الذوق حياة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أشهى الوصفات للإفطار فى رمضان جدول أكل رمضان ثلاثون يوما تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 14 )           »          كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 62 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14684 - عددالزوار : 1071184 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 231 - عددالزوار : 75273 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5025 - عددالزوار : 2169883 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4606 - عددالزوار : 1450934 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 224 - عددالزوار : 144036 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 105 - عددالزوار : 22651 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 21767 )           »          بيع الاستجرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2024, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الذوق حياة

الذوق حياة ـ 2 ـ

رشيد ناجي الحسن


الحمد لله الذي لا مانع لما وهب، ولا واهب لما سلب، طاعتُه أفضلُ مكتسب، وتقواه للمتقي أعلى نسب، هيأ قلوبَ أحبائه للإيمان وكتب، فتقربوا إليه بالتقوى والورع والأدب.

وبعد:
أيها الإخوة المؤمنون الأكارم، أحييكم بتحية الإسلام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العلي العظيم أن يجعلني وإياكم ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسَنه، وأن يجعلَ لهذه الكلمات مستقرًّا في قلوبِكم.

عُنوان حلقةِ اليوم هو:
مصدر الذوق والمؤثرات الحقيقية فيه

أيها الإخوة الأعزاء، السؤال المطروح اليومَ: ما الذي يحكم الذائقة أو الذوق؟ هل هي النشأة؟ أم الثقافة، أم الحسُّ والإدراكُ ؟ أم هي أمور مكتسبة يأخذها الشخص من المجتمع بما يتلاءم مع شخصه؟

رُوي أن رسَّامًا رسم لوحةً لبيت وبجواره نهر صغير، فكان - في تقديره - آيةً في الإبداع، قرَّر الرسامُ أن يختبئَ وراءَ ستار ليراقبَ ويستمعَ إلى ملاحظات المارَّة؛ توقف أحدُهم معجبًا، لكنه ما لبث أن امتعض من بنية البيت، خرج الرسام من مخبئه، واستجلى حقيقة رأيه، وسأله عن صنعته، فأجابه الرجل أنه مهندس معماري، فسرعان ما عمل الرسام بنصيحة الرجل، وأجرى على الصورة تغييرًا ما.

وبعد هنيهة - والهنيهةُ: المدة القصيرة، بعكس البَرهة أو البُرهة فهي: الزمان الطويل - مرَّ المهندس نفسُه ثانيةً من نفس المكان، وعلَّق قائلًا: لو كان النهر كيْت وكيْت!

خرج الرسام إليه ثانيةً، ولكنه قال له هذه المرة: ليس هذا اختصاصَك، فامض لسبيلك.

الذوق إذًا يحتاج إلى معرفة، وإلى تدريب، وإلى ممارسة، وإذا كان هناك مَن قال: مَن ذاق عرف، فإنني أقول: مَن عرف ذاق، فأنت لا تستطيع أن تحكم على جودة نسيج ما، إلا بعد شرح جزئي لآلاف القطع، تَكتسب منها تجاربَ وخبرةً ودرايةً تؤهلك للحكم، وإذا كانت الصعوبة في تمييز النسيج، وهو شيء ملموس حسي، فأحرى أن تكون الصعوبةُ في الأدب، ذلك الذي يعبِّر عن عاطفة إنسانية متشابكةِ العلائق والأثر.

المعرفة هي الأساسُ والنبراس، ولكن حتى المعرفةُ يجب أن تكون موجَّهــةً، يوجهها نقاد ومعلمون تحلَّـوْا بذائقة سليمة لا سقيمة، وغذَّوا أنفسهم - باستمرار - من منابع الفكر الإسلامي النيِّر، مما يخدم الإنسان - أيًّا كان - على الصعيدين المعيشي والجمالي.

فلنكفَّ إذًا عن القول العابر: يعجبني، ولا يعجبني، ولنأخذِ المسألة الذوقيةَ جِدًّا أيَّ جدٍّ، نحتاج فيها إلى المعرفة، وحسنًا نفعل، أن نعرف مقدار أهليتنا للخوض في بحر أيِّ موضوع، ورحم الله امرءًا عرف حدَّه، فوقف عنده.

وأما دور الأسرة في إكساب الطفل الذوقَ والأدبَ، فيعد الدور الأهمَّ في ذلك، ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))؛ والحديث في "الصحيحين".

وتأتي أهمية دور الأسرة في تنمية الحس الذوقي والجمالي عند الطفل من حيثُ إنه يعيش في مرحلة نموه الأولى القابلةِ للتشكُّل والتكيُّف في كنف الأسرة، فلا ينافسها في تأثيرها أيةُ مؤسسة اجتماعية أو تربوية أخرى، ثم إن الطفل يُمضي في مرحلة تشكيله أطولَ فترة ممكنة، وهي السنوات الستُّ الأولى من عمره، وهو ليلَ نهارَ مع أفراد أسرته، وكذا خلالَ فترة المراهقة حتى نهاية المرحلة الثانوية، مما يجعل - هذا الاحتكاكُ الطويلُ - دورَ الأسرة يتعاظم في التأثير عليه، خصوصًا وأن العلاقةَ التي تربطه بأفراد أسرته هي علاقة محملة بشحنات عاطفية قويةٍ، فيزيدُ من قوة تأثيرها عليه، والطفلُ يعتبر أباه القدوةَ الأولى في حياته، وكما قيل في المثل: كل فتاة بأبيها معجبة، وإن القيام بهذا الواجب العظيم في بذر بذور الذوق والأدب في نفس الطفل لا يكون إلا في ظلِّ استقامة الوالدين والمربِّي.

أما المعلمُ فلا يُنكَر دورُه في الذوق والأدب والتربية الجمالية، خصوصًا وأن التلميذ يقضي سنواتٍ طويلةً في التعليم، قد تصل إلى ستَّ عشرةَ سنةً في حال أتم دراسة المرحلة الجامعيةِ، مما يجعل من المعلم مصدرًا مهمًّا في تعليم الذوق والآداب، فهو بالنسبة للطالب قدوةٌ أيُّ قدوةٍ، إذ المعلم مُرَاقبٌ من طلابه دائمًا، ودون أن يشعر.

ولا ننسى أيضًا صحبةَ العلماء العاملين والفضلاءِ والصالحين، فإن لها أثرَها البارزَ في صقل الذائقة وتصفيتِها، وتحلي المرء بأعلى درجات الذوق وأكملها، ورحم اللهُ القائلَ:


مَنْ عَاشَرَ الأَشْرَافَ
عاش مُشرَّفًا

وَمُعَاشر الأَرذال
غَيْرُ مُشَرَّفِ

أوما ترى الجِلْدَ
الخسيسَ مُقَبَّلًا

بالثَّغْر لَمَّا صَارَ
جِلْدَ الْمُصْحَفِ




ثم هناك جماعة الصَّحْب والأصدقاء، ولها دور هام في إكساب المرء كثيرًا من الأنماط السلوكيةِ؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))؛ رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وهو حديث حسن، خصوصًا في ظل الفجوة الكبيرة الحاصلةِ اليومَ بين الكبار والصغار، أو بين الآباء والأبناء، مما زاد كثيرًا من التأثير التربوي لجماعة الصحب والأصدقاء، فالشاب في الجماعة يتأثر كثيرًا برغباتها وميولها وقيَمها، فهو يحبُّ ما تحبُّ، ويلبس ما تلبس من أزياءٍ، ويتكلم بلغتها ويسلك سلوكَها ويتجاوبُ معها عاطفيًّا وعقليًّا، ويصعب جدًّا على من اندمج في جماعة الصَّحْب أن يتخلص من تأثيرها، إلا ما رحم ربي؛ ممن أحسنت أسرتُه تربيتَه وكونت شخصيتَه المستقلةَ والقوية.

أما المؤسساتُ الثقافية والإعلامية، كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، فدورها التربويُّ خطير، ولا يحده حدود الزمان والمكان، فالصحيفة التي تصدر في لندن تستطيع قراءتها في أي بلد في العالم، كما أن الجالس بجانب الراديو يمكنه في نفس الوقت أن يسمع ما يسمعه الجالس بجوار الراديو في دولة أخرى بعيدة، وقل في التلفزيون مثل ذلك.

المهم أن هذه الوسائلَ، وباعتمادها على آخر التطورات العلمية المكتشفةِ، والتقنيات الحديثةِ، واستخدامِها لآخر ما وصل إليه الفن والعلم، من أساليب التشويق والإغراء والإثارة ووجودِها في كلِّ مكان، حتى في سياراتنا وجيوبنا - جعلها على قدرٍ عظيمٍ من التأثير على عقول الناس وعواطفهم، بما يزيد في درجات الذوق أو ينقصُها، بحيث يقضي على الذائقة وينحرها تمامًا، والمعصوم من عصم اللهُ - تعالى - كما قال نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - والحديث في البخاري.

وأهم منبع للأدب والذوق ِفي حياتنا هو الدين، بل نستطيع القولَ بأن الإسلام - بعباداتِه ومواقفه المتعددةِ - جاء ليسموَ بالذوق لدى البشرية جمعاء، وأن رسالة الإسلام - في مجملها - رسالةٌ داعية إلى السموِّ الذوقيِّ، يقول مولانا - عز وجل -: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7].

غيرَ أنّ المعضلة في الأمر أنّ الذوقَ ليس شيئًا يمكن تعلُّمُه وتعليمُه فقط، بل هو أمرٌ تجتمع فيه عناصرُ كثيرة، بعضُها يرجع إلى ما نتعلَّمُه، وأكثرُها يرجع إلى الحدْسِ والنباهة والفطنة، فالذوقُ لا يعيش منفردًا، بل له أعوانٌ يؤازرونه ويساندونه ويؤكدون موقفه، منها: المروءة، والقناعة، ورضا النفس، وحبُّ الخير للغير، واحتسابُ الأجر.

قرأتُ قبلَ أيام مقالًا يحكي عن تربية الأبناء من الصغر على الأدب، وضرورة ِتعليمهم في المدارس، حقيقةً أتفقُ معه أنه يُفترض أن تكون التصرفات الذوقيةُ والتعاملُ الذوقيُّ مدرَّسًا، إلا أن الأدبَ العامَّ لا يدرس، بل يُتوارث من المجتمع، وصحيحٌ أن تعليمَ بعض أنماط السلوك قد يرقى بمستوى الذوق لدى المرء ولدى المجتمع، إلا أنّه لا يشمل جوانبَ خفيَّةً تنبع من داخل الإنسان، ولذلك فإنَّ الذوقَ لا يحتاج إلى تعليم، بل إلى تنبيهٍ لحقائقَ وأصول ٍكامنةٍ في الأعماق، وهذا ما تفعله بعضُ المعاهد والكليَّات في فرنسا وغيرِها، وهو تعليمُ الطلبة أصولَ "الإتيكيت".

وعلى ذكر هذه الكلمة - "الإتيكيت" – سأقف أنا وإياكم مع هذه اللفظة، ومصدرها، ومعناها، والفرق بينها – أي: آداب الغرب - وبين آدابنا نحن المسلمين في حلقة خاصة إن شاء الله - تعالى.

جعلني الله وإياكم من أهل الذوق والأدب، فإنه ميراث الأشراف ونعمَ الحسبُ، ولن يزكوَ طبعٌ بلا أدب، ولا يكونُ علمٌ بلا طلب، أودعكم على أمل اللقاء بكم في الحلقة القادمة إن شاء اللهُ - تعالى - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.91 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]