منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فوائد البابايا الخضراء: غذاء خارق لصحتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          قصور الغدة الدرقية في المملكة العربية السعودية: بين نقص التشخيص وضرورة التوعية الصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          فحص tsh: الفحص الأهم لقياس نشاط وصحة الغدة الدرقية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          كم ساعة نوم يحتاج طفلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أطعمة تسبب حصى الكلى: قلل من تناولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          علاج القلق بالأعشاب: ودّع القلق بطرق طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فاكهة التنين: شكل غريب وفوائد لا تصدق! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          عدد ساعات النوم المناسبة لكل عمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          سُنّة: النفث في الكف وقراءة المعوذات قبل النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          آيات قرآنية تبين لنا واقعنا الأليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-01-2025, 08:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,505
الدولة : Egypt
افتراضي منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم

منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم


  • نصوص الفتن والملاحم هي الأخبار الدينية التي ذكرت الابتلاءات التي ستحصل في مستقبل الزمان وأما الملاحم فهي الأخبار التي تتناول القتال الذي سيكون بين المسلمين والكفار في مستقبل الزمان
  • الإيمان هو التصديق الجازم بالله تعالى وما أخبر به من أركان الإيمان الستة وما أخبر به من الأمور الغيبية مما كان وما سيكون ولا يصح إيمان شخص حتى يؤمن بالله وبما أخبر به سبحانه
  • الشريعة هي الأعمال التكليفية والأعمال الدينية فالمسلم يستسلم وينقاد لله عز وجل في التصديق بالأخبار الغيبية والامتثال في الأحكام العملية
  • نصوص الفتن والملاحم جزء من عقيدة المسلم يجب أن يؤمن بها ولا يصح إيمان إنسان حتى يؤمن بتلك النصوص
  • تنزيل الأحكام والأخبار الغيبية فيما يجري في آخر الزمان من الفتن والملاحم ليس بالأمر اليسير ولا بالأمر العشوائي وإنما لابد أن يكون وفق منهج علمي دقيق
  • التساهل في تنزيل نصوص الفتن والملاحم على وقائع بعينها يفتح باب القول على الله بغير علم ويفتح باب شر ويؤدي إلى ترك أعمال مشروعة أو فعل أعمال غير مشروعة وتعطيل نصوص وتأويل أخرى
  • الأمور الغيبية لا سبيل لمعرفتها من خلال الحس أو العقل وإنما تعرف من خلال الخبر الصادق وهو الوحي
  • يجب الإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصحّ به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا ونعلم أنه حق وصدق
تنزيل نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية على الواقع فرع عن ثبوت صحته، وانضباط فهمه وفق دلالات ألفاظه، ولكل خطوة منها ضوابطها وقواعدها الحاكمة لها، وقد وقع كثير من الناس في تنزيل النصوص على وقائع بعينها دون أي ضوابط شرعية ولا الاستناد إلى المصادر الدينية المعتبرة ولا شك أن تنزيل نصوص الفتن على الأعيان أو الأحداث مسألة في غاية الخطورة، فإنه ينبني على ذلك أحكام من الحلال والحرام، والإقدام والإحجام، وقد ينبني عليها استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكان لابد من ضبط ذلك بضوابط واضحة، لا يتصدى لها إلا العلماء الربانيون الراسخون في العلم؛ بحيث يُجمع بين اعتبار الألفاظ والمعاني، وبين الحال والمآل.
في الآونة الأخيرة -خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي- أصبح نشر المعلومة سهلا، بصرف النظر عن ثبوتها أو صحتها أو أثرها، فانتشار المعلومة أدى إلى التأثير في عقائد الناس وفي أخلاقهم، وفي سلوكياتهم، وفي مواقفهم العلمية والعملية والأخلاقية، وإن كان التواصل الاجتماعي وانتشار العلم والمعلومات وسيلة لنشر العلم، لكن -مع الأسف- في كثير من الأحيان يكون وسيلة لنشر الانحراف والضلالة.
تنزيل النصوص الشرعية على وقائع معينة
ثم ظهر ظهورا كبيرا موضوع تنزيل النصوص الشرعية الواردة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة على وقائع معينة وعلى أشخاص معينين، وهذا التنزيل في كثير من الأحيان يخلو من الضوابط الشرعية ولا يستند إلى المصادر الدينية المعتبرة؛ ولهذا يأتي مَن يسلك هذا الطريق بالعجائب، ويأتي بمفاسد كثيرة، من هذه المفاسد الكذب، أن يدخل في القول عن الله بغير علم، ويعطل النصوص الشرعية الصحيحة ويقيم بدلا منها معاني باطلة غير صحيحة، يحمّلها للنصوص الشرعية كما سيأتي معنا -إن شاء الله- في الأمثلة؛ فمن حيث أرادوا الإصلاح أفسدوا! فعطلوا النصوص الصحيحة بألفاظها ومعانيها، وحملوا النصوص على معان بعيدة بل غريبة مستنكرة، بل اعتمدوا على مصادر غير معتمدة، وانحرفوا انحرافا شديدا كما سيأتي.
ولست ممن يتابع هذه الحسابات ولا وسائل التواصل، وليس لي خوض في هذا المجال، ولكن بحسب ما يبلغني ممن حولي عن انتشار هذه الأخبار، وانتشار هذه الأحكام ونحو ذلك، وبناء عليه كانت أهمية تدارس الضوابط والقواعد الخاصة بتنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع المعينة.
نصوص الفتن والملاحم جزء من عقيدة المسلم
بدايةً لابد أن نعلم أنّ نصوص الفتن والملاحم -كما لا يخفى عليكم- هي الأخبار الدينية التي ذكرت الاختبارات والابتلاءات التي ستحصل في مستقبل الزمان، والملاحم هي الأخبار التي تتناول القتال الذي سيكون بين المسلمين والكفار في مستقبل الزمان، وتنزيل هذه النصوص على الوقائع المعينة، بمعنى أن يحكم من يتولى هذا الأمر بأن هذا النص أو هذا الحديث أو هذه الآية يُراد به هذا الواقع المعين في الزمان المعين أو المكان المعين أو الشخص المعين أو الحال المعين، فيُنزل ويعيّن ما جاء مطلقا، وما جاء عاما يخصصه في زمان أو مكان أو شخص أو حال تعيينا وتحديدًا دقيقا، وهذا أمر خطير.
الشريعة عقائد وأعمال
ومعلوم أن الشريعة المطهرة جاءت بالعقائد والأعمال في أكثر من خمسة وسبعين موضعًا، يقرن الله -عز وجل- بين الإيمان والعمل الصالح {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فالإيمان هو التصديق الجازم بالله -تعالى- وما أخبر به من أركان الإيمان الستة، وما أخبر به مما كان وما سيكون، ولا يصح إيمان شخص حتى يؤمن بالله وبما أخبر به - سبحانه وتعالى-، ومن ذلك الأخبار الغيبية التي أخبر الله -عز وجل- أنها ستكون في آخر الزمان سواء في القرآن الكريم أم في السنة المطهرة .
الأعمال التكليفية والأعمال الدينية
والشريعة هي الأعمال التكليفية، والأعمال الدينية، فالمسلم يستسلم وينقاد لله -عز وجل- في التصديق بالأخبار الغيبية والامتثال في الأحكام العملية {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، والإيمان بمعناه الواسع تصديق الجنان وقول اللسان وعمل بالجوارح والأركان، فلا يصح إيمان إنسان حتى يؤمن بما أخبر الله -تعالى- به، ويعمل بما شرع الله -عز وجل-.
فنصوص الفتن والملاحم جزء من عقيدة المسلم، يجب أن يؤمن بها، ولا يصح إيمان إنسان حتى يؤمن بتلك النصوص، قال ابن قدامة: ويجب الإيمان بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصحّ به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطّلع على حقيقة معناه، ومن ثم يكون تنزيل النصوص على وقائع معينة أمرا خطير؛ لأنه يظهر صدق ما أخبر الله -تعالى- به في كتابه وعلى لسان رسوله، فإذا كان التنزيل دقيقا مطابقا للواقع، ظهر صدق ما أخبر الله -تعالى- به، وإذا تخلف يأتي الشك والريب فيما أخبر الله -تعالى- به، وهذا ما وقع، وسنذكرها من خلال أمثلة.
تنزيل النصوص على الواقع
لهذا عملية تنزيل النصوص على الواقع مثل تطبيق الحكم الشرعي، الآن من بديهيات الإسلام معرفة أركان الإسلام، كلنا يعرف أركان الإسلام التي جاءت في حديث ابن عمر -رضي. الله عنه - مرفوعًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا»، فلو سألنا أي إنسان ما حكم صلاة الفريضة؟ هل تجب صلاة الفريضة على كل مسلم؟
الجواب عند عامة الناس: نعم، تجب الصلاة على كل مسلم، لكنها عند العلماء: لا؛ فتجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل خال من الأعذار، ولا تجب الصلاة على الحائض ولا النفساء. هل تجب الزكاة على كل مسلم بناء على هذا الحديث؟ بادئ الأمر نعم، لكن عند العلماء تجب الزكاة على المسلم الغني الذي يملك نصابًا وحال عليه الحول.
تحقيق المناط
ومن ثم تطبيق الحكم الكلي تجب الصلاة على كل مسلم، لكن تنزيل هذا الحكم على زيد وعبيد يحتاج إلى تحقيق المناط، أن نرى هل هذا المحل استوفى الشروط وخلا من الموانع فينطبق الحكم عليه، أو أنه لم يستوف الشروط أو وُجِدَت موانع فلا ينطبق الحكم عليه؟ وإن كان الحكم الكلي صحيحًا ثابتا، لكن في هذه الحال لا ينطبق، ليس لأن الحكم كذب أو خطأ بل لتخلف شرط أو وجود مانع، فإذا كنا في الأحكام العملية نرجع إلى العلماء في تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع الجزئية، كذلك نرجع إلى العلماء في تنزيل الأحكام الغيبية على الأحوال المعينة، فلا يصح أن يأتي إنسان ليس من العلماء ولا من طلبة العلم ثم يقول هذه الواقعة ينطبق عليها الحديث الفلاني، وهذا الحديث الفلاني ينطبق على هذه الواقعة، لا يصح هذا؛ لأننا إذا كنا لا نقبل من غير العالم أن يُفتي؛ لأن الفتيا هي الإخبار عن حكم الله -عز وجل- لمن سأل عنه بدليل شرعي.
النظر في الحكم الكلي والواقع
فالمفتي ينظر في الحكم الكلي وينظر في الواقع الذي أمامه، ثم يرى هل هذه الواقعة ينطبق عليها الحكم الكلي؟ فيحول الحكم الكلي إلى حكم جزئي يتناول هذا، وقد يتخلف الحكم في صورة أخرى مشابهة فيما يظهر للإنسان العادي، لكن العالم يرى أن هذه المسألة تختلف؛ ففيها فرق دقيق يعرفه العالم.
ليس بالأمر اليسير ولا العشوائي
فإذًا تنزيل الأحكام أو تنزيل الأخبار الغيبية فيما يجري في آخر الزمان من الفتن والملاحم ليس بالأمر اليسير ولا بالأمر العشوائي، وإنما لابد أن يكون وفق منهج علمي دقيق؛ لأن هذا من باب تحقيق المناط، فالعالم أو الباحث أو الناظر يتأمل هذه الواقعة، ويرى هل ينطبق عليها ذلك الحديث الكلي في هذه الواقعة أو لا ينطبق؟
لذا نجد أن الكلام كثر في هذا المجال وفي هذا السياق؛ لأن الإنسان فيه تشوّف لمعرفة الغيب، النفوس فيها تشوّف لمعرفة الغيبيات والمستقبل؛ ولهذا تجد أن الناس يتجهون إلى الكهان والعرافين والمنجمين ليسألوا عن أمور الغيب، غيب يتعلق بالإنسان في مستقبل أحواله، أو مستقبل بقية الناس، فيذهبون إلى الكهان والعرافين يبحثون عن أخبار مستقبلية؛ لأن النفس تتوق لمثل هذه الأخبار، فراج سوق الكذب بسبب أن الناس عندها تشوّف، تريد أن تعرف هذا الأمر، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وباب الكذب في الحوادث الكونية أكثر منه في الأمور الدينية؛ فالأخبار الدينية في موضوعات، لكن الكذب في الأخبار الكونية التي ستكون في آخر الزمان أكثر، قال: لأن تشوّف الذين يغلّبون الدنيا على الدين إلى ذلك أكثر، وإن كان لأهل الدين إلى ذلك تشوّف، ولكن تشوّفهم إلى الدين أقوى، وأولئك (أهل الدنيا) ليس لهم من الفرقان بين الحق والباطل من النور ما لأهل الدين؛ لذلك كثر الكذابون في ذلك ونفق منه شيء كثير.
ومن ثم احذروا التساهل في تنزيل نصوص الفتن والملاحم على وقائع بعينها؛ لأنه يفتح باب القول على الله بغير علم، ويفتح باب شر، ويؤدي إلى ترك أعمال مشروعة أو فعل أعمال غير مشروعة، وتعطيل نصوص، وتأويل نصوص، ويُكذب كذبا صريحًا في هذا الباب؛ بسبب التساهل في هذه المسألة، ممن يتصدر لهذا الأمر وممن يُصدّقه.
وقفات وضوابط
ونأتي لبعض الوقفات والضوابط في هذا الباب:
  • أولاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية والأخبار الغيبية
من الضوابط المهمة في هذا الباب أنَّ هذا الأمر يتعلق بالأحكام الشرعية العملية وكذلك بالأخبار الغيبية وكلاهما من الدين، وكثير من الناس لا يفرّق بين مصادر المعرفة، فهناك معرفة دينية، وهناك معرفة دنيوية، وعموما مصادر المعرفة ثلاثة: الحس الظاهر والباطن، والعقل، والخبر الصادق.
مصادر المعرفة الدنيوية
- المعرفة الدنيوية: الإنسان يصل من خلالها إلى حقائق العلم، ومصادرها الحسّ، فبالرؤية نعرف أن هذا أبيض وهذا بني، وباللمس نعرف أن هذا بارد وهذا ساخن، وهذا حلو وهذا مر، فالحواس طريق للمعرفة الدنيوية.
- وكذلك من خلال الأمور العقلية: نعرف أنَّ النصف أقل من الكل، والواحد نصف الاثنين، والكل أكبر من الجزء، فهذه أمور عقلية وقوانين عقلية يعرفها العقل بصرف النظر عن جنس الإنسان وديانته، فهي أمور مقررة عقلا.
- وأما الخبر الصادق: فالناس على سبيل المثال لم ترتحل إلى الصين، لكن يعرفون أن الصين موجودة قبل أن تظهر وسائل التواصل، ولم يروا الصين لكن سمعوا خبرا متواترا أن هناك بلدا اسمه الصين فصدّقوا وعرفوا أن هناك بلدا اسمه الصين.
قال ربنا -عز وجل-: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فهذه نوافذ المعرفة، الحواس والعقل، الحواس الظاهرة فالإنسان يحس بالأمور من خلال الحواس الخمس، والحواس الباطنة كأن يشعر بالألم والفرح والجوع، والعقل ودون الحواس لا يستطيع الإدراك، فالعقل يتلقى هذه المعلومات ويترجمها ويؤدي وظائفه، غريزة إدراكية تقوم على وظائف، التذكر والكلام واللغة والحكم على الأشياء، مجموعة وظائف تعتمد على المعلومات التي ترد إليه من الحواس، والخبر يعم ذلك، ونطاق هذه المصادر في الأمور الدنيوية والأمور المحسوسة والأمور المعقولة.
وكلنا يعلم أن العقل والحواس لهم حدود، فهي لا تدرك الغيبيات، فنحن لا ندري ما يحدث في بيوتنا ونحن جالسون هنا الآن، يأتينا اتصال أن تعال نحتاجك، فنذهب مصدقين أن هناك أمرا مهما في البيت، تسأل أحدنا هل رأيت أو عقلت؟ فيقول لا، لقد جاءني خبر صادق من الأهل أنهم محتاجون إليّ الآن، وهم لا يكذبون، احتمال الكذب قائم لكن أنا أصدقهم.
إذًا في الغيبيات سواء الكلية أو الجزئية ليس للحواس علاقة بها، مهما بلغ الإنسان من الذكاء لا يعرف، ففي الأمور الغيبية لا سبيل لمعرفتها من خلال الحس أو العقل، وإنما تعرف من خلال الخبر الصادق وهو الوحي، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، فإذًا في الغيبيات لا سبيل للمعرفة إلا الخبر الصادق وهو الوحي.
مصادر المعرفة الدينية
من هنا فأول ضابط في هذا الباب أن الأخبار الغيبية والشرعية لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق الوحي، فالعلوم الدينية والأخبار الغيبية والأحكام الشرعية لا تؤخذ من الحس ولا العقل ولا التجارب، ولا الأحلام ولا الأوهام ولا الاسرائيليات، ولا عادات الناس ولا التاريخ، وإنما تؤخذ الأحكام الشرعية سواء الأخبار الغيبية أم الأحكام العملية من الوحي؛ ولهذا جاءت النصوص تأمر باتباع الوحي، قال -تعالى-: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3)، وقال -تعالى-: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (الأحزاب: 7).
التحذير من الانحراف عن هذا الطريق
جاءت النصوص تأمر باتباع الوحي وتحذّر من المخالفة أو الإعراض عنه؛ ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -» فإذًا طريق المعرفة الدينية هو الوحي، القرآن الكريم والسُنَّة النبوية الصحيحة هما طريقا العلم الديني في الأخبار الغيبية والأحكام العملية، وقد حذّر الله -تعالى- من الانحراف عن هذا السبيل أو الإعراض عنه، قال -تعالى- {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة: 120)، فما ثَم إلا الحق أو الهوى، إما تتبع الحق «وقل الحق من ربكم» وإلا فهو اتباع الهوى والانحراف، قال -عز وجل-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (البقرة: 170)، فأعرضوا عن الحق لما ألفوا عليه آباءهم من العادات والتقاليد، قال -عز وجل- {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة: 170)، ولما أنزل الله آدم إلى الأرض أعطاه منهجا، قال -تعالى-: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه:123)، وفي المقابل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 39)، فإما أن تتبع الحق وتكون من الناجين، أو تُعرض عن الحق وتكون -عياذا بالله- من الهالكين، فأول نقطة في هذا الباب هو أن مصدر المعرفة الدينية هو الوحي، القرآن الكريم والسُنَّة النبوية الصحيحة المطهرة.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-01-2025, 08:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم

منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم – الحقلة الثانية


  • أخبر الله عز وجل أنَّ الإسرائيليات وهي الأخبار التي جاءت في كتب اليهود والنصارى محرفة فالمصادر غير موثوقة وتفسيرهم أقرب ما يكون للهذيان وكلام غير العقلاء
  • من مصادر الدجالين في معرفة الأخبار الغيبية التنجيم وهو ربط الحوادث الكونية بالأحداث الفلكية والوقائع الأرضية والربط بينها إذا ظهر نجم كذا يحصل كذا وكذا وهذا شعبة من السحر
  • المرجع في التمييز بين الأحاديث المقبولة وغير المقبولة إلى أهل العلم بالحديث فلكل علم رجال يُعرفون به
  • في دين الله عز وجل أخبار غيبية وأحكام عملية وأخلاق سلوكية كل هذا من الدين المنزّل من الله تعالى على رسوله [ فيجب أن تكون مصادره موثوقة
  • الإسرائيليات أخبار أوضح الله عزوجل أنها محرفة ومع ذلك يستدل بها بعضهم على أنها من المصادر الموثوقة
  • لابد من التثبت من مصدر الخبر أو مصدر الحكم فإذا كان الأمر ثابتا في القرآن فهو قطعي الثبوت وأما إذا جاء في السُنَّة فمعلوم أن السُنَّة منها ما هو صحيح مقبول ومنها ما هو ضعيف مردود
  • الكلام في مسائل الشرع بغير علم من القول على الله بغير علم وأي كذب أعظم من أن يقول الإنسان هذا الأمر أخبر الله تعالى به في كتابه وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا دليل على ذلك
  • الكشف معناه الارتقاء في التقوى والولاية ثم ينكشف له الحجاب ويرى من الغيب ما لا يرى غيره ويعدون ذلك مصدرًا موثوقا لأخذ العلم وهذا كله انحراف عن المنهج الصحيح
ما زال حديثنا مستمرا عن ضوابط تنزيل نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية على وقائع بعينها، وكنا قد ذكرنا أن كثيرا من الناس قد وقع في تنزيل النصوص على الوقائع دون أي ضوابط شرعية ولا الاستناد إلى المصادر الدينية المعتبرة، وقلنا: إن هذه مسألة في غاية الخطورة، فإنه ينبني على ذلك أحكام من الحلال والحرام، والإقدام والإحجام، وقد ينبني عليها استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكان لابد من ضبط ذلك بضوابط واضحة، وقد ذكرنا الضابط الأول في الحلقة الماضية وهو: معرفة الأحكام الشرعية العملية والأخبار الغيبية، ونكمل اليوم الحديث عن تلك الضوابط.
الضابط الثاني: الاعتماد على مصادر موثوقة
شاع في الناس وفي وسائل التواصل وفي المؤلفات والمقالات والحسابات أناس يُنزّلون النصوص الشرعية على الوقائع المعينة استنادا إلى مصادر غير معتمدة وغير معتبرة، فمثلا الكاتب والمؤلف المصري محمد عيسى داود له مجموعة كتب منها كتاب: (احذروا)، ذكر أمورا منها على سبيل المثال: قد يسألني قارئي الحبيب كيف اهتديت إلى كل هذه المعلومات بلا مصادر؟! أقول: بل هناك مصادر، فالقراءة الواعية ثم استقراء الأحداث، ورفع درجات حدة الحدس والاستبصار والتدبر والتأمل، كل هذه وسائل لتنزيل هذه الأخبار على الواقع، بل هو يصفها أنها جهاز استقبال الخواطر يمكن أن يقف أمام التحليل العلمي والفلسفي عاجزين، وكثير من فكري ومضات من البرق واستنارات فجائية إن لم تداركها بالتسجيل ضاعت.
وفي كتابه هذا يبين حوادث بالتواريخ والأماكن والأسماء قصص وحكايات وأفلام على النمط الأمريكي كما سيأتي، مصادره الحدس، والاستبصار، والـتأمل، والتدبر، ونصوص من التوراة المحرفة، والناس -مع الأسف- عندهم تشوّف لمعرفة الغيبيات فيصدقون مثل هؤلاء.
الإسرائيليات
الإسرائيليات، وهي الأخبار التي جاءت في كتب اليهود والنصارى التي أخبرنا الله -عزوجل- عنها أنها محرفة {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ}، فهذه كتب قرر الله -عزوجل- أنها محرفة، وما زالوا يرجعون إليها، فالمصادر غير موثوقة وتفسيره أقرب ما يكون للهذيان وكلام غير العقلاء، ولا يخفى عليكم الموقف من الإسرائيليات.
التنجيم
ومن مصادرهم التنجيم، ومعلوم لديكم أن التنجيم هو ربط الحوادث الكونية بالأحداث الفلكية بالوقائع الأرضية، والربط بينها إذا ظهر نجم كذا يحصل كذا وكذا، وهذا شعبة من السحر، وعِلم التنجيم محرم؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أَتَى عَرَّافًا فسأله عن شيءٍ فصَدَّقَهُ بما قال لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أَرْبَعِينَ يومًا»، وفي حديث آخر «فإن صدّقه كفر بما أنزل على محمد»، وما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يعلم الغيب إلا الله {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}، {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}. ومن ثم فهؤلاء الناس يرجعون إلى المنجمين لمعرفة الوقائع المستقبلية.
يقول أمين محمد جمال الدين وهو من مشايخ الأزهر في كتاب (هرمجدون)، وهرمجدون هذا مصطلح في التوراة اقتبسوه وأدخلوه في أحاديث الملاحم وجمعوا بينهم، وبينهم فرق شاسع وأحوال مختلفة، فيقول هذا المؤلف: إن من مصادر هذا الكتاب الذي ذكر فيه قصص وحكايات على الحقيقة والواقع مصدره اليهودي المنجم الفلكي (ميشيل دي نوسترادام) الذي عاش في القرن السادس عشر، ثم كأنه استدرك كيف تأخذ كلامك من منجم،؟ قال: هذا العراف وهو طبيب في الأصل لم يأت بما أتى من باب الكهانة، وإنما عثر على مخطوطات إسلامية، اطّلع عليها ونقل منها هذه الأخبار الغيبية. فهذه بضاعتنا ردت إلينا، فأنا آخذ العلم من مخطوطات إسلامية التي اطّلع عليها هذا اليهودي ونشرها، ومن ثم يصوّر للقارئ أن مصادره موثوقة.
علم حساب الحروف
ومنهم من يرجع إلى علم حساب الحروف، بأن يركّبوا حروف الأبجد هوز، ويركّبوا منها أرقاما ويستنبطون منها تواريخ وحوادث، ومن ثم يستنبطون هذه الأحكام ويربطونها بالوقائع، فمثلا: «ألم» نأخذ الألف معناها كذا ونركّب منها، ونأخذ هذه الحروف ونركّب منها ثم يركّبون تواريخ على وقائع، وهذا العلم كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: ولهذا تجد عامة من في دينه فساد يدخل في الأكاذيب الكونية، مثل أهل الاتحاد، فإن ابن عربي في كتاب العنقاء أخبر مستقبلات كثيرة عامتها كذب، وكذلك ابن سبعين، وكذلك الذين استخرجوا مدة بقاء هذه الأمة من حساب الجمل الذي ورثوه من اليهود ومن حركات الكواكب الذي ورثوه من الصابئة، كما فعل الكندي من الفلاسفة وغير ذلك.
الكشف
ومنهم من يرجع إلى الكشف، والكشف عند الصوفية معروف، وهو أن الإنسان يرتقي في التقوى والولاية ثم ينكشف له الحجاب، ويرى من الغيب ما لا يرى غيره، ويعدون ذلك مصدرًا موثوقا لأخذ العلم، وهذا كله دعاوى عريضة وانحراف عن المنهج الصحيح؛ ولهذا يقول محمد عيسى داوود في كتاب احذروا: وله -أي الدجال- قصر مهيب رهيب لا أدري موضعه بالتحديد، ولكنني بالحدس الإسلامي أقول: إنه في فلوريدا، ولِيَ حدس أن فلانا وفلانا من رجاله، قريب من دعوى الكشف هذا الحدس، ثم استنادهم إلى الأحلام وإلى المنامات فهذا الانحراف عن هذا الضابط.
مصادر الأخبار الغيبية
فإذًا أول الأمر -سواء في الأخبار الدينية الغيبية أم في الأحكام العملية- لا يؤخذ إلا من مصدر واحد وهو الخبر الصادق فيما جاء في الوحي المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة، فلا نعتمد على مصادر أخرى مثل هذه المصادر، والسؤال الأول دائمًا فيما يقرر حكما دينيا سواء في الأخبار الغيبية أم الأحكام العملية هو: ما دليلك؟ ما مصدر هذه المعلومة؟ هل هو الوحي أم مصدر آخر؟ إذا كان الوحي نأتي إلى المرحلة الثانية وهي التحقق من هذا المصدر؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أمرنا بالتثبت ونهانا عن القول بغير علم، قال -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، قال قتادة: لا تقل رأيت ولم ترَ، ولا سمعت ولم تسمع؛ فإن الله -تبارك وتعالى- سائلك عن ذلك كله.
والكلام في مسائل الشرع بغير علم من القول على الله بغير علم، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وأي كذب أعظم من أن يقول الإنسان هذا الأمر ما أخبر الله -تعالى- به في كتابه وقع وحصل أو هذا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا دليل عليه.
التثبت من مصدر الخبر
فإذًا لابد من التثبت من مصدر هذا الخبر أو مصدر هذا الحكم، إذا كان الأمر ثابتا في القرآن فالقرآن قطعي الثبوت، أما إذا جاء في السُنَّة فمعلوم أن السُنَّة منها ما هو صحيح مقبول، ومنها ما هو ضعيف مردود، فالصحيح الذي توافرت فيه شروط الصحة يكون مقبولا في الجملة، أما ما لم تتوافر فيه شروط الصحة بأن يكون ضعيفا فلا يقبل لا في العقيدة ولا في العمل.
وأشنع من ذلك وأفظع من يقبل الأخبار الموضوعة، وهي الكذب المختلق المصنوع الموضوع المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زورا وبهتانا، فكثير من هؤلاء يرجع إلى أحاديث موضوعة وأكاذيب لا أصل لها وينسبها إلى النبي الكريم وينسبها إلى هذا الدين؛ لهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاستدلال بما لم تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق؛ فإنه قول بلا علم وهو حرام بالكتاب والسُنَّة والإجماع، ولا يخفى عليكم قول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وقال: «مَن حَدَّثَ بحديثٍ، وهو يَرى أنَّه كَذِبٌ؛ فهو أحَدُ الكاذِبَيْنِ، وقال عبدُ الرَّحمنِ: فهو أحَدُ الكَذَّابينَ» إما الكذاب الذي رواه أو الكذاب الذي نقله.
الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -
يقول البغوي: اعلم أن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم أنواع الكذب بعد كذب الكافر على الله -سبحانه وتعالى-، وحذّرنا النبي من هذه الفئة فقال: «سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي أُناسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ» أخرجه مسلم، ومن الأحاديث غير الصحيحة في هذا الباب، كثير من أحاديث الملاحم، قال الإمام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المَغازي، والملاحم ، والتفسير، قال الخطيب البغدادي في تعليقه على هذا الكلام: إن كتب الملاحم جميعها بهذه الصفة، يعني أحوال مصنفيها سيئة وناقليها غير عدول، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم - من وجوه مُرضِية، يقول يحيى بن معين: قال لنا أبو اليمان: الحقوا ألواحا سأملي عليكم، فإنه يجيء ههنا الآن خليفة بسلمية فيتزوج ابنة هذا القرشي الذي عندنا، ويفتح بابا ههنا، وتكون فتنة عظيمة، قال يحيى بن معين: فما كان من هذا شيء وكان كله باطلا، قال يحي بن معين: وهذه الأحاديث التي تحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء كلها كذب وريح ليس لها أساس، لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السماء.
التمييز بين الأحاديث المقبولة وغير المقبولة
كيف نميّز بين الأحاديث المقبولة والأحاديث غير المقبولة؟ نرجع إلى أهل العلم، نرجع إلى المتخصصين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وذاك إلى أهل العلم بالحديث، كما نرجع إلى أهل النحو في معرفة نحو العرب من نحو غيرهم، وإلى أهل اللغة في معرفة الألفاظ العربية من غيرها، ونرجع إلى أهل الشعر وأهل الطب، كذلك نرجع إلى أهل الحديث في التمييز بين الأحاديث فلكل علم رجال يُعرفون به، والعلماء بالحديث أجَل هؤلاء قدرا وأعظمهم صدقا وأكثرهم دينا، ولهذا قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم؟ الدين أخبار غيبية وأحكام عملية وأخلاق سلوكية، كل هذا دين منزّل من الله -عز وجل- على رسوله الكريم. فينبغي أن تكون المصادر محل ثقة.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-02-2025, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم

منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم – الحقلة الثالثة –


  • إذا ثبت النص سواء من القرآن الكريم أم من السنة الصحيحة قبل أن نطبق هذا النص على أرض الواقع لابد أن نفهم دلالة هذا النص فهمًا صحيحًا
  • إذا أردنا إنزال النص الكلي على واقع معين لابد أن نتأكد من وجود الشروط وانتفاء الموانع في الحكم الشرعي العملي لهذا النص
  • كان الصحابة يحرصون على المعاني أكثر من الألفاظ ويبلغون هذه المعاني من جاء بعدهم ولهذا كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهم مما لم يفهموه
  • ابن باز: لا يجوز الجزم بأن فلانا هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الثابتة وأعظمها وأوضحها كونه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت جورا وظلما
  • الاستعجال في تنزيل النصوص على وقائع غير مقصودة يوقع الإنسان في الخطأ ويوقعه أيضًا في الكذب
  • الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا فما أراده بنا طواه عنا وما أراده منا بيّنه لنا فما لنا نشتغل بما أراده بنا ونهمل ما أراده منا
ما زال حديثنا مستمرا عن ضوابط تنزيل نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية على وقائع بعينها، وكنا قد ذكرنا أن كثيرا من الناس قد وقع في تنزيل النصوص على الوقائع دون أي ضوابط شرعية ولا استناد إلى المصادر الدينية المعتبرة، وقلنا: إن هذه مسألة في غاية الخطورة، فإنه ينبني على ذلك أحكام من الحلال والحرام، والإقدام والإحجام، وقد ينبني عليها استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكان لابد من ضبط ذلك بضوابط واضحة، وقد ذكرنا الضابط الأول في الحلقة الماضية وهو: معرفة الأحكام الشرعية العملية والأخبار الغيبية، ونكمل اليوم الحديث عن تلك الضوابط، وذكرنا أيضًا الضابط الثاني وهو: الاعتماد على مصادر موثوقة، واليوم نكمل الحديث عن هذه الضوابط.
الضابط الثالث: فهم دلالة النصوص فهمًا صحيحًا
من الضوابط المهمة في هذا الباب أنه إذا ثبت النص -سواء من القرآن الكريم أم السنة الصحيحة، قبل أن نطبق هذا النص على أرض الواقع- لابد أن نفهم دلالة هذا النص فهمًا صحيحًا؛ لأن عندنا دليلا وعندنا واقعا وعندنا مدلولا، عندنا دليل يحمل دلالة ونريد أن نطبق هذه الدلالة على الواقع، عندنا دليل تأكدنا من ثبوته يبقى أن ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهو المدلول، ما دلالة هذا النص على المراد؟ وهل تنطبق أو لا تنطبق؟ فقبل أن ننزل النص على واقع معين لابد أن نفهم النص أولا فهما صحيحا؛ لأن كثيرا من الناس يفهم النصوص على فهمه المعاصر، وهذا خطأ. في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُنبذ له فيشرب هذا النبيذ اليوم الأول والثاني ثم بعد ذلك يسكبه، إذا رجعت إلى الناس في العصر الحديث يقول لك هذا حديث غير صحيح! كيف يشرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - نبيذا؟! إنه يقول ذلك؛ لأنه فهم أن كلمة نبيذ تعني: الخمر، وهذا غير صحيح؛ لأنه في العرف المتقدم أن النبيذ يطلق على العصير؛ إذ كانوا يضعون الرطب أو التمر أو العسل ويسكبون عليه الماء ويتركونه فتره ليصبح مذاقه طيبا، وقبل أن يتغير طعمه يسكبه النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأين الخطأ؟ الخطأ أن الإنسان حمل هذه النصوص على مفهومه المعاصر ولم يحمله على المفهوم القديم أو المفهوم المراد، لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: يحتاج المسلمون إلى شيئين:
  • أولا: معرفة ما أراد الله ورسوله بألفاظ الكتاب والسنة.
  • ثانيا: تفسير السلف من الصحابة والتابعين لهذه الألفاظ.
قال: وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ، فإن الرسول بيّن لهم المعاني كما بيّن لهم الألفاظ، والصحابة الكرام كانوا يحرصون على المعاني أكثر من الألفاظ، ويبلغون هذه المعاني من جاء بعدهم؛ ولهذا كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عما أشكل عليهم مما لم يفهموه.
الضابط الرابع: التحقق من طبيعة الواقع
إذا أردنا أن ننزل النص الكلي على واقع معين، لابد أن نتأكد من وجود شروط وانتفاء موانع في الحكم الشرعي العملي، كلنا يقرأ ويعرف حديث أن النبي نهى عن بيع الغرر، والغرر هو مجهول العاقبة، سواء كان مجهول العين أم مجهول المآل، فيدخل فيه أمور كثيرة، هذا حكم كلي، لكن إذا جاء أحدهم وسألك أنا عقدت البيع مع فلان هل هذا بيع الغرر أم لا؟ اشتريت بطيخة ولا أدري ما بداخلها، فهل هذا بيع غرر أم لا؟ فلابد للإنسان أن يدرس هذه الحال، ثم ينظر هل هذا الحديث ينطبق أو لا ينطبق؟ فإذا فيه معنى الغرر فإن هذا البيع منهي عنه، الآن نعرف أن شرب الخمر حرام فجاءنا شراب، هل هذا حلال أم حرام؟ علينا أن نتأكد هل هذا شراب مسكر، فيكون حراما، وإذا لم يكن مسكرا فيكون حلالا، كذلك تنزيل الحكم على أرض الواقع يحتاج أن نعرف طبيعة هذا الواقع، هل توافرت فيه الشروط وانتفت الموانع أم لا؟ فإذا توافرت الشروط وانتفت الموانع يكون التنزيل صحيحًا، وإلا يكون غير صحيح.
تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - من ابن صائد
ولهذا لما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن ابن صائد هو الدجال فذهب وتحقق وسأله أسئلة وفاجأه وتخفى له حتى يعرف من أمره، لم يحكم عليه لمجرد أنه يهودي، وهو كما قال العلماء دجال من دجاجلة اليهود، لكن ليس هو الدجال، لهذا لما استأذن عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يقتل ابن صائد، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إن يكن هو لا تُسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله. فإذًا لم يطبق النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث مباشرة، وإنما تحقق هل هو الدجال أم ليس الدجال؟ وهكذا قال مجاهد عن عبدالله بن عمرو قال: كأني أنظر إلى الكعبة يهدمها رجل من الحبشة أُصَيْدِع أُفَيْدِع. قال مجاهد: فلما هدمها ابن الزبير لصيانتها وترميمها قال جئت لأنظر لأرى ما قال فيه، فلم أر مما قال شيئا، أن عبدالله بن الزبير ليس أصيدع وليس أفيدع؛ فلا نستطيع أن ننزل الحديث أن عبدالله بن الزبير هو المقصود.
الضابط الخامس: التؤدة والتأني
من الضوابط المهمة أيضًأ التأني، ينبغي أن يكون الإنسان متأنيًا، التؤدة والأناة والرفق والحلم محمود شرعا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التَّأَنِّي من اللهِ والعجلَةُ من الشيطانِ»، التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبدالقيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة»، فالرفق والتأني وعدم العجلة محمود شرعا، وهو في هذا الباب أولى؛ لأن بعض الناس يريد أن يحقق سبقا صحفيا ويسبق الآخرين بتقرير أحكام يسبق فيها الآخرين فينحرف ويستعجل في تنزيل الأحكام. انظر مثلا إلى الكاتب محمد عيسى داود يقول: ولم يعرف العالم كله -بفضل الله- كاتبا أو مفكرا قال بنظرية وجود المسيخ الدجال في مثلث برمودا وأنه صاحب الأطباق الطائرة سوى الكاتب الصحفي محمد عيسى داود، فلا شك أنَّ الذي حمله على ذلك هو تحقيق سبق صحفي وأنه صاحب هذه النظرية. عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «إنها ستكون أمور مشتبهات؛ فعليكم بالتؤدة فإنك أن تكون تابعا في الخير، خير من أن تكون رأسا في الشر»، قال حفص بن غياث قلت لسفيان الثوري: يا أبا عبدالله، إن الناس قد أكثروا في المهدي، الخليفة المهدي، عمر بن العزيز المهدي، فلان المهدي، فما تقول فيه؟ قال سفيان: إن مرّ على بابك فلا تكن منه في شيء حتى يجتمع الناس عليه. يعني تروَّ. ولهذا يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: لا يجوز الجزم بأن فلانا هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الثابتة، وأعظمها وأوضحها كونه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت جورا وظلما، قال إبراهيم بن ميسرة: قلت لطاووس: عمر بن عبدالعزيز المهدي؟! قال: لا، إنه لم يستكمل العدل كله.
خطورة الاستعجال في تنزيل النصوص
فالاستعجال في تنزيل النصوص على وقائع غير مقصودة يوقع الإنسان في الخطأ، أو يوقع في أن يُكذّب الخبر، أخرج مسلم عن عبدالله بن صفوان، قال أخبرتني حفصة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَيَؤُمَّنَّ هذا البَيْتَ جيشٌ يغزونَهُ، حتى إذا كانوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأرْضِ، يُخْسَفُ بأوْسَطِهم، وينادِي أوَّلُهم آخرَهم، ثُمَّ يَخْسَفُ بِهم فَلَا يَبْقَى إلَّا الشَّريدُ الذي يُخْبِرُ عنهم» وفي زيادة عند ابن ماجه قال: فلما جاء جيش الحجاج ظننا أنهم هم -الجيش الذي سيخسف به- ما الذي حدث؟ اجتاحوا مكة وقتلوا الزبير وما أحد هلك منهم. إذًا أين المشكلة؟ هل الحديث كذب؟! فقال رجل أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة، وأن حفصة لم تكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالخبر صحيح، ولكن ليس هذه الواقعة.
الضابط السادس: مراعاة الترتيب
كذلك من الضوابط مراعاة الترتيب، فقد أخبرنا الله -عزوجل- أن الساعة أمامها أشراط، وأنها لا تكون حتى تكون أشراطها، وأن هذه الأشراط لها ترتيب معين كما في الأحاديث النبوية، فلا يدّعي إنسان أنها ستقع الساعة ولما تقع الأشراط، كما قال في حديث مسلم عن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - قال: «اطَّلَع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتَذاكَرُ فقال: ما تَذكُرونَ؟ قالوا نَذكُرُ الساعةَ، قال» إنها لن تَقومَ حتى ترَوا قبلَها عشْرَ آياتٍ، فذَكَر الدُّخانَ والدجَّالَ والدابَّةَ وطُلوعَ الشمسِ من مَغرِبِها ونُزولَ عيسى ابنِ مريمَ - عليه السلام- ويَأجوجَ ومَأجوجَ وثلاثَ خُسوفٍ خَسفٌ بالمَشرِقِ وخَسفٌ بالمَغرِبِ وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُجُ من اليمَنِ تَطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم»، يقول أخرج مسلم عن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيراء -يعني أتى من بعيد ليس له شأن ولا دأب- إلا أن يقول يا عبدالله بن مسعود جاءت الساعة، يا عبدالله بن مسعود جاءت الساعة، فقعد عبدالله بن مسعود وكان متكئا، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسم ميراث ولا يُفرَح بغنيمة، لم يوافقه، فلا يصح لإنسان أن يستعجل في تنزيل هذه الأحكام، بل يتروى. أخرج الحاكم عن أبي الطفيل قال: كنت بالكوفة فقيل خرج الدجال، فأتينا على حذيفة بن أسيد وهو يُحَدّث وقلت هذا الدجال قد خرج، قال: اجلس، فجلست، فأتى علي العريف فقال: هذا الدجال قد خرج وأهل الكوفة يطعنونه، قال: اجلس، فجلست. فنودي بعد ذلك أنها كذبة صبّاغ. فقلنا: يا أبا سريحة، ما أجلستنا إلا لأمر، فحدِّثنا. قال: إن الدجال لو خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخذف، ولكن الدجال يخرج في بُغض من الناس، وخِفة من الدين، وسوء ذات بين. فيرد كل منهج، فتطوى له الأرض ثم ذكر الحديث.
ليس شرطا قرب العلامات من القيامة
ثم إن بعض الناس يظن أن العلامات تظهر ثم تأتي الساعة بعدها قريبا مباشرة، فليس من شرط العلامات أن تكون قريبة من الساعة، أن تطلع العلامات ثم تأتي القيامة؛ لأن العلامات متنوعة وكثيرة، قال -تعالى-: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}. وهذا حصل في زمان النبي- صلى الله عليه وسلم -، كم بيننا وبين النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -؟ مئات السنين، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: «بُعثت أنا والساعة كهاتين» مسافة قريبة! كم بيننا وبين النبي الكريم؟ في حديث عوف بن مالك قال له النبي: اعدد بين يدي الساعة ستا، أولها موتي -موت النبي صلى الله عليه وسلم - وهو من علامات الساعة. فليس شرطا أن تكون العلامة ثم الساعة، إنما قد يكون بينهما زمن طويل في هذا.
ليس شرطا أن تكون كل فتنة لها نص
وليس شرطا أن تكون كل فتنة لها نص، فنُحمّل النصوص ما لا تحتمل، بعض الناس يظن أن كل واقعة وكل مصيبة تقع بالمسلمين لابد لها ذكر في السُنَّة، فقد حدث على مر تاريخ الأمة مصائب كبيرة، حُرقت الكعبة، ورميت بالمنجنيق، ولا يوجد خبر عن ذلك، الباطنية اجتاحوا الحرم وقتلوا ومُلِئ بئر زمزم بالقتلى، وأخذوا الحجر الأسود عشرين سنة عندهم في الإحساء، ولا يوجد خبر عن هذا أيضًا، النصارى غزوا الشام قرنين من الزمان ولا يوجد خبر، فليس بالضرورة أن كل حدث جلل له خبر في السنة، وإنما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - بما أراد الله -تعالى- أن يخبرنا به، ولهذا ليس على الإنسان أن يتجرأ ولا يُقدم على تحديد أوقات معينة بتواريخ معينة لهذا الأمر؛ لأن هذا من الغيب الذي لم يطّلع عليه إلا الله -عز وجل-. قال القرطبي: والذي ينبغي أن يقال في هذا الباب أن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن والكوائن أن ذلك يكون، فهو صادق - صلى الله عليه وسلم -، لابد أن يقع، لكن متى؟ قال: وتعيين الزمان في ذلك يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك وقت علم الساعة لا يعلمها إلا الله -عزوجل-، يقول السخاوي: إن هذه التحديدات في زمان ومكان معين أخفاها الله عن أنبيائه ورسله فضلا عمن هم دونهم. قال ابن القيم -رحمه الله-: من القرائن التي تدل على أن هذا الحديث موضوع ذكر السنوات، ثم هناك حديث طويل ذكروه عن أبي هريرة أنه يذكر الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وغزو الكويت وغزو العراق بالتفصيل! أبو هريرة يقول أريد أن أحدثكم قبل أن أموت إبراء للذمة، ثم يسوق هذا الحديث الطويل بهذه الطريقة، وغير ذلك من هذا الهراء.
لابد من مراجعة العلماء
لهذا نختم بأنه لابد من الرجوع إلى العلماء، قال الله -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، قال -تعالى-: {إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}، فلابد من الرجوع إلى أهل العلم في هذا، وهناك علامات ظاهرة إذا وقعت كل الناس تعرف أن هذه وقعت، لكن هناك علامات دقيقة تحتاج إلى التأكد من المصدر، وفهم الدليل، ومعرفة طبيعة الواقعة، الشروط والموانع هل تنطبق أو لا تنطبق؟ لهذا أختم بكلام بعض العلماء يقول: إن الله -تعالى- أراد بنا شيئا، وأراد منا شيئا، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا بيّنه لنا، فما لنا نشتغل بما أراده بنا ونهمل ما أراده منا؟ الله -تعالى- أراد بنا أمرا، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. فلماذا يشتغل الإنسان بما يفعله الله وما هو في غيب الله، ويترك ما هو مطلوب منه؟ {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} قال عمر بن عبدالعزيز: إن الله لا يُطالب خلقه بما قضى عليهم وقدّر، ولكن يطالبهم بما نهاهم عنه وأمر، فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك.


اعداد: د.وليد خالد الربيع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 97.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 94.93 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]