاب العزيز، والردِّ على مَن شكَّك فيه، ويشمل ذلك أهلَ الإنكار والتحريف والتأويل، الذين يحُولون بين الناس وبين العمل بالقرآن؛ {الم * تَنْزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: 1 - 3]، وفي هذه الآيات ربطٌ على قلوب المؤمنين، وثبات لها أمام موجات المشكِّكين والمحرِّفين.

والصبر على الحق الذي أمر الله - تعالى - به في سورة الإنسان مذكورٌ في سورة السجدة، وجاء فيها أنه مع اليقين سبب للإمامة في الدين؛ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].

وهذه المعركة الطويلة في الحياة الدنيا بين الإيمان والكفر، سيفصل الله - تعالى - بين أصحابها يوم القيامة؛ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25]، {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً} [الإنسان: 27]؛ لتكون العاقبة لأهل الإيمان والتقوى، على أهل الكفر والتكذيب؛ {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة: 28 - 30].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

أيها المسلمون:
يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وصلاة الفجر فيه لها فضيلة ومزية على غيرها، وقد ورد في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا وموقوفًا: ((إن أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة))؛ رواه البيهقي.

اختُصت هذه الصلاة بسورتي السجدة والإنسان؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَقْرَأُ في الصُّبْحِ يومَ الجُمُعَةِ بـ {الم تَنْزِيلُ} في الرَّكْعَةِ الأُولَى، وفي الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}؛ رواه الشيخان، وظاهر الحديث أنه كان يداوم على ذلك، حتى بوَّب البخاري عليه فقال - رحمه الله تعالى -: "باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة"، وجاء في إحدى روايات الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم تنزيل} السجدة، و{هل أتى على الإنسان}، يديم ذلك"؛ رواه الطبراني.

وقد نبَّه العلماء على أن الاستحباب في قراءة السجدة ليس لأجل السجدة فيها؛ وإنما لذات السورة وما حوته من المعاني العظيمة، وعنَّف بعضهم على مَن يقصد سورةً أخرى فيها سجدة؛ ظنًّا منه أن تفضيلها هو لأجل السجدة فيها، كما أنكر بعضهم على مَن يقسم سورة السجدة بين ركعتين، ونبَّهوا على أنه إن ظنَّ الناس وجوبَها بسبب تَكرارها كل جمعة، فتُترك قراءتها أحيانًا؛ لإزالة هذا الظن الخاطئ.

أيها الإخوة:
لو تدبَّر المسلمون معانيَ سورتي السجدة والإنسان، وهي تقرأ عليهم فجر كل جمعة، لعلموا قصة خلقهم، والحكمة التي خُلقوا لأجلها، ولتذكروا أن الناس منقسمون إلى فريقين: مؤمنين وكفار، وأبرار وفجار، ومصيرهم يوم القيامة إلى إحدى الدارين، فإما إلى دار النعيم، جعلنا الله - تعالى - من أهلها ووالدينا والمسلمين، وإما إلى دار سعير، أعاذنا الله - تعالى - منها ووالدينا والمسلمين.

ولو عمل المصلُّون بما في هاتين السورتين العظيمتين، لأخلصوا لله - تعالى - في أعمالهم، جامعِينَ في عبادتهم بين الرجاء والخوف، ولثبتوا على دينهم، وصبروا على أذى المؤذين من الكفار والمنافقين، ولم يتبعوا أهل الشهوات والمفسدين؛ لعلمهم أن الإمامة في الدين لا تُنال إلا بالصبر مع اليقين، وأن جزاء الثبات على الدين فوز كبير، ونعيم مقيم، وأن هذه الدنيا بما فيها إلى زوال، ولا بقاء إلا في دار القرار، وأن نواصينا ليست بأيدينا؛ بل نحن فقراء إلى الله - تعالى - أسراء بين يديه، لا حول لنا ولا قوة إلا به، ولا نجاة لنا إلا في دينه وشريعته؛ {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 28 - 31].

وصلوا وسلموا...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]