|
|||||||
| الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
مخاطر العلاقات المحرّمة وآثارها في زمن التواصل الرقمي
تمثل العلاقات الاجتماعية في الإسلام نسيجاً متكاملاً، ينظم التفاعل البشري وفق منهج رباني يحفظ الكرامة الإنسانية، ويحقق المصالح العامة والخاصة، وفي عصر العولمة والانفتاح الرقمي، برزت تحديات جسام تهدد هذا النسيج، ولعل من أبرزها انتشار العلاقات المحرمة بأنواعها. ويرتكز هذا البناء الاجتماعي على أسس متينة، تستهدف حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وقد نظم الإسلام هذه العلاقات عبر التعارف والتعاون: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: 13)، وعبر التراحم والتآلف، كما في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وفي المقابل فإن العلاقات المحرمة تعد آفة مهددة لسلامة الفرد واستقرار الأسرة والمجتمع، وفقاً للنصوص الشرعية والبيانات الاجتماعية المعاصرة. ![]() مجالات العلاقات المشروعة تقوم العلاقات الاجتماعية في الإسلام على رابطة العقيدة التي تجعل المؤمنين كالجسد الواحد في توادّهم وتراحمهم، ويتفرع عنه نظام متكامل للعلاقات الأسرية من الأقارب والجيران وسائر فئات المجتمع، ويقوم هذا النظام على قيم مركزية مثل الإيمان، والتقوى، والعدل، والرحمة، والتكافل، مع ضبط الغرائز وتنظيمها في إطار الأسرة الشرعية، وتتسم العلاقات الاجتماعية في التصور الإسلامي بالوسطية؛ فلا رهبانية تعزل الإنسان عن الناس، ولا انحلال يطلق الشهوات بلا ضوابط؛ بل بتعايش منضبط يحقق عمارة الأرض، ويحفظ الدين والنفس والعرض والنسل والمال، ومن هنا جاءت التشريعات التفصيلية لصلة الرحم، وحقوق الجوار، وآداب التعامل بين الذكر والأنثى؛ بما يحقق المصلحة الشرعية، ويمنع كل ما يؤدي إلى الفاحشة أو يهدد كيان الأسرة، وتشمل العلاقات المشروعة في الإسلام مجالات عدة أبرزها: 1- العلاقة الزوجية: القائمة على المودة والرحمة، وهي التي جعلها الشارع الحكيم إطاراً حصريًا لإشباع الغريزة وحفظ النسل والنسب، وربطها بمقاصد السكن والاستقرار والتعاون على الطاعة. 2- علاقة القرابة وصلة الأرحام: وهي التي أمر القرآن بوصلها وحرّم قطيعتها، وربط بين قطع الرحم والفساد في الأرض والعقوبة الإلهية. 3- علاقة الجوار: حيث وجاءت السنة بتأكيد حق الجار حتى ظن الصحابة أنه سيورَّث؛ فالمحيط الاجتماعي الأقرب للأسرة جزء من منظومة الأمان الاجتماعي. 4- كما تشمل علاقة الأخوة العامة بين المؤمنين، وما ينبني عليها من نصرة وتكافل وإغاثة في الشدائد، لتتسع الدائرة من الأسرة إلى المجتمع بأسره. ![]() تنظيم العلاقة بين الجنسين وضع الإسلام منظومة من الأحكام والآداب لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، تجمع بين تكريم المرأة والرجل معاً، وحماية المجتمع من الفتنة والفاحشة، ومن ذلك: غضّ البصر كما في قوله -تعالى- : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، والحشمة في اللباس والكلام: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، ومنع الخلوة المحرمة: كما في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم»، ومنع التبرج والإثارة، وضبط الكلام والتواصل بين الجنسين في حدود الحاجة والاحترام. كما شرع الزواج وجعله ميسّراً، وحثّ على تيسير المهور وتخفيف التكاليف؛ حتى لا يصبح العزوف عن الزواج ذريعة لانفلات العلاقات وتفشي الفواحش، وقد ربط الفقهاء بين سدّ ذرائع الفتنة في بداياتها وبين حفظ الأعراض والأنساب، فكل وسيلة تقود غالباً إلى الحرام من اختلاط غير منضبط أو علاقات خفية جعلها الإسلام محرّمة وعدّها من مداخل الشيطان. ![]() كيف ينظر الإسلام للعلاقات الاجتماعية؟ جاء الإسلام بمنظومة متكاملة لتنظيم العلاقة بين الجنسين، وتقوم هذه المنظومة على ثلاثة مبادئ رئيسية:
![]() التحذير من العلاقات المحرّمة تشمل العلاقات المحرّمة في الإسلام الزنا، والعلاقات العاطفية والجنسية خارج إطار الزواج، سواء كانت مباشرة أو عبر وسائل رقمية أو خلوات سرّية أو تبادل صور ورسائل فاحشة، كما يدخل فيها كل علاقة تقوم على خيانة الزوج أو الزوجة لشريك الحياة، أو تعدّي حدود الشرع في التواصل بين الرجال والنساء بما يفضي إلى انتهاك حرمة العِرض، ومن صور ذلك أيضًا العلاقات المثلية والشذوذ الجنسي، وكذلك ما يطلق عليه تبادل الأزواج! ![]() ![]() مخاطر العلاقات المحرمة : ولا شك أن لمثل تلك العلاقات المحرمة آثارًا عميقة على شخصية الفرد من جوانب عدة:
![]() أثر العلاقات المحرّمة على الأسرة تُعدّ الأسرة أول المتضررين من العلاقات المحرمة؛ إذ تؤدي الخيانة والارتباطات خارج الزواج إلى تدمير الثقة، وتمزيق الروابط الزوجية، وزرع الكراهية والشك المتبادل، وترتبط الخيانة الزوجية بارتفاع معدلات الطلاق؛ حيث تشير الدراسات إلى نسب ملحوظة من حالات الطلاق التي يرتبط أحد أسبابها المباشرة أو غير المباشرة بالخيانة أو العلاقات غير الشرعية، سواء التقليدية أو الرقمية. كما تسهم مثل تلك العلاقات في اضطراب تربية الأبناء؛ إذ يعيش الأطفال في جو أسري متوتر أو في ظل انفصال، فينتج عن ذلك مشكلات سلوكية ونفسية وتعليمية، وغالباً ما يحمل الجيل الجديد آثاراً ممتدة من أخطاء الوالدين. ويُضاف إلى ذلك احتمال اختلاط الأنساب في حال ترتب على الزنا حمل يُنسب خطأ إلى زوج أو عائلة لا تمتّ له بصلة؛ بما يؤدي إلى ظلم في الميراث وانهيار لمفهوم القرابة الشرعية. ![]() الآثار الاجتماعية والأخلاقية تفضي العلاقات المحرّمة - على المستوى المجتمعي - إلى إضعاف مكانة الزواج الشرعي، وإلى تنامي ثقافة العلاقات العابرة؛ ما يقلل من قيمة الالتزام والوفاء، ويحوّل العلاقة بين الجنسين إلى عبث متبادل لا بناء أسري؛ كما تسهم في انتشار الجريمة المنظمة المرتبطة بالدعارة والاستغلال الجنسي والابتزاز الإلكتروني؛ بما يهدد أمن المجتمع واستقراره. وتشير تقارير اجتماعية إلى تزايد نسب الخيانة الزوجية والتعارف غير المنضبط عبر وسائل التواصل؛ حيث تقدر إحدى الدراسات نسباً تصل إلى ما بين 15% و27% في بعض الدول العربية خيانة فعلية أو رقمية، مع إقرار جزء من العينة بممارسة الخيانة صراحةّ! وتتقاطع هذه الأرقام مع ارتفاع ملحوظ في قضايا الطلاق والمنازعات الأسرية في عدد من البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة، مع الإشارة الصريحة لدور وسائل التواصل والعلاقات غير الشرعية بوصفها أحد العوامل المؤثرة. وترتبط هذه الظواهر بارتفاع معدلات الطلاق في عدد من الدول العربية؛ إذ تسجل بعض الإحصاءات الرسمية والمدنية نسب طلاق تقارب أو تتجاوز 30-40% من حالات الزواج الجديدة خلال سنوات قليلة، مع رصد واضح لدور الخيانة والعلاقات غير الشرعية، وسوء استخدام التكنولوجيا ضمن الأسباب؛ حيث أشارت إحصاءات مجلس السكان العربي للعام 2023 أن 55% من حالات الطلاق في العالم العربي، مرتبطة بعلاقات خارج إطار الزواج، كما أظهرت دراسة للمركز العربي للأبحاث (2023) أن 70% من العلاقات المحرّمة في العالم العربي تبدأ عبر وسائل التواصل الإلكتروني. وتذكر دراسات متخصّصة في العلاقات المحرمة أنها - وإن كانت خفيّة - تحمل آثارًا نفسية واجتماعية مدمِّرة، وتستلزم برامج وقاية مكثفة على مستوى الأسرة والمؤسسات؛ كما تشير الدراسات إلى أن الخيانة الزوجية تمثل أحد أكثر ثلاثة أسباب تؤدي إلى الطلاق في المجتمعات الحديثة، وأنها تؤدي إلى ضياع الثقة وإضعاف النسيج الاجتماعي. ![]() إحصاءات صادمة:
![]() أهم الخلاصات والتوصيات
![]() المعالجة الإسلامية لظاهرة العلاقات المحرّمة تناولت كثير من البحوث الشرعية المعاصرة منهج الدعوة الإسلامية في وقاية المجتمع من جريمة الزنا وغيرها من العلقات المحرّمة والشاذة، مركّزة على دور الإيمان، والبيئة الطيبة، والرفقة الصالحة، وتيسير الزواج، وضبط الإعلام، وتفعيل الخطاب الدعوي المواكب لواقع الشباب في الوقاية من تلك الآفات المحرّمة، وتبرز هذه الدراسات وظيفة الدعاة والعلماء في بيان الحكمة من التشريعات، وربط الشباب بالقيم والأخلاق الإسلامية، وتقديم نماذج عملية وخطوات منهجية بعيدًا عن الخطاب الوعظي المجرد؛ كما تؤكد الأدبيات الأسرية والنفسية المعاصرة على أن مواجهة العلاقات المحرّمة تتطلب برامج متكاملة تشمل: الإرشاد الأسري، والاستشارات النفسية، والتأهيل قبل الزواج، ومعالجة أسباب الحرمان العاطفي والجنسي داخل الإطار الشرعي، بما يمنع البحث عن الإشباع خارج المؤسسة الزوجية، وتوصي دراسات متخصصة في الوقاية من زنا المحارم باعتماد حزمة إجراءات متكاملة: تربية دينية وأخلاقية عميقة، ووعي مجتمعي، ورقابة أسرية متوازنة، ودعم علاجي وقانوني حازم مع الجناة. وقد شهدت السنوات الأخيرة توسعًا في برامج التأهيل الأسري والاستشارات الزوجية في عدد من البلدان العربية بهدف الحدّ من ظاهرة الطلاق ومسبباته، ومنها الخيانة والعلاقات غير المشروعة. ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
خاتمة القول: يخلص التصور الإسلامي للعلاقات الاجتماعية إلى أن بناء شبكة العلاقات المشروعة القائمة على الإيمان بالله والتقوى في السرّ والعلن، وعلى الحياء والعفّة والنظافة والتكافل، تعدّ خط الدفاع الأول ضد الانحرافات والعلاقات المحرمة، وأن الفواحش -وعلى رأسها الزنا والخيانة بصورها المختلفة- ليست مجرد سلوكيات فردية، بل هي أمراض اجتماعية تصيب تماسك الأسرة والأمة وكرامة الإنسان وأمن المجتمع؛ حيث أصبحت العلاقات المحرّمة تهديداً وجوديا للمجتمعات، يتطلب منا إرادة قوية رادعة وإجراءات عملية فاعلة، وحماية تشريعية صارمة بهدف نشر القيم المجتمعية الفاضلة ومحاربة الظواهر الدخيلة والآفات الاجتماعية الضارة. وإننا حين نقرأ النصوص الشرعية في ضوء الإحصاءات العالمية، ندرك كيف سبق الإسلام العلم الحديث في رسم الطريق الأمثل للعلاقات الاجتماعية؛ بما يحفظ الصحة النفسية والجسدية والنسل والمجتمع، ويمنح الإنسان علاقة إنسانية نبيلة داخل إطار الزواج، بدل فوضى العلاقات التي تخلّف الألم أكثر مما تمنح اللذة. اعداد: ذياب أبو سارة
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |