|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
السُنَّة النبوية منهج حياة وصمام أمان
في زمنٍ تكاثرت فيه الأصوات والآراء، واستحدثت فيه الأقوال والفتاوى التي تصادم أصول هذا الدين، تبقى السُّنَّة النبوية هي النور الذي يهدي الله به من اتبع رضوانه سبل السلام، وهي الميزان الدقيق الذي تُوزن به الأقوال والأفعال، والفيصل بين الهدى والضلال، فالسُّنَّة ليست مجرد روايات تُتلى، ولا آثار تُحكى، بل هي منهج حياةٍ متكاملٍ وضعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، به استقامت القلوب، واستنارت العقول، وتطهرت المجتمعات من البدع والضلالات، ولقد امتنَّ الله -تعالى- على عباده بأن جعل الاتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو العلامة الصادقة على محبة الله؛ فقال -سبحانه-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: 31)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فكل من اتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالله كافيه، وهاديه، وناصره، ورازقه»، وهذا وعد رباني لا يخلفه الله؛ أن الكفاية والهداية والنصر والرزق تُمنح لأهل الاتباع الصادقين، وبين ابن القيم -رحمه الله- حقيقة هذا الطريق فقال: «فمن صحب الكتاب والسُّنَّة، وتغرَّب عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله، فهو الصادق المصيب»، أي أن الاتباع ليس مجرد تقليد ظاهري، بل هو هجرة قلبية إلى الله ورسوله، واستسلام كامل لأمر الله ووحيه. السُنَّة ترجمان القرآن القرآن الكريم هو الأصل، والسُنَّة هي البيان والتفصيل، وبدونها لا يُفهم الدين على وجهه الصحيح، قال الإمام الأوزاعي: «القرآن أحوج إلى السُنَّة من السُنَّة إلى القرآن»، فالسُنَّة تُوضح المجمل، وتُقيّد المطلق، وتُخصص العام، وتُفسر مراد الله من آياته؛ ولذلك كان السلف الصالح لا يفرّقون بين القرآن والسُنَّة في التلقي والعمل، بل يرونهما مصدرًا واحدًا للهداية، كما قال الإمام أحمد: «من ردّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة». ![]() التحذير من البدع والانحرافات لقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من الابتداع في الدين؛ فقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»؛ لأن البدعة لا تزيد صاحبها إلا بُعدًا عن الله، وهي تُغيّر معالم الدين وتلبس الحق بالباطل، وكان السلف أشد الناس تمسكًا بالسُنَّة ونفورًا من البدع؛ إذ رأوا فيها خطرًا على العقيدة والأمة، قال الفضيل بن عياض: «من جلس إلى صاحب بدعة فاحذره! فإن قلبك لا يسلم». ومن أنواع الانحراف التي ابتُليت بها الأمة في عصور متأخرة، ما ظهر من الغلو في الدين بما تناقض التوحيد الخالص الذي جاءت به الرسالة.
من ثمرات التمسك بالسُنَّة التمسك بالسُنَّة لا يقتصر على جانب العبادة، بل يمتد ليشمل جوانب الحياة جميعها؛ فهو منهج في الفكر والسلوك والعلاقات، يبني الإنسان المتوازن الذي يجمع بين الدين والدنيا، بين الخشية والعمل، وبين الرحمة والحزم، ومن ثمرات التمسك بالسُنَّة مايلي:
السُنَّة والوسطية اتباع السُنَّة هو طريق الاعتدال والوسطية؛ فهي التي تضبط ميزان العبادات والمعاملات؛ فلا غلو فيها ولا تفريط؛ فالسُنَّة تربي المسلم على تحقيق التوازن بين الروح والجسد، والعقل والعاطفة، والدين والدنيا، وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من غلا في العبادة وترك الزواج أو النوم، وقال: «من رغب عن سنتي فليس مني»، وهذا الحديث قاعدة عظيمة في رفض الغلو باسم الدين؛ لأن الهدي النبوي يجمع بين العبادة والرحمة، وبين الجدّ واليسر، وبين الإخلاص والواقعية. دور السُنَّة في وحدة الأمة إن الأمة التي تتمسك بالسُنَّة أمةٌ موحدة، تسير على منهج واحد، أما إذا تركت السُنَّة اتبعت الأهواء وتفرقت السبل، قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ}؛ ولذلك كان العلماء يقررون أن حفظ السُنَّة هو حفظٌ لوحدة الأمة، وأن نشرها هو نشر للهدى، وأن محاربتها هي طريق الفرقة والضلال، ومن تمام نعمة الله أن حفظها بالأسانيد والرواة الثقات الذين نقّحوا الحديث وصححوه وميزوا الصحيح من الضعيف. ![]() السُنَّة بين الاتباع والادعاء ليس الاتباع أن تُقال الأحاديث وتُحفظ النصوص فحسب؛ بل الاتباع أن تُتَرجم السُنَّة إلى عمل وسلوك؛ فكم من حافظ للحديث يخالفه في الواقع! وكم من عاميٍّ بسيط يعيش السُنَّة بقلبه وفعله! قال الحسن البصري: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل»، والدعاة إلى الله ينبغي أن يكونوا أول المتمسكين بالسُنَّة في أقوالهم وأفعالهم؛ ليكونوا قدوة عملية في الدعوة إليها، بالحكمة والرفق، لا بالتعنيف ولا بالتشهير. التحديات المعاصرة أمام السُنَّة في عصرنا تتعرض السُنَّة لحملات تشكيك من بعض التيارات الفكرية والإعلامية التي تنكر حجيتها أو تُضعف ثقتها بالرواة، مستغلين الجهل وضعف العلم الشرعي، ومثل هذه الدعوات ما هي إلا امتداد لمكرٍ قديم أراد فصل الأمة عن نبيها - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك يجب على العلماء والدعاة أن يُبيّنوا للأمة مكانة السُنَّة وأهميتها، ويردّوا الشبهات بالحجة والدليل، ويُعلّموا الناس كيف يتعاملون مع الحديث الشريف وفق ضوابط العلم المعتبرة. إحياء السنن المهجورة من علامات حب السُنَّة إحياء ما اندثر منها، سواء في العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أحيا سنَّةً من سنَّتي، فعملَ بِها النَّاسُ، كانَ لَهُ مثلُ أجرِ من عَمِلَ بِها، لا يَنقصُ مِن أجورِهِم شيئًا، ومن ابتدعَ بدعةً، فعمِلَ بِها، كانَ عليهِ أوزارُ مَن عملَ بِها، لا ينقُصُ مِن أوزارِ من عملَ بِها شيئًا»، ومن السنن المهجورة: ذكر الله في الصباح والمساء، والدعاء عند الخروج والدخول، والتبسم في وجه المسلم، وإفشاء السلام، والتواضع في الملبس والمأكل، ومداومة الصيام التطوعي، والحرص على قيام الليل، وإحياء هذه السنن ينعكس على سلوك الفرد والمجتمع، فيشيع بينهم روح الإيمان والرحمة، ويُعيد للأمة طابعها الإيماني الأصيل. منهج السلف في التمسك بالسُنَّة كان السلف الصالح أعظم الناس تمسكًا بالسُنَّة؛ فهم من حملوها ونشروها وذبّوا عنها، وكما قال الإمام مالك: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، وكانوا يعدّون مخالفة السُنَّة بابًا إلى الفتنة، قال -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}. قال ابن عباس: «الفتنة: الكفر»، وقد ضربوا أروع الأمثلة في الاتباع. مسؤوليتنا تجاه السُنَّة اليوم إن واجب الأمة اليوم أن تُحيي السُنَّة في حياتها، وأن تربي أبناءها على حبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - واّتباعه، وأن تُعلّمهم ما صحّ من سنته، وتُحذّرهم مما نُسب إليه كذبًا. كما يجب أن تُدرّس السُنَّة في المدارس والجامعات بأسلوب محكم، يربطها بالواقع، ويُظهر جمالها في معالجة مشكلات الحياة. السُنَّة النبوية منهج نهتدي به السُنَّة النبوية ليست ماضيًا نرويه، بل حياة نعيشها ومنهج نهتدي به إلى الله، بها يُعرف الحق، ويُحفظ الدين، وتُصان القلوب من الزيغ؛ فكلما اقتربت الأمة من السُنَّة اقتربت من النصر والعزة، وكلما ابتعدت عنها تفرقت وضعفت. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور!»؛ فليكن شعارنا في زمن الفتن: النجاة في الاتباع، والهلاك في الابتداع، والسعيد من جعل سنته - صلى الله عليه وسلم - منهجًا في قلبه وبيته وعمله ودعوته، يحيي بها ما مات من الخير، ويُجدد بها الإيمان في القلوب. خطورة البدع على الدين قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: لا شك أن البِدع خطرها عظيم، وأنها قدح في الدين، واستدراك على المشرّع، وهو الله -سبحانه وتعالى- ورسوله؛ فخطرها عظيم؛ ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: إن البدع فوق الكبائر، وأنها تلي الشرك؛ لأنها قدح في دين الله، ووسيلة للكفر بالله -عز وجل-؛ فلهذا كانت أحبّ إلى الشيطان من المعاصي؛ لِظم خطرها، ولأن أهل البدع في الغالب لا يتوبون منها؛ لأنهم يرون أنهم على هدى؛ فلهذا لا يتوبون؛ ولهذا يحبّها الشيطان أكثر، ويدعو إليها كما يدعو إلى الشرك، أما المعاصي فهم يعلمون أنهم مسيؤون، ويعلمون أنهم قد خالفوا الطريق، وأنهم قد تعرضوا لغضب الله، فكثيرا ما يتوبون ويندمون، ومن تاب تاب الله عليه. العبادات مبناها على الشرع والاتباع قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع؛ فإن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما- أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني- أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم -؛ لا نعبده بالأهواء والبدع! قال الله -تعالى-: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}، وقال -تعالى-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّه}؛ فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم - من واجب ومستحب لا يعبده بالأمور المبتدعة، كما ثبت في السنن من حديث العرباض بن سارية أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يقول في خطبته: «خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». اعداد: عمرو علي
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |