|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام د. محمد جمعة الحلبوسي إن الحمد لله، نحمَده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هــاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يا رب: طرقتُ بابَ الرجا والناس قد رقدوا ![]() وبتُّ أشكو إلى مولاي ما أجدُ ![]() وقلتُ: يا أملي في كل نائبة ![]() يا من عليك لكشف الضر أعتمدُ ![]() أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها ![]() ما لي على حملها صبر ولا جلَدُ ![]() وقد مددت يدي بالذل مبتهلًا ![]() إليك يا خير من مُدت إليه يدُ ![]() فلا تردنها يا رب خائبة ![]() فبحرُ جُودك يروي كل من يرِدُ ![]() وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجمع شمل الأمة على كلمة سواء، يا سيدي يا رسول الله: أهداك ربي للأنام رحيمًا ![]() ونشرت دينًا كالجبال قويما ![]() يا من قرأتم أحرفي ومقالتي ![]() صلوا عليه وسلموا تسليما ![]() فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين، وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إخوة الإيمان والعقيدة: نقف اليوم على أعتاب موسمٍ من أعظم المواسم، ليس موسمَ تجارة دنيوية، ولا مهرجان لهوٍ ولعب، بل هو موسم تُقام له المساجد، وتُفتح له القلوب، وتُوجَّه له الطاقات، وتُربى فيه الأجيال على حب القرآن، وعلى السير على طريق الإيمان؛ إنه موسم الدورات القرآنية الصيفية. وما دمنا في ظلال هذا الموسم العظيم، فلا بد لنا من وقفات ثلاث، نتأملها معًا، ونستخرج من نورها العِبر والفوائد، وقفاتٍ نحتاجها في مسيرتنا، ونذكِّر بها أنفسنا وأبناءنا في هذه الدورة المباركة: الوقفة الأولى: مع معلِّم القرآن، ذاك الرجل الذي اختاره الله ليحمل أعظمَ رسالة، ويغرس في القلوب أعظم عِلمٍ. أيها المبارك، يا من نذرت وقتك لتعليم القرآن الكريم، ويا من جلست في المسجد تعلِّم أبناءنا كلامَ الله، وتزرع فيهم نورَ الإيمان، وتعلِّمهم العقائد الصحيحة والأخلاق الإسلامية، هل تدرك عظمة ما تصنع؟ هل تعلم أن كل حرف نطقه تلميذك من كتاب الله، هو لك؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))[1] ، أجر لا ينقطع، وصدقة جارية، ودرجات ترفعك يوم القيامة. يكفيك - يا معلم القرآن - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعلك من أهل الخيرية؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه))[2]، بل إن الكون كله يدعو لك أيها المعلم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرَضين، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوتَ - لَيُصلون على معلِّم الناس الخيرَ))[3]. اسأل نفسك يا معلم القرآن هذا السؤال: هل في الدنيا مهنة أعظم من مهنتك؟!أنت لا تعلم الحروف فقط، بل تحيي القلوب،ألَا تسمع ماذا قال الله؟ ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]؛يعني: لا أحد أحسن كلامًا من الذي يعلم الناس الطريق إلى الله، لا أحد أحسن كلامًا من الذي يعلمالأطفال سورة الفاتحة. اسمع هذه القصة العظيمة المؤثرة: قيل: إن الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي – شيخ النحو واللغة – رآه بعض تلاميذه في المنام بعد وفاته، فسألوه: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ أبعلم النحو وبالعروض وباللغة؟ قال: لا، والله ما نفعني ذلك شيئًا، وإنما غفر الله لي؛ لأني كنت أعلِّم عجائز قريتي سورة الفاتحة[4]... الله أكبر! بسورة الفاتحة... غفر الله له! فيا معلم القرآن، لا تحتقر جلسةً في مسجد، ولا حلقةً فيها صبية صغار، فرُبَّ ركعة من أحدهم تنجيك من مصائب الدنيا وأهوال يوم القيامة، ورُبَّ آية تعلِّمها له ترفعك درجات في الجنة؛ فأبشر، وأخلِص نيتك، وأحسِن صنيعك، واحتسب كل لحظة تقضيها في تعليم القرآن، فإنها تجارة لن تبور. الوقفة الثانية: مع الأب الكريم، الذي تعِب وسهِر وربَّى، ودفع بفلذة كبده إلى مجالس النور والقرآن. أيها الأب الطيب المبارك، يا من أخذت بيد ولدك إلى بيوت الله، فوجَّهته إلى الصلاة، لا إلى الرقص والطرب والسهر في المقاهي، وقرَّبته من المصحف لا من المسلسلات والأغاني الماجنة، وعلَّمته أن السجود لله خير من السهر على الشاشات، وأن حفظ آيةٍ أحبُّ إلى الله من حفظ مقطع غنائي. أبشِّرك بأنك – والله - قد وضعت قدمك على طريق الجنة. ولدك هذا، حين تربِّيه على حب القرآن، وتغرسه في بيوت الله، لا تظن أنك فقط علمته الحروف والكلمات، بل أنت غرستَ في قلبه النورَ، وفتحت له بابًا إلى الجنة من أعظم الأبواب. من أول يوم يخطو فيه إلى المسجد، سيتعلم الأدب قبل العلم، والخُلق قبل الحفظ، سيتعلم أن يغضَّ بصره، ويُخفض صوته، ويحترم الكبير، ويوقِّر الصغير، ويعظِّم شعائر الله. وسيعرف من خلال المسجد أن البر بالوالدين من أعظم القربات، وسينظر إليك بعين المحبة والعرفان، ويقبِّل يدك بكل خضوع، ويقول لك: جزاك الله خيرًا يا أبي، أنت الذي دللتني على طريق النور، وأبعدتني عن طريق الظلمة. فطوبى لك، ثم طوبى، إذا رأيت ابنك يسير إلى المسجد في زمن يتسابق فيه الناس إلى الشهوات، وطوبى لك إذا سمعت لسانه يترنَّم بالقرآن في زمنٍ ضجَّت فيه الآذان بالأغاني والكلام الفارغ. ولدك هذا من خلال المسجد، سيحترم الناس ويعاملهم بأخلاق الإسلام، وسيقول الناس: من هذا الفتى؟ فيقال: هذا ابن فلان، فيقول الناس: رحم الله أباه، رحم الله أمه، الرحمة ستأتيك وأنت جالس في بيتك، الرحمة ستأتيك وأنت في قبرك؛ لأنك زرعت زرعًا مباركًا، وسقيتَه بماء الإيمان، فخرجت ثماره دعواتٍ لا تنقطع! بل ولدك هذا، يا عبدالله، بعد كل صلاة، سيرفع يديه إلى السماء، ويقول: ﴿ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]؛ ولذلك ورد في الحديث: ((إن الرجل لَتُرفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ فيُقال: باستغفار ولدك لك))[5] ، ولدك كان يدعو لك بكل صلاة، ولدك كان يتصدق على روحك، ولدك يُهدي ثواب صلاته وصيامه وقراءته إليك، ولدك كان يهدي إليك الحسنات، فبسبب ولدك نِلتَ هذه الدرجات العلا في جنات الخلد. فيا من قصرت في تربية ولدك، أفِقْ قبل فوات الأوان، أفِق قبل أن يأتيك يوم تقول فيه: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، يوم لا تنفع الحسرات، ولا يجدي الندم، ولا يسمع النداء إلا: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ ﴾ [الإسراء: 14]. ويا من وجهت ولدك إلى القرآن، أبشر، ثم أبشر، ثم أبشر أبشر بالدرجات العلا في الجنة، أبشِر بصدقة جارية لا تنقطع، أبشر بدعاء لا يُرد، وأجرٍ لا يُحصى. هنيئًا لك إن سخَّرت ولدك لطاعة الله، هنيئًا لك إن دلَلتَه على مجالس الذكر والقرآن، هنيئًا لك إن علمته الأدب والخلق، وغرست في قلبه حبَّ الصلاة، ومخافة الله، والرغبة في الجنة. ولدك هو تجارتك الرابحة في دنياك وآخرتك، ولدك هو دعاؤك الجاري بعد موتك، ولدك هو سُلَّمُك إلى الجنة، وهو رصيدك الذي لا ينفد من الحسنات. اللهم اجعل هذه الدورات القرآنية نورًا في البيوت، وبركةً في الأرزاق والأعمار، وسببًا لصلاح الأبناء، وعلو الهمم، ورفعة الأمة، واهدِ بها الحائرين، وثبِّت بها الحافظين، وارفع بها الرايات، وازرع بها الهداية في القلوب والنفوس الخطبة الثانية الوقفة الثالثة: مع طالب القرآن، ذاك البطل الذي اختار أن يكون من أهل الله وخاصته. يا طالب القرآن، يا من زيَّنت صدرك بكلام الله تعالى، وجعلت لسانك يلهج بآياته، افرح وارفع رأسكتباهيًا بحفظك ليس كبرياء، بل فخرٌ بطريقٍ اختصك الله به، وشرف لا يناله إلا صفوة الخلق. يا صاحب القرآن، حين يفتخر أهل الدنيا بمشاهير الغناء والفن، وبأصحاب الأرقام والجوائز، فنحن نفتخر بك يا طالب القرآن، ويكفي أهل القرآن شرفًا أن أضافهم الله إلى نفسه، واختصهم بما لم يختص به غيرهم؛ كما قال نبيك صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس، فقيل: من أهل الله منهم؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته))[6]، بل يوم القيامة سيُقال لك كما قال صلى الله عليه وسلم: ((يُقال، يعني لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها))[7]. بل ستقف - يا طالب القرآن - موقفًا يغبطك عليه أهل الأرض والسماوات، حين يأتي القرآن الكريم يوم القيامة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زِده، فيُلبس حُلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيُقال له: اقرأ وارقَ، ويُزاد بكل آية حسنةً))[8]. يا ألله! تخيل هذا المشهد: قرآنك يدافع عنك، ويكرمك، ويرفعك، ويشفع لك. فيا أيها الشاب المسلم: سجِّل اسمك في ركب الحافظين، وانهَل من مَعين كلام رب العالمين، فوالله الذي لا إله غيره، ما جلس عبدٌ مع القرآن إلا أقبلت عليه الرحمة، وحفَّته الملائكة، وذكَره الله فيمن عنده. احفظ هذا القرآن، احمله في صدرك، طبِّقه في بيتك، ترَ البركة في دنياك، والثبات في قبرك، والشفاعة يوم الزحام، يومَ يقوم الناس لرب العالمين. قرآننا مشعل يهدي إلى سبلٍ ![]() من حاد عن نهجها لا شكَّ خسرانُ ![]() هو السعادة فلنأخذ بشرعته ![]() وما عداه فتضليل وبهتانُ ![]() هو النشيد الذي ظلت تردده ![]() على مسامع هذا الكون أزمانُ ![]() قد ارتضيناه حَكمًا لا نبدله ![]() ما دام ينبض فينا منه شريانُ ![]() اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم اجعلنا ممن يُقال لهم: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. [1] صحيح مسلم، كتاب الإمارة – باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير (3/ 1506)، برقم (1893). [2] صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن – باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه: (6/ 192)، برقم (5027). [3] سنن الترمذي، أبواب العلم – باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة: (4/ 347)، برقم (2685)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [4] دروس الشيخ عائض القرني (322/ 5، بترقيم الشاملة آليًّا). [5] سنن ابن ماجه، أبواب الأدب - باب بر الوالدين: (4/ 631)، برقم (3660)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. [6] أخرجه أحمد في مسنده: (19/ 296)، برقم (12279). [7] سنن الترمذي، أبواب فضائل القرآن - باب: (5/ 27)، برقم (2914)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [8] سنن الترمذي، أبواب فضائل القرآن – باب ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |