مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5009 - عددالزوار : 2134090 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4591 - عددالزوار : 1412588 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 28776 )           »          العلاقات الدولية ومناهجنا التعليمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير التأملي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الاستشراق ووسائل صناعة الكراهية: صهينة الاستشراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 214 - عددالزوار : 138755 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 100 - عددالزوار : 53771 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 54 - عددالزوار : 16400 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 95 - عددالزوار : 17340 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-09-2025, 12:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,769
الدولة : Egypt
افتراضي مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة

مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (1-2)



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتُعَدُّ القاهرة العاصمة السياسية والاقتصادية والإدارية، ومقر الحكم لجمهورية مصر العربية لما يزيد عن ألف عام. وتقع القاهرة عند ملتقى نهر النيل بالدلتا، وتُعَدُّ القاهرة أكثر مدن مصر سكانًا، حيث تَجاوَزَ تعداد سكانها عشرة ملايين نسمة، أي: إن نسبة السكان فيها تُعادل 10% تقريبًا من إجمالي سكان مصر.
وتُعَدُّ القاهرة أكبر مدينة عربية من حيث تعداد السكان ومن حيث المساحة، والثانية في إفريقيا، والسابعة عشرة عالميًا. وتُعَدُّ القاهرة من أكثر المدن تنوعًا ثقافيًّا وحضاريًّا؛ حيث شهدت العديد من الحقب التاريخية التي تركت فيها العديد من المعالم والآثار المختلفة؛ فهي أشبه بمتحف كبير مفتوح، يضم الكثير من الآثار: الفرعونية، واليونانية، والرومانية، والقبطية، والإسلامية، وبها أرقى صور من العمارة المتمثلة في القلاع والحصون والأسوار والمساجد والمدارس؛ بالإضافة إلى معالمها الحديثة.
وتُعَدُّ القاهرة مدينة ومحافظة في آن واحد، حيث تَحدُّ محافظة القليوبية القاهرة من الشمال، بينما تَحدُّها محافظة بني سويف من الجنوب، وتَحدُّها محافظة الجيزة من الغرب، وتبلغ مساحة مدينة القاهرة 308,512 كيلومترًا مربعًا، وتتكون محافظة القاهرة من أربع مناطق إدارية: شمال وجنوب وشرق وغرب، تضم 38 حيًّا.
وقد تسببت العوامل الجغرافية الطبيعية من نهر وتضاريس في أن يكون نمو وتطور القاهرة من جهة الشمال في معظم حقبها التاريخية؛ إذ إن موقع مدينة القاهرة القديم منذ تأسيس مدينة الفسطاط السابقة عليها جعلها محددة من جهة الشرق بتلال المقطم، مما يتعذر معه التمدد نحو الشرق، ومحددة من جهة الغرب بنهر النيل، فلا تتمدد غربًا إلا بمقدار ما سمح به مجرى نهر النيل من أرض؛ إذ إن مجرى النيل شهد بعض الانحراف منذ عهد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلى الآن، يتمثل في المسافة الحالية بين جامع عمرو بن العاص الذي كان على شاطئ نهر النيل عند بنائه وبين موقعه الحالي من مجرى النهر، أي: نحو خمسمائة متر، بينما يمثل جنوب القاهرة شريطًا ضيقًا من الأرض ينحصر بين التلال ومجرى نهر النيل، فكان من الطبيعي أن يتمدد موقع القاهرة من القديم نحو الشمال حيث الظروف الملائمة، فالأرض شمالًا منبسطة، كما أن موجات القادمين للقاهرة أيضًا جاءت من جهة الشمال، فهي الجهة الأقرب إلى أصولهم التي جاءوا منها، والتي منها يتلقون إمداداتهم، كما إن الأخطار التي تعرضت لها القاهرة عبر تاريخها الطويل كان غالبها أيضًا من جهة الشمال.
ومن الناحية التاريخية مرَّ موقع مدينة القاهرة بمراحل عديدة من البناء والتطور عبر تاريخها الطويل؛ منها:
بناء مدينة الفسطاط:
كان الوجود الروماني العسكري في مصر يضم ثلاثة فيالق: فيلق في الإسكندرية، والتي كانت عاصمة مصر طوال فترة الحكم الروماني لوقوعها على البحر المتوسط، وقربها من روما حيث طرق الإمدادات، والفيلق الثاني في طيبة، والأخير في قلعة تُسمَّى (حصن بابليون)، فلم يكن في موقع الفسطاط قبل إنشائها أي مدن متكاملة قبلها، ولم يكن قبل عام 640 ميلادية إلا حصن بابليون كمقر حكم وقاعدة عسكرية للرومان قبل الفتح الإسلامي، ويمثل هذا الحصن جزءًا مهمًا من تاريخ مصر الروماني، ولا تزال أجزاء من قلعة بابليون قائمة ضمن حدود منطقة مصر القديمة، وتُعَدُّ من أقدم الأماكن في القاهرة. وقد بقي من آثار حصن بابليون أجزاء من الأسوار ومن أبراج بعض المداخل، وقد شيدت كنيسة معلقة فوق برج منها، وتقع كل هذه الأجزاء الآن داخل القاهرة.
وقد حاصر عمرو بن العاص -رضي الله عنه- حصن بابليون حين فتح مصر عام 641 م، وكانت مساحة الحصن نحو خمسة هكتارات (12.5 فدانًا)، وحول الحصن كانت هناك أرض فضاء زراعية، يسكنها أقباط ويهود.
ومع دخول مصر تحت إدارة الدولة الإسلامية واستقرار الجيش الإسلامي بها، كان لا بد من وجود مقر للإدارة والحكم، فكان بناء (الفسطاط)، مدينة الإسلام الأولى في مصر وفي إفريقيا، وعاصمة مصر الجديدة لقرون؛ بُنيت بحيث كان يقع موقع حصن بابليون في وسطها، وسُمِّيت بالفسطاط نسبة إلى الموضع الذي جعل فيه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فسطاطه (خيمته) عند فتحه مصر، وذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
ومع ازدهار التجارة فيها، ازدهرت هذه المدينة، وقد أُضيفت لها بعد ذلك ضاحيتان جديدتان هما: (العسكر) و(القطائع)، لكنهما لم تكتملا وزالتا بزوال مؤسسيهما، حيث كان الهدف من بناء هاتين الضاحيتين حماية المؤسسين لهما، فاستمدتا قوتهما من مؤسسيهما وزالتا بزوالهما.
وقد اختط عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الفسطاط لجنوده ليستوطنوا بها، وبُني بها مسجد عمرو بن العاص الجامع، وهو أول مسجد بُني في مصر الإسلامية، وقد أُنشئ بالفسطاط ميناء نهري، كما تم شق فيها خليج أمير المؤمنين بعد ذلك.
وقد ساعد موقعها الجيد على بقاء قوتها، وساعد بناء الفسطاط على حدوث اختلاط وترابط ثقافي بين العرب المسلمين وبين المصريين، وازدهرت التجارة في المدينة وتوسعت مع الوقت.
وموقع الفسطاط حاليًا في منطقة مصر القديمة (حي مصر القديمة) جنوب القاهرة، وهو من أعرق الأحياء بالقاهرة الكبرى حاليًا، وبه العديد من الآثار القديمة، لكن يتعذر اليوم التعرف بدقة على موقع مدينة الفسطاط؛ لأن مجرى نهر النيل قد انتقل من موقعه السابق متجهًا جهة الغرب، وكانت الفسطاط على النهر في منطقة ضيقة يسهل منها العبور بين ضفتي النهر، بينما تكونت الأرض الواقعة حاليًا بين موقع الفسطاط ونهر النيل كنتيجة لانتقال مجرى النهر نحو الغرب قليلًا، وظلت الأرض التي انحسر عنها النهر رطبة تملؤها بحيرات ضحلة لا تصلح للسكن والعمران إلا بعد قرون من الترسب والصلابة، فتكونت منطقة (الأزبكية) كأرض صلبة في عهد الفاطميين، وظهرت منطقة (باب اللوق) في عهد الأيوبيين.
وقد ظلت الفسطاط المدينة الأولى في مصر إضافة إلى مدينتي: العسكر والقطائع بعدها اللَّتين لم تكتملا، حتى تم بناء مدينة القاهرة في عهد المعز لدين الله الفاطمي، والتي ظلت منافسة للفسطاط إلى أن خربت الفسطاط. وجاء خراب الفسطاط من خلال الشدة العظيمة التي قضت على بشر كثيرين في عهد المستنصر بالله الفاطمي، ثم بسبب حريق الفسطاط عام 1168م خلال وزارة شاور قرب نهاية دولة الفاطميين أثناء الصراع بين شاور وضرغام أثناء السنوات الأولى لحكم العاضد، آخر حكام الدولة الفاطمية في مصر (1160م - 1171م).
بناء مدينة العسكر:
المراد بالعسكر الجند. وقد أُسِّست مدينة العسكر عام 752م؛ أي: في القرن الثامن الميلادي الموافق للقرن الثاني الهجري، فكانت العاصمة الثانية لمصر بعد الفسطاط لأكثر من قرن من الزمان، بناها القائد صالح بن علي العباسي ، أول والٍ للعباسيين في مصر (133هـ - 750م)، ليقيم فيها جيشه، حيث كانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل لهذا السبب أُطلق عليها الناس مدينة العسكر، واستمر الحال على ذلك حتى زمن والي مصر السري بن الحكم (201هـ - 816م)، الذي أذن للناس بالبناء بالقرب منها، فنمت المدينة وامتدت حتى اتصلت بالفسطاط وأصبحت جزءًا منها.
كانت مدينة العسكر تقع شمال مدينة الفسطاط، وهي حاليًا جزء من القاهرة القديمة (حي مصر القديمة)، وتحديدًا في المنطقة الواقعة بين حي المدابغ في القاهرة القديمة وجنوب حي السيدة زينب، وإن لم يتبق منها إلا معالم متفرقة.
بناء مدينة القطائع:
عندما تولى أحمد بن طولون حكم مصر واستقل بها عن الخلافة العباسية، فكانت أول دويلة تستقل عن الدولة العباسية، بنى ابن طولون مدينة القطائع عام 870م، واتخذها مقرًّا لحكمه، فكانت العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية طوال عهد الدولة الطولونية. بُنيت مدينة القطائع شمال شرق مدينة العسكر، حيث يَحدُّها من الشرق جامع ابن طولون المبني على منحدرات جبل يشكر، وجنوب الجامع كانت دار الإمارة، ويَحدُّها من الشمال بركة الفيل، ويَحدُّها من الجنوب مشهد ضريح زين العابدين، وفي وسطها كان تل جبل يشكر، فكانت مدينة رائعة، بلغت مساحة أراضيها نحو 270 هكتارًا (نحو 667 فدانًا) مقسمة إلى قطع، قُسمت على جند ابن طولون، وسُمِّيت كل قطيعة منها على اسم ساكنيها من الجنود، من النوبة والسودان والروم وغيرهم، وفيها بُنيت مستشفى (بيمارستان)، وكان بها أسواق لتلبية احتياجات السكان، وبها ديوان للحكم، وتقسيم جغرافي للمهن، وبُنيت فيها قناة لتوصيل المياه بين بركة الحبش والقصر. وقد دُمِّرت مدينة القطائع على يد العباسيين بعد القضاء على الدولة الطولونية في مصر عام 905م، فلم يبقَ منها إلا جامع ابن طولون بمئذنته المميزة.
بناء مدينة القاهرة:
بعد سقوط الدولة الطولونية في مصر، وبعد ضعف الدولة الإخشيدية بوفاة مؤسسها كافور الإخشيدي عام 968م، طمعت الدولة الفاطمية في الاستيلاء على مصر، وذلك في عهد المعز لدين الله الفاطمي (953م - 975م)، وهو الحاكم الرابع للدولة الفاطمية.
والدولة الفاطمية حكمتها أسرة نَسَبت نفسها إلى فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحقيقتهم أنهم ينتمون إلى فرقة الإسماعيلية، إحدى فرق غلاة الشيعة الباطنية المارقة من الدِّين؛ بدأت حكمها من تونس بالمغرب العربي، ثم امتدت شرقًا لنشر معتقداتها الفاسدة، وقد أمر المعز لدين الله قائده جوهر الصقلي (928م - 992م) اليوناني الأصل بغزو مصر وكلفه ببناء مدينة متكاملة فيها ليحكم مصر منها. ولم يلاقِ الجيش الفاطمي عند دخوله لمصر سوى مقاومة ضعيفة من جانب الإخشيديين، وأقام جوهر الصقلي معسكرًا له في الجيزة، ثم عبر نهر النيل، واجتاز مدينة الفسطاط، ليستقر في شمالها، حيث بنى هناك مدينة (القاهرة) لتكون عاصمة مصر الجديدة، كما بنى بها الجامع الأزهر لنشر المذهب الشيعي في مصر. وقد سُمِّيت بالقاهرة نسبة إلى كوكب المريخ (القاهر) الذي ظهر في السماء وقت بناء المدينة. وقيل: سُمِّيت بهذا الاسم تفاؤلًا بأنها ستقهر من يعاديها. وتحتفل القاهرة بعيدها القومي في يوم 6 يوليو من كل عام، وهو اليوم الذي وضع فيه جوهر الصقلي حجر أساس المدينة عام 969م، وقد استغرق بناؤها ثلاث سنوات.
كان الهدف من بناء مدينة القاهرة الجديدة أن تكون مدينة طبقية محصنة يقطنها الحكام والأمراء الفاطميون دون غيرهم، وقد ازدادت قوة القاهرة بعد حريق الفسطاط المنافسة لها، وانفتاح القاهرة للتجار وللعامة، فتوسعت كثيرًا خاصة مع بداية القرن التاسع عشر، حيث ضمت كل مقومات الحياة الحضرية من مساكن ومدارس ومساجد وأسواق ومستشفيات عامة ومدافن موتى وميناء للتجارة والنقل.
وقد تناوب على مدينة القاهرة خلال العصور الوسطى عدة أنظمة حكم مختلفة، كلها منبثقة من بعضها البعض، حيث شهدت معها القاهرة تطورات كبيرة، منها:
بناء قلعة القاهرة في عهد الأيوبيين:
تعرضت مصر لهجمات الصليبيين إبان الدولة الفاطمية، وزال خطر الصليبيين مع بداية دولة الأيوبيين عام 1176م على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية في مصر.
دخل صلاح الدين الأيوبي الكردي الأصل مصر لإنقاذها من خطر الصليبيين، بعد أن تعاون مع شاور وزير الحاكم الفاطمي العاضد ، وسرعان ما حاز صلاح الدين وزارة الدولة، فلما مات العاضد تولى صلاح الدين إدارة شؤون مصر، وذلك عام 1171م، واستمر حكم الأيوبيين لأقل من قرن من الزمان. وخلال عهد الأيوبيين بدأ التفكير في بناء قلعة محصنة على جبل المقطم، هي قلعة القاهرة (أو قلعة الجبل)، وذلك لحماية المدينة والدفاع عنها ضد هجمات الأعداء؛ لذا خلت من أي منشآت اقتصادية أو اجتماعية، وهي تُعَدُّ أحد المعالم التاريخية للقاهرة، ومن أعرق القلاع الحربية الإسلامية في القرون الميلادية الوسطى، وهي لا تشبه أي حصن تقليدي.
بدأ صلاح الدين مؤسس الدولة الأيوبية بناء القلعة عام 1171م لتكون الرابط الذي يربط كبرى مدن (عواصم) مصر القاهرة والفسطاط، حيث أحاطهما بسور واحد، وجعلت القلعة لتكون بمثابة القلب النابض لهما، ولكن لم يشهد صلاح الدين اكتمال بناء القلعة، إذ اكتمل البناء في عهد السلطان الكامل؛ لذا كان هو أول من سكنها، وأول من اتخذها دارًا للملك ومقرًا لحكم مصر، واستمرت مقرًا للحكم من بعده حتى عهد الخديوي إسماعيل الذي نقل مقر حكم مصر إلى قصر عابدين.
وتضم قلعة القاهرة العديد من المعالم الأثرية الإسلامية، منها: جامع الناصر بن قلاوون، وجامع محمد علي باشا، ومسجد سليمان باشا الخادم، وبئر يوسف، وعدد من المتاحف.
وقد تضمن بناء القلعة إنشاء خندق من الجهتين الشرقية والشمالية للقلعة، وكان لها عدة بوابات، وما زال على أحد أبواب القلعة نقوش تعود إلى عام 1183م، كما حُفر (بئر يوسف) على عمق 90 مترًا في قلب الصخور للإمداد بالمياه، مما يمكنها من الصمود أمام أي حصار محتمل ولمدة طويلة.
وقد أقام صلاح الدين المدارس لتدريس المذاهب الإسلامية في الفسطاط، لكن لم تشهد إقبال الكثيرين من الرواد لمدة من الزمن؛ نظرًا لأن سكان الفسطاط قد هجروها بعد احتراقها واستقروا بالقاهرة. وشهدت القاهرة في تلك الفترة تحولًا من مدينة للحكام والأمراء ليسكنها العامة، وتهدمت القصور الضخمة، وتحولت إلى مساجد ومدارس، بينما تحولت القصور الصغيرة إلى منشآت للأغراض التجارية، فانتعشت ظروف القاهرة الاقتصادية، وتم إدخال نظام الوقف فيها بتخصيص ملكيات عقارية لدعم تقديم خدمات اجتماعية، حيث يقوم الأثرياء ببناء مجمع يخصص جزء من إيراداته للأنشطة الخيرية، فكانت إيرادات حي الصاغة في القاهرة تخدم المدرسة الناصرية، وكانت متاجر في منطقة باب النصر تقوم بدعم المدرسة السيوفية، وكما بُنيت مدارس للتعليم، وظهرت الخانقاه لاعتكاف الصوفية، وظهرت المؤسسات العامة كالمستشفيات العامة.
بعد وفاة السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1193م، اقتسم أبناؤه وأبناء إخوته الدولة. وانتهى عهد الأيوبيين بموت الملك الصالح نجم الدين أيوب زوج شجرة الدر -رحمها الله-، التي حكمت مصر من بعده، بعد أن أخفت خبر وفاته. فكانت فترة حكم شجرة الدر تلك نقطة تحول من حكم الأيوبيين إلى حكم المماليك.
توسع القاهرة في عهد المماليك:
امتدت دولة المماليك من عام 648هـ إلى عام 923هـ (من عام 1250م إلى عام 1517م)، أي: قرابة قرنين ونصف قرن، وخلفت الكثير من الآثار الدالة على تقدم فنون البناء والعمارة والزخرفة. وقد تحولت القاهرة في تلك الفترة إلى حاضرة الخلافة بعد سقوط بغداد؛ إذ كانت أهم وأكبر مدن العالم، ويرجع ذلك إلى قوة سلاطين المماليك وهيبتهم، وقدرتهم على المحافظة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب ازدهار التجارة، حيث نجح المماليك في جذب تجارة شرق البحر المتوسط إلى القاهرة التي صارت مركزًا للنقل التجاري مع الاستفادة من التجارة بين الهند وأوروبا عن طريق البحر الأحمر.
وقد ظهر المماليك في مظهر منقذي العالم الإسلامي من الضياع والزوال بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية، ويقسم المؤرخون دولة المماليك إلى دولتين: دولة المماليك البحرية التي حكمت من عام 648هـ إلى عام 784هـ (1250م - 1382م)، وحكمها سلاطين من أصل قفجاقي تركي، ودولة المماليك البرجية التي حكمت من عام 784هـ إلى عام 923هـ (1382م - 1517م)، وحكمها سلاطين من أصل شركسي، واشتهر عن المماليك صدهم للهجمات المغولية والصليبية وتطورهم العمراني وازدهار التجارة في عهدهم.
تسلم المماليك مدينة القاهرة من الأيوبيين مدينة محصنة ليس لها توسعات كبيرة خارج نطاقها، سوى بعض الضواحي الجديدة كالأزبكية وبركة الفيل وبولاق. ومع التزايد السكاني المستمر، كانت تُبنى المباني الجديدة في العصر المملوكي من خلال هدم عقارات قديمة لإقامة مبانٍ جديدة مكانها؛ نظرًا لضيق الحيز الفضائي خاصة في الأماكن المأهولة بالسكان، وقد تميزت تلك الفترة من تاريخ القاهرة بالتفوق في البناء المعماري على طراز فني رفيع بقي شاهدًا على التقدم المعماري الإسلامي في ذلك العصر.
بدأت فترة المماليك بحكم المماليك البحرية في ظروف صعبة، حيث كان يهدد الصليبيون البلاد، ويهددها أيضًا زحف المغول، إلى أن تغلب الظاهر بيبرس على هذه الأخطار.
توسعت القاهرة في فترة حكم الظاهر بيبرس جهة الشمال، حيث تم تشييد مسجد الظاهر بيبرس في الحي الشمالي، وهو أول مسجد شُيد لإقامة صلاة الجمعة منذ مسجد الحاكم في عهد الفاطميين؛ كما أنشأ بيبرس على غرار أسلافه مدرسة بالقرب من الصالحية في شارع بيت القصرين، كما تحولت بعض الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية لبعض الأثرياء.
توالى حكم سلاطين المماليك سلطانًا بعد سلطان، فكان كل منهم يشيد مجموعته الخاصة التي تكون غالبًا عبارة عن مسجد ومدرسة وبيمارستان وحمام عام، ومنها مجمع السلطان قلاوون، كما كان الأثرياء ينافسون بعضهم بعضًا في إقامة الأعمال الخيرية ذات النفع العام، وفي مقدماتها تشييد المساجد وبناء الحمامات والأسبلة (جمع سبيل).
وقد شهدت القاهرة في تلك الفترة نموًّا سريعًا في المنشآت التجارية والحوانيت، وظهرت الخانات، وهي نوع من المباني المتعددة الطوابق، كانت لها أسماء مختلفة عبر الزمن كخان أو فندق أو وكالة، وكانت الوكالات طابقًا أرضيًّا يحوي المحال التجارية، وطابقًا علويًّا يُعَدُّ أماكن معيشة للتجار المتنقلين.
وقد شهدت القاهرة توسعات خارج سورها من جهة الشمال لمواجهة زيادة السكان. كما عرفت القاهرة الشكل التقليدي للمدن، حيث تم تخصيص أماكن للمهن والوظائف، وظهرت مسميات جديدة كالنحاسين والصاغة والخيامين وغيرهم من الوظائف التي كانت منتشرة في ذلك الوقت. ويُعَدُّ شارع القصبة الشارع التجاري الأكثر كثافة في القاهرة، حيث كانت الأسواق تُصنَّف وفقًا للتخصصات في نوع معين من التجارة، مثل تجارة التوابل وتجارة الملابس وتجارة السلع الفاخرة.
ومع هزيمة المماليك في (مرج دابق) عام 1516م، ثم في (الريدانية) عام 1517م على يد العثمانيين بقيادة سليم الأول، دخلت مصر تحت الحكم العثماني.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-09-2025, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,769
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة

مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (2-2)



كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تَراجَعَتْ مكانة مدينة القاهرة بِسُقوط دولة المماليك في مصر، حيث أصبحت مصر تابعة للدولة العثمانية، وانتقلت دَفَّة الحكم إلى الأتراك في الآستانة، كما فَقَدَت القاهرة ازدهارها التجاري باكتشافات أوروبا الجغرافية للعالم الجديد واستخدام طريق رأس الرجاء الصالح وتحوُّل التجارة العالمية إليه.
القاهرة تحت الحكم العثماني:
كان للدولة العثمانية دَوْرٌ عظيم في حماية بلاد المسلمين وتوسيع حدودها، خاصة جنوب شرق أوروبا، كما قامت برعاية مصالح المسلمين، يتضح ذلك من حجم وكثرة المساجد التي ما زالت موجودة في أوروبا وغيرها.
وكانت إدارة مصر تحت الحكم العثماني في القرن السادس عشر الميلادي والسابع عشر والثامن عشر - الذي شهد في نهايته قدوم الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1799م - تتم من خلال والٍ عثماني تُعيِّنه الآستانة يُلقَّب بالباشا، لكن يقيم بقلعة القاهرة التي هي مقر الحكم، يُعيَّن معه كذلك شيخ البلد، وهو من المماليك لمساعدة الوالي، ويُطلق عليه لقب (بك).
ونظرًا لقِصَر مدة هؤلاء الولاة المعينين على مصر في الحكم، إلى جانب وجود فترات من الصراع السياسي بين الباشوات والبكوات، لم تشهد البلاد تطورًا كبيرًا على مدار هذه القرون الثلاث، إذ شهدت القاهرة آثارًا معماريَّة قليلة مقارنة بفترة حكم المماليك التي امتازت بالعمارة الكثيرة والرفيعة. ومن آثار العمارة العثمانية في تلك الفترة: مسجد سنان باشا ، الذي تولى الولاية في مصر مرتين، ويوجد مسجده في حي بولاق، ويُعَدُّ من المساجد المهمَّة المبنية على الطراز العثماني، وكان المسجد يُعَدُّ جزءًا من مجمع يضم سبيلًا وكتابًا للتعليم وثلاث وكالات وجزءًا سكنيًّا وحمامًا عموميًّا، ومسجد الملكة صفية -رحمها الله- في منطقة وسط القاهرة، ومسجد مراد باشا في حي الجمالية، وكذلك مسجد محمد بك أبي الذهب بجوار الجامع الأزهر، الذي بناه أبو الذهب على الطراز المملوكي الذي يخالف ما كان عليه الطراز العثماني من المآذن النحيلة كما في مسجد سنان باشا.
وقد امتزجت التقاليد المملوكية بالعادات والتقاليد العثمانية، واشتهرت في القاهرة خلال تلك الفترة (المقاهي)، حيث عَرَفَت مصر القهوة كمشروب في القرن السادس عشر. وكانت تلك المقاهي مكانًا محببًا لدى رجال القاهرة يرتادونها بكثرة، حتى بلغت تلك المقاهي مع نهاية تلك الفترة العثمانية نحو 1350 مقهى، بما يُعادل مقهى لكل 200 شخص، وذلك طبقًا لما جاء في إحصاءات علماء الحملة الفرنسية. كانت المقاهي بلا أثاث، بها فقط دككات من الخشب، يرتادها كل طبقات الشعب، ويتردد عليها الحكواتية والأراجيز وعرائس الظل والمهرجون لإمتاع الموجودين.
وفي أواخر العصر العثماني، تطوَّرت الكتاتيب والأسبلة التي كانت ملحقة بالمدارس أو تشغل ركنًا من أركان الجامع لتصبح بناءً مستقلًّا، الطابق الأرضي منه سبيلًا لشرب الماء، وأعلاه يوجد الكتاب. ومن هذه الأسبلة: سبيل خسرو باشا، ويقع في منطقة الأزهر، ويُعَدُّ من المنشآت المعماريَّة المهمَّة في العصر العثماني، وسبيل القزلار، وسبيل عبد الرحمن كتخدا، وغيرهم.
القاهرة خلال الحملة الفرنسية:
خلال الفترة القصيرة التي شهدت وجود الحملة الفرنسية في مصر من 1799م إلى 1801م، عَكَفَ علماء الحملة الفرنسية على دِراسة وفحص القاهرة وفحص مصر كلها، وإعداد موسوعة علميَّة دقيقة فريدة متكاملة في وصف مصر وقتها من حيث الموارد والعمائر، وعادات المصريين وتقاليدهم، وغير ذلك.
وقد لَحِقَ القاهرة خلال فترة الحملة الفرنسية القصيرة الكثير من التدمير من خلال اعتداءات الحملة الفرنسية الوحشية لقمع المصريين، حيث دَمَّر الفرنسيون الكثير من أحياء القاهرة والمباني والمساجد لإخماد مقاومة الأهالي، إلى جانب استيلاء قادة الحملة على مجموعة من قصور الأمراء المماليك، كما أخلى الفرنسيون قلعة القاهرة ممن فيها، وثَبَّتوا عليها المدافع لضرب مدينة القاهرة بها. كما أنشأ الفرنسيون بيوتًا للبغاء بالقرب من بحيرة الأزبكية وجعلوها متاحة للجنود الفرنسيين وللمصريين (راجع في ذلك: تاريخ الجبرتي، كتاب (القاهرة) لعبد الرحمن زكي الجزء الثاني).
القاهرة في عهد محمد علي:
بعد جلاء الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801م، تولَّى محمد علي باشا حكم مصر منذ عام 1805م حتى وفاته تحت السلطة الاسميَّة للدولة العثمانية. قام محمد علي بإصلاحات كثيرة في معظم قطاعات الحياة في البلاد من زراعة وصناعة وتجارة وتعليم وصحة، وهي إنجازات كبيرة نَقَلَت مصر إلى العصر الحديث لتحاكي الدول الأوروبية، وتصبح مصر بها دولة قوية اقتصاديًّا وعسكريًّا. وقد شهد عهد محمد علي ازدهارًا معماريًا واسعًا، حيث تم بناء العديد من القصور والمساجد والمنشآت الحكومية والعسكرية على الطراز العثماني وعلى الطراز الأوروبي.
بنى محمد علي (قلعة محمد علي)، وتقع في مواجهة قلعة القاهرة (صلاح الدين) على جبل المقطم بحي الخليفة بالقاهرة. وكانت أسوار القلعة وأبراجها مسلحة بالبنادق والمدفعية قصيرة المدى، ويوجد بالفناء ثكنات للجند، وصهاريج ضخمة لتخزين المياه.
ورغم كون القلعة كانت مقر الحكم في مصر طوال حياة محمد علي، فقد بنى فيها قصر الجوهرة، ويقع قِبلي مسجد محمد علي داخل القلعة. وقد عَمَدَ محمد علي إلى بناء العديد من القصور في أماكن أخرى، فبنى في شبرا قصرًا قريبًا من النيل عام 1809م، وبنى أيضًا قصر الحرم داخل القلعة، ويشغله حاليًا المتحف الحربي القومي.
وقد شَيَّدَ محمد علي جامعه (جامع محمد علي) على مساحة كبيرة داخل قلعة القاهرة (صلاح الدين)، وقد بنى الجامع على طراز معماري عثماني جميل على غرار بناء مسجد السلطان أحمد بالآستانة، وقد دُفِنَ محمد علي في هذا الجامع عند وفاته عام 1849م. كما بنى محمد علي سبيلًا (محمد علي) تصدقًا على روح ابنه الأمير طوسون ، ويقع رأس حارة الروم المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي بوسط القاهرة، وبنى سبيلًا آخر تصدقًا على روح ابنه إسماعيل باشا، ويقع في شارع المعز أمام مدرسة الناصر محمد بن قلاوون بحي وسط القاهرة.
وقد ساعدت المباني التي شَيَّدَها محمد علي على المزيد من أعمال البناء والتطوير التي امتدت لتصبح أحياء واسعة بعد ذلك، حيث أدخل محمد علي فنون العمارة الأوروبية الحديثة، وخطط لشوارع واسعة، وميادين كبيرة، وحدائق عامة، وبنى قصورًا جميلة، مما زاد من عظمة العمران في القاهرة.
كما أنشأ محمد علي أمام قلعة القاهرة من الناحية الشمالية الغربية من حي الخليفة حاليًا في شارع سكة المحجر مبنى (الدفترخانة) عام 1829م تمهيدًا لعصر التوثيق والحفظ والحَصْر، وهو ما يُعرف بدار المحفوظات العمومية.
القاهرة في عهد الخديوي إسماعيل:
تولَّى الخديوي إسماعيل حكم مصر عام 1863م بعد حكم إبراهيم وعباس وسعيد الذين تولوا حكم مصر بعد محمد علي . وقد واصل الخديوي إسماعيل مسيرة تحديث القاهرة التي بدأها محمد علي، واهتم بمجالات أخرى لم يهتم بها محمد علي قبله. لذا يُلقِّبه البعض بالمؤسس الثاني لمصر الحديثة.
شهدت القاهرة في عهد إسماعيل نهضة معماريَّة واسعة وتوسعًا عمرانيًّا كبيرًا، وتأثُّرًا واضحًا بالعمارة الأوروبية، خاصة الطراز الفرنسي، مما جعل القاهرة تبدو وكأنها (باريس الشرق).
ونظرًا لأن القاهرة القديمة (قاهرة العصور الوسطى) كانت قد ضاقت بمكانها وزمانها، فكان لا بد من التطلع إلى تجاوز حدودها لتمتد خارجها، برغبة من الخديوي إسماعيل ، فصارت لها أبعاد جديدة، خاصة نحو الغرب والشمال من القاهرة القديمة، لتأخذ القاهرة شكلها الحديث من ناحية اتساع الحيز وشكل المعمار والميادين، بالإضافة إلى نظام الحكم والإدارة، أي أصبحت القاهرة قاهرتين جنبًا إلى جنب: القاهرة القديمة والقاهرة الجديدة الحديثة.
أسَّس الخديوي إسماعيل نظامًا نيابيًّا وإداريًّا وسياسيًّا، وشق الترع، وأقام الكباري، وأنشأ الطرق والسكك الحديدية، والبريد.
ولما كان من المتعذر تغيير نسيج القاهرة القديمة، قرر إسماعيل الاتجاه نحو الجانب الغربي من القاهرة لبناء قاهرة خديوية جديدة، وعهد بهذه المهمة الكبيرة للمهندس علي مبارك. وبالنظر إلى ما استجد من مبانٍ وشوارع وجسور في أطراف القاهرة، نجد أنها زادت في عهد إسماعيل بشكل كبير، فاستجدت شوارع في الإسماعيلية (التحرير حاليًا) والفجالة وغيرهما، وبنى كوبري قصر النيل المزين بتماثيل الأسود، وبنى جسر شبرا وجسر أبي العلا وطريق مصر العتيقة، وقد بلغت أطوال الشوارع والحارات الجديدة 280 ألف متر، بمساحة 332 فدانًا تقريبًا، أي ما استجد يقرب من نصف مساحة الحارات القديمة.
بنى إسماعيل قصر عابدين وجعله المقر الرئيسي للحكم بدلًا من قلعة القاهرة، كما بنى قصر القبة الفخم، وقصر الجزيرة، وقصر بولاق الدكرور.
وقد استُحدثت في عهد إسماعيل أول حديقة حيوان، وأول دار أوبرا، وهي تُعَدُّ تحفة معماريَّة مصغرة من دار أوبرا ميلانو بإيطاليا، وأول المسارح، وأول دار للكتب (كتبخانة) التي أُنشئت لتكون أكبر مكتبة في المنطقة، وظهرت المتاحف، لتصبح القاهرة الخديوية مقصدًا للثقافة والاستجمام؛ كما بُنيت أحياء جديدة من أجل الجاليات الأجنبية والمستثمرين الأجانب، ومُنحت أراضٍ للشركات الأجنبية لتقيم عليها أحياء وضواحي جديدة مخططة تخطيطًا جيدًا، فساهم ذلك في إنشاء جزيرة الزمالك، وتخطيط حي جاردن سيتي دائري الشكل وبه حدائق صغيرة على غرار النمط البريطاني، وبُنيت مدينة نصر الجديدة في الجهة الشمالية للقاهرة، وبُني حي المعادي في المنطقة الجنوبية على الطراز الإنجليزي، وأُسست شركة حدائق القبة.
ويُطلق على منطقة قلب القاهرة في فترة الخديوي إسماعيل اسم (القاهرة الخديوية)، والتي تبدأ من كوبري قصر النيل حتى منطقة العتبة.
وقد أثقل الخديوي إسماعيل مصر بالديون الأجنبية نتيجة الإسراف في الاقتراض؛ لأن مشاريعه كانت بتمويل من أوروبا، مما سمح بالتدخل الأجنبي في شؤون البلاد، وأجبر إسماعيل على بيع أسهم قناة السويس نظرًا للديون المتراكمة. وفي عام 1879م، تم عزل الخديوي إسماعيل عن حكم مصر بمرسوم من السلطان العثماني بضغط إنجليزي فرنسي، وتم تعيين ابنه الخديوي توفيق لحكم مصر بدلاً منه. وتم ترحيل إسماعيل إلى الآستانة للإقامة الجبرية فيها حتى وافته المنية هناك.
القاهرة تحت الاحتلال الإنجليزي:
دخلت القوات البريطانية مصر عام 1882م بعد مواجهة مع الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي، حيث استقر الجيش الإنجليزي في منطقة العباسية بالقاهرة، وكانت منطقة نائية في ذلك الوقت. ومن خلال نظرة المحتل المستفيد من البلاد، عَمِلَت إنجلترا على الاستفادة من موارد مصر، خاصة خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، فأنشأت العديد من المشروعات لتيسير ذلك، كمشروعات السكك الحديدية وتعبيد الطرق وتوفير شبكة طرق ومواصلات ذات كفاءة عالية تخدم نقل المواد الخام من مصر إلى دول أوروبا. وتم خلال تلك الفترة التوسع في زراعة القطن على حساب باقي الزراعات الأخرى، نظرًا لاهتمام بريطانيا بالقطن المصري، مما أحدث فجوة غذائية في مصر.
القاهرة بعد ثورة يوليو 1952م:
شهدت مصر بعد ثورة يوليو رفع الحماية البريطانية عن مصر، وجلاء القوات البريطانية عن مصر، وتغيُّر نظام الحكم فيها، بإلغاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، مما أدى إلى تغيير جذري في هيكل الحكم والسياسة في مصر. وخاضت مصر عدة معارك في 1956م و1967م و1973م؛ كما شهدت مصر خوض تجارب اقتصادية ومشروعات كبرى، مثل زيادة الرقعة الزراعية واستصلاح أراضٍ صحراوية، من خلال مشروع مديرية التحرير ومشروع الوادي الجديد، وبناء السد العالي؛ كما تم إنشاء مصانع للحديد والصلب والغزل والنسيج وغيرها. وقد شهدت القاهرة تحولات وتوسعات عمرانية كبيرة، بالإضافة إلى إنشاء طرق جديدة، مثل طريق صلاح سالم، وظهور مناطق جديدة مثل مدينة نصر وألف مسكن، وإنشاء مبانٍ مهمَّة مثل مبنى الإذاعة والتلفزيون (في ماسبيرو)، وبرج القاهرة، وإستاد القاهرة الرياضي. كما شهدت القاهرة دخول مترو الأنفاق في عام 1987م كأول مدينة في إفريقيا تدخل فيها هذه الخدمة المتميزة، والتي ساهمت في تسهيل حركة المواطنين وتخفيف الازدحام المروري في القاهرة.
وقد تحوَّلَت القاهرة من مرحلة التكوين والتشكل والاكتمال، لتدخل بعدها مرحلة التضخم والانفجار المكاني والسكاني، وما شابها من مظاهر الضعف والترهل والإهمال، فظهرت فيها مناطق تُفصل بين الأغنياء والفقراء، حيث الأغنياء يَأْمَنون خطر الفقر والفقراء ويحتفظون بمسافة بينهم وبين المحتاجين. وفي ظل نمو حضري سريع وانخفاض قيمة العملة وتقلص معدل إنفاق الدولة، ظهرت مناطق كاملة بشكل عشوائي ومبانٍ وشوارع دون تخطيط أو سيطرة. وهذه المناطق العشوائية مع الأحياء الفقيرة تُعاني بشدة من فقدان الطرق الجيدة وفقدان المياه النقية الملائمة وتفتقر إلى الصرف الصحي المناسب وحُرمان دائم من المتنزهات والحدائق العامة، فهي أماكن تَضيق بأصحابها وتَخنقهم بما فيها من تلوث وضوضاء. هذا في الوقت الذي تُعاني فيه المصالح الحكومية من الازدحام والتزاحم والاختناقات.
أبرز مشاكل مدينة القاهرة:
- ارتفاع نسبة المواليد، والنمو السكاني السريع، وارتفاع الكثافة السكانية فيها؛ مما يؤدي إلى زيادة الضغط على الخدمات والموارد، ويزيد من الازدحام المروري والتلوث.
- الازدحام المروري.
- ارتفاع معدلات التلوث والضوضاء العالية.
- حاجة البنية التحتية إلى تطوير شامل، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي وشبكات الطرق.
- انتشار العشوائيات والمناطق غير المخططة.
- المشاكل الاجتماعية مثل الفقر والبطالة.
- إهمال التراث العمراني، وتأثُّر الآثار التاريخية التي تتوسط الأحياء السكنية بمشاكل الصرف الصحي والمياه الجوفية.
- التكدس السكاني وتكدس الخدمات وصور الثقافة وأشكال الترفيه، في ظل مركزية الحكم فيها على مدى ألف عام.
إنشاء مدينة القاهرة الجديدة:
أُنشئت مدينة القاهرة الجديدة طبقًا لقرار رئيس الجمهورية لسنة 2000م، وكانت حدودها من الجهة الشمالية طريق (القاهرة / السويس)، ويَحدُّها من الجهة الجنوبية طريق (القطامية/ العين السخنة)، ومن الناحية الشرقية طريق الروبيكي، ومن الناحية الغربية الطريق الدائري. وتبعد القاهرة الجديدة عن حي المعادي 15 كيلومترًا، ونحو 5 كيلومترات عن حي مدينة نصر.
وجاء نمو مدينة القاهرة الجديدة من خلال أربع مراحل رئيسية شكلت عمران المدينة:
المرحلة الأولى: امتداد لمدينة نصر، واستقرت على وجود ثلاث تجمعات: الأول والثالث والخامس.
المرحلة الثانية: مدينة القاهرة الجديدة، وتُعَدُّ تعديلًا لبعض برامج المشروعات الخدمية والسكنية لخدمة فئات متنوعة للارتقاء بها، بالإضافة إلى وجود خدمات ومرافق متميزة.
المرحلة الثالثة: امتداد اللوتس، والتي اشتهرت بمستواها السكني المتميز والراقي، وذلك نتيجة الطلب على السكن بها، ووجود الخدمات بها، خاصة المدارس والجامعات المتميزة.
المرحلة الأخيرة: وتضم المشروعات المجاورة، منها المشروعات الكبرى على طريق السويس، مثل مشروع مدينتي ومدينة المستقبل.
ظهور الحاجة إلى نقل العاصمة السياسية خارج القاهرة:
في ضوء ما سبق، ظهرت الحاجة الملحة إلى نقل العمل الحكومي والسياسي إلى خارج مدينة القاهرة، ويؤكد على الحاجة إلى ذلك أمور؛ منها:
نقل الوظائف السياسية خارج القاهرة أسهل وأقل تكلفة من إعادة تفكيك ونقل المنشآت الاقتصادية المهمَّة فيها، فالمدن يمكن أن تعيش دون أن تتواجد فيها حكومة، ولكنها لا تعيش دون مقوماتها الاقتصادية الرئيسية.
نقل وظائف الحكم خارج الوزارات والهيئات الحكومية واختناقات الطرق يُساهم في تفريغ القاهرة من أعداد كبيرة من سكانها، من الإداريين والموظفين وأسرهم في القطاعات المختلفة، مما يُخفف من مشكلات القاهرة الحالية المزمنة في السكن والمواصلات، وأزمة مباني الوزارات والهيئات الحكومية وتخفيف اختناقات المرور والطرق.
هذا مع ضرورة مراعاة:
- إبعاد ومنع إقامة المنشآت ذات العمالة الكثيفة بالقاهرة.
- أن تكون العاصمة السياسية الجديدة بعيدة عن القاهرة بعدًا كافيًا بقدر يمنع إمكانية تلاحم عمرانها مع القاهرة القديمة، لكن يواجه نقل العاصمة السياسية من القاهرة إلى موقع آخر بعيد عنها صعوبات عديدة، منها:
- الارتباط العاطفي بين القاهرة وكونها عاصمة لمصر لأكثر من عشرة قرون.
- كون القاهرة مركزًا حضاريًّا وثقافيًّا وماليًّا مصريًّا وعربيًّا، لا يُستغنى عنه، مثلها مثل المدن العالمية الكبرى مثل نيويورك وفرانكفورت وشنغهاي.
- صعوبات نقل الموظفين من القاهرة إلى خارجها نظرًا لارتباطاتهم بالقاهرة وأسرهم فيها، وبالتالي فهناك الحاجة الماسة إلى تسهيلات كبيرة وحقيقية وكافية في السكن والخدمات والتعليم والتثقيف والترفيه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.62 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]