|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات مع القصة في كتاب الله قصة موسى عليه السلام القسم الثاني الحلقة الأولى بقلم: عبد الرازق السيد عيد {وأشربوا في قلوبهم العجل} الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الفوز والفلاح لمن اتبع منهج الرسل إجمالا، واتبع خاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم تفصيلا .. وبعد: أخي القارئ الكريم، وقف بنا الحديث في آخر لقاء عند نهاية قصة فرعون مع موسى عليه السلام، والتي انتهت بهلاك فرعون وقومه. وقد وقفنا في حينها مع ما فيها من دروس وعبر. واليوم بحول الله وطوله ومدده نبدأ مع الحلقة الأولى من القسم الثاني؛ ألا وهو: قصة بني إسرائيل مع موسى، عليه السلام. وإن كانت لنا وقفات مع ما سبق من القصة، فستكون لنا وقفات أيضا مع ما سيأتي من أحداث قد تطول أو تقصر بحسب موضعها من القصة، ولكنها في جميع الأحوال ستكون أعجب وأغرب. ولا أريد أن أسبق الأحداث، ولنترك لكل درس موضعه، ولنشرع فيما قصدناه مستعينين بالله عز وجل. قال تعالى: {وجاورانا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} [الأعراف: 138، 139] . عجيب أمر هؤلاء القوم الذين من الله عليهم بالنجاة من فرعون وقومه، ثم بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا أنفسهم دار البوار، يمرون في طريقهم على قوم يعكفون على أصنام لهم فيطلبون من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها مثل آلهتهم، ماذا يعني ذلك؟ وقبل أن نجيب على هذا التساؤل نذكر إجابة موسى عليه السلام عليهم كما قصها علينا ربنا عز وجل في كتابه الكريم: {قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين} [الأعراف: 140] . يقول لهم موسى عليه السلام متعجبا من أمرهم ومستنكرا عليهم: كيف تريدون أن تعبدوا آلهة أخرى غير الله، والله سبحانه هو الذي خلقكم وخلق جميع الخلق، وهو سبحانه أكرمكم بالنبوة والرسالة وفضلكم بها على العالمين في زمانكم، ومن عليكم بنعم كثيرة مادية ومعنوية، ومنها نجاتكم من فرعون وقومه. يقول الله تبارك وتعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} [الأعراف: 141] . وقال موسى عليه السلام لقومه محذرا صنيع المشركين عبدة الأوثان: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} [الأعراف: 139] . والآن نعود للإجابة على سؤالنا الذي طرحناه: قوم بعث الله فيهم رسولا منهم، بل رسولين، ومن عليهم بالنجاة من عدوهم وأهلكه أمام أعينهم وهم ينظرون، ثم بعد قليل يمرون بسيناء على قوم يعبدون أصناما على هيئة عجل فيقولون لموسى: اجعل لنا أصناما مثل هذه الأصنام نتخذها آلهة ونعبدها!! فساد اعتقاد (اليهود) هذا الموقف من اليهود الذي وصفهم فيه موسى عليه السلام بالجهل، يدل على فساد عقيدتهم - إن لم يكونوا جميعا، فالأعم الأغلب منهم - فهم قوم يعبدون المادة، ولا يؤمنون بالغيب. وسيرتهم تدل على ذلك، فعندما دعاهم موسى عليه السلام لتحقيق الإيمان الصادق بالله، قالوا: أرنا الله جهرة!! قال تعالى حكاية عن بني إسرائيل قوم موسى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ... } [البقرة: 55] . فهم لا يصدقون بالغيب، لكنهم يريدون معاينة الله ورؤيته جهارا نهارا!! ومما يؤكد ذلك الأمر أنهم لم يقتنعوا بنصيحة موسى عليه السلام وتحذيره إياهم من فعل المشركين، وإن كانوا قد سكتوا مؤقتا وظل الأمر معلقا في قلوبهم، حتى انتهزوا فرصة غياب موسى عليه السلام وذهابه لميقات ربه، فصنعوا عجلا من ذهب وعبدوه من دون الله، ويقص الله سبحانه وتعالى علينا ذلك في كتابه الكريم، فيقول سبحانه: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين} [الأعراف: 148] . لا حول ولا قوة إلا بالله، انتهز القوم فرصة غياب موسى عليه السلام وصنعوا لأنفسهم عجلا من ذهب، وجعل الصانع فيه فتحة يخرج منها الهواء ويدخل فتحدث صوتا «خوارا» أين عقول القوم؟ ألا يرون أن هذا الصنم هم الذين صنعوه بأيديهم، وهو لا يسمع ولا يعقل ولا يهدي ولا ينفع ولا يضر، لا يملك لنفسه - فضلا عن غيره - ضرا ولا نفعا، فكيف يعبدونه من دون الله تعالى؟ إنه الجهل في أحلك صوره، وإنه لظلم عظيم. ولم يكتف القوم بذلك، بل بلغت بهم البجاحة مبلغها، فقالوا: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} [طه: 88] . انظر إلى عمى القلوب، لم يكتف القوم بعبادتهم العجل، بل تعجبوا من فعل موسى عليه السلام، وقالوا: أين يذهب موسى للقاء ربه، فهذا هو إلهكم وإله موسى، يقصدون أن العجل هو إلههم وإله موسى لكن موسى نسيه وذهب يبحث عن إله آخر!! سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وصل بهم الأمر إلى حد التشريع لموسى عليه السلام، وأنه يجب أن يتبعهم في باطلهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا أهل الجهل والباطل في كل زمان ومكان، يظنون أن باطلهم خير من الحق الذي جاء به الأنبياء، فيحتكمون إلى الباطل، ويتركون الحق الذي جاءت به الرسل. لقد فسدت عقيدة اليهود منذ وجودهم مع موسى عليه السلام، ولم ينفعهم نصح موسى ولم يعتبروا بالآيات التي كانت تأتيهم من الله تترى، ذلك لأن حب المادة تغلغل في قلوبهم كما وصفهم ربنا عز وجل، فقال في كتابه الكريم: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 93] . وتأمل التعبير القرآني البليغ {وأشربوا} أي: بلغ حبهم لعبادة العجل كمن شرب الماء وتغلغل في أجزاء جسده، كذلك وصل حب المادة إلى أعماق قلوب هؤلاء القوم بسبب كفرهم بالله، وهذا تصريح واضح من القرآن الكريم على فساد اعتقاد بني إسرائيل منذ عهدهم الأول، إلا من رحم ربي منهم، وهم قليل. وإذا كان هذا هو حالهم في عهودهم الأولى وقربهم من الأنبياء، فكيف يكون حالهم وقد خلفت من بعدهم خلوف وخلوف؟ إن فساد الاعتقاد عند بني إسرائيل هو أصل فسادهم بعد ذلك في كل شيء في عباداتهم ومعاملاتهم وفي أخلاقهم، وصدق الله حين وصف حالهم بقوله تعالى: {لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} [الإسراء: 4] ، ونحن لا نبالغ إن قلنا: إن كل فساد في الأرض اليوم يعود بسبب من أسبابه إلى اليهود، وسنوضح ذلك إن شاء الله فيما سيأتي من حلقات، والله المستعان. شبهة والرد عليها لكن رأيت قبل أن ننهي مقالنا هذا أن أورد شبهة قد ترد في أذهان البعض، ثم أحاول دفعها بالدليل فيما يلي بعون الله. وتدور الشبهة حول القصة التالية: روى الترمذي في سننه وابن حبان وغيرهما بالسند إلى أبي واقد الليثي قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرجنا معه قبل هوازن، حتى مررنا على سدرة للكفار يعكفون حولها ويدعونها «ذات أنواط». فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، إنها السنن، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم قوم تجهلون} ، ثم قال: «إنكم ستركبن سنن من قبلكم». وفي هذا الحديث يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة من مشابهة اليهود في أي شيء ومن التماس البركة من غير الله. ولهذا السبب قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع شجرة الرضوان؛ خشية أن يتخذها الناس موضعا بعد ذلك، وهو في ذلك يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسد ذرائع الشرك من كل باب. والشبهة التي قد ترد في ذهن البعض من هذه القصة؛ هو أن يتصور في الصحابة من وقع فيما وقعت فيه بنو إسرائيل، ويستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قلتم كما قالت بنو إسرائيل». وهذا الذي أردت التنبيه عليه، فالمشابهة هنا ليست من جميع الوجوه، وإن كان في الموقفين بعض التشابه أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحذر منه. - فبنو إسرائيل الذين قالوا لموسى هذا القول لم يكونوا حديثي عهد بإيمان، لكن الذين قالوا ذلك من الصحابة كانوا قريبي عهد بوثنية من الذين أسلموا يوم الفتح (حديث عهد بإسلام) . - بنو إسرائيل قالوا: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} ، لكن من قال ذلك من الصحابة قال: اجعل لنا ذات أنواط نعلق عليها أسيافنا التماسا للبركة، كما كان يفعل القوم (فهي شجرة للتبرك بها) . - لكن بنو إسرائيل رأوا قوما يعبدون أصناما على هيئة البقر أو العجل. - من قال ذلك من الصحابة انتهى بعد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفكر في الأمر مرة أخرى. لكن بنو إسرائيل ظل حب العجل في قلوبهم حتى انتهزوا أول فرصة غاب فيها موسى ثم صنعوا لأنفسهم عجلا عبدوه من دون الله، ولم يكتفوا بذلك - كما ذكرنا - بل قالوا: هذا إلهكم وإله موسى، ولكن موسى نسي وذهب يبحث عن إلهه، وهذا هو إلهه وإلهكم. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فالأمر عند بني إسرائيل أمر اعتقاد متغلغل في قلوبهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وهيئة راسخة في النفس تلازمهم إلى يوم القيامة. - لكن الأمر بالنسبة لبعض الصحابة حديثي العهد بالإسلام كان من قبيل الخطأ الذي لم يتكرر، فشتان بين الموقفين. ومع ذلك يحذر صلى الله عليه وسلم بهذه اللهجة الحاسمة المحذرة حماية لجناب التوحيد، ووقاية من الوقوع في أي شبهة تنقص من كماله، وتحذيرا من مشابهة اليهود في القليل أو الكثير، فهل وعى المسلمون الدرس؟ أسأل الله العلي الكبير أن يردنا إلى دينه ردا حميدا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |