|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() مقاربات بيانية إيمانية لسورة الفجر د. بن يحيى الطاهر ناعوس قبل الولوج إلى خضم هذا البحر الزاخر بالمعاني العالية والرفيعة، يجدر بنا أن نقف على جملة من المعاني العظيمة لهذا الكتاب المبين، في جملة من الصفات الضرورية والأساسية؛ وهي: المرحلة الأولى صفات المتكلم: وذلك لأن معرفة وتبيان صفات المتكلم، تجعل القارئ يدرك الفرق الشاسع بين كلام الله تعالى وغيره من الخطابات البشرية، التي يظهر فيها حقيقة ضعف الإنسان، أما صفات الله المتكلم في الخطاب القرآني الكريم، فهي تعكس الصفات العلا لله تعالى؛ فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وهي صفة ذاتية لله جل في علاه، والمعنى أن الله تبارك وتعالى لم يسبقه شيء في الوجود، فهو موجود قبل خلق الوجود؛ قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]. ولهذا إذا وجدنا القرآن يأتي بصفَتَيِ الإتيان والمجيء، مثلًا، فهما غير صفات الإتيان وللمجيء لدى المخلوقات، فصفة الإتيان وصفة المجيء هي الصفات الفعلية الخبرية، وهي ثابتة في القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى يأتي ويجيء، فيجب أن نؤمن باللفظ والمعنى، دون السؤال عن الكيفية؛ قال الله سبحانه: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [البقرة: 210]، وقال أيضًا: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]، فالإجابة هي صفة من الصفات الفعلية لله تعالى، وهي مأخوذة من اسم الله المجيب، فالله سبحانه وتعالى مجيب للدعوات؛ قال الله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، فهو الذي يجيب دعوات عباده، وهو الذي يجيب المضطرين، وهو الذي يقبل الإنابة من المستغفرين. الإحاطة، فالله تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحاط بالأزمان، وأحاط بالأماكن، فهو الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن. المرحلة الثانية: كمال وتكامل الخطاب القرآني: الخطاب القرآني كامل ومتكامل؛ كما وصف القرآنُ القرآنَ بذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ﴾ [الإسراء: 41]، فقد ساق لنا القرآن الكريم من كل مثل عن هذه الحياة وحقيقتها وأسرارها، جسدتها تلك التراكيب القرآنية المحبوكة والمسبوكة سبكًا يفوق القوى والقدر؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾ [الكهف: 54]. كل تلك المعاني التي لا منتهى لها التي تفيض غزارة وقوة وحكمة، حملها ذلك اللسان العربي المبين لها؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [طه: 113]. ومن هنا، فإن أصح وأنصح الطرق في فهم القرآن الكريم "أن يُفسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان، فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، وما اختُصر في مكان، فقد بُسط في موضع آخر"[1]، وهكذا يكمل القرآن بعضه بعضًا في نسيج محكم منقطع النظير. لهذا؛ فإن المتأمل في الخطاب القرآني تأمُّل تدبُّر واستنطاق لمعانيه "يجد أنه قد اشتمل على الإيجاز والإطناب، وعلى الإجمال والتبيين، وعلى الإطلاق والتقييد، وعلى العموم والخصوص، وما أُوجز في مكان قد يُبسط في مكان آخر، وما أُجمل في موضع قد بُيِّن في موضع آخر، وما جاء مطلقًا في ناحية قد يلحقه التقييد في ناحية أخرى، وما كان عامًّا في آية، فقد يدخله التخصيص في آية أخرى"[2]. المرحلة الثالثة: مـقـاصـد الخطاب القرآني: لا يخفى على أي عاقل أن القرآن الكريم يحمل في ثناياه مقاصدَ، كانت السبب الرئيس في نزوله؛ ومنها قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 26 - 28]. لهذا لو تمعَّنَّا في بدايات سورة البقرة، لوجدنا القرآن يأخذنا إلى المكانة السامقة التي تسمو فيها أرواحنا، وعقولنا، وحياتنا بأكملها، عن طريق الهداية التي يضيء لنا القرآن الكريم طريقَها ويعبِّده لنا، حتى نصير من المتقين الذين اتصفوا بصفات الكمال والجمال عن طريق الإيمان بالغيب، وامتثال أوامر الله التي تعلو بالعبادة الصادقة التي تجعل الإنسان خليفة بالفعل الحسن، وسمو الأخلاق الطيبة الراقية؛ قال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5]. هذا ولو ربطنا هذه البدايات بأم القرآن؛ التي هي قوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، لَفهِمنا أن المعين على العبادة الحقة هو الله تعالى الذي أنزل علينا الكتاب تبيانًا لكل شيء، وتوضيحًا لِما التبس علينا عن قصد أو غير قصد، وذلك لأن القرآن الكريم أصله وأمه هو تلك الآية الكريمة. سميت سورة الفجر بهذا الاسم نسبة إلى القسم الذي استهل الله سبحانه وتعالى به هذه الآيات؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، وقد أقسم الله بهذا الوقت، وهو وقت الفجر للدلالة على أهميته، ولكن اختلف العلماء في تفسير الفجر ومدلوله في هذه الآيات، فابن عباس قال: إن هذا الفجر هو فجر كل يوم، فحين ينفجر الضوء، ويُقبل النهار مع انقضاء الليل، تخرج الكائنات الحية لأعمالها كأنهم أموات قد بُعثوا من جديد، وقيل: بل هو فجر يوم محدد، وقد اختلف في هذا اليوم، فهناك من قال بأنه يوم النحر وقد أقسم الله فيه لشرفه، ولأنه تُقام فيه أكثر مناسك الحج، وهناك من قال: بل هو أول يوم من شهر محرم؛ وهو نسبة لانفجار السنة الهجرية وبدايتها، في حين أن هناك من قال: إن هذا الفجر هو اليوم الأول من ذي الحجة، ومن ذهب إلى هذا القول استند إلى أن الله سبحانه وتعالى قد جمع في هذه الآيات الفجر مع ليالي ذي الحجة العشرة، والله أعلم. إن الجدير بالذكر بأنه لم يرد في الأثر اسم بديل للسورة دال عليها سوى "الفجر"، وتظهر الحكمة البيانية من تسمية السورة بهذا الاسم استنادًا لمقصد السورة المنصبِّ على كشف الحقائق في الدنيا أو الآخرة، كما يكشف الفجر بنوره الساطع سواد الليل المظلم؛ حيث تتناول السورة في سياقها القرآني الطغاة وما أوتوا من القوة والجبروت، حتى إذا ما تمكنوا جاءهم أمر الله وعذابه في الدنيا قبل الآخرة، وكما أن الفجر يُبدِّد بحقيقته الليل، ويُظهر الأمور على جوهرها بعد الظلام الدامس، فكذلك تبدد الكرامة الحقيقية وأسبابها - المتمثلة في طاعة الله والإحسان إلى خلقه - الكرامة الزائفة، والمهانة الحقيقية التي يدركها الغافل متأخرًا، وذلك حين يقف بين يدي الله في يوم الحساب، وهو يعض على يديه حسرةً وندامةً بما قدمت يداه، فيومها يتذكر وأنى له الذكرى ويقول: يا ليتني قدمت لحياتي، وعندها تتجلى له حقيقة الكرامة والمهانة، فموازين الله ليست كموازين الخلق، فأما المهان ففي عذاب الله مستقر، وأما المكرم ففي جنة الله المستقر. الخاتمة خلاصة وتوصيات: إن هذا النسيج العلائقي لتركيبية الخطاب القرآني الكريم في شتى تمظهراته البنائية العلمية، كما رأينا، القائم على صميمية الترابط بين أسيقة الخطاب القرآني الكريم وبنائه الصوغي ووفقًا لسلمية بنائية (صوت، مفردة، تركيب)، يعكس صورة المجتمع الإنساني المنشود من خلال الخطاب البياني الواضح ما هي أهم سلوكاته في شتى الظروف الاجتماعية المختلفة. ومن هنا ارتهنت فيما سبق إلى التراتبية التصاعدية لكينونة التخلق اللغوي (لغة الخطاب القرآني البياني)، الموجَّه بفعالية الأنموذج اللساني الإنساني بوصفه سلوكًا اجتماعيًّا، يحاول صوغه وصناعة الأنموذج المقصود في تشكيلة المجتمع، وربطه بالهدف البياني الذي يشمل موقع اللفظ على قيمة وظيفية؛ فبعض اللغات التي إذا كان للفظ فيها وظيفة، فلا بد من مكان محدد برصف فيها إلى جانب آخر، ولكن أغلبية اللغات كالإنجليزية تتوسط هذين الجانبين"[3]، والذي تسيره ثبوتية العرف وتحولاته الطارئة في كينونته المشكلة لطبيعة الإنسان بصفة عامة. في نهاية القول يمكن لنا القول والإقرار بأن ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ ﴾ [الشعراء: 195]، وهو أفضل الألسنة، بلغة من بُعث إليهم، وباشر دعوتهم أصلًا اللسان البين الواضح. وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم؛ فإنه أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة، على أفضل الخلق، على أفضل بضعة فيه وهي قلبه، على أفضل أمة أُخرجت للناس، بأفضل الألسنة وأفصحها، وأوسعها؛ وهو: اللسان العربي المبين. [1] مجموع الفتاوى: 13/ 363. [2] التفسير والمفسرون: 1/ 40. [3] Sapir ******** An introduction to the Study of Speech U S A 1921 p66.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |