التنشئة الاجتماعية وأساليب المعاملة الوالدية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4978 - عددالزوار : 2097767 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4557 - عددالزوار : 1373656 )           »          استحباب الإتيان بأذكار النوم على طهارة ولكن هل من توضأ للنوم ثم انتقض وضوؤه هل تلزمه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          : Writing “Bismillaah ir-Rahmaaan il-raheem” on wedding invitations is permissible (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          هل تقال أذكار النوم والاستيقاظ عند كل نوم واستيقاظ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فوائد عظيمة في قراءة آية الكرسي والمعوذات قبل النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حكم كتابة البسملة فى بطاقات الدعوة، وكيفية كيفية إتلاف ما كتب عليه اسم الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          شرح دعاء "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          تعلم أمور الدنيا لا يتنافى مع تعلم الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شراء واستخدام صندوق مطليّ بماء الذهب فيه عطور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-06-2021, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,240
الدولة : Egypt
افتراضي التنشئة الاجتماعية وأساليب المعاملة الوالدية

التنشئة الاجتماعية وأساليب المعاملة الوالدية (1)
د. موسى نجيب موسى معوض





تتم عملية التنشئة الوالدية - التي يقوم بها الآباء لأبنائهم - من خلال مجموعة من الأساليب، والتي تتنوع وتختلف باختلاف الخبرات والمهارات التي يتميز بها الآباء عن بعضهم البعض، وذلك من حيث استخدامهم للوسائل الفعالة في تنمية سلوك أطفالهم، وذلك طبقًا لمجموعة من العوامل والمحكَّات التي تحدِّد هذه الأساليب، وقد تتمثَّل هذه العوامل والمحكات في عدم الثقة، ونقص الخبرة، ونقص المعلومات، كلها تُعتَبر من العوامل والمحكات الأساسية، التي تحدِّد أساليب المعاملة الوالدية؛ فتربية الأطفال من أصعب المراحل التي يمرُّ بها الآباء من خلال احتكاكهم بالأبناء؛ وتنشئتهم ليست بالمهمَّة السهلة أو اليسيرة؛ لذا يَجِبُ على الآباء أن يُحَاوِلوا تقديمَ كلِّ إمكانياتهم وخبراتهم؛ للإسهام في تشكيل نموذج مثالي للتنشئة السليمة لأطفالهم.

وأساليب المعاملة الوالدية تختلف من وجهة نظر الأبناء عنها من وجهة نظر الآباء؛ حيث إنها من وجهة نظر الأبناء تتمثَّل في آراء الأبناء وتعبيرهم عن نوع الخبرة التي يتلقون من خلالها معاملةَ والديهم، وهو يتمثل في الرأي الذي يحمله الابن في ذهنه، ويدركه في شعوره عن معاملة أبيه وأمه له.

ورغم أن معاملة الوالدين - كما يتمثَّلها الأبناء - هي أكثر ارتباطًا بالسلوك الفعلي للوالدين؛ حيث من الممكن أن يشعر الطفل برفض والده له، بالرغم من أن والده يحبه حقيقةً، ولكن قد يكون اعتقادُ الأب أن على الآباء عدمَ إظهارِ عواطفهم لأبنائهم، وأن التربيةَ الصارمة ضروريةٌ لنموِّ الطفل، ومن منظورِ الطفل قد يُدرِك أنه غيرُ جدير بالحب، وإدراكه هذا قد يؤدِّي إلى مظاهر سلبية في تفاعله مع والديه، ومن ثَمَّ في سلوكه.

أولاً: تعريف التنشئة الاجتماعية Concept Of Socialization:
تُعتَبر الأسرةُ مؤسَّسة اجتماعية في غاية الأهمية، بل تعتبر أهمَّ المؤسسات الاجتماعية جميعها؛ لِمَا لها من أثرٍ في حياة الفرد، وفي تقويم سلوكه، ويرتبط هذا الأثر بوجودها (المورفولوجي)؛ أي: بيئتها الاجتماعية؛ فالأسرة هي المحورُ الذي تدور حوله عناصر تكوين الشخصية، فهي أول بيئة تضمُّ الطفل لدى رؤيته لنور الحياة، وهي أول مصدر لتكوين خبرته في الحياة.

كما أنها الجماعةُ الأولية التي يتمُّ من خلالها تشكيل الوليد البشري، والتي من خلالها أيضًا يمتصُّ القيم والمعايير الاجتماعية، ويتخذ له مكانًا معينًا في نظام - الأدوار الاجتماعية - ويكتسب شخصية تكون ذات سمات معينة.

وتقوم الأسرة بذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، على أنها العملية التي تقوم من خلالها الأسرة بإكساب أطفالها المعارف، والمهارات المختلفة، والصفات الشخصية، التي تساعدهم في التعامل مع الأسرة والآخرين ممن يُحِيطون بهم في المجتمع.

ويرى "زاندان" Zenden أن التنشئة الاجتماعية هي:
عمليةُ التفاعل الاجتماعي التي تستمرُّ طيلة حياة الفرد، والتي عن طريقها يكتسب المعرفة، والاتجاهات، والقِيَم، وأنماط السلوك الجوهرية بالنسبة للمشاركة الفعالة في المجتمع.

كما يعرِّفها "فيلبس" B. Philips بأنها:
العملية التي عن طريقها ينمِّي الفرد بناءَ الشخصية، ونقل الثقافة من جيل إلى جيل آخر.

وتُعرَّف كذلك بأنها عمليةٌ اجتماعيةٌ أساسية، تعمل على تكامل الفرد في جماعة معينة، وذلك عن طريق إكساب هذا الفرد ثقافة الجماعة، ودورًا يؤدِّيه في هذه الجماعة.

والتنشئة الاجتماعية تُعرَّف أيضًا بأنها:
الإعداد الاجتماعي، الذي يتمٌّ من خلاله إرساءُ وإنشاءُ عَلاقات مع الآخرين، وانتظام سلوك الأفراد وَفْقَ متطلبات المجتمع وحاجاته وقيمه وأعرافه.

هي عملية يكتسب الأطفال من خلالها الحكمَ الخُلقي، والضبط الذاتي اللازم لهم؛ حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسؤولين في مجتمعهم.

كما هي أيضًا عملية تعلم وتعليم وتربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الفرد (طفلاً، فمراهقًا، فراشدًا، فشيخًا) سلوكًا، ومعايير، واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكِّنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتُكسِبه الطابع الاجتماعي، وتيسِّر له الاندماج في الحياة الاجتماعية، وتُسهِم أطرافٌ عديدة في عملية التنشئة الاجتماعية؛ كالأسرة، والمدرسة، والمسجد، والرفاق، وغيرها، إلا أن أهمَّها الأسرة بلا شكٍّ؛ كونها المجتمع الإنساني الأول الذي يعيش فيه الطفل، والذي ينفرد بتشكيل شخصية الطفل لسنوات عديدة من حياته، تعتبر حاسمة في بناء شخصيته.

وبذلك تكون عملية التنشئة الاجتماعية هي عملية أساسية، تهتم بتربية الأطفال ليُصبِحوا راشدين يُسهِمون في أنشطةِ المجتمع الذي ينتمون إليه، كما أنها عمليةٌ مستمرَّة ومتواصلة؛ حيث يظلُّ تأثير الوالدين على الطفل حتى ينمو ويكبر ويعتمد على ذاته.

ثانيًا: مصادر التنشئة الاجتماعية Resources of Socialization:
(أ) الوراثة Heredity:
فكلمة وراثة تعني: الخواص العضوية للتشريح الفسيولوجي الموروث؛ مثل: خواص الحس، وخواص نظام الدورة الدموية، وتركيب وخواص نظام الأعصاب، وهي تقدِّم إمكانات متعدِّدة لنمو القدرات والظواهر، وإن الشخصية تختلف باختلاف نشاط المخ والوراثة، كما يعتقد علماء النفس المثاليين - الاتجاه البيولوجي - أن التنشئة الاجتماعية هي عملية صقل للاستعدادات الموروثة، ووَفْقًا لهذا الاتجاه فإن طريق حياة الطفل يكون محددًا من قبل، وإن الوراثة تُعطِي طاقة وعمليات متنوعة يصوغها المجتمع، ويكيِّفها حسب متطلباته وقِيَمه ومعاييره، وهذا يؤكِّد على أن الوراثة هي مصدرٌ أساسي من مصادر عملية التنشئة الاجتماعية.

(ب) البيئة Environment:
تعتبر البيئة هي المصدر الرئيسي الثاني من مصادر عملية التنشئة الاجتماعية؛ حيث إن لها تأثيرًا إيجابيًّا على الإنسان، كما أنها تُسَاهِم في تشكيل عملية التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها الآباء تُجَاه أطفالهم؛ فهي التي تحدِّد نمو وصقل شخصية الطفل، واندماجه في الوسط المحيط وَفقًا لِما تحمله من سمات وخصائص معينة.

ثالثًا: عمليات التنشئة الاجتماعية Process of socialization:
تشمل عملية التنشئة الاجتماعية مجموعة من العمليات الفرعية؛ هي:
أ) عملية التعلم الاجتماعي:
وهي العملية التي تؤدِّي إلى تأكيد مكانة الفرد، وتوفير الحماية والسيطرة والاستقلال والحب والراحة له.

ب) عملية تكوين الأنا:
وهي العملية التي يتم من خلالها تكوين الأنا أو الذات الاجتماعية، وتكوين الأنا الأعلى أو الضمير.

ج) عملية التوافق الاجتماعي:
وهي العملية التي من خلالها يقوم الفرد باتباع العادات والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه.

د) عملية التثقف:
وهي العملية التي تحافظ على استمرار مظاهر الثقافة من لغةٍ وخُلقٍ ودينٍ، وانتقالها من جيل إلى جيل.

رابعًا: مظاهر التنشئة الاجتماعية Features Of Socialization:
يعدُّ التعلق والعدوان من أهمِّ مظاهر عملية التنشئة الاجتماعية؛ فالتعلق يَعنِي السعيَ للتقرب، والميل للمحافظة على الجوار عندما يتحقق، وهو يؤدِّي إلى الطمأنينة والأمن، ويتَّضِح ذلك من تعلُّق الطفل بأمه والتصاقه بها.

أما العدوان، فإنه يعرَّف بأنه الاستجابةُ التي تعقب الإحباط، ويراد بها إلحاق الأذى بفرد آخر، أو حتى بالفرد نفسه، ويصاحبه مجموعة من المظاهر الفسيولوجية؛ أهمها: سرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وتوتر عضلات الأطراف لمقاومة التعب والإرهاق، وضعف الإدراك الحسي؛ حتى إن الفرد لا يكاد يشعر بالألَم.

خامسًا: الأسس النفسية للتنشئة الاجتماعية Psychological bases of socialization:
تتضمن التنشئة الاجتماعية كل الأسس النفسية التي تُسهِم إلى حدٍّ كبير في تشكيل شخصية الإنسان، وفي توجيه سلوكه بشكل عام؛ وهذه الأسس هي:
الحاجات والدوافع Needs and Motives.
القِيَم والمثل Values and Models.
المعايير الاجتماعية Social norms.
التفاعل الشخصي والاجتماعي Inter Personal and social interaction.
الإدراك الحسي والإدراك الاجتماعي Sense Perception and social perception.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-06-2021, 11:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التنشئة الاجتماعية وأساليب المعاملة الوالدية

التنشئة الاجتماعية وأساليب المعاملة الوالدية (2)


د. موسى نجيب موسى معوض







رأينا في المقال السابق أن عملية التنشئة الوالدية - التي يقوم بها الآباء لأبنائهم – تتم من خلال مجموعة من الأساليب، تتنوع وتختلف باختلاف الخبرات والمهارات التي يتميز بها الآباء عن بعضهم البعض، فتعرفنا على التنشئة الاجتماعية، ومصادرها، وعملياتها، ومظاهرها، وأسسها النفسية.. ونتابع بالأهداف وغيرها.

سادسًا: أهداف التنشئة الاجتماعية Goals Of Socialization:
تهدف التنشئة الاجتماعية إلى إكسابِ الفرد أنماط السلوك السائدة في مجتمعه؛ بحيث يمتثل القِيَم والمعايير التي يتبنَّاها المجتمع، وتصبح قِيَمًا ومعايير خاصة به، ويسلك أساليب تتسق معها بما يحقِّق له المزيد من التوافق النفسي والتكيف الاجتماعي، ويرى البعض أن الهدف الأساسي من عملية التنشئة الاجتماعية هو خلق ما يسمَّى بالشخصية المنوالية للمجتمع؛ أي: الشخصية التي تجسِّم العَلاقات البارزة التي تَسِم الأفراد، أو الذين يعيشون في مجتمع ما؛ بحيث يؤدي هذا إلى وجود إطار مشترك، تتحدَّد من خلاله الملامح المميزة للمجتمع.

كما تهدف التنشئة الاجتماعية أيضًا إلى:
غرسِ عوامل ضبط داخلية للسلوك، وتلك التي يحتويها الضمير، وتصبح جزءًا أساسيًّا؛ لذا فإن مكونات الضمير إذا كانت من الأنواع الإيجابية، فإن هذا الضمير يوصف بأنه حيٌّ، وأفضل أسلوب لإقامة نسق الضمير في ذات الطفل أن يكون الأبوان قدوةً لأبنائهما؛ حيث ينبغي ألا يأتي أحدهما أو كلاهما بنمطٍ سلوكي مخالف للقِيَم الدينية والآداب الاجتماعية.

توفير الجو الاجتماعي السليم الصالح، واللازم لعملية التنشئة الاجتماعية؛ حيث يتوفَّر الجو الاجتماعي للطفل من وجوده في أسرة مكتملة تضم الأب والأم والإخوة؛ حيث يلعب كلٌّ منهما دورًا في حياة الطفل.

تحقيق النضج النفسي؛ حيث لا يكفي لكي تكون الأسرة سليمةً متمتعة بالصحة النفسية، أن تكون العَلاقات السائدة بين هذه العناصر متزِنة سليمة، وإلا تعثَّر الطفل في نموه النفسي، والواقع أن الأسرةَ تَنجَح في تحقيق النضج النفسي للطفل، إذا ما نجحت في توفير العناصر التالية:

تفهُّم الوالدين وإدراكهما الحقيقي في معاملة الطفل، وإدراك الوالدين ووعيهما بحاجات الطفل السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموه، وتطور نمو فكرته عن نفسه وعن علاقته بغيره من الناس، وإدراك الوالدين لرغبات الطفل ودوافعه التي تكون وراء سلوكه، وقد يعجز عن التعبير عنها.

تعليم الطفل المهارات التي تمكنه من الاندماج في المجتمع، والتعاون مع أعضائه، والاشتراك في نواحي النشاط المختلفة، وتعليمه أدواره؛ ما له وما عليه، وطريقة التنسيق بينهما وبين تصرفاته في مختلف المواقف، وتعليمه كيف يكون عضوًا نافعًا في المجتمع، وتقويم وضبط سلوكه.

سابعًا: العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية: affecting the socializationFactors:
العائلة هي أول عالَم اجتماعي يواجِهُه الطفل، وأفراد الأسرة هم مرآةٌ لكلِّ طفل لكي يرى نفسه، والأسرة بالتأكيد لها دورٌ كبير في التنشئة الاجتماعية، ولكنها ليستِ الوحيدة في لعب هذا الدَّوْر، ولكن هناك الحضانة، والمدرسة، ووسائل الإعلام، والمؤسسات المختلفة، التي أخذتْ هذه الوظيفة من الأسرة؛ لذلك قد تعدَّدت العوامل التي كان لها دورٌ كبير في التنشئة الاجتماعية، سواء كانت عوامل داخلية أم خارجية، وسوف نعرض هذه العوامل:
أولاً: العوامل الداخلية:
1- الدين: يؤثِّر الدين بصورة كبيرة في عملية التنشئة الاجتماعية؛ وذلك بسببِ اختلاف الأديان، والطباع التي تنبع من كلِّ دين؛ لذلك يحرص كلُّ دين على تنشئة أفراده حسب المبادئ والأفكار التي يؤمن بها.

2- الأسرة: هي الوحدة الاجتماعية التي تَهدف إلى المحافظةِ على النوع الإنساني؛ فهي أوَّل ما يقابل الإنسان، وهي التي تُسَاهِم بشكلٍ أساسيٍّ في تكوين شخصيةِ الطفل، من خلال التفاعل والعَلاقات بين الأفراد؛ لذلك فهي أُولَى العوامل المؤثِّرة في التنشئة الاجتماعية، ويؤثِّر حجم الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، وخاصة في أساليب ممارستها؛ حيث إن تناقصَ حجمِ الأسرة يُعتَبر عاملاً من عوامل زيادة الرعاية المبذولة للطفل.

3- نوع العلاقات الأسرية: تؤثِّر العَلاقات الأسرية في عملية التنشئة الاجتماعية؛ حيث إن السعادة الزوجية تؤدِّي إلى تماسك الأسرة، مما يخلق جوًّا يساعد على نمو الطفل بطريقة متكاملة.

4- الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة: تعدُّ الطبقةُ التي تنتمي إليها الأسرة عاملاً مهمًّا في نمو الفرد؛ حيث تصبغ وتشكِّل وتضبط النظم التي تُسَاهِم في تشكيل شخصية الطفل؛ فالأسرة تُعتَبَر أهمَّ محور في نقل الثقافة والقيم للطفل التي تصبح جزءًا جوهريًّا فيما بعد.

5- الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة: لقد أكَّدت العديد من الدراسات أن هناك ارتباطًا إيجابيًّا بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطفل، وبين الفرص التي تقدم لنمو الطفل، والوضع الاقتصادي من أحد العوامل المسؤولة عن شخصية الطفل ونموه الاجتماعي.

6- المستوى التعليمي والثقافي للأسرة: يؤثِّر ذلك من حيث مدى إدراك الأسرة لحاجات الطفل، وكيفية إشباعها، والأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع الطفل.

7- نوع الطفل (ذكر أو أنثى) وترتيبه في الأسرة: حيث إن أدوار الذَّكر تختلف عن أدوار الأنثى؛ فالطفل الذكر ينمَّى في داخله المسؤولية، والقيادة، والاعتماد على النفس، في حين أن الأنثى في المجتمعات الشرقية خاصة لا تنمَّى فيها هذه الأدوار، كما أن ترتيب الطفل في الأسرة - كأول الأطفال، أو الأخير، أو الوسط - له علاقة بعملية التنشئة الاجتماعية، سواء بالتدليل، أو عدم خبرة الأسرة بالتنشئة، وغير ذلك من العوامل.

ثانيًا: العوامل الخارجية:
1- المؤسسات التعليمية: وتتمثَّل في دور الحضانة، والمدارس، والجامعات، ومراكز التأهيل المختلفة.

2- جماعة الرفاق: حيث الأصدقاء من المدرسة، أو الجامعة، أو النادي، أو الجيران، وقاطني نفس المكان، وجماعات الفكر والعقيدة، والتنظيمات المختلفة.

3- دُور العبادة: مثل المساجد، والكنائس، وأماكن العبادة المختلفة.

4- ثقافة المجتمع: لكلِّ مجتمع ثقافتُه الخاصة المميزة له، والتي تكون لها صلةٌ وثيقة بشخصيات مَن يحتضنه من الأفراد؛ لذلك فثقافةُ المجتمع تؤثِّر - بشكل أساسي - في التنشئة، وفي صنع الشخصية القومية.

5- الوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع: حيث إنه كلما كان المجتمع أكثر هدوءًا واستقرارًا، ولديه الكفاية الاقتصادية، ساهم ذلك بشكلٍ إيجابيٍّ في التنشئة الاجتماعية، وكلما اكتنفتْه الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي؛ كان العكس هو الصحيح.

6- وسائل الإعلام: لعلَّ أخطر ما يهدِّد التنشئة الاجتماعية الآن هو الغزو الثقافي، الذي يتعرض له الأطفال من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة التليفزيون؛ حيث يقوم بتشويه العديد من القِيَم التي اكتسبَها الأطفال، إضافةً إلى تعليمهم العديد من القِيَم الأخرى الدخيلة على الثقافة الفلسطينية، وانتهاء عصر جدَّات زمان وحكاياتهن إلى "عصر الحكاوي" عن طريق الرسوم المتحركة.

ثامنا: مؤسسات التنشئة الاجتماعية: Institution socialization:
تتمُّ عملية التنشئة عن طريق مؤسسات اجتماعية متعددة، تعمل وكالات للتنشئة نيابةً عن المجتمع؛ أهمها: الأسرة، والمدرسة، ودُور العبادة، وجماعة الرفاق، ووسائل الإعلام، ودَوْر كل مؤسسة كما يلي:
الأسرة: هي الممثِّلة الأولى للثقافة، وأقوى الجماعات تأثيرًا في سلوك الفرد، وهي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل، والعامل الأول في صبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية؛ فتشرف على توجيهِ سلوكه، وتكوينِ شخصيته.

المدرسة: هي المؤسَّسة الاجتماعية الرسمية، التي تقوم بوظيفة التربية، ونقل الثقافة المتطوِّرة، وتوفير الظروف المناسبة لنمو الطفل - جسميًّا، وعقليًّا، وانفعاليًّا، واجتماعيًّا - وتعلم المزيد من المعايير الاجتماعية، والأدوار الاجتماعية.
دُور العبادة: تعمل دُور العبادة على تعليم الفرد والجماعة التعاليم والمعايير الدينية، التي تمدُّ الفرد بإطارٍ سلوكي معياري، وتنمية الصغير، وتوحيد السلوك الاجتماعي، والتقريب بين الطبقات، وترجمة التعاليم الدينية إلى سلوك عملي.

جماعة الأقران: يتلخَّص دَوْرها في تكوين معايير اجتماعية جديدة، وتنمية اتجاهات نفسية جديدة، والمساعدة في تحقيق الاستقلال، وإتاحة الفرصة للتجريب، وإشباع حاجات الفرد للمكانة والانتماء.

وسائل الإعلام: يتلخَّص دَوْرها في نشرِ المعلومات المتنوعة، وإشباع الحاجات النفسية المختلفة، ودعم الاتجاهات النفسية، وتعزيز القِيَم والمعتقدات، أو تعديلها، والتوافق في المواقف الجديدة.

تاسعًا: دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية Role Family in Socialization:
إن مسؤولية تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصحيحة تَقَعُ على كاهلِ الأب والأم معًا، ومن بعد ذلك تأتي باقي المؤسَّسات التربوية التي تهتم بهذا الشأن.

والأسرة تلعب دورًا كبيرًا في عملية التنشئة الاجتماعية، وخاصة في سن الطفولة المبكرة، وتقوم بذلك من خلال عمليات التعزيز، وإعطاء المكافآت، والعقاب، وتوفير المثال، والقدوة.

وهي في تعليمها للطفل تغرسُ فيه القيمَ والمعايير السائدة في المجتمع، حتى تعده لأَنْ يَعِيش حياةً اجتماعية ناجحة بين أفراد الجماعة، وفشل الطفل في امتصاصِ معايير الجماعة وقيمتِها يعرِّضه لخطر العقاب الذي تفرضه الثقافة على الخارجين عليها، وفي الوقت نفسه يزداد قبولُه الاجتماعي كلما ازداد التماثل بين معاييره ومعايير البيئة الاجتماعية، وامتصاصُ أسلوب حياة الجماعة يبدأ من وقتٍ مبكر؛ مما يدلُّ على أهمية تأثير الأسرة في تكوين شخصية الطفل، بمعنى أن تأثير الخبرات الأوَّلية في حياة الطفل يشكل الأساس الأول لسلوكه فيما بعد؛ وذلك لقوة تأثيرها فيه.

والأسرة - كجماعةٍ من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم البعض - تعتبرُ البيئةَ الأساسية التي تقوم بعملية التطبيع ونقل ثقافة المجتمع، وغرس العديد من العادات والتقاليد والقِيَم؛ فهي مسؤولة عن تكوينِ أخلاقياتِ الفرد بوجهٍ عام؛ كاتجاهه نحو الأمانة، والصدق، والوفاء، وبقية القيم الأخلاقية الأخرى، وتمكنه من الحصول على الاحتياجات الأساسية، وتعطيه الإحساس بالأمن والطمأنينة، وتبعد عنه عوامل القلق والاضطراب، وتدربه على مواجهة المعايير الإنسانية.

كما أن للأسرة دَوْرًا كبيرًا في تنشئة أطفالها؛ حيث إنها تقوم بتوفير الحماية اللازمة لهم، كذلك فإنها تعمل على تطبيع القِيَم الشخصية وقيم المجتمع، والتي تريد الأسرةُ غرسَها في نفوس الأطفال، كما أنها تنقلُ التراث بما يشتمل عليه من عاداتٍ وتقاليد لهم، كما أن الآباءَ يعملون على إكساب أطفالِهم السلوكيات الإيجابية المرغوب فيها، والتي تساعد على تنمية وصقل شخصية أطفالهم.

وترجع أهمية الأسرة ودَوْرها المؤثِّر في تنشئة الأبناء إلى:
أن الأسرة - وما تشتمل عليه من أفراد - هي المكان الأول الذي يتمُّ فيه باكورة الاتصال الاجتماعي، الذي يمارسه الطفل في بداية سنوات حياته، الذي ينعكس على نموه الاجتماعي فيما بعد، ويعتبر الآباء فيها نموذجًا للقدوة؛ المثَلِ الذي يجبُ على أطفالهم الاقتداءُ به.

كذلك، فإن الأسرة تعتبر الجماعة المرجعية التي يعتمد الطفل على قِيَمها ومعاييرها وطرقِ عملِها عند تقويمه لسلوكه، ويتضمن ذلك أن الطفل يُثبِت شخصيته مع أسرته كجماعة، لدرجة أن طرقها تصبح جزءًا من نفسه.

والجدير بالذكرِ أنه كما يؤثِّر الوالدان في تنشئة الطفل وتطبيعِه؛ يؤثِّر الطفل أيضًا في تطبيع الوالدين؛ فالطفل الصغير الذي يستيقظ ليلاً، بالرغم من محاولة والديه المتكرِّرة لتركه يبكي فترةً ثم يصمت، ولكنه يصر على ذلك - ينجح في تحقيق هدفِه، وكذلك الطفل الذي يُجبِر والديه على تحقيقِ مطالبِه وحاجاته الزائدة يعتبر نوعًا من التطبيع للوالدين، والتفاعل الاجتماعي داخل الأسرة أثناء عملية التنشئة الاجتماعية لا يحدث فقط بين الوالدين والطفل، بل يحدث بين كلِّ أفراد الأسرة بعضهم وبعض، وتتأثَّر الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال بمجموعة من العوامل؛ فهي لا تَحْيَا في فراغ، بل توجد في مجتمع أكبرَ منها ويؤثر فيها؛ فالفقر، والمجاعات، والاضطراب الاجتماعي، والأمراض الجسمية والنفسية؛ تؤثِّر على وظائف الأسرة بطرق مختلفة، تلك الوظائف التي تقف على رأسها عمليةُ التنشئة الاجتماعية للأطفال.

وهذا لا يعني أن تَقتَصِر وظيفةُ الأسرة على عملية التنشئة الاجتماعية فقط، بل تُعَد المصدر الأساسي في نمو الطفل السويِّ والنمو اللاسوي؛ حيث توجد الأسرة السوية المستقرة التي تعمل على إشباع حاجات الصغار بكفاية واتزان، وحيث يتَّسِم سلوك أفرادِها بالتعاطف، ويسود الأمن النفسي لأفرادها، ويشعر صغار هذه الأسرة بالسعادة، وهناك على طرَف آخر توجد الأسرة المريضة المضطربة، التي من سماتها الخلافات والاضطرابات، والتي تكون مصدرًا لتعاسة أطفالها، واضطراب وانحراف سلوكهم، ومن هنا يتَّضح لنا أن الأسرة تعتبر مصدرًا أساسيًّا في بِنْيَة الشخصية السوية أو المضطربة؛ أي: إنها مسؤولة عن إكساب أبنائها سمات شخصيةٍ يدخل فيها عنصرَا التدريب والتعلم؛ كالاتكالية، أو الاعتماد على الغير، والعدوانية، والانبساطية الانطوائية، وغيرها من السمات السلوكية المختلفة.

وتتزايد أهمية الأسرة في حياة أطفالها؛ حيث إنها بالإضافة إلى تأثيرها الكبير في اتجاهات وسلوكيات أطفالها، فإنها إن قامتْ على تربية الطفل وتوجيهه منذ الصغر على الاستقلالية، والحرية في التفكير، والملاحظة، والمناقشة، والقراءة، والاعتماد على النفس؛ فإن كلَّ ذلك سوف يؤدِّي إلى تنمية وتطوير قدراته الابتكارية واكتشاف ورعاية مواهبه الكامنة.

عاشرًا: أساليب المعاملة الوالدية Parental Treatment Methods:
تتم عملية التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها الآباء لأبنائهم من خلال مجموعة من الاتجاهات والأساليب الوالدية، التي تتنوَّع وتختلف طبقًا لمجموعة من العوامل والمحاكاة التي تحدِّد هذه الأساليب.

وقد تتمثَّل هذه العوامل والمحاكاة في عدمِ الثقة، ونقصِ الخبرة، ونقص المعلومات، وعدم وجود التعضيد والمساندة المناسبة، وكلها تعتبر من العوامل والمحاكاة الأساسية التي تحدِّد أساليب المعاملة الوالدية؛ فتربيةُ الأطفالِ وتنشئتهم ليست بالمهمَّة السهلة أو اليسيرة؛ لذا يَجِبُ على الآباءِ أن يُحَاوِلُوا تقديمَ كلِّ إمكاناتهم وخبراتِهم للإسهامِ في تشكيل نموذج مثالي للتنشئة السليمة لأطفالهم.

وكذلك، فإن معظمَ الآباء لديهم بعضُ المعتقدات حولَ خصائصِ الأطفال التي يُرِيدُون أن يَرَوها في أطفالهم، والطرق والأساليب التي يُعَامِلون بها أطفالهم؛ لكي تحقَّق لهم هذه الخصائص، وأيضًا تعمل على تنمية وغرس السلوكيات الاجتماعية الإيجابية في نفوس أطفالهم.

وأساليب المعاملة الوالدية تَختَلِف من وجهة نظر الأبناء عنها من وجهة نظر الآباء؛ حيث إنها من وجهة نظر الأبناء تتمثَّل في آراء الأبناء، وتعبيرهم عن نوع الخبرة التي يتلقَّون من خلالها معاملة والديهم، وهو ما يتمثَّل في الرأي الذي يحمله الابن في ذهنه، ويدركه في شعوره عن معاملة أبيه وأمه له.

ورغم أن معاملة الوالدين كما يتمثَّلها الأبناء هي أكثر ارتباطًا بنموِّ الأبناء النفسي والاجتماعي من ارتباطها بالسلوك الفعلي للوالدين؛ حيث من الممكن أن يَشعُر الطفل برفض والده له، رغم أن والده يحبُّه حبًّا حقيقيًّا، ولكن قد يكون اعتقادُ الأبِ أن على الآباء عدمَ إظهار عواطفهم لأبنائهم، وأن التربية الصارمة ضروريةٌ لنمو الطفل أخلاقيًّا، ومن منظور الطفل قد يُدرِك أنه غيرُ جديرٍ بالحبِّ، وإدراكه هذا قد يؤدِّي إلى مظاهر سلبية في التفاعل.

لذلك، فإن هذه الدراسةَ تُحَاوِل الوصولَ إلى أساليبِ المعاملة الوالدية للأطفالِ الموهوبين كما يدركها الآباء (آباء - أمهات)، وأيضًا تحاول الوصولَ إلى أساليبِ المعاملة الوالدية للأطفال الموهوبين كما يدركها الأبناء، ومن أجل ذلك قام الكاتب بتصميمِ مقياسَينِ لأساليب المعاملة الوالدية؛ الأوَّل: خاص بأساليب المعاملة الوالدية للأطفال الموهوبين كما يدركها الآباء (آباء - أمهات)، والآخر: خاص بأساليب المعاملة الوالدية للأطفال الموهوبين كما يدركها الأبناء.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.05 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]