|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() وعلى الإنسان العاقل أيضًا أن يكون عِصاميًّا لا عِظاميًّا، فهناك فرقٌ كبير بين العصاميِّ والعظاميِّ؛ فالعظاميُّ: يَفتخرُ بعظامٍ لآبائه وأجداده ربَّما تكون قد نَخِرت، والعصاميُّ: مَن يُبني نفسَه بنفْسِه. و(العِصامي: منسوبٌ إلى "عِصام بن شُهير" حاجبِ النُّعمان بنِ المنذر الذي، قال له النابغةُ الذبيانيُّ حين حجبَه عن عيادة النُّعمان مِن قصيدةٍ له: فَإِنِّي لَا أَلُومُكَ فِي دُخُولٍ ![]() وَلَكِنْ، مَا وَرَاءَكَ يَا عِصَامُ؟ ![]() فكبيرُ الهمَّة عِصاميٌّ يَبني مجده بشرف نفسِه، لا اتِّكالاً على حسَبِه ونسَبِه، ولا يَضيرُه أن يكون ذا نسَبٍ، فحسبُه هِمّتُهُ شرفًا ونسبًا) [6] ولذلك: (كان بعض العلماء إذا سألَ عن أحدٍ قال: أَعِصاميٌّ هو أمْ عِظاميٌّ؟ أيْ: أهو ممَّن يَفخَر بآبائه وسلَفِه وبِمَن قد مضى مِن أهلِه، وهو خالٍ مما كانوا فيه، أم هو بنفْسِه؟ كما قال الشاعر: نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا ![]() وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالْإِقْدَامَا ![]() وَجَعَلَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا. [7] ![]() فالسُّؤدَدُ والمجدُ لا يكونان بالوراثة، إنما بالفِعال الحميدة، والأخلاق النبيلة، بل إن بعض أصحاب النُّفوس العظيمة يأبَون أن يكون سُموُّهم إرثًا وَرِثوه عن أب أو أم كما قال عامر بن الطُّفَيل الجعْفريُّ: فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ابْنَ سَيِّدِ عَامِرٍ ![]() وَفَارِسِهَا الْمَشْهُورِ فِي كُلِّ مَوكِبِ ![]() فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ ![]() أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُو بِأُمٍّ وَلَا أَبِ [8] ![]() وهنا نتذكَّر شخصيَّةَ المتنبِّي فإنها تتميَّز بهذه الْمَيْزة، والمتنبِّي هو المشهور بتفاخُره ونزعتِه إلى السيادة، فهو يأنَف مِن أخيه إذا كان غيرَ كريم وماجد، ولا يَرضى بأن يُنسب الفضلُ إليه إكرامًا لجدِّه؛ لذلك يقول: وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي ![]() إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الْكِرَامِ ![]() وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ ![]() بِأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ [9] ![]() ويقول أيضًا: أَرَى الْأَجْدَادَ يَغْلِبُهَا كَثِيرًا ![]() عَلَى الْأَوْلَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ [10] ![]() وأفضلُ نسَب على الإطلاق، ويحقُّ لصاحِبه أنْ يَفتخِر به ويَعتزَّ: هو النَّسَبُ النبويُّ، ومع ذلك أراد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يُعلِّم البشريَّة جمعاء أنَّ عمَل المرء هو الأساسُ يوم الحساب، وليست الأنسابُ والألقاب؛ لذلك لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] قام رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - عَلَى الصَّفا فقال: ((يا فاطمةُ بنت محمَّد، يا صفيَّة بنت عبد المطَّلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم مِن الله شيئًا، سَلُوني مِن مالي ما شِئتُم)). [11] وكذلك يومَ القيامة لا أنسابَ بين الناس إلا نسبُ الإيمان والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 101-103]. وختامًا: الإنسانُ بنفسِه وبأخلاقه ومآثره، وليس بآبائه وأجداده؛ فكثيرٌ مِن الناس يعيشون مُترنِّمين بأناشيد الماضي، حالِمين على أطلال أمجاد آبائهم وأجدادِهم، ولكنَّهم ما قدَّموا شيئًا يُذكَرُ. وفي المقابل فإنَّ كثيرًا مِن الناس يَموتون، ويُفارقون الدنيا بأجسادهم فقط، أما ذكرُهُم فيظلُّ مرفوعًا يُحاكي سماءَ الفَضيلة والسموِّ. واللبيب مَن يأخُذ بنصيحة "أحمد شوقي" عندما قال في رثاء "مصطفى كامل": فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوتِكَ ذِكْرَهَا ![]() فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ [12] ![]() [1] "الكشكول"، البهاء العاملي (1: 113). [2] "كتاب الصناعتين": أبو هلال العسكري (1: 32). [3] "محاضرات الأدباء": الرَّاغب الأصفهاني (1: 8). [4] "غُرَر الخصائص الواضحة": الوطواط (1: 74). [5] "آداب العلماء والمتعلمين": الحُسين بن المنصور اليمني (1: 125). [6]"علوُّ الهمَّة": محمَّد أحمد إسماعيل المقدم، المكتبة التوفيقية، (ص:91). [7] "الفاضل": المبرِّد (1: 3). [8] "العُمدة في محاسِن الشِّعر وآدابه": ابن رشيق القيرواني (1: 159). [9] معجز أحمد: "أبو العلاء المعري" (1: 400). [10] "الوَساطة بين المتنبِّي وخُصومه": الجرجاني (1: 95) [11] "صحيح مسلم". [12] "جَواهِر الأدب"، أحمد الهاشمي (2: 9).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |