|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() واقع الأمة الإسلامية المعاصر الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي أمتنا بين الواقع والعودة إلى الكتاب والسنة (1) وقفة مع طبيعة الواقع الإسلامي المعاصر، ووقفة مع طبيعة الصراع العالمي من حولنا. نتأمل فيها حقيقة مؤلمة أصابت الأمة الإسلامية في مقتل، وأنزلت بها عدداً من الكوارث والبلايا، التي لا تصيب الأمم إلا إن تخلت عن منهج الله تعالى، ووقعت في التبعية الذليلة لأعداء الله تعالى ورسله، وسلمت القياد لغير من يستحقه، وتخلت عن رسالتها، التي ابتعثها الله تعالى من أجلها. واقع الأمة الإسلامية المعاصر: 1- واقع أمتنا المعاصر: ينبغي أولاً أن نعلم أن أمتنا الإسلامية اليوم تحيى في مرحلة حرجة من مراحل التاريخ، وتعيش في ذات الوقت واقعًا مريرًا، كما أنها تحيى حياة الذل والهوان والاستكانة، وترضخ لما يملي عليها من أعوان الكفر والإلحاد من كل أمة، ومن كل جنس ولون، ولا تزال أمتنا تأكل فتات الموائد العالمية، ولا زالت أيضًا هي القصعة المستباحة لكل الأمم من الشرق أو الغرب، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم منذ ألف وأربعمائة وثلاثين سنة في حديث القصعة المشهور والمحفوظ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. روى الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق, كما تداعى الأكلة على قصعتها، قلنا: يا رسول الله أمن قلة منا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم, ويجعل الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهة الموت". وها نحن اليوم نرى تلك الهجمة الشرسة الجديدة من أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، من الشيوعية المادية الملحدة, والصهيونية العالمية الماكرة، والصليبية الجديدة الخادعة، وغيرهم من العملاء والأذناب. وأمة الإسلام اليوم في ذات الوقت أمة شاردة عن رسالتها، غافلة عن غايتها، حيث نراها تتخبط ذات اليمين وذات الشمال، وعدوها اللدود باسط إليها ذراعيه بالفتن والشهوات، فهي أمة صارت ممزقة فيما بينها، مزقتها الحدود والسدود، ومزقتها مؤامرات الأعداء المخططة للنيل منها، وأصبح بأسها بينها شديد، وحالها لا يخفى على قريب أو بعيد. فهي أمة تلعب في أشهر الملاعب العالمية، وترقص على أشهر وأرقى المسارح العالمية، وهي كذلك مترنحة بين الشيوعية مرة، وبين الصليبية مرة، وبين الصهيونية أخرى، وبين العلمانية رابعة وخامسة، وكل هذا جعل أحد الشعراء ينشد أبياتًا من الشعر ينسج فيها خيوط الواقع الأليم، الذي تحياه الأمة الإسلامية اليوم فيقول: ما كان في ماض الزمان محرمًا ![]() للناس في هذا الزمان مباح ![]() صاغوا نعوت فضائلٍ لعيوبهم ![]() فتعذر التمييز والإصلاح ![]() فالفتك فنٌ والخداع سياسةٌ ![]() وغنى اللصوص براعةٌ ونجاح ![]() إن الحال الذي آل إليه واقع أمتنا، وجعلها تغرق فيه قروناً طويلة، لن يغيره ما يكتب العلماء في مصنفاتهم فقط، ولا الأدباء في هجائهم ورثائهم، ولا ما تنشره الصحف والمجلات من مقالات ساخنة، ولا ما يلقيه الوعاظ في وعظهم وتذكيرهم، أو الخطباء في حماسهم وإنذارهم، وإن كنا نؤمن أن ذلك كله من وسائل التغيير والإصلاح. ولكن كل هذه الوسائل لن تجدي من الإصلاح والتغيير شيئًا، إن لم يكن لها ما يؤهلها من قواعد وأسس ترتكز عليها أولاً، وتعمل وتنطلق من خلالها، ومن ثم تستمد قوتها، وتعيد بناءها، وترفع لواءها، وتستعيد مجدها وكرامتها المسلوبة منذ قرون. إن أدق تشخيص لحالة أمتنا اليوم كما أشار أحد الكتاب المعاصرين، هو أننا مصابون بما يشبه الشلل المعنوي والفكري، في جميع أجهزتنا الأخلاقية، وملكاتنا النفسية، ومواهبنا الشخصية، وطاقاتنا العقلية، والعملية والعلمية، وكذا الاقتصادية والعددية، والروحية، كما أشار أحد الكتاب في مقال من مقالاته، كل ذلك يجعلنا في عجز عن الحراك الصحيح نحو تحقيق أهدافنا، وتأكيد وجودنا، وإثبات ذاتنا، مع أنه من الواجب على المسلم، أن يدرك وأن يعي ما يخططه أعداء الإسلام والمسلمين، من الكيد لأمة الإسلام والنيل منها، فإن الداعية إن لم يدرك حقيقة المعركة، وحقيقة المؤامرة، فهو في غفلة عن واقعه الذي يعيش فيه، ويحيط به، وإلا فإن عليه أن يعي كل ذلك، وأن يضع في الاعتبار في دعوته أن يتحرك بصدق لهذا الدين، وأن يوقظ النائمين بصوته إسلامه، وصوت قرآنه الذي يحمله بين جانبيه، وبكمال شريعته، وبواقعية منهجه وبسهولة تطبيقه وممارسته. إن تبليغ الحق للناس، وتعرية الباطل لهم، وكشف زيفه، وإبراز وجهه القبيح، يفسد على أعداءنا طريقهم الماكر، وكيدهم الخبيث، وتخطيطهم المحكم الذي يزعمون، وصدق الله تعالى: ﴿ فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ﴾ [الروم:30]. وهنا يجسد واقع الأمة الإسلامية وصورتها الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله فيقول: "ورضى عامة المسلمين بأن يكونوا ساقة عسكر الجاهلية بدل أن يكونوا قادة الجيش الإسلامي. وسرت فيهم أخلاق الجاهلية ومبادئ الفلسفة الأوروبية سريان الماء في عروق الشجر والكهرباء في الأسلاك، فترى المادية الغربية في البلاد الإسلامية في كثير من مظاهرها وآثارها. ترى تهافتًا على الشهوات ونهماً للحياة, نهم من لا يؤمن بالآخرة، ولا يوقن بحياة بعد هذه الحياة، ولا يدخر من طيباتها شيئًا. وترى تنافسًا في أسباب الجاه والفخار، وتكالبًا عليها فعل من يغلو في تقويم هذه الحياة وأسبابها. وترى إيثارًا للمصالح والمنافع الشخصية على المبادئ والأخلاق، شأن من لا يؤمن بنبي ولا بكتابٍ، ولا يرجو معادًا ولا يخشى حسابًا. وترى حب الحياة وكراهة الموت، دأب من يعد الحياة الدنيا رأس بضاعته، ومنتهى أمله ومبلغ علمه. وترى افتتانًا بالزخارف والمظاهر الجوفاء كالأمم المادية التي ليس عندها أخلاق ولا حقيقة حية، وترى خضوعًا للإنسان، واستكانة للملوك والأمراء ورجال الحكومة والمناصب وتقديسهم شأن الأمم الوثنية وعبدة الأوثان"[1]. 2-صيحة الحق: وبعد كل هذا الذي أشرنا إليه وأوضحناه من حال الأمة وواقعها، وحال أعداء الأمة في تكالبهم على الأمة والعبث بمقدراتها وعقائدها، علينا أن نعلم أن كل هذا لا يجعلنا نشرد بعيدًا، ولا أن نورث القلوب يأسًا وقنوطًا. ولكني أقول أنه لا زالت هناك صيحة الحق تعلو على كل الأصوات، وتنادي بالعودة الصادقة إلى الأصالة الإسلامية وأصولها من الكتاب والسنة بمنهج وفهم سلف الأمة الصالحين, وإلى منابع السعادة، ومبادئ الرفعة والسيادة والتمكين، وتنادي أيضًا بحتمية التغيير والإصلاح لواقعنا المعاصر، في كل مناحي الحياة ومجالات الإدارة والاقتصاد على الأخص، وتنادي أيضًا بجعل الإسلام ومنهاجه القرآن هو الدستور الأعلى للأمة ومنهاجها، كما كان في عهد النبوة المحمدية، والخلافة الإسلامية الراشدة على مر القرون. نعم، لقد آن الأوان أن تعود أمة التوحيد والإسلام إلى شريعة ربها، وأن تعود إلى سنة نبيها، وإلى القرآن دستورها، وأن تشعل الإيمان المخدر في القلوب الغافلة، وأن تغرسه في الأجيال الصاعدة، لتكون أهلاً لحمل رسالة الإسلام والهدى، ولتبليغ مبادئها لكل العالمين، لابد لنا من هذه العودة الصادقة الجادة، ولابد لنا كذلك من اتخاذ الأسباب الموصلة إليها، الهادية إلى طريقها لماذا؟ لأن الأمة الإسلامية فرت فرارًا كبيرًا إلى كل ما يبعدها عن هدى الله تعالى وقرآنه، وعن هدي رسولها - صلى الله عليه وسلم - وسنته، وعن طريق عزها وشرفها وسيادتها، لقد جربت الأمة كل ألوان الفرار وأنواعه، حتى صارت إلى ما هي عليه الآن من الذل والاستكانة والاستعباد. لقد فرت أمتنا إلى الفاحشة والعري والزنى، وفرت إلى الخنى والإباحية، والإسفاف بالأخلاق والتميع بالقيم، فماذا حصدت الأمة من وراء ذلك؟ ما حصدت إلا ضياع الأعراض، وانتهاك الحرمات، وفساد الأخلاق وانحلالها، وانتشار الفواحش والعري علنًا، وتمرد الأجيال، وانتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة كالزهري والسيلان المنوي وأخطرها مرض الإيدز المدمر، والذي لا يزال الطب الحديث عاجزًا عن معرفة طرق الشفاء منه. وفرت الأمة كذلك إلى التعامل الربوي وإعلان الفوائد المحرمة، والمساهمة في البورصات العالمية والاستثمارية، فما حصدت إلا انتشار الفقر والبطالة بين الأجيال المتلاحقة، وما حصدت إلا انتشار الفساد الاقتصادي والسرقة المعلنة في مقدرات الأمة وثرواتها وممتلكاتها. وفرت الأمة أيضًا إلى تحكيم القوانين الوضعية المستوردة، فما حصدت إلا ضياع نعمة الأمن والأمان، وظهور الحرام بكل صوره وأشكاله من أخذ الرشوة، والسرقة، وشهادة الزور، وأكل الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وما حصدت إلا استعباد الأمم الكافرة لها, وتحكمها فيها، وإدارة شئونها وحياتها ومقدراتها، والعبث بأمنها وأخلاقها وعقائدها، حتى صارت الأمة قصعة مستباحة لكل أحد، وغنيمة مشبعة، ولعبة مسلية بأيدي العابثين. والآن وبعد هذه الهوة الكبيرة من الانحراف والضياع، والذلة والهوان، فقد آن الأوان لأمة الإسلام أن تفر إلى الله حق الفرار، وأن تعتصم به حق الاعتصام كما قال سبحانه: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾[الذاريات:50]. نعم، جربت أمتنا كل ألوان الفرار فلم تجدي ولم تهدى، فلتجرب مرة الفرار إلى ربها وقرآنها، ولتجرب الفرار إلى سنة نبيها وشريعتها، وسترى النتائج الكريمة بعد ذلك. إن الجاهلية الأولى ملكت أصحابها وحكمتهم ردحًا من الزمان، حتى بعث لبنة التمام، ومسك الختام، محمد عليه الصلاة والسلام، فنبذوا الجاهلية وراء ظهورهم، بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، وبعد أن فروا إلى ربهم، وإلى الإيمان والتصديق والتسليم لنبيهم، فماذا كانت النتيجة؟. كانت النتيجة أنهم أصبحوا سادة وقادة، وصاروا أعزة بعد ذلة، وأصحاب علم وبصيرة بعد غفلة وجهالة، وسادة ملك وأمة، بعد تشتت وفرقة، والتاريخ الإسلامي ثري بهذه الحقائق، والقرآن يحدثنا عن ذلك فيقول تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ [آل عمران: 103]. ولكن السؤال الآن: من أين تبدأ العودة إلى الله؟ ومن أين تبدأ هذه الهداية؟ ومن أين يبدأ الإصلاح والتغيير؟، ونقول أولًا: إن حسن كل نهاية أصله صلاح كل بداية، فالبدايات هي محاسن النهايات، فمن حسنت بدايته، كملت نهايته وخاتمته بالحسن والصلاح. إنه لابد لنا ولأمتنا من البداية الصحيحة لطريق الهداية والإسلام، حتى تثبت أقدام الإسلام، وتصلح أمة التوحيد والهدى، بترسيخ عقائدها، وتهذيب أخلاقها وتحكيم شريعتها، وحتى ترفع ألويتها، وتعيد مجدها وحضارتها، وإن بداية الهداية، وأصل التغيير والإصلاح لا تأتي من الخارج كلا، بل من الداخل وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الرعد: 11]، وإن هذه البداية والعودة لا يحكمها أمر واحد فقط، بل إنها تقوم على جملة مترابطة من المبادئ والمرتكزات، والأصول والمقدمات. [1] ماذا خسر العالم.(229).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |