الأمانة بين الدنيا والآخرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1083 - عددالزوار : 127425 )           »          أدركتني دعوة أمي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حقيقة الإسلام ومحاسنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المرأة .. والتنمية الاقتصادية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أسباب الثبات على الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 4776 )           »          مفاسد الغفلة وصفات أصحابها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          سفراء الدين والوطن .. الابتعاث فرص تعليمية وتحديات ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17-12-2020, 06:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,723
الدولة : Egypt
افتراضي الأمانة بين الدنيا والآخرة

الأمانة بين الدنيا والآخرة


د. عدنان علي رضا النحوي



هناك سؤال يَجب أن يدور في قلب المسلم، يجب أن يدور في قلبه وخاطره وهو يمضي مع الحياة بمختلف أحداثها من أفراحٍ وأتراح، ومن عسر ويُسر، ومن غنى وفقر، ومن صحَّة ومرض، ومن قوَّة وضعف.

لماذا خلقنا الله؟
سؤال مُهِم يَجب أن يعرفَ المسلمُ إجابته المهمة، هذا السؤالُ نفسه يثير قضية مهمة، قضية يتميز بها المؤمن الصَّادق من الكافر، فالمؤمن يجب أن يعرف مهمته في الحياة، وبدايته ونهايته، لا يحل للمؤمن أن يعيشَ كالأنعام، يأكل ويشرب ويلهو، وينام ويستيقظ، وتظلُّ الأيام تدور به على هذه الوتيرة، يلهث وراء الدنيا لا يشبع منها، يَجري ويلهث ولا يُفكِّر، لا في واقعه ولا بدايته، إنَّه يعيش تائهًا أو في خدر، وقد يُصلِّي ويصوم ويؤدي الشعائر كلها أو بعضها، ولكن تفكيره في غير دُنياه متعطل، والأسئلة التي تدور في ذهنه تنحصر في دُنياه؛ كيف يزيد ماله؟ كيف يستثمر؟ كيف ينال منصبًا أعلى؟ كيف يُنافس هذا وذاك على الدنيا؟ وأمور أخرى كثيرة مثل هذا.

ولكنه لا يفكِّر كيف يضع ماله في طاعة الله، ولا جهده وعلمه وسعيه؟ أخذتْه الدنيا وشدَّته إلى زينتها، وقد يكون هذا كله تحت شعار الإسلام، تحت غطاء أداء الشعائر وحْدَها، ثم الانغماس في طلب الدنيا، واستمع إلى قوله - سبحانه تعالى -:
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

وأين نجد الإجابة؟ إننا نجد الإجابة أولاً في فطرتنا التي فطرنا الله عليها، ما دامت الفطرة سليمة لم تفسدْ ولم تتشوهْ، وكذلك يجد المسلم الإجابةَ في منهاج الله - قرآنًا وسنة ولغةً عربية - يجد المسلم الإجابةَ وهو يستجيب لأمر الله ورسوله بتدبُّر منهاج الله.

ومَن هنا، يُدرك المسلم أنَّ الله خلقنا لنُؤدِّي مُهِمَّةً في الحياة الدنيا، وأنَّ الله لم يَخلقنا عبثًا، ولن يتركنا سُدًى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 115 - 118].

فالله - سبحانه وتعالى - لَم يَخلقْنا عبثًا، وكذلك لم يتركنا سُدًى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ [القيامة: 36 - 40].

تدبَّر هذه الآيات الكريمة أيها المسلم، قِفْ عندها طويلاً، وتأمَّل معانيها وظلالَها، ما دمت تؤمن بالله وتؤمن بأن هذه الآيات الكريمة من عند الله.

سيكون أول نتائج هذا التأمل والتدبر أن يدرك المسلمُ أن الله لم يخلقه عبثًا، وإنَّما خلقه ليؤدي مهمة في الحياة الدُّنيا، على طريق مسيرته إلى الدار الآخرة؛ حيث يرجع الخلق كلهم إلى ربِّهم.

إنَّ الله - سبحانه وتعالى - الذي تولَّى رعايةَ الإنسان منذ أنْ كان نطفةً إلى أنْ سوَّاه رجلاً، يتولاه أيضًا ويرعاه في جميع مراحل حياته؛ في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، وقبل أن يكون نطفة، حين لم يكن شيئًا مذكورًا في عالم الغيب.

وهنا يثور السؤال الآخر: إذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد خلقنا لمهمة نُؤدِّيها في الحياة الدُّنيا على طريق دربنا إلى الآخرة، فما هذه المهمة التي خلقنا الله لها؟
إنَّ منهاج الله هو الذي يبِّين لنا هذه المهمة، لقد بيَّن الله - سبحانه وتعالى - لنا هذه المهمة بصُورتها العامة في أربعة مُصطلحات قرآنية ربانية، نذكرها فيما يلي، وكل مُصطلح وَحْده يُعَرِّف المهمة نفسها، والمصطلحات الأربعة مجتمعة تعرض المهمة من جميع جوانبها، ثم يُفصِّل - سبحانه وتعالى - المهمة كلها التفصيلَ الأوفى، حتى لا يبقى لأحدٍ عذر في عدم الوفاء بها:

1- العبادة:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

2- الأمانة:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 72 - 73].

3- الخلافة:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

4- العمارة:
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].

﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾؛ أي: طلب منكم عمارتها، عمارة الأرض كلها، عمارتها بالإيمان، وبعبادة الله، والوفاء بالأمانة، والقيام بالخلافة، عمارتها بحضارة الإيمان بكل أبعادها ومعانيها.

وقد كتب الله على بني آدم أن يقوموا بهذه المهمة في الحياة الدُّنيا من خلال الابتلاء والتمحيص:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165].

فلا بد للمسلم أن يعي هذه الحقيقة، وأن يستعدَّ فكريًّا ونفسيًّا - أو بصورة أعم: إيمانيًّا - لِحُسن التعامُل مع الابتلاء؛ حتى يكون الابتلاء قوة للمؤمن تدفعه إلى المُضُيِّ على صراط مستقيم.

لا يَخرج الإنسانُ من الحياة الدُّنيا إلاَّ بعد أن يكون قد استوفى ابتلاءه، على سنن لله ماضية، وحكمة بالغة، وقدر غالب، ويخرج الإنسانُ من هذه الحياة الدُّنيا؛ لتكونَ نتيجةُ عمله في حياته حُجَّةً له يومَ القيامة أو حجة عليه، فتكون الحياة الدنيا هي الفرصةَ الوحيدة للإنسان ليصلح خطأه، أو ليتوب ويستغفر وينيب، فبعد الموت لا توبةَ ولا استغفارَ ولا رجعة إلى الدنيا؛ ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].

ومن رحمة الله بعباده وفضله عليهم أنْ جعل أداءَ هذه المهمة في الحياة الدُّنيا عهدًا مع الله وميثاقًا يوفون به، ونقضُ العهد نتيجتُه خسارة وهلاك.
﴿ ... وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40].

وامتد هذا الميثاقُ مع كل نبي ورسول، ومع شعوبهم ممن آمن بهم، ومع خاتم الأنبياء محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومع الأمة المسلمة حتى قيام الساعة.

والله - سبحانه وتعالى - لَم يتركنا سُدًى بعد أن خلقنا لنؤدي مهمةً في هذه الحياة الدنيا، لقد مَنَّ الله علينا بفضله ورحمته أنْ منحنا نِعَمًا لا تُحصى تعيننا على الوفاء بالعبادة والأمانة والخلافة والعمارة، بالعهد والميثاق الذي أخذه الله علينا.

ولندرك مَجالاتِ هذه النعم العظيمة، يُمكن أن نعرضَها من خلال وحدات أربع؛ من أجل تيسير التصوُّر، ولكنَّ النعم لا تُحصى، مهما عرضنا منها فإننا لا نوفيها:
أ- النعم التي وهبها الله لنا في ذاتنا، في داخلنا وجسمنا:
الروح، والفطرة، والسمع، والبصر، والفؤاد، والعافية، وكل جزء من جسم الإنسان مما نعلم ومما لا نعلم - هو نعمةٌ من الله، وهبنا إيَّاها؛ لتعيننا على الوفاء بالمهمة التي خُلِقنا لها وبالعهد الذي أخذه الله علينا.

ب - النِّعَم التي وهبها الله لنا في حياتنا ومن حولنا:
الرزق، والبيت، والمأوى، والزوجة، والأولاد، والثمار، والطعام، والهواء، والشمس، وعَدِّد ما شئت من ذلك.

ج - سنن الله في الكون:
السنن التي سَخَّرها الله للإنسان؛ ليستفيد منها في الوفاء بعهده، والقيام بالمهمة التي خلق لها، ولنذكر قوله - سبحانه وتعالى -:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].

وكذلك:
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الفتح: 23].
ما أعظم هذه النعمة! السموات والأرض وما فيهما، كلُّه مُسَخَّر للإنسان؛ ليوفي بالعبادة والأمانة والخلافة والعمارة، بالمهمَّة التي خُلِقَ لها؛ ليوفي بعهده مع الله، فمن يستطيع أن يُحصي هذه النعم؟! وذلك كله يَمضي على سنن لله ثابتة؛ ليسهل على الإنسان معرفتها والاستفادة منها.

د- ما فرضه الله علينا من تكاليف تعيننا على الوفاء بالعهد كله:
ولا يُمكن الوفاء بالعهد كله إلاَّ بهذه التكاليف أولاً، فهي تمد بالقوة والعزيمة، وتعالج النفس، وتدفع الإنسان على صراطٍ مُستقيم إلى الحق، هذه التكاليف هي: الأركان الخمسة، الشهادتان، والشعائر، وطلب العلم من منهاج الله، ثُمَّ متابعة سائر التكاليف الربانيَّة على صراط مستقيم، هذه التكاليف أساسُها الأركانُ الخمسة وطلب العلم، وهي زادُ المؤمن الأول وسلاحه وعتاده للنُّزول إلى ميدان الوفاء بالعهد وأداءِ المهمة التي خُلِقَ لَها، وبغيرها لا يُقْبَل منه عمل، ولا يصحُّ منه وفاء بعهد، ولا قيام بأمانة.

هذه صورةٌ نهدف منها إلى بيان مَجالات نعم الله التي لا تُحصى في أي مجال من هذه المجالات، ونهدف منها إلى أن نَخشع بين يدي الله في توبة وإنابة ونحن نتدبَّر هذه النعم العظيمة التي لا تُحصى، وهذه كلها جعلها الله رحمةً منه ونعمةً؛ لتُعين الإنسان على القيام بالمهمة التي خُلِق لها، والتي سيحاسَب عليها يوم القيامة؛ ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

5 - صورة أخرى للتعبير عن المهمة التي خلقنا الله للوفاء بها في الحياة الدنيا:
إنَّ المهمةَ التي خُلِقنا لأدائها في هذه الحياة الدنيا، وعرَّفناها تعريفًا مُجملاً بالمصطلحات الأربعة، والتي فُصِّلت تفصيلاً أوفى في منهاجِ الله - يُمكننا أن نوجزها في مصطلح واحد في واقعنا اليوم، ذلك المصطلح هو: ممارسة منهاج الله في الواقع البشري.

إنَّها مسؤولية الفرد المسلم من ناحية، ومسؤولية الأُمَّة من ناحية أخرى، وهذه المسؤولية يُمكن توضيحها من خلال آيات كثيرة في منهاج الله، ولكننا نكتفي بأخذ قبسات؛ ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

وكذلك قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

ومن هذه الآيات الكريمة وغيرها نجد أنَّ المهمةَ التي خُلِق لها الإنسان؛ ليُؤديها في الحياة الدُّنيا، والتي عَبَّر عنها القرآن الكريم بالمصطلحات الأربعة التي ذكرناها - تتحقق كلها في الواقع البشري بممارسة منهاج الله مُمارسة إيمانية بتكامُله وترابطه وتناسقه.

وممارسة منهاج الله في الواقع البشري تعني القيامَ بالتكاليف الربانية، التي فصَّلها منهاج الله تفصيلاً لا يَدَعُ عُذرًا لمتفلِّت، وهذه التكاليفُ الربانية منوطة بكل مسلم، قَدْرَ وُسْعِه الصادق، الذي سيحاسَب عليه، ومنوطة بالأُمَّة كلها، ويُمكن أن نعيدَ ما سبق أنْ ذكَرناه من أن كلَّ وفاء بالمهمة، وكل وفاء بالعهد يَجب أن يقوم على الأركان الخمسة، وينهض عليها، ثم ينطلق المسلم مع الأركان الخمسة بطلبِ العلم من منهاج الله، وهذا كله يمثل - كما ذكرنا قبلَ قليل - الزاد والعُدَّة اللازمة للميدان، ميدان الحياة، وممارسة منهاج الله بتكامُله في الواقع البشري؛ لتكون هذه كلها تكاليف ربانية مُترابطة متماسكة.
يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.00 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]