|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القمار والمقامرون أحمد مظهر العظمة هناك في (بلودان) تجري معارك للقتال، يحمد رعراعها[1] ويذم شجاعها الرابح فيها والخاسر سيان، إذ الفوز فيها سجال ولكل من شأنيها معان للخسران. إن لم تلعلع في آفاقها رعود المدافع، وتطوِّح برقاب شياطينها شفار القواطع، ويرن في أرجائها رشق البنادق، وتعن[2] في أنحائها أشباح المنون تأتي خماصًا خفافًا، وتعود بطانًا ثقالًا - إن لم يكن فيها ذلك - فلها بمعاني الحرب صلات، ولا تغني الأسماء عن الحقائق، ولا تقي مظاهر الباطل من مصارع السوء. إنها معارك (القمار) أو شباك الدمار، بين أولئك الذين وصلت إليهم أطراف النعم فنفروها بقلة الشكر، وضِلة الوزر، وما إليهما من استخفاف بالرزق، واستحلال في طلبه للمحارم، واستمتاع بشهوات منحطة، واسترضاء لنـزوات طائشة ولو كان في ذلك فقد نفس ونكد أسرة وفساد أمة! تبدر الأموال على موائد النضال بأمل وسخاء، وقد تكون عزيزة على ابن فاقة ذي عيال يرتمضون من الهم ويمزقون كبد الحنان بأنين الفقر وقلة الحيلة، وينادي منادي الحرب، وشاهد الفتنة وداعي الضلالة: الصفقة جليلة، والدورة ثقيلة، والفوز للمكثر الرابح، وجنود إبليس عن اليمين وعن الشمال،يبسطون الأيد كل البسط ويبعثون الآمال مترعة بالفوز! فإذا هي جولة استعلى فيها الرجاء الشارد على اللب المتدبر، وغلب الطمع فيها القناعة فتوارت كما تتوارى الشمس في ظلمة الليل البهيم والأبصار شاخصة، والقلوب ترتجف والفضيلة تتململ من الأسى، والحقيقة ساخرة ممن سخرتهم الأوهام، وقادتهم الأحلام، فمشوا إلى الغنى في طريق الفقر يبغونه عوجًا، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا! وإذا هي برهة وقف فيها دولاب الدمار ليبرم حكمه ويستأنف دورته، فإذا الرابح فلان يلقف الأموال لا لتستقر لديه، بل لتهدأ قليلًا تم تسير سيرتها الأولى وتتحول إلى غيره وهكذا دواليك! وإذا الخاسرون الواجمون خصوم لذاك، يشعرون نحوه بالضغينة والجِدة والعداء، وربما كان من قبل صديقهم الحميم! ينظرون إليه فتقذف عيونهم بالشرر لحظًا، وتلهف مشاعرهم ندامة وغيظًا وتجف[3] قلوبهم من حصاد ما فرطوا فيه مستسلمين للظن الأثيم وما تهوى الأنفس الأمارة بالسوء. يا ويلتنا! لقد نكر[4] الأمر: أمهات، وأخوات، وزوجات، وبنين، وبنات، أسأنا إليهم وظلمناهم، أيتكففون بعد سوء فعالنا الناسَ! ثم يذكرون الرابح وما زعموا له من عيش مخضل سيغدو فيه، فيودون لو أن لهم كرة فيربحوا كما ربح، ويتناسون خسارتهم ومصيبة أسرتهم وأمتهم بهم، ويتخذون من ذلك مبررًا لخوض غمارها ثانية!! ولكن قد لا يكون لديهم مهر لحسنائهم فماذا يعملون؟ إن إبليس يهمس في آذانهم: نَقْذًا[5] لكم أيها العاثرون لا تقنطوا من وعدي...! وهم جنوده الذين يقنعهم منطقه، ويرضيهم نصحه، فيسمعون ويطيعون وربما استدان أحدهم ورهن أمتعته، أو سرق، أو أتى بإحدى الإحَد[6]؛ كي يقوم بواجبه نحو القمار؛ إذ من شأن هذا أن يستحوذ على عشاقه ويملك مشاعرهم، فلا يدع لهم روية في التفكير، ولا قوة في الضمير، ولا شدة في الإرادة، ولا خشية في القلب ولا سُؤدة[7] من شباب ولا بُلْغة للعيش ولا ركزًا[8] في المجتمع! وكثيرًا ما يغدو (المقامر) يائسًا ينتظر الراحة من الموت، وهو يذوقه مرارًا في شقائه وبؤسه! وقد صدق المرحوم الأديب المنفلوطي إذ يشبه المقامر (بالرجل الذي علم أن في صحراء من صحاري أفريقيا كنـزًا مدفونًا لا تعرف له بقعة، وليس إليه دليل فحمل فأسه على كتفه ومشى في تلك الصحراء يحفر الحفرة التي تستنفد قوته، وتستهلك منته، وتبلغ من نفسه ما لا يبلغ منها كر الغداة ومر العشي، حتى إذا بلغ مستقرها، وعلم أنه لم يعثر بضالته المنشودة تركها وبدأ يحفر غيرها بجانبها، فلا يكون نصيبه من الأخرى أوفر من نصيبه من الأولى. وهكذا حتى أدركه الموت). ربما كان بدء اللعب قبل قصيدتَي الهجاء والرثاء بقليل هين للسلوة واللهو لا رغبة في غنى أو نُعمى، ولكن الهزل كثيرًا ما يسوق إلى الجد، (ومن حام الحمى يوشك أن يقع فيه). وهكذا قد ترى ذلك الملتهي غِين على قلبه[9] فأصبح من عشاق القمار لا يستطيع عن تلبيته صبرًا وأصبح له فيه: "أمل كالحياة لف به الدنيا فضاقت وضاق فيها امتداده"، ربما يأمل به أن يكون ملكًا من الملوك! وللأحلام والأوهام رجال!! فرفقًا بأنفسكم وأسركم وأمتكم أيها المقامرون، لا تدخلوا البيوت من غير أبوابها. ولا تسلكوا لليسار غير سبيله. وليكن لكم من القناعة، والروية، وقوة الإرادة، نصيب يصرفكم عن الباطل. ويا ولاة الأمور إن القمار لخطر عظيم سيزيد أمتنا المنكودة بلاءً إلى بلاء إن لم تتلافوا الأمر بالحكمة قبل تفاقم الداء واستعصاء الدواء. وسيان في الميزان الرضى بالخطر أو إباحة ما يؤدي إليه. فماذا أنتم فاعلون؟[10]. المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثالث، 1354هـ [1] الجبان: والمعنى يحمد الجبان الذي لا يقرب هذه المعارك. [2] عنَّ الشيء يعنّ إذا ظهر أمامك واعترض. [3] تضطرب. [4] صعب. [5] النقذ كالإنقاذ. [6] أي المنكر العظيم. [7] بقية. [8] الصوت الخفي والحسن. [9] تغشته الشهوة. [10] نصت المادة 242 من قانون الجزاء على أن (من يستعملون القمار طلبًا للربح ويتخذونه حرفة ويستدعون الناس إلى مكان مخصوص بلعب القمار ويعطون فيه دراهم على سبيل الصرافة يحسبون من شهر واحد إلى ستة أشهر ويغرمون ذهبًا مجيديًّا واحدًا إلى خمسين ذهبًا مجيديًّا جزاء نقديًّا وجميع النقود والأشياء الموضوعة في اليانصيب برسم الحكومة)، فلماذا تخلق الاستثناءات من هذه المادة بين حين وآخر؟
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |