|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عَسَى وعَسَى كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: "هذا إيجابٌ من اللهِ -تعالى- للجهادِ على المسلمينَ، أنْ يَكْفُوا شَرَّ الأعداءِ عن حَوْزَةِ الإسلامِ. وقال الزهريُّ -رحمه الله-: الجهادُ واجبٌ على كلِّ أحدٍ، غَزَا أو قَعَدَ، فالقاعدُ عليه إذا اسْتُعِينَ أنْ يُعِينَ، وإذا اسْتُغِيثَ أنْ يُغِيثَ، وإذا اسْتُنْفِرَ أنْ يَنْفِرَ، وإنْ لم يُحْتَجْ إليه قَعَدَ. قلت: ولهذا ثَبَتَ في الصحيحِ: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) (متفق عليه). وقوله -تعالى-: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ). أي: شَدِيدٌ عليكم ومَشَقَّةٌ، وهو كذلك؛ فإنَّه إمَّا أنْ يُقْتَلَ أو يُجْرَحَ مع مَشَقَّةِ السفرِ ومُجَالَدَةِ الأعداءِ. ثم قال -تعالى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). أي: لأنَّ القتالَ يَعْقُبُه النصرُ والظفرُ على الأعداءِ، والاستيلاءُ على بِلَادِهِمْ وأموالِهِمْ، وذَرَارِيهِمْ وأولادِهِمْ. (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ): وهذا عامٌّ في الأمورِ كلِّها، قد يُحِبُّ المرءُ شيئًا، وليس له فيه خَيْرَةٌ ولا مَصْلَحَةٌ، ومن ذلك: القُعُودُ عن القتالِ قد يَعْقُبُه استيلاءُ العدوِّ على البلادِ والحُكْمِ. ثم قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). أي: هو أعلمُ بعواقبِ الأمورِ منكم، وأخبَرَ بما فيه صَلاحُكُمْ في دُنْيَاكُمْ وآخِرَتِكُمْ، فاستجيبوا له، وانقادوا لأمرِهِ لَعَلَّكُمْ تَرْشُدُونَ". قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "في هذه الآيةِ عدةُ حِكَمٍ وأسرارٍ ومصالحَ للعبدِ: فإنَّ العبدَ إذا عَلِمَ أنَّ المَكْرُوهَ قد يَأْتِي بالمحبوبِ، والمحبوبَ قد يَأْتِي بالمَكْرُوهِ؛ لم يَأْمَنْ أنْ تُوَافِيَهُ المَضَرَّةُ من جانبِ المَسَرَّةِ، ولم يَيْأَسْ أنْ تَأْتِيَهُ المَسَرَّةُ من جانبِ المَضَرَّةِ لعدمِ عِلْمِهِ بالعواقبِ؛ فإنَّ اللهَ يَعْلَمُ منها ما لا يَعْلَمُهُ العبدُ؛ أوجبَ له ذلك أمورًا: منها: أنَّه لا أنفعَ له من امتثالِ الأمرِ، وإنْ شَقَّ عليه في الابتداءِ؛ لأنَّ عواقبَهُ كلَّها خيراتٌ ومَسَرَّاتٌ ولَذَّاتٌ وأفراحٌ، وإنْ كَرِهَتْهُ نفسُهُ؛ فهو خَيْرٌ لها وأنفعُ. وكذلك لا شيءَ أضَرَّ عليه من ارتكابِ النَّهْيِ، وإنْ هَوِيَتْهُ نفسُهُ ومالتْ إليه؛ فإنَّ عواقبَهُ كلَّها آلامٌ وأحزانٌ وشُرُورٌ ومَصَائِبُ. ومن أسرارِ هذه الآيةِ: أنَّها تَقْتَضِي من العبدِ التفويضَ إلى مَنْ يَعْلَمُ عواقبَ الأمورِ، والرِّضَى بما يَخْتَارُهُ له ويَقْضِيهِ له؛ لما يَرْجُو فيه من حُسْنِ العاقبةِ. ومنها: أنَّه لا يَقْتَرِحُ على ربِّهِ ولا يَخْتَارُ عليه ولا يَسْأَلُهُ ما ليس له به عِلْمٌ؛ فلعلَّ مَضَرَّتَهُ وهَلاكَهُ فيه وهو لا يَعْلَمُ، فلا يَخْتَارُ على ربِّهِ شيئًا، بل يَسْأَلُهُ حُسْنَ الاختيارِ له، وأنْ يُرْضِيَهُ بما يَخْتَارُهُ؛ فلا أنفعَ له من ذلك. ومنها: أنَّه إذا فَوَّضَ إلى ربِّهِ ورَضِيَ بما يَخْتَارُهُ له؛ أمَدَّهُ فيما يَخْتَارُهُ له بالقوةِ عليه والعزيمةِ والصبرِ، وصَرَفَ عنه الآفاتِ التي هي عَرَضَةُ اختيارِ العبدِ لنفسِهِ، وأرَاهُ من حُسْنِ عواقبِ اختيارِهِ له ما لم يكن ليصلَ إلى بعضِهِ بما يَخْتَارُهُ هو لنفسِهِ. ومنها: أنَّه يُرِيحُهُ من الأفكارِ المتعبةِ في أنواعِ الاختياراتِ، ويُفَرِّغُ قلبَهُ من التَّقْدِيرَاتِ والتَّدْبِيرَاتِ التي يَصْعَدُ منها في عَقَبَةٍ ويَنْزِلُ في أخرى، ومع هذا فلا خُرُوجَ له عما قُدِّرَ عليه؛ فلو رَضِيَ باختيارِ اللهِ أصابَهُ القَدَرُ وهو محمودٌ مَشْكُورٌ مَلْطُوفٌ به فيه، وإلا جَرَى عليه القَدَرُ وهو مَذْمُومٌ غيرُ مَلْطُوفٍ به فيه؛ لأنَّه مع اختيارِهِ لنفسِهِ. ومتى صَحَّ تَفْوِيضُهُ ورِضَاهُ اكْتَنَفَهُ في المَقْدُورِ العَطْفُ عليه واللُّطْفُ به، فيصيرُ بين عَطْفِهِ ولُطْفِهِ؛ فعَطْفُهُ يَقِيهِ ما يَحْذَرُهُ، ولُطْفُهُ يُهَوِّنُ عليه ما قَدَّرَهُ. إذا نَفَذَ القَدَرُ في العبدِ كان من أعظمِ أسبابِ نُفُوذِهِ تَحَيُّلُهُ في رَدِّهِ؛ فلا أنفعَ له من الاستسلامِ وإلقاءِ نفسِهِ بين يَدَيِ القَدَرِ طَرِيحًا كالميتةِ؛ فإنَّ السَّبُعَ لا يَرْضَى بأكلِ الجيفِ. وخاصةُ العقلِ تَحَمُّلُ الألمِ اليسيرِ لما يَعْقُبُهُ من اللَّذَّةِ العظيمةِ والخيرِ الكثيرِ، واجتنابُ اللَّذَّةِ اليسيرةِ لما يَعْقُبُهُ من الألمِ العظيمِ والشَّرِّ الطويلِ. فنَظَرُ الجاهلِ لا يُجَاوِزُ المَبَادِئَ إلى غَايَاتِهَا، والعاقلُ الكَيِّسُ دائمًا يَنْظُرُ إلى الغَايَاتِ من وراءِ سُتُورِ مَبَادِئِهَا، فَيَرَى ما وراءَ تِلْكَ السُّتُورِ من الغَايَاتِ المحمودةِ والمذمومةِ، فَيَرَى المَنَاهِيَ كطعامٍ لذيذٍ قد خُلِطَ فيه سُمٌّ قاتلٌ؛ فكلما دَعَتْهُ لَذَّتُهُ إلى تَنَاوُلِهِ نَهَاهُ ما فيه من السُّمِّ، ويَرَى الأوامرَ كدواءٍ كَرِيهِ المَذَاقِ مُفْضٍ إلى العافيةِ والشفاءِ، وكلما نَهَاهُ كَرَاهَةُ مَذَاقِهِ عن تَنَاوُلِهِ أمَرَهُ نَفْعُهُ بالتَّنَاوُلِ. ولكن هذا يَحْتَاجُ إلى فَضْلِ عِلْمٍ تُدْرَكُ به الغَايَاتُ من مَبَادِئِهَا، وقوةِ صَبْرٍ يُوَطِّنُ به نفسَهُ على تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الطريقِ لما يُؤَمِّلُ عند الغايةِ؛ فإذا فَقَدَ اليقينَ والصبرَ تَعَذَّرَ عليه ذلك، وإذا قَوِيَ يَقِينُهُ وصَبْرُهُ هَانَ عليه كلُّ مَشَقَّةٍ يَتَحَمَّلُهَا في طَلَبِ الخيرِ الدائمِ واللَّذَّةِ الدائمةِ" (الفوائد). وفقنا اللهُ وإياكم لما يُحِبُّ ويَرْضَى.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |