|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نظام المواريث من محاسن دين الإسلام خلدون بن محمود بن نغوي الحقوي مقدمة: إنَّ معرفةَ أصولِ محاسنِ هذا الدِّين العظيم له فوائدُ متعددة؛ منها: 1- أنَّ الاشتغالَ في هذا الموضوع مِن أفضل الأعمال الصالحة؛ لأنه من باب تعلُّم العلم النافع. 2- أنَّ معرفةَ النِّعَم والتحدثَ بها قد أَمَرَ اللهُ به ورسولُه، وأعظم نِعَم الله على عباده هو هذا الدِّين الإسلاميُّ الذي لا يَقبل الله مِن أحد دينًا سواه، فيكون هذا التحدثُ شكرًا لله، وطلبًا للمزيد مِن هذه النعمة. 3- أنه كلما كان العبدُ أعرفَ بهذا الدِّين؛ كان أكملَ إيمانًا وأصحَّ يقينًا؛ فإنه برهانٌ على جميع أصول الإيمان وقواعده. 4- أنَّ مِن أكبرِ الدعوة إلى دين الإسلام شرحَ ما احتوى عليه مِن المحاسن، التي يتقبلها كلُّ صاحب عقلٍ وفطرة سليمة. وإنَّ مِن جملة محاسن هذا الدِّين العظيم: ما جاءتْ به الشريعة الإسلامية مِن نظام انتقالِ المال والتَّرِكَات بعد الموت، وهو علم الفرائض؛ يعني: نظام توزيع المال على الورثة بعد وفاة الإنسان. ومحاسن دين الإسلام في هذا الجانب تظهر من خلال عدة نقاط: 1- أن نفوس الورثة كلهم تَطِيبُ بهذا التوزيع، ولا يشعرون بالظلم؛ لأنه عندما يعلم الورثة بأن طريقة التوزيع إنما كان من الله تعالى؛ فإن نفوسهم ترضى - سواء من الذكور أو الإناث - لأنهم يعلمون أن الله تعالى عدْلٌ ولا يظلم أحدًا، وأنه أرحم بهم من أهلهم. 2- منع حصول الاقتتال بين الأقارب - بعد وفاة قريبهم - لأن كل واحد يريد أن يأخذ أكبر نصيب من الميت. 3- عدم حرمان الضعفاء - من النساء واليتامى - لحقوقهن؛ فالله تعالى تكفَّل بها لهم حتى لو كان نصيبهم قليلًا. قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7]. 4- أنه لو وُكِلَ الأمرُ إلى آراء الناس وأهوائهم، لَحَصَلَ بسبب ذلك الفوضى والخَلَلُ، وكل بلد أو قبيلة أو زمن لهم طريقة توزيع بحسب أهوائهم وشهواتهم وعاداتهم! وقد أشار تعالى إلى الحكمة في نظام توزيع الميراث بقوله: ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]، فوضَعَها اللهُ بنفسه بحسب ما يَعْلَمُه مِن قُرْبِ النفع. وسنذكر أمثلة على التناسبِ في مقادير المواريث بما يتعلق بالحكمة في ذلك: 1- الولد أكثر نفعًا للشخص قبل موته من والده؛ لذلك كان ميراث ولد الميت أكبر من ميراث والد الميت، وكذا الوالد أكثر نفعًا للشخص من أخيه، وكذا الأخ أكثر نفعًا من عمه، وهكذا. 2- الولد أكثر نفعًا للشخص قبل موته من ابنته؛ لذلك كان ميراث ولد الميت أكبر من ميراث ابنة الميت، وكذا والده أكثر نفعًا له من والدته، وكذا الأخ أكثر نفعًا للشخص من أخته، وهكذا. 3- الزوج أكثر نفعًا للزوجة من منفعة الزوجة لزوجها؛ فهو الذي ينفق عليها وعلى الأولاد. وهكذا، فقد وزَّع الله تعالى الميراث بعد موت الإنسان بحسب المنفعة التي كان ينالها الإنسانُ ممن حوله في حياته. 4- وأيضًا جعل اللهُ تعالى في الميراث مراعاةً للناحية الاجتماعية في النفقات. فمثلًا: في ميراث الأولاد، وميراث الإخوة الأشقَّاء، وميراث الأب والأم مع الولد: الذَّكَرُ يأخذ ضعف الأنثى، وفي هذا مراعاة لناحية اجتماعية؛ وهي أن الذكر هو الذي يدفع المهر في الزواج، وأما البنت، فهي التي تأخذ المهر، وبذلك يظهر العدل الاجتماعي في الحصول على المال. 5- وأيضًا من الناحية الاجتماعية؛ فالذَّكَر هو الذين يتحمل نفقات النساء ممن حوله؛ كأمه وأخته، وابنته وزوجته؛ لذلك فهو عليه قدْرٌ كبير من المسؤولية المالية. وقد جاء في الحديث الصحيح: ((مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ))[1]. ومعنى (أَشْرَاط السَّاعَةِ): علاماتُها التي تكون قبل وقوعها، ومعنى (الْقَيِّمُ): يعني الذي يقوم بأمورهن، وذلك بسبب كثرة الفتن والحروب التي يموت فيها الكثير من الرجال. 6- وأيضًا من جهة الواقع، فالذكور هم الذين يدخلون في العادة في الأعباء العظيمة في المجتمع؛ كالحروب والصناعات، والتجارات والزراعات؛ لذلك فمن الحكمة أن يكون نصيبُهم في الميراث أكبرَ. وأما الوصية، فقد جَعَلَ اللهُ للعبد أنْ يوصيَ لغير الورثة مِن ماله بما يشاء، ولكن بما لا يزيد عن الثُّلُث؛ لئلا تصير الأمورُ - وهي الأموال التي جعلها اللهُ قيامًا للناس - ملعبةً يَتلاعب بها قاصرو العقول والديانة عند انتقالهم مِن الدنيا. وفي الحديث الصحيح: ((الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ))[2]. ومعنى: (الثُّلُثُ كَثِيرٌ) يعني: لو كانت الوصية أقلَّ من الثلث، فهو أفضل، ومعنى: (تَذَرَ) تترك بعد موتك، ومعنى: (عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)؛ أي: فقراء يتسوَّلون من الناس ما يحتاجون إليهم. تنبيه وتحذير: بعد هذه الأمثلة التي تدل على حكمة الله تعالى في نظام المواريث، فإنه لا بد من العلم بأن نظام توزيع الميراث ليس هو فقط من باب العدل، وإنما أيضًا هو شريعة ودين، والعملُ به فريضةٌ، وهي عبادةٌ نتقرب بها إلى الله سبحانه، وإن الإعراض عن التحاكم إلى شريعة الله في المواريث قد يجعل المرء كافرًا. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]. قال الإمام أحمد: "عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته، ويذهبون إلى رأي سفيان؛ والله تعالى يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنةُ الشِّركُ، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزَّيغ؛ فيهلِك"[3]. [1] صحيح البخاري (81) من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا. [2] صحيح البخاري (3936) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعًا. [3] ذكره بنحوه ابن مفلح في الفروع (11/ 107)، وأيضًا شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (19/ 104).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |