|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية29 – يُفتى بكُلّ ما هو أنفعُ للوقف نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية. يُفتى بكُلّ ما هو أنفعُ للوقف(1)، وعند شيخ الإسلام ضابط أوسع وهو: «أن الاعتبار بما هو أنفع لأهل الوقف» (2).والمراد من هذا الضابط أن على المفتي ألا يتعجل في الفتوى، وأنه لا بد من استنفاذ الجهد لتحقق فتوى النفع الأعلى للوقف. وقد قرر الفقهاء أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه.(3) فيتعين الإفتاء بما هو الأنفع للوقف. وكذلك لو قال الواقف: وقفتُ مالي هذا على نفسي، كان وقفُه صحيحاً، حسبما أفتى به العلماء؛ لأن ذلك أنفع للوقف. فكما أن تصرف القاضي فيما له فعله في أموال اليتامى والتركات والأوقاف مقيد بالمصلحة(4). وكذلك تصرف القاضي في الأوقاف مبني على المصلحة(5). قال ابن نجيم: فإن لم يكن مبنيًا على المصلحة لم يصح، وقال كذلك: فما خرج عن المصلحة منه باطل؛ ومما يدل عليه أنه لو عزل ابن الواقف من النظر المشروط له وولى غيره بلا خيانة لم يصح. وكذلك ما يجب التعويل عليه في المسائل المتعلقة بالوقف، أن يكون ذا منفعة للموقوف عليه؛ إذ وقف ما لا ينفع فيه لا يجوز، وكذلك يغير ما نواه في الوقف إلى الأفضل، وهو ما يعد به عند التعويض عن الوقف أو إبداله. فهو أصل يقتضي أن يفعل في ذلك كله ما هو في مصلحة أهل الوقف، فكل ما كان الانتفاع به أعظم كان به الاعتداد(6). ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة: - على متولي الوقف أن يراعي مصلحة الوقف عند قيامه بكل ما يحق له شرعاً القيام به ومنها تأجيره، فيتحرى الأنفع له. - يقدم شخص على آخر عند تأجير الوقف ما دام تأجيره له أنفع للوقف من الآخر. - وإذا رغب في استئجار العين الموقوفة أكثر من واحد فإنه ينبغي على المتولي أن يؤجر للموثوق به منهم، الذي يلتزم بالمحافظة على تسليم حقوق الوقف من غير مماطلة، ولو كان أجره أقل من الأجر الذي يرغب فيه الباقون؛ لأن الأجر الزائد من المماطل قد يضيع أو لا يحصل إلا بمقاضاة (7). - ولو أُجِّر العقار الموقوف لمدة معلومة مثلاً، ثم تزايد بدل الإيجار زيادة فاحشة، وجب فسخ عقد الإجارة الأول، ولو لم تنته مدته، وذلك صيانة لمصلحة الوقف وإبقاءً لريعه - مشروعية بيع الوقف الخرب لتعطل نفعه على أهله(8)، مراعاة لما هو الأنفع للوقف. الهوامش: 1- ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، ص 31. 2 - مجموع الفتاوى (31/238). 3- الدار المختار 5/13، البحر الرائق 5/256. 4- مجامع الحقائق ومنافع الدقائق 316. 5- الأشباه والنظائر لابن نجيم 238. 6- راجع (31/237،249). 7- أحكام الوقف للكبيسي ( 2/71 ). 8- راجع مجموع الفتاوى (31/238). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#32
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 31 – ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية. التوضيح والبيان :ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً (1)، قاعدة ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر، ومعها قولهم: الثواب على قدر المشقة، والأصل في هذه القاعدة ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «أجرك على قدر نصيبك». وفي إغاثة المحتاج والجهد الذي يبذل فإنه فيه أجرٌ عظيم من رب العالمين وكذلك ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً وأجراً، فالأعمال الخيرية كلما زاد الجهد فيها زاد الأجر. فأفضل الوقف أبقاه وأعمَّه نفعاً، وأشده احتياجاً؛ لذا يرجع تفضيل الوقف إلى سببين: - الأول: هو أن يكون أكثر دواماً وبقاءً، وأعم نفعاً. - والثاني: أن يكون أشد ما يُحتاج إليه. قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه «منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين» (باب: الوقف) : وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم، وأفضله: أنفعه للمسلمين»(2) وجاء في كتاب «إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف»: «إن أفضل الأوقاف: وقف شيء يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(3). وفي ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف: «أفضل الوقف، أبقاه وأعمه نفعاً، وأشده احتياجاً. ولهذا فالأولوية والأفضلية في الصدقة والوقف لا تكون مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فاختلاف الأفضل باختلاف الزمان والمكان والحال؛ وأفضل الصدقة ما كانت أكثر نفعاً في زمنها، يحتاجها الناس وتلبي متطلباتهم، وتحفظ كرامتهم. التطبيقات العملية : في حال النوازل تقدم الإغاثة على المشاريع الأخرى؛ لأن ما يخشى فواته أولى مما لا يخشى فواته، فيقدم ما يحفظ النفوس على غيره، وكذلك الطعام والملابس وما يقي من البرد من وسائل تدفئة وغيرها وتدريب العاملين في المؤسسات الخيرية وتعليمهم القواعد والضوابط الشرعية والفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية، أكثر فضلاً من الاهتمام بالقوانين والنظم الغربية في إدارة المؤسسات الخيرية. وكذلك لو أريد أن يُشترى – مثلاً – للمسجد زيت أو حصير، وجب شراء أحوجهما للمسجد، إلا إذا ما تساوت حاجة المسجد إلى الزيت والحصير معًا، فيكونان إذ ذاك على درجة واحدة في الأفضلية(4). ولو كَفَت عين الماء الموجودة حاجة أهل القرية من الماء، ولم يكن في هذه القرية مدرسة أو مستشفى، مع وجود ما يكفي لإدارة كلٍّ منهما، ولبقائهما من الواردات فضل إنشاء المستشفى الذي تحتاج إليه القرية على إنشاء السقاية فيها(5). وإقامة المظلات لتقي المنتظرين للحافلات على قارعة الطريق من شدة حر الشمس، أولى من إنشاء المظلات للسيارات. وإقامة المدارس في مجتمع يحتاج لها أولى من إقامة الحدائق والملاعب للترفيه، فالعلم أكثر فضلاً من غيره. وتوزيع وحدات التبريد للفقراء في بلد صيفه شديد الحرارة أكثر نفعاً من توزيع الأثاث والمفروشات. وتوزيع الدواء لمرض وبائي طارئ، أكثر نفعاً من أقامة مراكز صحية عامة. الهوامش (1) القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر اسماعيل، ص 423. (2) منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، عبد الرحمن السعدي، (ص 62-63) (3) إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف، عمر حلمي، (ص 5). (4) انظر: ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، علي حيدر أفندي، المادة201 . (5) انظر: ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، علي حيدر أفندي، المادة201 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#33
|
||||
|
||||
![]() سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 32 - « الدفع أسهل من الرفع» نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية . الدفع أسهل من الرفع(1)، قاعدة مهمة ويمكن تسميتها : قاعدة وقائية ، وتعني: أن دفع الشيء قبل حصول الشيء أسهل من إلغائه بعد وقوعه، فالدفع من البداية أسهل من معالجة الأمر بعد أن يتمكن.فالدفع من البداية أسهل بكثير من الدفع بعد أن يتمكن الآخرون، لأن الدفع ابتعاد عن الشر وأسبابه , لكن إذا نزل الشر صار من الصعب أن يدفعه الإنسان، ومن أهمل الدفع بداية عوقب بصعوبة الرفع، فإثم من تكاسل عن دفع الغاصبين والمعتدين على الوقف وهو قادر على دفعهم كبير، وآثار ذلك على من فرط في الدفع في الدنيا قبل الآخرة، فيثقل عليه رفع يد المعتدين بعد تمكنهم واستغلالهم لعين الوقف. وهذا مشاهد محسوس، فكم من وقف قد اعتدي عليه واغتصب، وأضحى وكأنه حق مملوك للمعتدين ، وتشابكت الأمور حتى عجز عن استرداده إلا بجهود كبيرة ومصارف ثقيلة لا يملكها الوقف ولا القائمون عليه. وقد نص الفقهاء – رحمهم الله – على أن أحكام الدفع، قد تختلف عن أحكام الرفع في الكثير من النوازل. وقد اندرجت تحت هذه القاعدة فروع كثيرة شملت أبوابا عديدة من الفقه ومسائله، وأدوات الدفاع عن الوقف متعددة ومتنوعة ، كدفع من غزا أرضاً من أراضي المسلمين، فكل يدفع بما يستطيع، وكذلك الدفاع ورد المعتدين بداية يكون على كل حسب استطاعته. ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة: - إذا علم أن هنالك جماعة تكيد للاستيلاء على الوقف، فالواجب إبطال كيدهم وكشف مخططاتهم حتى يدفعوا من البداية؛ وينبغي أن يكون الجهد المبذول للدفع أكبر من مخطط الاستيلاء عليه أو على ريعه. - والاستعانة بأناس بمقابل مادي للدفاع عن الوقف في حال تكشف الكيد له، إن لم يستطع صدهم بما هو مقدور ، أولى من تركه عرضة للاعتداء، فالوقاية خير من العلاج، فقد يصعب تحصيل العلاج، ويطول التداوي به. - ودفع من لا يستحق المساعدة من المؤسسات الخيرية من البداية ومصارحته بأن شروط المساعدة لا تنطبق عليه أولى من مساعدته مرة واحدة ثم قطعها بعد تأميله بأنها ستكون شهرية. ومنع تسجيل مشروع خيري باسم شخص من البداية، أسهل من تحصيل المشروع واسترداده بعد مضي سنوات من تسجيله، فقد يتعرض المشروع لمخاطر عديدة في حياة ذلك الشخص أو مع ورثته بعد مماته؛ فكم من الأخطاء كان بالإمكان تفاديها ودفعها عن المشاريع الخيرية والوقفية، والتساهل بذلك حتى وقعت المشكلة، و صار من الصعوبة رفعها، فالدفع منع وجود، والرفع إزالة موجود. - منع استلام مؤسسات خيرية أموال من جهات خارجية مشبوهة ابتداءً ، أسهل من التعامل مع ذلك المال لا حقاً، والذي قد يتسبب بمشكلات متعددة الجوانب، وفي مقدمتها الشرعية . - ودفع المنتفعين والمغرضين وأصحاب الكفاءات المتدنية من البداية عن إدارة المؤسسات الخيرية والوقفية ، يحفظ العمل الخيري والوقفي من الضياع ويمنع توظيفه للمصالح الخاصة، فبتطبيق تلك القاعدة يُدفع شرٌ وخطرٌ عظيم؛ ويخفف صعوبة الرفع بعد الوقوع . - وينبغي دفع الضرر عن أصحاب النوازل والحاجات من البداية؛ لأن معالجة الضرر بعد وقوعه يحتاج إلى جهد أكبر وتكاليف أكثر. فما أمكن دفعه ومنع تأثيره في الفعل ابتداءً أولى من التمادي فيه حتى يقوم المانع ثم يبذل الجهد في رفعه، ذلك أن الدفع يكون قبل وقوع المانع فكان أقوى وأسهل، فإذا وقع المانع ضعف رفعه(2). - والصلح بين الناس عند الخصومة من الأعمال الخيرية الفاضلة وسماه الله خيراً ؛ قال تعالى «والصلح خير»(3) ، وهو مادة قوية لحسم النزاع في أوله؛ لأن إغفاله يؤدي إلى فساد ذات البين. الهوامش: 1- الشرح الممتع (1/65)، وهي من القواعد التي نصص عليها ابن رجب في قواعده (3/23). 2 - انظر القواعد لأبي عبد الله المقري - تحقيق أحمد بن حميد - طبع جامعة أم القرى - 2/590، والأشباه والنظائر – للسيوطي – الطبعة الأخيرة - مطبعة الحلبي - مصر - ص 138. 3 - سورة النساء ، الآية 128 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية – إنما يؤمر بالانتظار إذا كان مفيداً نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية. إنما يؤمر بالانتظار إذا كان مفيداً(1)، فلا يُطلَب من أحد الانتظار إلا إذا طمع في وجود المقصود، أما إذا كان لا يُرْجى غالباً، ولا طَمعَ في وجوده وحضوره، فلا فائدة من الانتظار.ولهذا قال السرخسي في المبسوط في باب التيمم: «ينتظر من لا يجد الماء آخر الوقت ثم يتيمم صعيدا طيبا وهذا إذا كان على طمع من وجود الماء، فإن كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود; لأن الانتظار إنما يؤمر به إذا كان مفيدا، فإذا كان على طمع فالانتظار مفيد لعله يجد الماء فيؤدي الصلاة بأكمل الطهارتين، وإذا لم يكن على طمع من الماء فلا فائدة في الانتظار فلا يشتغل به». فلا تُضيع أوقات المسلمين بانتظار ما ليس بمأمول، ولا يطلب من أحد الانتظار بلا جدوى؛ لأن من الأخلاق والصدق مع أصحاب الحاجات ألا تُهان كرامتهم بالانتظار الطويل، ثم الرجوع «بخفي حنين»!! وصدق الوعد صفة محمودة، وهذه الصفة مما جاء الشرع بالحث على التخلق بها؛ فالتزام المواعيد سمت سائر الأنبياء، والصالحين، وقد حذر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أمته من خلف المواعيد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين. ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة: - لا يُشقُ على أصحاب الحاجات في النوازل والكوارث انتظار المساعدات لساعات طويلة بلا جدوى، والمؤسسة الإغاثية على علم مسبق أن وصول المساعدات في ذلك اليوم غير يقيني، وإن وصلت فإن توزيعها لا يكون إلا في اليوم التالي. - وصرف المخصصات الشهرية لكفالات الأيتام والأرامل، لا يكون بعد طول وقوف وانتظار، فينبغي أن تحدد أيام الصرف، وتُرتب أسماؤهم حسب الأيام والساعات، فلا يؤمر بالانتظار إذا كان مفيداً. - من حسن التدبير والتقدير في المؤسسات الخيرية والوقفية ألا تعد بما قد تعجز به عن الوفاء، والذي يؤدي إلى زعزعة ثقة المجتمع - من متبرعين ومستفيدين - في تلك المؤسسة. - وفي حال طلب متبرع من مؤسسة خيرية تنفيذ مشروع وقفي له في حياته وقبل مماته، فيُعمل على تحقيق مقصده، ويتعجل في تنفيذه ما أمكن بشروطه الصحيحة، ولا يطلب إليه الانتظار الطويل، لحين الحصول على مشروع أفضل إن كان المشروع المقترح جيداً. - ولا يؤخر القائمون على المؤسسات الخيرية والوقفية صرف المبالغ المرصودة في حسابات مؤسساتهم، لحين توفر البيئة المثالية للصرف، أو لإعطاء الأكثر حاجة إن لم تكن كشوفهم وأماكنهم متاحة في زمن الصرف. - ويؤمر بانتظار تنفيذ المشروع لحين الانتهاء من تسجيل الأرض وتثبيتها عند الجهات الرسمية بوصفها وقفا، حتى لا ندخل المشروع الوقفي في مشكلات مستقبلية كمطالبات الورثة وما إلى ذلك. - ولا يشرع في بناء أدوار إضافية لمشروع وقفي، وما زالت الرخص الرسمية للسماح بالإضافة لم تتم بعد، أو أن قضيته منظورة في المحاكم ولم يصدر به حكم نهائي ( التمييز). - وكذلك إن كانت أسعار العملة في الدولة التي سنحول إليها مبالغ المشروع أصابها انخفاض حاد، ومتوقع ارتفاعها خلال أيام أو أسابيع، فهنا يؤمر بالانتظار لمصلحة المشروع وحفظاً لأموال المتبرع. الهوامش 1- المبسوط ( 1/106) اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
![]() ما أفضل الأعمال الخيرية والوقفية؟ سؤال يتكرر كثيراً من المتبرعين والحريصين على تقديم أفضل الصدقات والأعمال لنفع المسلمين والوقوف مع حاجاتهم. ومن محاسن التشريع الإسلامي أن الأولوية والأفضلية في الصدقة والوقف لا تكون مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والأشخاص؛ فاختلاف الأفضلية تكون باختلاف الزمان والمكان والحال. فأفضل الصدقة ما كان أكثر نفعاً في زمنها؛ بحيث يحتاجها الناس وتلبي متطلباتهم، وتحفظ كرامتهم . ق ال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في كتابه (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين)(1) (باب: الوقف): وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم، وأفضله: أنفعه للمسلمين». وجاء في كتاب (إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف)(2): «إن أفضل الأوقاف: وقف شيء يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له». وفي كتاب (الخصوف في أحكام الوقوف): أفضل الوقف، أبقاه وأعمه نفعاً، وأشده احتياجاً(3). وأكد ذلك ابن القيم بقوله: الأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه(4). فمعنى هذا أنه لا يوجد عمل هو الأفضل على الإطلاق، وإنما لكل وقت عمل يكون هو الأفضل بالنسبة له؛ مما ينبغي أن يُعرف أن الأولويات في المشاريع الخيرية والوقفية والدعوية تختلف باختلاف الزمان والمكان؛ فما يكون مقدماً في وقت قد لا يناسب تقديمه في وقت آخر، وما يكون أولى في حق مجموع من أصحاب الحاجات، قد يكون في وقت النوازل والعوز غيرهم أحوج . فلكل وقت عمل، ولكل وقت واجب، تعارف على تسميته بواجب الوقت: وهو العمل الذي يجب القيام به الآن، ولا يسع تأخيره، وأن في تأخيره تفويتاً لمصالح كبيرة ووقوعاً في مشكلات كان من الممكن تجنبها . وهو بهذا المعنى يتحدد في تلك الواجبات الآنية الوقتية التي ينبني عليها فعل أمر أو ترك نهي، وهذا المفهوم (واجب الوقت) كثير الورود في حياتنا العامة والخاصة. فمعرفة المؤسسات الخيرية والوقفية ما يتطلبه واجب الوقت من أعمال تقدم على غيرها، ومهام تؤدى قبل ما سواها، ففقه الأولويات في العمل الخيري والوقفي يحتاجه كل من جند نفسه لهذا الخير العظيم، فالأهم مقدم على المهم، والأكبر مصلحة والأعم نفعاً والأبعد أثراً أولى من غيره، وكما قيل أفضل الصدقة ما كانت أكثر نفعاً في زمنها . فما يخشى فواته أولى بالتقديم على ما لا يخشى فواته، ومن القواعد المهمة في هذا المجال أن : «تُقدّم المصلحة الدائمة على المصحلة العارضة أو المتقطعة»، وأن: «درء المفسدة مُقدّم على جلب المصلحة». والعلم مقدم على العمل في المؤسسات الخيرية وغيرها، فلابد أن يخطط للأعمال الخيرية، وأن يبنى العمل وفق نظم ومنهجية تضمن رعاية الأصول الخيرية والوقفية وتحقق الإدارة الرشيدة للأعمال والمشاريع المجتمعية؛ واستمرارية العطاء، فلا بعد لأي عمل خيري ووقفي التفكير قبل التنفيذ، ودراسة جدوى تلك المشاريع وتكاليفها ومخرجاتها، واستشارة أهل الإخلاص والاختصاص قبل المضي في صرف الأموال المؤتمنين عليها. ويُعمل على تقديم العمل الأكثر نفعا والأبقى أثراً، وعلى قدر نفعه للآخرين يكون فضله وأجره عند الله، والعمل الدائم مقدم على العمل المنقطع لحديث: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» رواه البخاري . الهوامش 1 - انظر : منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين: (ص 62-63). 2- إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف، عمر حلمي، (ص 5). 3 - ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف» على حيدر أفندي ، ص 111، الطبعة الأولى ، 2010 دار الريان – بيروت 4 - مدارج السالكين – محمد بن أبي بكر بن القيم - تحقيق محمد حامد الفقي - دار الكتاب العربي- بيروت - 1/89. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#36
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 34 - ما لا يدرك كله لا يترك جله نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. (ما لا يدرك كله لا يترك جله) قاعدة تعني: أنه إذا عجز الشخص عن الإتيان بأمر ما أو حكم ما فهذا لا يعني تركه له بالكلية؛ بل يأتي منه ما استطاع.فالله -عز وجل- لم يطالب المكلفين إلا بما هم مطيقون له قادرون عليه، دون أن يلحقهم فيه حرج أو مشقة فمن قَدر على ما كُلِّف به لزمه فعله، ومن عجز عن بعضه، انتقل من حال التمام التي يعجز عنها إلى التي أدنى منها ويطيقها. لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16)، و صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» الجامع الصحيح للألباني. رقم 3430. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي-في شرح هذا الحديث-: «فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته، فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية، سقط عنه وجوبه، وإذا قدر على بعضه، وذلك البعض عبادة، وجب ما يقدر عليه منه، وسقط عنه ما يعجز عنه، ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام ما لا يُعدُّ ولا يُحصى». والقاعدة أعلاه أتت بألفاظ وفروع مشابهة، ومنها: (حفظ البعض أولى من تضييع الكل)(1)، و(ما لا يدرك كله لا يترك كله)، وفي لفظ آخر: (ما لا يدرك كله لا يترك قله). ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة: 1. في حال النوازل يُعمل على إغاثة ما نستطيع بوصفنا أفراداً وجماعات ومؤسسات خيرية وإغاثية، ولا يترك واجب الإعانة إن عمت الكارثة بمسوغ أنه لا استطاعة لنا في إغاثتهم جميعاً. 2. إذا تعذر تعيين الرجل الأمين على الإغاثات وتكليفه فيقدم أقلهم فسوقا، فإذا كان الأقل فسوقا يفرط في عشر المصالح العامة مثلا وغيره يفرط في خمسها لم تجز تولية من يفرط في الخمس فما زاد عليه، ويجوز تولية من يفرط في العشر. 3. وإذا تعذرت العدالة في ولاية الأيتام فيختص بها أقلهم فسوقا فأقلهم؛ لأن حفظ بعضهم أولى من تضييع الكل. 4. وفي حال تقسيم الأعمال والمهام بين المؤسسات الخيرية للقيام بواجب الإعانة والكفالة، فالمؤسسة التي ليس لها قدرة على كفالة 1000 يتيم، فلا تترك الأمر البته، بل تكفل ما تستطيع. 5. وإحياء سنة الصدقة وتفعيلها في نفوس المسلمين أمر مستحب، ولا يترك الأمر في المجتمعات التي ضعفت فيها ثقافة التصدق والبذل لأصحاب الحاجات بحجة أن المجتمع لا يتصدق، فتستمر الدعوة للصدقة لنشر تلك الثقافة بين المسلمين. 6. وتعليم الناس الخير، وأمور دينهم، لا يترك إن عم الجهل في مجتمع لا يكترث أهله بتعلم أمور دينهم، فلا يُعدم الخير في بعضهم، فما لا يدرك كله لا يترك كله. 7. والتحدي الذي تعيشه المؤسسات الخيرية الإسلامية بسبب التضييق المباشر من الدول الغربية وإغلاق بعضها وإدراجها أخرى ضمن القوائم السوداء باتهامها بالإرهاب،ليس مسوغا للعزوف عن العمل الخيري. 8. وليس منع التحويلات المالية للمشاريع الخيرية في العالم الإسلامي التي تفرضه دول عظمى مهيمنة على البنوك العالمية، مسوغا كاف لإغلاق المؤسسات الخيرية، بل عليها أن تجد البدائل وتجتهد في طرح الحلول، ولا تستسلم لهذا الظلم. 9. وبعض التجاوزات في المؤسسات الخيرية تعالج بالتدرج، وتقدم الأولويات في المعالجة، ويستجلب ولو القليل ليكون بداية لتحقيق المرغوب؛ لكي تكون أعمالنا الخيرية كلها موافقة للشرع. الهوامش: 1- القواعد الصغرى، 80. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#37
|
||||
|
||||
![]() سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 35- العدلُ نظامُ كلِ شيءٍ نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. العدل نظام كل شيء(1)، فالعدل ضد الجور، وانتظام حياة العباد جميعها مرتبط بقَدْر ما عندهم من العدل.قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل، وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة(2). فالعدل في الأعمال الخيرية والوقفية أساس من أسس نجاح عمل المؤسسات المجتمعية وارتقائها وانتظامها، وثقة المجتمع به. ومطلب العدل في المؤسسات الخيرية لا يتحقق إلا إذا كانت تلك المؤسسات عالمة بما ستعدل، وتحقق العدل من خلاله، فالجاهل لا يتصور أن يكون عادلاً في قضية شرعية يجهلها. وبيّن ذلك شيخ الإسلام بقوله: «ولما كان العدل لا بد أن يتقدمه علم؛ إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل، والإنسان ظالم جاهل إلا من تاب الله عليه فصار عالماً عادلاً، صار الناس من القضاة وغيرهم ثلاثة أصناف: العالم العادل، والجاهل، والظالم»(3). ومن التطبيقات الخيرية والوقفية لهذه القاعدة : 1- أن يكون نظام العمل في المؤسسات الخيرية والوقفية قائم على العدل والإنصاف، وأن يُتبع النظام المتفق عليه ليحقق الشفافية في تلك المؤسسات وتطبيق أنظمة العمل، مما يحقق العدل. 2- وتُوزع المساعدات والمخصصات الخيرية على أصحاب الحاجات بالعدل، سواءً رضي الناس أم سخطوا. 3- وكذلك حصص الموقوف عليهم، يُتَقيد بها حسب شرط الواقف ولا يتجاوز عنها، ويَعدل في قسمتها عليهم. 4- وعلى المؤسسات الخيرية ألا تحابي أحداً في توظيف العاملين لديها، فلا تُقدم الأقل كفاءة وأمانة على الأكثر كفاءة وأمانة، فالعدل والقسط بين العاملين مأمورون به، فلا نُحابي أحداً بسبب انتمائه وجنسيته، ولا نسكت عن تفريطه في حفظ الأموال الوقفية والخيرية بسبب قربه منا. 5- والتعامل في حال الخلاف مع أصحاب الحاجات يجب أن يكون قائماً على العدل، فلا يُمنع رجلٌ من حقه في ريع الوقف أو مخصصات خيرية بسبب خلاف حصل معه. 6- وانتقاد المؤسسات الخيرية والمجتمعية غير الإسلامية سواء كانت من الدول الغربية أم العلمانية، يجب أن يُبنى على العدل، فلا يُنكر ما عندهم من الحق، كما لا يُسكت عمّا عندهم من الباطل. 7- والأمر كذلك مع المؤسسات الإسلامية التي قد يحصل بينها تنافس على الخير، فلا تظلم تلك المؤسسات بتعظيم أخطائها للتقليل من شأنها. 8- وأن نكون صادقين عادلين في التوزيع الجغرافي للمشاريع الخيرية والوقفية التي تشيد في المجتمعات والتجمعات الإسلامية، فلا يركز على دول دون أخرى إن كانت إقامة المشاريع في مجتمعاتهم متاحة. 9- وإبرام العقود مع المؤسسات العقارية والتجارية لابد أن يكون قائماً على العدل، لمصلحة الواقفين والمتبرعين، وكذلك بما يحقق مصلحة المستفيدين من الموقوف عليهم، وكذلك أصحاب الحاجات. 10- وفي حال طرح المسابقات التي تتبناها الهيئات الخيرية والوقفية، وتقديم جوائز للفائزين، فلابد من العدل في التقييم والاختبارات حتى ينال الجوائز من يستحقها. 11- وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب الأداء في حال الاستطاعة داخل المؤسسات الخيرية والوقفية إن كانت هنالك منكرات لا بد من إنكارها والتحذير منها، أو أخطاء لا بد من تصويبها، فلا يجوز السكوت والمحاباة خوفاً من تضييع مكاسب شخصية بشرط أن يَسلم الإنكار والتصويب من الوقوع في مفاسد أعظم. الهوامش: 1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية/ ط، وزارة الأوقاف السعودية 1416هـ (28/146)، الاستقامة ( 2/247). 2- مجموع الفتاوى (28/146). 3- الفتاوى الكبرى (1/99). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#38
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 36- الوجوب معلق بالاستطاعة نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة القواعد والضوابط الفقهية بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. (الوجوب معلق بالاستطاعة)(1)، فالتكليف بالأحكام الشرعية لا يلزم الإنسان ولا يجب عليه إلا إذا كان مستطيعاً قادراً على فعله، فالعمل مشروط بالقدرة، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة:286).فإن الله تعالى نفى عن نفسه أن يكلف أحداً من خلقه بما هو فوق طاقته وقدرته واستطاعته، بل التكليف إنما يكون في حدود الوسع والقدرة والطاقة. وهذا من رحمة الله -تعالى- بعباده أن جعل تكليفهم على حسب وسعهم وطاقتهم والأعمال الخيرية التي يقصد منها نفع الناس وتخفيف معاناتهم وحفظ كرامتهم مطلوبة، ولكن بحسب الاستطاعة والقدرة، فلا واجب مع العجز. والعاملون في المؤسسات الخيرية تكثر عليهم سهام الناقدين بسبب عدم تغطيتهم لمناطق الكوارث والنوازل، وهذا ظلمً للعاملين في هذا المجال الذين يقدمون الخير ولا يألون وقتاً ولا جهداً إلا قدموه لمنافع أهل الحاجات. التطبيقات الخيرية والوقفية: 1- على المؤسسات الخيرية أن تبذل ما تستطيع لمساعدة أهل الحاجات، وما عجزت عنه فلا نطالبها به، ولا نحملها ما لا تستطيع. 2- وإنكار المنكر - الذي قد يقع في مواطن الكوارث والنوازل- إنما يكون بحسب القدرة، وبالضوابط الشرعية حتى لا يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم، فلا نُحمل الجهات الخيرية ما لا قدرة عليه، من إغاثة عاجلة ومنع كل المنكرات، فالوجوب معلق بالاستطاعة. 3- والمؤسسات الخيرية عليها أن تبذل ما تستطيع في جمع الأموال ونشر ثقافة الصدقة، وإحياء سنة البذل والعطاء في نفوس المسلمين، وأن تعمل ما بوسعها، وإن لم يتحقق كل ما ترجوه، فلا يعني ذلك التراجع والانسحاب. 4- والمبالغ التي جُمعت لصرفها على أصحاب الحاجات إنما يكون صرفها بحسب الاستطاعة، فلا تصرف إن خشي تلفها أو سرقتها قبل وصولها لأصحابها، فيختار الوقت والمكان المناسب، الذي يضمن حفظ المساعدات، ووصولها لأصحاب الحاجات. 5- والواجبات الأصل فيها أنه يجب الإتيان بها على الوجه المأمور به شرعاً إلا أن هذا الوجوب معلق بالاستطاعة والقدرة على الإتيان بها، فإذا لم يمكن ستر النساء ستراً كاملاً في حال النوازل، وفصلهم عن الرجال فصلاً كاملاً، فعلى المؤسسة الخيرية أن تعمل ما تستطيع، ولا تترك الأمر بالكلية على مصراعيه، فيسقط عنها ما عجزت عنه، وتطالب من ذلك بما قدرت عليه. 6- وعلى المؤسسات الخيرية أن تخفف على أهل الحاجات؛ حيث إن من مقاصد الشريعة رفع الحرج والعسر عن أهلها وإرادة التخفيف عليهم، فمقتضى ذلك أن العاجز لا يطالب شرعاً بما عجز عنه، فلا يطلب من المستفيدين من إعانات المؤسسات الخيرية ما لا استطاعة ولا قدرة للقيام به، كالإثباتات الرسمية وما يؤكد الحاجات وذلك في الحالات الطارئة. الهوامش: 1- مجموع الفتاوى ( 3/312)، وموسوعة القواعد (4/459). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#39
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية37 – الوسائل لا تراد إلا لمقاصدها نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. الوسائل لا تراد إلا لمقاصدها(1)، أي أن الوسائل لا تُطلب إلا من أجل غاياتها ومقاصدها. والوسائل جمع وسيلة وهي ما يُتقرب به إلى الغير، وفي الاصطلاح: «هي الأفعال التي لا تقصد لذاتها لعدم تضمنها المصلحة أو المفسدة وعدم أدائها إليها مباشرة، ولكنها تقصد للتوصل بها إلى أفعال هي المتضمنة للمصلحة أو المفسدة والمؤدية إليها(2). قال الإمام القرافي - رحمه الله - مبيناً معنى اصطلاح الوسائل والمقاصد: « وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها»(3). فيلزم أن يختار من الوسائل ما هو مناسب لإيصال الخير للناس. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ما لا يتم المطلوب إلا به فهو مطلوب»(4). ولوسائل الأعمال الخيرية ضوابط يجب المحافظة عليها حتى لا يضطرب العمل وتضيع الأموال وحقوق العباد، بسبب طغيان الاهتمام بالوسائل على حساب المقاصد، وهذه الضوابط هي: 1- عدم مخالفة النصوص، أو القواعد العامة للدين. 2- أن يَغلب على الظن تحقق المقصود بها. 3- ألا يتعلق بالوسيلة وصف ممنوع شرعاً، كأن يكون شعاراً للكفار، أو تشتمل على ما هو ممنوع شرعاً كالكذب ونحوه. 4- ألا يترتب على العمل بالوسيلة مفسدة أعظم من المصلحة المرجوة منها. 5- ألاّ يُغلَّب جانب الوسيلة حتى يصير مقصداً، ويغفل عن المقصد الأصلي(5). ومن التطبيقات الخيرية والوقفية لهذه القاعدة: 1- مجرد الجهد في العمل الخيري لا يؤجر عليه العاملون، إلا إن كان قربة إلى الله تعالى، ولا بد من الحرص على انتفاع أصحاب الحاجات التي يُبذل من أجلهم الجهد. 2- إقامة المؤسسات الخيرية وصرف المبالغ على تشغيلها لا يكون مشروعاً إن لم تتحقق الغاية من إقامتها وهي: القيام بالأعمال الخيرية والدعوية في المجتمعات والدول. 3- والدعوة لمنع إقامة المؤسسات الخيرية بحجة أنها وسائل لا يتحقق معها المقصود بسبب التضييق الدولي على المؤسسات الإسلامية، ليس مسوغاً لإسقاط العمل المؤسسي والاعتماد على الجهد الفردي والجماعي غير المنظم، فما لا يُدرك كله لا يترك جله. 4- وتنظيم المؤتمرات والأنشطة الخيرية مشروع إن كان لها تأثير لخدمة القطاع الخيري من مستفيدين ومتبرعين، وعاملين. 5- واستخدام التقنيات الحديثة في المؤسسات الخيرية والوقفية ودفع التكاليف لتوفيرها، ليست مقصودة بذاتها إلا لكونها مؤدية إلى مقاصد مطلوبة لخدمة الأعمال الخيرية. 6- والوسيلة معتبرة ما كانت توصل إلى المقصود، فلا يصرف على التدريب والتطوير في المؤسسات الخيرية مبالغ طائلة مع عاملين ومتطوعين ليس عندهم قابلية واستعداد للتطوير والتغيير. 7- والسفر وزيارة المشاريع الخيرية والصرف عليها من أموال المؤسسات الخيرية هي وسيلة لمقاصد محمودة تعود بالنفع على العمل الخيري، وإذا انتفى المقصود فلا تكون الوسيلة مشروعة، فالوسائل لا تراد إلا لمقاصدها. 8- للمؤسسات الخيرية والوقفية أن تدفع الرواتب للموظفين، وأن تفرغ بعض طلبة العلم لنصح أهل الحاجات ودعوتهم، وتخصص لهم تكاليف معيشتهم، فما لا يتم المطلوب إلا به فهو مطلوب. 9- على إدارة المؤسسات الخيرية أن تخصص أقساماً في مؤسساتهم لتنمية الموارد المالية، وكذلك إدارة شؤون الموظفين، وقسم للنظم الإدارية والمحاسبية، إن كان الغاية من إقامتها تحقيق أهداف المؤسسة ومقاصدها. 10- ويمكن للمؤسسات الخيرية أن تبتعث الطلبة لدراسة علوم إدارة الأعمال الخيرية والوقفية في جامعات وأكاديميات علمية، ولكن يجب ألا تنصرف هممهم إلى تعلمها على حساب المقصد منها،وهو الاستفادة منها في العمل الخيري. 11- لا يجوز استخدام الوسائل التي لم يأذن بها الشرع، لجمع التبرعات ومساعدة أصحاب الحاجات، كإقامة الاحتفالات في المناسبات البدعية، واستخدام الوسائل المحرّمة كالموسيقى والاختلاط وغيرها. الهوامش: 1- منهاج السنة (6/386)، وذكرها غير شيخ الإسلام، بلفظ « سقوط الوسائل بسقوط المقاصد « ينظر لذلك: قواعد الأحكام (1/86)، والفروق (2/39). 2- قواعد الوسائل، لمصطفى مخدوم، ط 1، دار اشبيليا ( السعودية) 1420هـ - ص 54. 3- الفروق (2/38). 4 - الاستقامة (2/118). 5 - ينظر: قواعد الوسائل ص ( 347- 351). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#40
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 38- قاعدة: لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ هناك قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، نبينها هنا ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها وهي مستقاه من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، ويليها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. قاعدة: لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ(1)، فمن بذل وسعه في خدمة أهل الحاجات، وتقديم الخير للمسلمين ثم أخطأ، لا يكون آثماً ولا معيباً ولا مذموماً.فإن اجتهد أهل العلم وبذلوا ما في وسعهم في معرفة الحق في مسألة خيرية أو نازلة حلت بالأمة، فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا أجر واحد على اجتهادهم في معرفة الحق في تلك المسائل, ولا يعني هذا السكوت عن الخطأ، بل يجب بيان القول بدون تعرض للقائل، ولاسيما إذا علم منه حسن القصد، والرغبة في الاتباع(2). فالعاملون في المؤسسات الخيرية عليهم الاجتهاد في أعمالهم، وأن يرجعوا لأهل العلم في المسائل الحادثة لديهم ليكون عملهم موافقاً للشروط. ولا يقوقعوا أنفسهم في اجتهادات سابقة كانت تناسب الأزمان التي صدرت بوقتها. فالمتغيرات سريعة، وتحتاج إلى معايشة للواقع وتفاعل معها والعمل على تحسين أعمالهم وتطوير قدراتهم وتقديم الخدمة المميزة من المتبرعين والمستفيدين من أصحاب الحاجات. فلا يتغير ويتحسن أداء العاملين في المؤسسات الخيرية من غير اجتهاد من أهله مبنيٌ على أسس صحيحة. والتطبيقات الخيرية والوقفية: 1- لا يعيب المؤسسات الخيرية والعاملون فيها إن أخطؤوا بخدمة مقابل فئات الخدمات التي يقدمونها لأصحاب الحاجات. 2- ولا تُمنع المؤسسة من العمل بمسوغ أنها أخطأت في اجتهاد ما، فلا يخلو عمل البشر من الأخطاء. 3- في حال وقوع الخطأ، يجب تبيانه وتحديد الخطأ فيه وتصويبه، دون التعرض للمؤسسة واتهامها بالباطل ولاسيما إذا علم منها حسن القصد والرغبة في الاتباع وتقديم الخدمات المتميزة للمتعاملين معها. 4- سمعة المؤسسة الخيرية هي رأس مالها، والمؤسسة الفاعلة هي التي تنشط وتقدم الجديد، فلا يعني أنها أخطأت في أمر ما أن نزعزع الثقة بها، وننشر ذلك الخطأ للمجتمع الذي قد يؤدي إلى تراجعها. 5- تحسين الأداء الخيري وتطوير الأعمال في المؤسسات الخيرية أمرٌ محمود ومطلوب، فلا بقاء للمؤسسة ولا استمرار لأعمالها إن لم تحسن وتطور مخرجاتها، وهذا لا يكون إلا بالاجتهاد بمعناه الواسع الذي لا بد أن ينضبط بالضوابط الشرعية التي خطها أهل العلم. 6- من كانوا من أهل العلم والدين والاختصاص في الأعمال الخيرية، واشتبه عليهم الحق في مسائل خيرية أو فعلوا أمراً يخالف الشرع، فإنه غاية ما يقال فيهم: إنهم مخطئون، وهذا قول شيخ الإسلام في حق من اجتهدوا وهم من أهل العلم: فإن غاية ما يقال فيهم: إنهم مخطئون، وقد غفر الله لهم خطأهم(3). الهوامش: 1- مجموع الفتاوى( 19/123). 2- مجموع الفتاوي ( 10/386). 3- الفتاوى الكبرى ( 3/457). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |