|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نقابل في حياتنا اليومية من البَشَر مَن نَعجِز عن فهمهم، أو استيعاب ما يمكن أن يحمله عقلُهم؛ وهذا لأن هؤلاء أساتذةٌ في فنِّ الحياة، التي قد تقابل ما يطلق عليه "دنيا؛ أي: من الدناوة"، والغريب حقًّا فيمن نقابلهم من هؤلاء أننا نعجز عن تصوُّر عقولهم، وإلى أي حد يمكن لأحدهم أن يذهب به عقلُه. فمن هؤلاء مَن وهب نفسَه للعلوم والآداب، ونواحي اهتمامٍ أخرى كثيرة، وهو على الجملة رائعٌ في علمه، ومهذَّب في تقديمه وتيسيره على من يطلبه، ولكننا نجده يسعى للنقد الشديد والدؤوب، وبعد قليل تنقلب عليه الدفة ليصبح ناقدًا أريبًا؛ ولكن للآخرين ممن يحيطون به ويعاصرونه، فلا ترى في جلساته سوى جولات قاسية من الانتقادات الحادة لغيره، ويتَّخذ قراراتٍ ومواقفَ تبعًا لذلك؛ ولكن المدهش أنك تلحظه يناقض نفسه، ويسوق بطريقة عمليةٍ ما يهدم به ما سبق وأقرَّه أو أكَّده، وهذا الصنف من الناس قليل، ولكن يكفينا منه علمه وأدبه، واحترامه لذاته، وتقديره لمن يطلب مساعدته؛ ولكن جل ما نخشاه أن نكون نحن وجبةً على موائد أحاديثه مع الآخرين، على غرار ما كان هؤلاء لنا بالأمس وهو يحاكينا عنهم. وثمة صنف آخر غريبٌ ومتناقض إلى درجة تدْعو للدهشة والريبة، فتراه بلا علم أو أدب أو أخلاق، وذلك على الرغم من أنه ينادي في صبيحة كل يوم بفضائل الأخلاق ومكارمها، فتراه يتحدَّث عن ذلك كثيرًا، إلى درجة تلحظ معها أنه يصل بذلك الحديث إلى رتب الملائكة، ولا يمضي القليل حتى تُصدَم حينما يفاجئك بتصرُّف يجعلك تشعر بالهلع، منتقلاً من رتب الملائكة إلى رتب الشياطين، ولا تلحظ في حواره أنه يشعر بأنه تغيَّر أو انتقل من حالة إلى حالة، فإذا ألمحتَ فقط إليه ينقضُّ عليك مهاجمًا، وكأنه أسد مجروح لا يطيق صبر انتظار الهجوم على فريسته. وبين هذا وذاك كثيرٌ منا من يجول بخواطره بين حياة هادئة صافية، وبين مشاعر نزاعة للعنف والقوة، وبين نفس منكسرة ورغبة أخرى في التسلُّط على الآخرين، وضعف في الشخصية ومحاولة التماسك والظهور بمظهر قويِّ الشخصية، وكثير منا يلاقي في نفسه هوى لأمرٍ ما بالرغم من أنه يدْعو إلى غيره ولا يتحدث عنه... إلخ. ولكن لماذا نفعل ذلك؟ لِمَ نضطرُّ إلى الظهور بوجهين؟ هل حقيقة ما نشعر به أقوى من الصورة التي نرغب في أن يرانا الناس عليها؟ وإن كنا كذلك، فلِمَ نخجل من مصارحة أنفسنا على الأقل بأن بها ما بها من العيوب؟! إن الكارثة فيما عرضت أن صاحب المشكلة قليلاً ما يشعر بها؛ بل قد يصل به الأمر إلى الحديث مثلاً عن الكبرياء بوصفه خصلة غير مقبولة في ديننا، وذلك على الرغم من أن غيره يجده أبرزَ مثالٍ على مثل هذه الخصلة، وآخر يعيب على أقرانه الاختلاط بالجنس الآخر، وهو ذاته يعشق هذا ويتعاطاه كلَّ يوم، فهنا نقول لهؤلاء: لِمَ لا ترون هذا وتعترفون به؟! إن أول خطوات علاج أي مرض أن يصرح المريض بأنه مريض وأنه يعاني بالفعل منه، وهنا فإنه حينما يتدخَّل المطبب فإن مهمته ستغدو يسيرةً وهينة، أما إن أجمعت الأمَّة على أنه مريض، فإنه لن يُشفَ ما دام يرفض الاعتراف بما يعاني منه. أما ثالثة الأثافي، فأنْ يهاجم غيرَه محددًا أن بهم هذا وذاك، ولا يَقبَل أن يردَّ عليه أحدهم بأنه يعاني مما يعانونه، أو أبرز مثال على ما اتَّهمهم به، ويظلُّ هذا في غيبوبة من التناقضات الحادة والصارخة، حتى يسقط يومًا ما فريسةً لكافة أمراض العلل والسرائر، تلك التي تنجم عن عدم الاعتراف بواقعٍ هو أيسر حينما نعترف به، ولكنه يظل ثقيلاً على الصدر، قويًّا على النفس، ولكن دون الاعتراف به. إن الناقد المتناقض داخل كلِّ بشرٍ، وما أجمله إن قادنا إلى الحديث عن عيوب البشر؛ ولكن في البداية نصرح بأنه أجلّ عيوبنا، وأن نقول بأننا نعاني منه ونسأل الله العفو والعافية لي ولكم، وأن يضع الناقد من نفسه مثالاً عن كل ما يعالجه أو يتحدَّث عنه، فمن منا لديه رغبة الآن في أن يصارح ذاته ثم غيره بما يعانيه، أن يقول: أجدني أعاني من خصلة الكذب، أو الرياء، أو النفاق، أو الكبر، أو غيرها، ولكن الأهم أن يقول: وأدعو الله - عز وجل - أن يشفي صدري، وييسِّر لي أمري، وأن يرفع عني وعنكم ما نعانيه، هنا يكون للناقد المتناقض دورٌ في تحسين صورنا أمام خالقنا، وإعادة توجيه أفعالنا وسلوكياتنا بما يرضي اللهَ عنا، وبما يرضي الناس وأنفسنا. د. حجازي عبدالمنعم سليمان
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خير ولي عوده
__________________
![]() اللهم احفظ جميع المسلمين وامن ديارهم ورد عنهم شر الاشرار وكيد الفجار وملأ قلوبهم محبة لك وتعظيماً لكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |