|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أسماء العقل ومشتقاته في القرآن محمد ونيس مقدمة: أسماء العقل في القرآن الكريم: دراسة لغوية وشرعية: العقل أعظم ما وهب الله للإنسان، وبه كُلف وفُضِّل. وقد تنوعت ألفاظه في القرآن؛ لاختلاف دلالاتها وتعدد وظائفه، مما يدل على عناية الشريعة بالعقل ووسائله. ومن أسمائه التي وردت في القرآن: 1- اللُّبُّ: هو صفوة العقل وخلاصته؛ أي: العقل النقيُّ من الشوائب، الذي يدرك الحق ويعقله ويعمل به. ولهذا المعنى أشار الراغب الأصفهاني بقوله: "اللُّبُّ: العقل الخالص من الشَّوائب، وسُمِّي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه؛ كَاللُّبَابِ واللُّبِّ من الشيء، وقيل: هو ما زكى من العقل، فكلُّ لُبٍّ عقل وليس كلُّ عقلٍ لُبًّا"[1]. الدليل من القرآن: ورد لفظ "الألباب" في القرآن الكريم في ستة عشر موضعًا، نكتفي منها بذكر موضعين: الموضع الأول: قال تعالى: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. قال ابن جرير الطبري: "يعني: إلا أولو العقول، الذين عقلوا عن الله عز وجل أمره ونهيه[2]. وقال ابن كثير: "أَيْ: وَمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالتّذْكَارِ إِلَّا مَنْ لَهُ لُبٌّ وَعَقْلٌ يَعِي بِهِ الْخِطَابَ وَمَعْنَى الْكَلَامِ"[3]. الموضع الثاني: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]. قال السعدي: "أي: أهل العقول الزكية الذكية، فهم الذين يؤثرون الأعلى على الأدنى، فيؤثرون العلم على الجهل، وطاعة اللّه على مخالفته؛ لأن لهم عقولًا ترشدهم للنظر في العواقب، بخلاف من لا لُبَّ له ولا عقل، فإنه يتخذ إلهه هواه"[4]. قال القرطبي: "أي: أصحاب العقول من المؤمنين"[5]. 2- الحِجْر: هو العقل الذي يمنع صاحبه من الوقوع فيما لا يليق، فهو عقلٌ ضابطٌ مانعٌ عن الخطأ والهوى، سُمِّي حِجْرًا؛ لأنَّه يحجر الإنسان عن الأفعال القبيحة والأقوال المردودة. وعن سبب تسمية العقل حِجْرًا أفصح الراغب الأصفهاني بقوله: "فقيل للعقل حِجْر؛ لكون الإنسان في منع منه ممَّا تدعو إليه نفسه"[6]. وقد أجاد ابن كثير وأفاد حينما قال: "وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَمِنْهُ حجْرُ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الطَّائِفَ مِنَ اللُّصُوقِ بِجِدَارِهِ الشَّامِيِّ. وَمِنْهُ حِجْرُ الْيَمَامَةِ، وحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ"[7]. الدليل من القرآن: لم يرد ذكر لفظ "الحِجْر" في القرآن الكريم بمعنى العقل إلا في موضع واحد؛ قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]. قال البغوي: "لِذِي عَقْلٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْجُرُ صَاحِبَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي، [كَمَا يُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ، وَنُهًى؛ لِأَنَّهُ يَنْهَى عَمَّا لَا يَنْبَغِي، وَأَصْلُ "الْحَجْرِ" الْمَنْعُ"[8]. وقال الثعلبي: "هَلْ فِي ذلِكَ الذي ذكرت قَسَمٌ؛ أي: مقنع ومكتف في القسم لِذِي حِجْرٍ؛ عقل، سمّي بذلك؛ لأنَّه يحجر صاحبه ممَّا لا يحلُّ ولا يجمل كما سمِّي عقلًا؛ لأنَّه يعقله عن القبائح والفضائح، ونهى؛ لأنَّه نهى عمَّا لا ينبغي، وأصل الحجر المنع، يقال للرجل إذا كان مالكًا قاهرًا ضابطًا له: إنَّه لذو حجر، ومنه قولهم: حجر الحاكم على فلان[9]. 3- النُّهى: النُّهى هو العقل الراشد الذي ينهى صاحبه عن القبائح والرذائل، فهو عقلٌ واعٍ يمنع الإنسان من الخطأ، ويقوده إلى الصواب. وسُمِّي بذلك؛ لأنه ينهى النفس عن الوقوع في المحرمات والقبائح. قال الراغب الأصفهاني: "والنُّهيَةُ: العقل الناهي عن القبائح. جمعها: نُهًى"[10]. الدليل من القرآن: ورد لفظ "النهى" في القرآن الكريم في موضعين في سورة طه. الموضع الأول: قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 54]. قال ابن كثير: "أَيْ: لِذَوِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ"[11]. قال القرطبي: "أَيِ الْعُقُولِ. الْوَاحِدَةُ نُهْيَةٌ. قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّفْسَ عَنِ الْقَبَائِحِ"[12]. الموضع الثاني: قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 128]. قال أبو السعود: "لِذَوِي العُقُولِ النَّاهِيَةِ عَنِ القَبائِحِ" [13]. قال ابن كثير: "أَيِ: الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَلْبَابِ الْمُسْتَقِيمَةِ"[14]. ٤- الحِلْمُ: في اللغة يدل على الأناة، والرزانة، وضبط النفس عند الغضب، وقد اختلف العلماء في عَدِّه من أسماء العقل: فمَن نظر إلى الاستعمال القرآني والنبوي وكلام العرب، عَدَّه اسمًا من أسماء العقل؛ لكونه مظهرًا من مظاهر كماله. ومَن فرَّق بين قوة الإدراك (وهي وظيفة العقل) وبين قوة ضبط النفس (وهي من نتائج العقل)، عَدَّ الحلم صفةً ناتجة عن العقل لا اسمًا من أسمائه. ومن القائلين بأن "الحِلْم" يُطلَق على "العقل" في بعض المواضع، استدلوا بورود لفظ "الأحلام" في القرآن الكريم بمعنى "العقول"، كما في قوله تعالى: ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا ﴾ [الطور: 32]. قال ابن كثير: "أي: عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور؟ ﴿ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الطور: 32]؛ أي: ولكنهم قوم ضُلَّال، معاندون، فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك". وقال البغوي: "﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ ﴾: عقولهم، ﴿ بِهَذَا ﴾؟ وذلك أن عظماء قريش كانوا يُوصَفون بالأحلام والعقول، فأزرَى الله بعقولهم حين لم تميز لهم معرفة الحق من الباطل"[15]. ومن المعترضين على عَدِّ الحُلم اسمًا من أسماء العقل: الراغب الأصفهاني بقوله: "الحِلْم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أَحلام. قال الله تعالى: ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا ﴾، قيل معناه: عقولهم. وليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكن فسَّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل"[16]. وصرَّح الحلبي قائلًا: "في قوله: ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا ﴾، قيل: عقولهم. والحلم: العقل، وفيه نظر"[17]. 5- الْقَلْب: هو أعمق ما في الجوف وأشرفه، وهو لُبُّ الشيء وخالصه. وفي الإنسان يُعَدُّ الموضع الأخصّ للوعي والشعور. ويدور جذر (ق-ل-ب) في اللغة حول معاني الباطن واللب والخلاصة؛ أي: ما يكون في داخل الشيء ويُشكِّل جوهره. ولما كان العقل قوَّةً باطنةً تقوم بوظائف الفهم والتدبُّر، وافق معناه الأصلَ اللغوي لكلمة "القلب"؛ لذا صحَّ في لسان العرب أن يُعبَّر بالقلب عن العقل، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ق: 37]؛ أي: عقل يتفكَّر ويتدبَّر. وقد جاء في المعجم الاشتقاقي، بعد بيان الأصل اللغوي لجذر "قلب": "والأصل يسمح بإطلاقها على القوة الباطنة: العقل". ثم جاء ابن منظور ليؤكد ذلك بقوله: "وقد يُعبَّر بالقلب عن العقل... وقال الفراء: وجائز في العربية أن تقول: ما لك قلب؟ وما قلبك معك؟ أي: ما عقلك معك، وأين ذهب قلبك؟ أي: أين ذهب عقلك؟"[18]. الدليل من القرآن: قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ [الحج: 46]. قال النسفي: "أيْ: يَعْقِلُونَ ما يَجِبُ أنْ يُعْقَلَ مِنَ التَوْحِيدِ ونَحْوِهِ"[19]. قلتُ: أسند الله تعالى في هذه الآية عملية التعقُّل إلى القلب، مع أن التعقل من وظائف العقل، فدلَّ ذلك على أن مركز العقل هو القلب. وعليه، يصحُّ اعتبار القلب من أسماء العقل، أو مما يدلُّ عليه. 6- الْفُؤَاد: في اللغة: مأخوذ من الفعل "فَأَدَ"، ويعني: القلب المتقد حرارة، ويُستعمل غالبًا في التعبير عن العواطف الجيَّاشة والمشاعر الباطنية العميقة. قال ابن منظور: "والفُؤَادُ: القلبُ، لتفؤُّده وتوقُّده"[20]. وقال الزبيدي: "وقيل: إنما يُقال للقلب فُؤادٌ إذا اعتُبر فيه معنى التفؤُّد؛ أي: التوقُّد"[21]. وقد اختلف العلماء في العلاقة بين الفؤاد والقلب: هل هما مترادفان أم بينهما فروق؟ أما من جهة كون الفؤاد مرادفًا للعقل في القرآن الكريم، فإليك البيان: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. قلت: قد ذكر الحق تعالى الفؤاد هنا مع السمع والبصر، وهي من أدوات الإدراك؛ مما يدل على أن للفؤاد دورًا في التمييز والشعور، فهو قوة إدراكية. ومن المعلوم أن العقل إنما هو قوة الإدراك؛ فاشتركا في هذا الوجه. وقال تعالى: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]. قلت: قد جعل الله عز وجل الفؤاد محلًّا للتصديق والتكذيب، وهما من أعمال العقل، فاتفقا من هذا الوجه. قال الزبيدي: "وقال جماعةٌ من المفسِّرين: يُطلَق الفؤاد على العقل، وجوَّزوا أن يكون من هذا الباب قوله تعالى: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾[22]. ومما سبق؛ يتبيَّن أن الفؤاد يُستعمَل في القرآن بمعنى قريب من العقل، إذ أُسند إليه الإدراك والتصديق، فدلَّ على أنه قوة عاقلة مميِّزة، لا مجرد موضع للعاطفة. نتائج البحث في أسماء العقل ودلالاتها القرآنية: 1- أن العقل له أسماء متعددة في القرآن الكريم، وكل اسم يُشير إلى جانب مختلف من وظائف العقل ومعانيه. 2- أن اسم "اللُّب" يدل على خُلاصة العقل وصفائه؛ ولذلك امتدح الله به أولي الألباب؛ لأنهم أعمق الناس فهمًا. 3- أن اسم "الحِجر" يدل على وظيفة العقل في المنع والكف، ولهذا سُمِّي به الحِصن، فكأن العاقل يحتمي بعقله من الجهل والهوى. 4- أن اسم "النُّهى" يُشير إلى أن العقل هو ما ينهى صاحبه عن السفه والباطل، وقد مدح الله به المتذكرين؛ لأنهم أصحاب عقل عملي يمنعهم عن الخطأ. 5- أن الله خاطب الناس في القرآن بهذه الأسماء المتنوِّعة؛ ليرشدهم إلى استخدام عقولهم في التدبُّر، والتفكُّر، والاعتبار. 6- أن من أعرض عن العقل أو عطَّله، فهو معرض عن آيات الله، مذموم في ميزان الشرع. 7- أن القرآن يُعلي من شأن العقل الصافي المرتبط بالتقوى، لا العقل المجرد المنفصل عن الإيمان. والله أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني. [2] تفسير الطبري. [3] تفسير ابن كثير. [4] تفسير السعدي. [5] تفسير القرطبي. [6] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني. [7] تفسير ابن كثير. [8] تفسير البغوي. [9] تفسير الثعلبي. [10] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني. [11] تفسير ابن كثير. [12] تفسير القرطبي. [13] تفسير أبي السعود. [14] تفسير ابن كثير [15] تفسير البغوي. [16] مفردات ألفاظ القرآن. [17] عمدة الحُفَّاظ. [18] لسان العرب. [19] تفسير النسفي. [20] لسان العرب. [21] تاج العروس. [22] تاج العروس.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |