|
ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التربية وأنموذج المحاصرة التربوية أ. حنافي جواد نتأفف ونشتكي ليلًا ونهارًا، لأن هناك منافسين يتدخلون عنوة في تربية أبنائنا وتنشئتهم، ولا يمكن رفضهم بأي حال من الأحوال، لأنهم يسكنوننا على نحو عجيب، هم كالماء والهواء. وفي عصرنا الحالي، نجد أنفسنا مضطرين للقبول بمنهجهم التربوي، صالحاً كان أو طالحاً: كالإعلام - مثلاً - الذي تتحكم فيه السياسات المحلية والخارجيةُ. وكذلك التعليمُ في المدارس، أو الأصح القول ما يروج في المدارس، عندما تحولت هذه إلى فضاءات مُلحقة بالشارع، فهيمنت ثقافة الشارع على ثقافة المدرسة، واضطرت المدارس للتفاعل مع المحيط، فتكيفت المدارس معه، وخفَتَتْ السلطة التربوية بها. هذان مثالان من أمثلة كثيرةٍ للسُّلطِ التي تتحكم في الحقل التربوي والتربية عموماً. وتلفِي بعضَ أولياء الأمر - المربين - يقولون إننا في صراع ضدَّ التَّيَّار- يقصدون ما تموج به الساحة من نماذج تربوية أو لا تربوية - بل تيارات مهيمنة ينصاع لها الأطفالُ انصياعا، وتقتحمهم اقتحاما، في موازاة ذلك تُلْفِي الأولياء يطمحون لنماذج تربوية، ولكنهم لا يدركونها، من شدّة الهجمات الشرسة المضادةِ، التي من أهدافها فرض نموذج تربوي واحد محاكٍ للنمط الغربي! إننا نتحدث عن زمرة كبيرة من الأسر، ترفض أن يتدخل الشرق والغرب في تربية أبنائها، هدفها أن تقدم للطفل تربية تحترم معايير الأدب والأخلاق والفضيلة، بالمنظور الحضاري الذي يناسبها ويوافق ميولها. إن ما سنقدمه هنا تحت مسمى "التربية والمُحاصرةِ التربوية" لبيان (الميكانيزماتِ) المتحكمةِ في الفعل التربوي - واللاتربوي - وفيه إشارات إلى أن الفعل التربوي مشترك وشمولي تتدخل فيه قنوات كثيرة ومتعددة بأساليب وأدوات تربوية وبيداغوجية مختلفة، تترجح على بعضهما، من حيث الكم والكيف والقوة، فتكون الغلبة لطرف على طرف آخر، حسب قوة الموازين التربوية. إن هذا المقال يجيب عن سؤالات من قبيل: ♦ بأي وجه من الوجوه تعتبر التربية مقومًا حضاريا؟ ♦ هل الرِّعاية مسوؤلية فردية أو عملية تشاركية جماعية؟ ♦ فما هي ثمار التربية؟ ♦ وما وجهُ العلاقةِ بين المحليِّ والعالميِّ في المسألة التربوية؟ ♦ أين تتجلى التناقضات التربوية إن ممارسة أو تنظيرا؟ ♦ ما المقصودُ بالمحاصرة التربوية؟ ♦ كيف تفعل المحاصرة التربوية فِعلها؟ التربية مقوم حضاري: أولُ شيء وأولاهُ أن نبينَ بإيجاز شديد أهمية التربية في حياة البشرية وأثرها على سائر المخلوقات. ولا نرى ذلك يتطلبُ تفصيلاً كبيراً. إن التربيةَ عاملٌ ومقومٌ أساسٌ لقيام الحضارات، ولرقيها وازهارها، أو أفولها وانهيارها، حضارةٌ ينسجم فيها الإنسان مع الكون، وينسجم مع إخوته من البشر، وينسجم مع نفسه وخالقه. قال الله عز وجل داعيا إلى التعارف الإنساني ومحددا لمعيار التفاضل بين البشرِ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. معظمُ ما نشهده من مشاكل وقلاقل وتوترات وتهافتات (...) ترجع بالأساس إلى سوء التربية المهيمن والطاغي. قال الله عز وجل: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]. ويخطئ من يحسبُ أن الأسرة والمدرسة هما المؤسستان الوحيدتان الكفيلتان بتنشئة جيل مستقيم، فكلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته. إن الأسرة اليوم مهددة، بل قل إنها استقالت، كما أن المدرسة قاب قوسين أو أدنى من أن تتخلى عن وظيفتها، بعدما تعرضت لحملات الغزو الناعمِ، واستجابت له طوعاً أو كرهاً، فغدت متأثرةً، وحيث إنها كانت قبل مُؤثرةً. يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]. إن حسن التربية أو سوءها مرده إلى عوامل متعددة، نلخصها في "التنشئة الاجتماعية". فللبيئة الاجتماعية أثرٌ كبيرٌ في بناء الإنسان؛ إن سلوكا أو عواطفَ. وللإنسان قابليةٌ ليكون خيرًا أو شريرًا، لا نقول إنّه صفحة بيضاءَ، بل إنه صفحةٌ مسطرةٌ متعددةُ الكفاءات والقدرات والمواهب والذكاءات، سطورُ فطرته تعكس أنّه مخلوقٌ من مخلوقات الله فريدٌ، مُكرمٌ مفضلٌ، تحمل الأمانة؛ هي أمانة الخلافة. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. الإنسان يؤثر ويتأثر، يفعل وينفعلُ، ولكنه جزءٌ من هذا الكون، يخضعُ بطريقة شعورية أو لا شعورية إلى أشكال وقوالب) البرمجيات الكبرى (، تلك البرمجيات التي وراءها مهندسون بشريون كبارٌ، يخططون لما ينبغي أن تكونَ عليه التربية في العصر الحديث، يضعونَ دفاتر التحملات لنوع البشر المطلوبِ، والمرغوب فيه، الخادم - طبعا - للاقتصاد المتوحش، وللفلسفات الجاري بها العمل. فلسفات قاسمها المشترك استبعاد كل ذي صلة بالدين أو التدين (الإسلام) - فلقد أصبح الإسلام مخيفا، تُلصق بأهله تهم كثيرة متعددة. قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]. إذا تربى الإنسان تربيةً صالحة حسنةً، فسيكون سفير خير في الوجود، ينشر الخير والفضيلة حيثما حلّ وارتحل، بسلوكة ووجوده وسمته الصالح. إنها المادة البشرية النورانية المشعة التي يهبها الله لكثير ممن اصطفى واختار. عندما تُعْمِل التربيةُ آلية الرقابة الذاتية، فإنها تقلص من سلسلة لا متناهية من مراقب يراقب مراقبا يراقبه مراقبٌ، ويستمر ذلك إلى ما لا نهاية. وهذا بمنطق الاقتصاد ربح لمراقبين، لأن الفضيلة هي الحارسة. وبمنطق اقتصاد التربية فإنا قد كونَّا إنسانا ذا إشعاع، يُربي بالقدوة قبل أن تُربي الأسرة أو المدرسة. إنَّه كالنُّورِ الساطع بعدَ ظلام دامس داجٍ. كلكم راع: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) أخرجه البخاري ومسلم. كلكم راع تصريح صريح بأن المسؤولية مشتركةٌ، وأن الفعل التربوي الإصلاحي مُتعدد، لا يصدر من جهة واحدة، ولا يستأثر به مسؤول واحد، ولا يعفى منه أحد. يتحمل كلٌّ (الرجل - المرأة - الخادم ... وقس عليه ما لم يقل) نصيبا من المسؤولية على قدر مكانته ومنصبه وطاقته. والواضح أنه مُكلف وسيكون مشاركا بسكوته متواطئا في استشراء الفساد والمنكر؛ إن لم يقم بالمهمة المنوطة به على أكمل وجه وصفة. فنحاصرُ بالرعاة المختلفين حقل التربية، نمنعه من التسيب والانفلات، عن الوجهة الاستخلافية الصحيحة. دَرجَاتُ المَسؤولياتِ تختلفُ باختلاف المناصب الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية والأسرية. طبعًا نحن مسؤولون جميعا، ولكن مسؤولية الوزير، ليست هي مسوؤلية المعلم، وليست هي مسؤولية الشاب الذي لم يتزوجْ بعدُ. قلة المسؤولية لا تُعفي صاحبها من تأدية الواجب المنوط به. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم . فالتغييرُ بالقلبِ أضعف تغيير، وفيه أن الواجب على الإنسان أن يستهجن ويستقبح وينكر المنكر ولو في نفسه إن تعذر عليه التصريح لداع من الدواعي أو بناء على ترجيح مناسبٍ، ولكل امرئ ما نَوى. وقال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |