|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عدم القدرة على التسامح أ. شريفة السديري السؤال ♦ ملخص السؤال: فتاة لديها مشكلةٌ مع أبيها، وتصالحتْ معه، لكنها رغم مُصالحتها لا تتقبَّل منه أي شيء، ولا تستطيع أن تتقابَل معه في حديث أو جلسة. ♦ تفاصيل السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كنتُ أرسلتُ إليكم استشارتي قبلَ ذلك، وتفضَّلتْ عليَّ المستشارة الأستاذة/ شريفة السديري، بالرد ردًّا وافيًا شافيًا، أسأل الله أنا يجزيها عني خيرَ الجزاء. أُحِبُّ بدايةً أن أُبشرها بأني الآن أعمل مُدرسة لرياض الأطفال، الأمر الذي صرَف ذهني عن التفكير في مُشكلاتي، وشغل وقت فراغي. كما أبشِّركم بأني تصالحتُ مع أبي، وأحاول أن أبرَّه الآن، وعقدتُ النِّيَّة على عدم العودة لذنبي مرةً أخرى. لي سؤالان: • الأول: رغم مُصالحتي مع أبي، إلا أني أصبحتُ لا أتقبَّل منه أي شيء؛ سواء أكان نُصحًا، أو طلب خدمة، أو حتى مجرد مُناداتي والمزاح معي، أحاول أن أبرَّه وأُصاحبه في الدنيا معروفًا كما أمرَنا ربُّ العِزة في القُرآن الكريم، لكني أشعُر أن الأضرار التي تسبَّب لي فيها ستظل تُلازمُني طوال عُمري، وأثَّرَتْ وسوف تؤثِّر على حياتي حتى يحين الأجَل! في أوقات كثيرة أنفر منه بشدَّة، ولا أتقبَّل منه أيَّ شيء، وحتى في الفترة التي يجلس فيها معنا في البيت بعد عودته مِن عمله فإني أجلس بعيدًا عنه، وأمي تلومني على ذلك، وتتهمني بأني غير مُتسامِحة، وتقول لي: "الدنيا لا تستحقُّ أن نحمل فيها الضغينة لأي أحد"، وهذا صحيحٌ، لكنها لا تُدرك أن طبيعة الأنفُس تختلف، وما تستطيع هي تحمُّله والتجاوُز عنه لا أستطيع أنا تحمُّله والتجاوُز عنه! فهل أنا مُخطئةٌ في مشاعري هذه نحو أبي؟ وهل سوف أُحاسَب على ما يُكنُّه صدري له من البرود وعدم التقبُّل، حتى وإن تحريتُ بره في الظاهر؟ وهل فعلاً أمي أفضلُ مني دينًا؛ لأنها استطاعتْ أن تُسامحه، بينما أنا لم أستطع؟ • أما سؤالي الثاني: فمنذ أن أخطأتُ في حقِّ والدي وأنا أشعُر أنَّ علاقتي مع الله لَم تَعُدْ كما كانتْ عليه مِن ذي قبلُ، وأشعُر أن الله لن يُسامحني أبدًا، وأنه لا يزال غاضبًا عليَّ، كما أشعُر منذ ذلك اليوم أن أخلاقي في انحدارٍ وتدهْوُرٍ مُستمرٍّ، وأن صحيفَتي لم تَعُدْ بيضاء كما كانتْ. فهل يا تُرى أنا صادقةٌ في هذا الإحساس؟ ولو لم أكن صادقة فيه فما سببه؟ وجزاكم الله خيرًا على ما تُقَدِّمون مِنْ خيرٍ ونفع للمسلمين الجواب أهلاً بكِ عزيزتي، وشكرًا لثِقتك في الألوكة. سعيدة جدًّا بالتحسُّن الذي تعيشينه الآن، وأسأل الله أن يَزيدَه ويُبارك لكِ فيه. استشارتاك مختلفتان في الظاهر، لكنهما شيءٌ واحدٌ في الأساس، وهي "عدم التسامُح" ليس مع والدك فقط، ولكن حتى مع نفسك! لومُك لذاتك عالٍ جدًّا، فبالرغم من الوقت الطويل الذي مرَّ على الحادثة بينك وبين والدك، إلا أنكِ ما زلتِ تلومين نفسكِ عليها، وفوق ذلك تشكِّين في مغفرة الله لكِ، رغم أنَّ مغفرته سبحانه عرْضُها السمواتُ والأرضُ. عزيزتي، شخصيتُك تَميل للمِثاليَّة والكَمال، وهذه المثاليَّةُ تَجعلكِ غير مُتسامِحة مع الخطأ ولا تتقبَّلينه مهما كانت الأسباب، ولهذا أنتِ لَم تتقبَّلي خطأكِ مع والدكِ، ولم تُسامحي نفسك عليه، وتعتقدين أنَّ الله لن يغفره لكِ رغم أنكِ اعتذرتِ من والدك وتسامحتِ منه وصحَّحتِ خطأك. وكما أنكِ لم تسامحي نفسك فأنتِ لم تسامحي والدك أيضًا، ولم تقدري أن تتصرفي معه بأريحية؛ كنوع من العقوبة له على ما فعله معكِ! عزيزتي، التسامُح مع الذات ومع الآخرين ليس بالأمر السهل أبدًا، ولو كان سهلاً لما كان أجره عظيمًا وجزاؤه الجنة. وهذا هو ما تمرين به الآن: عدم القدرة على التسامُح! أتفهَّم أن والدك تسبَّب لكِ في الكثير من الأذى لفترة طويلة من حياتك، وهذا الأذى كان كبيرًا وعميقًا عليكِ، لكنه انتهى، رغم ما تركه من أثرٍ إلا أنه انتهى، وصار ماضيًا لا يحكم حياتك، ولا يتحكَّم فيها؛ لأنكِ خرجتِ من دائرة الألَم وعملتِ، وتشغلين نفسك وأفكارك بما هو ممتع ومفيد لكِ، لذا هذا دليلٌ على أن أذيته لكِ صارتْ ماضيًا لا شيء يربطها بحياتك اليوم! صحيح أنكِ ورغم ذلك تتذكَّرين ما فعله معكِ كثيرًا، وتشعرين بأن ألَمَهُ يَتَجَدَّد كلما تذكرته، لكن دعينا نقوم بأمر قد يُساعدنا في تخفيف هذا الألَم: كلما تذكَّرتِ شيئًا مما فعله والدكِ وداهمكِ الحزن مجددًا، لا تهربي منه، بل واجهيه وفككيه، اسألي نفسك: • لماذا هو يؤلمني لهذه الدرجة؟ • لماذا شعرتُ بالغضب تحديدًا؟ • هل هناك شعورٌ آخر مع الغضب؟ هل الأمر الذي غضبتُ بسببه ما زال مستمرًّا أو انتهى؟ إن كان مستمرًّا كيف أصل للتصالُح معه؟ إن كان قد انتهى فلماذا ما زلت أشعر بالغضب تجاهه؟! كيف أجد طريقةً تجعلني أتعامَل معه مستقبلاً بدون أن أشعرَ بالغضب تجاهه؟ فكِّكي مشاعرَك، وتَحاوري معها حتى تصلي لحلٍّ مُرضٍ ومريحٍ؛ لأن مشكلتنا الأساسية هي الهرب والخوفُ مِن مواجهة مشاعرنا، بينما لو واجَهْناها وفكَّكناها وعرَفنا كيف نتحاور معها، فسيختلف الأمر كليًّا، وسنُصبح قادرين على التخلُّص من آثارها السلبية بسرعة! والأمرُ نفسُه نفعله مع مُسامحتك لنفسك، الأمر انتهى وقمتِ بتصحيحه واستغفرتِ الله من ذنبكِ، فلماذا تشكين في المغفرة؟ الله سبحانه قال في حديثه القدسي: ((يا ابن آدمَ، إنك ما دعوتني ورجَوْتَني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أُبَالِي، يا ابن آدمَ لو بلغَتْ ذنوبكَ عَنَانَ السماءِ ثم استغفرتَنِي غفرتُ لكَ ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتَيتَنِي بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثم لقِيتَنِي لا تُشْرِك بي شيئًا لأتَيتُكَ بقُرَابِها مغفرةً))؛ رواه التِّرمذيُّ. الأمرُ كلُّه يبدأ من داخلكِ عزيزتي، اجلسي مع نفسِك، وافهمي منها: لماذا هي قاسية على نفسها لهذه الدرجة، وكيف يمكنكِ أن تخفِّفي منها؟ كيف تتصالحي معها؟ ولا تستعجلي فخطوات صغيرة أكيدة أفضل من خطوات كبيرة، لكنها سريعة وغير ثابتة! هذا ما لديَّ والباقي أتركه لكِ ولروحك وحكمتك، وشكرًا لثقتكِ بنا عزيزتي، ولا تتردَّدي في مراسلتنا مجددًا متى ما شعرتِ بحاجة لذلك. ونتمنى أن نسمعَ منك أخبارًا طيبة وسعيدة
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |