|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) الشيخ محمد حامد الفقي بسم الله الرحمن الرحيم قول الله تعالى ذكره: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 55-57]. يقول الله جل ثناؤه، يا بني إسرائيل، اذكروا أيضاً إذ قلتم لموسى لما بلغكم رسالة ربه: لن نصدقك يا موسى، ولن نقر ونتبع ما جئتنا به حتى نرى الله جهرة وعياناً يرفع الحجب والأستار بيننا وبينه، وكشف الغطاء دوننا ودونه فنراه بأعيننا ونبصره كما نبصر كل شيء كان مغطى ثم كشف عنه غطاؤه وتبدى واضحاً جلياً للعين بدون شيء يستره ويغطيه. و"الجهر" يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع: فذكرهم الله جل ذكره بذلك اختلاف آبائهم، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم، مع كثرة معاينتهم لآيات الله تعالى ما تثلج لأقلها الصدور، وتطمئن بالتصديق معها النفوس. وذلك مع تتابع الحجج عليهم وسبوغ النعم من الله بهم، وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله، ومرة يعبدون العجل، ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة، وأخرى يقولون له إذا دعوا للقتال ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، مع مخالفات ومعاندات غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم موسى وأخاه هارون عليهما السلام مما لا يكاد يحصيه العد. فأعلم ربنا تبارك اسمه الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يأتي بعدهم: أنهم لن يعدو في كفرهم بخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له وعداوتهم إياه وحسدهم وبغيهم عليه، وجحودهم نبوته وإعراضهم عن اتباعه وطاعته، مع علمهم به ومعرفتهم إياه كما يعرفون أبناءهم – بن يعدوا في كفرهم هذا أن يكونوا كأسلافهم من بني إسرائيل وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى، وأذاهم لنبيهم عليه السلام مرة بعد مرة. وفي ذلك أيضا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإعلام له أن هذا شأن بني إسرائيل مع غيرك من الأنبياء خصوصاً موسى الذي أنجاهم الله به من فرعون وشيعته ومما كانوا يسومونهم من سوء العذاب. فلا تحزن على ما فاتك من إيمانهم بك، ولا تأس بما نالك من أذاهم وشرهم، فتلك سجيتهم التي ورثوها عن آبائهم ويورثونها لأبنائهم جيلاً بعد جيل. وقد ذكر الله هذه الواقعة في سورة النساء فقال ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾ [النساء: 153]، وأشار إليها في سورة الأعراف، إذ قال بعد ذكر قصة العجل ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [لأعراف: 155]، ويؤخذ في سياق الآيات: أن موسى عليه السلام لما فرغ من أمر العجل والسامري والذين كانوا قد أطاعوا السامري في عبادة العجل؛ اختار من قومه سبعين رجلاً، وانتقاهم الخير فالخير، وذهب بهم إلى طور سينا لميقات كان وقته له ربه، ليستغفروه لقومهم من الذنب العظيم في عبادة العجل، ويسألوه أن يتوب عليهم، فلما بلغ موسى الموعد وكلمه ربه بما شاء وعاد إلى أولئك السبعين المختارين، والذين هم خلاصة بني إسرائيل وخيرتهم في الصلاح والعبادة، فأخبرهم بما كلمه به ربه؛ أخذهم الحسد لموسى على ما خصه الله من ذلك الفضل، فقالوا ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة: 55]، نراه بأعيننا – ظناً منهم لجهلهم الفظيع أن موسى يرى ربه ويبصره بعينيه – ونسمعه يكلمنا كما يكلمك. وإذا كان هذا حال المختارين منهم من الحسد والجهل على موسى والبغي؛ فكيف بمن ليسوا مختارين مع موسى؟ وكيف بهم جميعاً مع محمد صلى الله عليه وسلم ومع ورثة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأراهم الله سبحانه استحالة طلبهم في الدنيا وأدّبهم على عظيم جهلهم وحسدهم ورماهم بصاعقة من السماء وزلزل بهم الجبل زلزلة شديدة هالتهم وروعتهم أشد الروع وأفزعتهم أشد الفزع، وارتجفت لها قلوبهم فصعقوا. وأصل الصاعقة: كل أمر هائل رآه المصعوق أو عاينه، أو أصابه، حتى يصير من هول وعظيم شأنه إلى هلاك أو عطب؛ وإلى ذهاب عقل وغمور فهم، أو فقد بعض آلات الجسم، صوتا كان الأمر الهائل أو ناراً أو زلزلة أو رجفاً. وقد سمى الله ما أصاب عاداً من الريح الصرصر صاعقة، ومنا أصاب ثمود من الصيحة صاعقة. فقال في سورة فصلت ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13]، وليس يلزم أن تنتهي الصعقة بالموت. فقد صعق موسى ثم أفاق منها. قال الله في سورة الأعراف ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [لأعراف: 143]، كذلك هؤلاء الذين اختارهم موسى لميقات ربه لما خروا صعقين – حين قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة – فلما رآهم موسى كذلك ظنهم ماتوا. فأخذ يبكي ويناشد ربه ﴿ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ﴾ [الأعراف: 155] أي من قبل مجيئي بهم واختياري لهم وأخذهم من بين أهليهم من بني إسرائيل وأهلكتني كذلك معهم، فإني حين أرجع إلى بني إسرائيل من دونهم سألقى منهم شديد الأذى ما أنت به أعلم؛ وما يدل عليه سابق أحوالهم، فماذا أصنع وما موقفي مع بني إسرائيل؟ الموت أهون عندي من الرجوع إليهم بغير هؤلاء السبعين. وكيف يصدقونني بعد ذلك، وكيف يأمنونني بعد ذلك؟ ثم أخذ يتذلل لربه ويناشده ويسترحمه، ويبرأ من عملهم ويقول ﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ﴾ [لأعراف: 155]، وما زال بربه يسأله ويرجوه في ذلة وضراعة ومسكنة حتى ردهم الله إلى الصحو، وكشف عنهم هذه الغاشية التي غشيتهم من الصعقة، وصاروا بها إلى حالة يشبهون بها الموتى الذين فارقت أرواحهم أجسامهم. وأصل البعث إثارة الشيء من مكانه، ومنه قيل: بعث فلان راحلته؛ إذا أثارها من مبركها للسير. وقيل ليوم القيامة: يوم البعث. لأنه يوم يثار فيه الناس من قبورهم لموقف الحساب. وكثيراً ما تقول العرب "الموت" لما يأخذ الإنسان من الهمود والغمرة التي تتعطل بها الحواس، وتقف معها الحركة؛ وإن كانت روحه لم تفارق جسمه. وجائز أن يكونوا ماتوا موتاً حقيقياً؛ ثم بعثهم الله وأراهم هذه الآية ليشكروه سبحانه على إنعامه عليهم، فيؤمنوا بموسى ويتبعوه؛ ثم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتبعوه شكراً لله على ما أولاهم من النعم في هذه الحادثة وغيرها مما جاء بعدها من تظليلهم بالغمام، وجعله سبحانه السحاب فوق رءوسهم كالمظلة تقيهم حرارة الشمس وتسترهم منها. وكان ذلك في أرض التيه، وأطعمهم فيها ايضاً "المن" وهو مادة لزجة حلوة تشبه العسل تنزل على الحجر وأوراق الأشجار مائعة ثم تجمد وتجف فيجمعها الناس "والسلوى" وهو السمان الطائر المعروف. ثم كفر بنو إسرائيل هذه النعم كلها، فاستحقوا نقمة الله وغضبه ولعنته وما ظلمهم الله شيئاً ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، لعدم مقابلتهم نعم الله بما تستحق من طاعته وإخلاص العبادة له واتباع رسله، والإيمان بكتبه؛ خصوصاً محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين وكتابه الذي هو خاتم الكتب وأجمعها لخيري الدنيا والآخرة. وقد ذكر الله نعمة تظليل الغمام وإنزال المن والسلوى على بني إسرائيل في سورة الأعراف في قوله ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [لأعراف: 160]، وفي سورة طه في قوله ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى * كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 80-82]. غفر الله لنا وجعلنا ممن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى. المصدر: مجلة الهدي النبوي المجلد الرابع - العدد 46 - 15 جمادى الأول سنة 1359هـ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |