
21-08-2022, 04:54 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,183
الدولة :
|
|
من أخطاء التفكير
من أخطاء التفكير
د. أحمد البراء الأميري
اللياقة العقلية (فن التفكير)
1- إساءة التعميم، أو التسرُّع في الاستنتاج.
2- الخطأ في استعمال التَّفكير النظري.
3- الاعتماد على مصادرَ غيرِ صحيحة.
4- تدخُّل العواطف (الهوى) في الحُكم.
5- المبالغة في التبسيط.
6- الخَلط بين التقدير والتقديس.
7- عدم التَّفرِقة بين النص وتفسير النص.
8- أخطاء المقارنة.
9- تناقُض الموازين (الكَيْلُ بمكيالين).
10- الخطأ في استعمال اللُّغة.
ولنتحدث بإيجاز عن كلِّ واحد من هذه الأخطاء:
1- إساءة التعميم، أو التسرُّع في الاستنتاج:
"المقصود بالتعميم: هو العبارة التي تقرِّرُ انطباقَ حُكْم ما على جميعِ أفراد المجموعة"[1].
ويقدِّمُ علماءُ التربية نصيحتينِ مهمتين لمن يريد التعميمَ، أو صياغة قاعدة أو قانون، حتى يكونَ أقربَ ما يكون من الحقيقةِ، هاتان النصيحتان هما:
• افحَصْ عددًا كافيًا من أفراد النوع أو المجموعة التي تريدُ أن تصدرَ بشأنها حُكمًا عامًّا.
• تأكَّدْ من أن الأشياءَ التي تفحصُها تمثِّلُ النوع أو المجموعة أفضلَ تمثيل.
"ومن الأخطاءِ المتصلة بهذا النوع من التَّفكير اتصالاً وثيقًا ما يوضِّحُه المثال التالي: إن التوتُّر والإجهاد يسبِّبان السرطان؛ فإن السيدة (الفلانية) أصيبتْ بالسَّرطان بعد أن أُجرَيَتْ لها عملية المرارة، أما (فلان) فقد أصيب بهذا المرضِ بعد وفاة زوجته بأربعة أشهر، في حين أن آخَرَ أصيب به بعد أن صدمَتْه سيارة بفترة وجيزة، فلا بد أن هناك علاقةً ما بين السرطان والصَّدَمات النفسية التي يتعرَّض لها الناس.
"مِثل هذا النوعِ من التسرُّع في التَّفكير يمكنُ أن يسمَّى البرهانَ، عن طريقِ اختيار الأمثلة، فلا شك أن بِضعةَ أمثلة من ملايين الحالات لا يمكن أن تعتبر دليلاً حقيقيًّا، إن الأمثلة القليلة لا تزوِّدُنا إلا بأساس لنظرية معقولة، أو مجرد تخمين للصلة بين الأشياء، هذه الصِّلةُ يجب أن تؤخَذَ بعين الاعتبار، وتُدرَسَ جيدًا، ومع ذلك فإن الكثيرينَ من الناس يتسرَّعونَ في الوصولِ إلى نتائجَ، اعتمادًا على عددٍ قليل من الأمثلة"[2].
يقول الدكتور محمد عثمان نجاتي[3]: ليس من المتيسرِ للإنسان أن يفكرَ تفكيرًا سليمًا في موضوع ما دون أن تكونَ لديه البياناتُ الكافية، والمعلومات الضرورية المتعلِّقة بالموضوع الذي يفكِّرُ فيه، ولا يستطيع أن يصلَ بتفكيره إلى نتيجةٍ سليمة دون أن تتجمَّعَ لديه الأدلة والبراهين الكافية التي تؤيِّد صحةَ ما يصل إليه... والعلماء والحكماء يتحرَّجون أشدَّ الحرَجِ في إبداء آرائهم، أو إصدار أحكامِهم دون أن تكونَ لديهم الأدلةُ الواضحة الكافية التي يستنِدون إليها فيما يُصدِرون من آراءٍ وأحكامٍ.
ومما يتصلُ بهذا الموضوع عدمُ اطِّلاعنا على حُجَج المخالِفين، وهو في الحقيقة عدمُ استيفاء البحثِ محلِّ النظر، وعدم إعطائه حقَّه من النظرِ والتأمُّل والدراسة، ويتصلُ بهذا أيضًا ألا نأخذَ رأيَ غيرنا إلا مِن كلامه أو كتبه، وسبب وقوعنا في هذا الخطأ: إما الهوى، وإما الجهلُ بأصول البحث، ولو اطَّلعنا على حُجَج المخالفين لوجَدْنا في عدد من الحالات أن الاختلافَ بين الرأيَيْنِ ليس اختلافًا بين خطأ وصواب كما نعتقدُ أو نظن، إنما هو بين راجح ومرجوح، (أيضًا: من وجهة نظرِنا، وحسَب عِلمنا، وعقلنا، وفهمنا).
2- الخطأ في استعمال التَّفكير النظري:
المراد بالتَّفكير النظري هو: "التَّفكير الذي يبحثُ عن الحقائقِ النظرية، ويحاول أن يبرهنَ عليها"، وهو تفكيرٌ محترَم لازمٌ حتى في صياغةِ النظريةِ العِلمية والبرهان عليها في بعضِ الأحيان، ولكنَّه لا يُغنِي عن (التَّفكير العملي) في المجالات التي لا بدَّ لنا فيها من الحصولِ على الحقائقِ والمعلومات".
فنحن نستطيع - مثلاً - أن نبرهنَ "نظريًّا" على أن العددَ (3) هو الجذرُ التَّكعيبي للعدد (27)، لكننا لا نستطيعُ أن نحدِّدَ متوسط عدد الوجبات التي ينبغي أن نقدِّمَها للطفل الرضيع بمجردِ التَّفكير النظري، دون التَّجرِبة والمشاهَدة لعددٍ كافٍ من الأطفال.
وكثيرٌ من الناس يكوِّنونَ آراء ومعتقدات يدافعون عنها بشدة بمجرد التَّفكير النظريِّ البعيد عن التَّجرِبة والواقع، في حين لا بد لهم لتكوين الرأي الصحيح عنها من معلوماتٍ صحيحة منطبِقة على الواقع.
ولعل ميدان السياسة هو من أوضحِ الأمثلة على صِدق ما نقول؛ فأنت تجدُ الاختلاف في وجهات النظر السياسية محتدمًا على أشُدِّه بين الناس، وتجدُ كلَّ طرف يُدلي بحُجَجه ويتكلَّم بثقة وقوة، ويشرَح موقفَه من الدول، والأحزاب، والرؤساء، والزعماء.. موافقًا أو مخالفًا، وكأنه وزيرُ خارجية لدولة كبرى، وفَّرت له المعلوماتِ الصحيحةَ أجهزةٌ مشهود لها بالكفاية والثِّقة، فإذا سألتَه عن مصادرِ معلوماته، وجَدتَ أنها تقديراتٌ نظريةٌ واستنتاجاتٌ عقلية بحتة، والجانبُ العمَلي فيها مستقًى بشكلٍ أبترَ من مصادرَ إعلاميةٍ لا يمكن الاطمئنانُ إلى صحتِها وصدقها إلا بشكلٍ جزئي.
3- الاعتماد على مصادرَ غيرِ صحيحة:
أشَرْنا في الفقرةِ السابقة إلى أن (الرأي أو الحُكْم الصحيح يعتمدُ على معلومات صحيحة)، وهذا أمرٌ بديهي، ولكن كم من الناس - الذين يوافِقونَ عليه - يعتمِدونه، أو يطبِّقونه في عالَم الواقع؟
إن أكثرَ مصادر معلوماتنا ليست جديرةً بالاعتماد عليها: فنحن نكوِّنُ آراءً نؤمِنُ بها، ونتَّخذ مواقفَ نتعصَّب لها، إذا بحثنا عن مصدرِها، وجَدْناه صحيفة سيَّارة، أو مجلَّة غيرَ متخصصة، أو حديثًا إذاعيًّا سمعناه لا نعرف مَن أعدَّه، أو كتابًا لا نعرفُ عن مؤلفه شيئًا! بل نحن نبني بعضَ عقائدنا على أحاديثَ نبوية شريفة نظنها صحيحةً، وإذا بها بعد النظرِ والتمحيص، إما ضعيفة، وإما لا أصلَ لها[4]، مع أن التوجيهَ النبويَّ الأرشدَ يدعو إلى التثبيتِ في الرواية عن النبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((من كذَب عليَّ متعمدًا فليتبوَّأْ مقعَدَه من النار))[5]، والتحذير القرآني الأحكمُ يُهيب بالمسلم ألا يتسرعَ في الرواية: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
قال ابن الجوزي:[6] "قفا، يقفو الشيء: اتَّبع أثره، والمعنى: لا تقل: رأيتُ، ولم ترَ، ولا: سمعتُ، ولم تسمَعْ"، "ولِمَ عزمتَ على ما لم يحلَّ لك العزمُ عليه"[7].
وقد اعتنى علماؤُنا القدامى رحمهم الله بالإسناد أيَّما عناية، حتى قالوا: "الإسنادُ من الدِّين، ولولا الإسنادُ لقال من شاء ما شاء"[8]، وتراهم يذكُرون أسانيدَهم فيما يَرْوُون، ليس في كتب الحديث والتاريخ فحسب، بل حتى في كتب الأدبِ والأخبارِ والأشعار.
ويظن بعضُ الناس أن المرءَ إذا بدأ حديثه بألفاظ لا تفيد القطع، (مثل: سمعتُ من بعض الناس، أو قيل لي: أو: يزعُم بعضهم.. إلخ) فهو ناجٍ من المَلام، والواقع أن الأمرَ ليس كما يظنُّ؛ فقد أخرج الإمامُ أبو داود في سننه[9]، (في كتاب الأدب: باب في الرَّجُل يقول: زعموا) قولَ ابن مسعود رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بئس مَطيَّةُ الرَّجُل زعَموا))[10]؛ أي: أسوأُ عادة للرجل أن يتَّخِذ لفظ (زعموا) مَرْكَبًا إلى مقاصده، فيُخبِر عن أمر تقليدًا من غير تثبُّتٍ، فيخطئ، ويجرب عليه الكذب، والمقصود أن الأخبارَ بخبرٍ مَبْناهُ على الشكِّ والتخمين دون الجزم واليقين قبيحٌ، بل ينبغي أن يكونَ لخبره سندٌ وثبوتٌ، ويكون على ثقةٍ من ذلك، لا مجرد حكاية على ظنٍّ وحسبان، وفي المَثَل: (زعَموا: مَطيَّةُ الكذِبِ).
4- تدخُّل الهوى (أو العواطف) في الحُكم:
"الهوى: ميلُ النفس إلى الشهوة، وقيل سُمِّي بذلك لأنه يَهوِي بصاحبِه في الدنيا في كلِّ داهية، وفي الآخرةِ إلى الهاوية..."[11]، وعُرِّف بأنه: "ميلان النَّفسِ إلى ما تستلذُّه الشهواتُ من غيرِ داعية الشَّرع"[12].
وقد ذمَّ القرآنُ الكريم اتباعَ الهوى، وبيَّن أنه يُضلُّ صاحبَه عن الحقِّ والصواب، بل قد يدفَعُه إلى التكذيبِ بالحق استكبارًا وعنادًا، وربما حمَله على ارتكابِ جريمة القتل، وفيما يلي بضعُ آياتٍ كريمات لا تحتاجُ إلى تعليق:
﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].
وقال تعالى مخاطبًا بني إسرائيلَ: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87].
ويسمِّي بعضُ المفكِّرين الغربيين الهوى بـ: (التحيُّز).
ويعرِّفون التحيُّزاتِ بأنها: "طُرُق في التَّفكير، يقرِّرها سلفًا قوًى ودواعٍ انفعاليةٌ شديدة؛ كالتي يكون مصدرُها منافعَنا الذاتيةَ الخاصة، أو ارتبطاتِنا الاجتماعيةَ"[13].
يقول جوزيف جاسترو[14]: "إن التَّفكيرَ الصحيح فنٌّ عسيرٌ على الكثيرين؛ لسببين على الخصوص: الأول: أن عقولاً كثيرة ليس لديها الكفاءةُ لهذه المهمة.. والثاني: هو تدخُّل الانفعالات والعواطف... فكثيرًا ما نقبَلُ، أو نصل إلى نتيجةٍ تحت تأثيرِ رغبة، أو أمَل، أو خوف.. وهذا هو الهوى...".
"إن الهوى هو الحُكم على شيءٍ مقدَّمًا، وفي أثناء عملية الاستدلال يجعلُنا الهوى نتجاهل بعضَ الوقائع، ونُبالِغُ في تقدير بعضها الآخَر، ميلاً منا نحو نتيجةٍ معينة موضوعة في ذهنِنا منذ البداية"[15].
"إن عراقيلَ التَّفكير ليست واضحةً كعراقيل الكلام، والمفكِّرُ نفسُه قد لا يفطن لوجود عراقيلَ في تفكيره، كما يجهل المصابُ بعمى الألوان حقيقةَ آفته، إلى أن يكتشفَ مع الزمن أن الناس مِن حوله يرَوْن الأشياءَ على خلاف ما يراها.
"وليس من الضروري أن يكون الهوى فجًّا، غليظًا، واضحًا للعيان، بل قد يكو دقيقًا خفيًّا؛ فإن الأهواءَ على درجاتٍ متبايِنة، ويمكن أن تتسرَّبَ إلى التَّفكيرِ من مستويات كثيرة، ومعرفة خطرِ الأهواء نافعٌ في الاحتياط منها في خطواتِ تفكيرنا المنطقية".
وقديمًا أشار الشاعرُ الحكيم إلى قريبٍ مِن هذا المعنى فقال:
وعينُ الرِّضا عن كلِّ عيب كليلةٌ
ولكنَّ عينَ السُّخطِ تُبدي المساويا 
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|