السلام يا أمة الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 999 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 998 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 1016 )           »          تأملات في سورة يوسف عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 522 )           »          حكمة الإسلام في العزائم والرخص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أنت أخيَّ في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 14 - عددالزوار : 7142 )           »          لطائف النحويين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          بين أويس القرني وعمر وعلي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          ذكرى استشهاد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-02-2021, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,441
الدولة : Egypt
افتراضي السلام يا أمة الإسلام

السلام يا أمة الإسلام (1) فضله ومكانته


الشيخ : أحمد بن ناصر الطيار



عناصر الخطبة

1/ الأخوة الإيمانية أقوى من كل رابطةٍ وصلة 2/ من أعظم أسباب الألفة والمحبة والترابط 3/ معاني اسم الله السلام 4/ إفشاء السلام من محاسن الإسلام 5/ أحكام السلام الفقهية 6/ إفشاء السلام من أسباب المحبة والألفة بين المسلمين 7/ حكم السلام على النساء من غير المحارم.


اقتباسإن الأمة لا تكون أمةً واحدة, ولا يحصل لها قوةٌ ولا عزةٌ, حتى ترتبط بالروابط الدينية, حتى تكون كما وصفها نبيُّها -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “المؤمن للمؤمن كالبنيان, يشد بعضه بعضًا”، لقد أرستِ الشريعة الإسلاميةُ أُسُسَ تلك الروابطِ والأواصر, فشرع اللهُ ورسولُه للأمة ما يؤلف بينها, ويقوي وِحْدَتَهَا, ويحفظ كرامتها وعزتها, ويجلب المودة والمحبة، ومن أعظم أسباب الألفة والمحبة والترابط: السلام…










الخطبة الأولى:


الحمد لله له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، الذي جاهد في الله تعالى من غير توانٍ ولا تقصير, صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يرجعون، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الإخوة الإيمانية أقوى من كل رابطةٍ وصلة, فيومُ القيامة لا أنساب بيننا, والأخِلَّاءُ يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين, فلابدَّ أن نُنَمِّيَ هذه الأُخوة, ونقوّي هذه الرابطة, بفعل الأسباب التي شرعها الله لنا ورسوله.

أيها المسلمون: إن الأمة لا تكون أمةً واحدة, ولا يحصل لها قوةٌ ولا عزةٌ, حتى ترتبط بالروابط الدينية, حتى تكون كما وصفها نبيُّها -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان, يشد بعضه بعضًا".

لقد أرستِ الشريعة الإسلاميةُ أُسُسَ تلك الروابطِ والأواصر, فشرع اللهُ ورسولُه للأمة ما يؤلف بينها, ويقوي وِحْدَتَهَا, ويحفظ كرامتها وعزتها, ويجلب المودة والمحبة.

ومن أعظم أسباب الألفة والمحبة والترابط: السلام.
والسلام كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "اسمٌ من أسماء الرب -تبارك وتعالى-, فهو السالم من كل آفة وعيب, ونقص وذم, فإن له الكمالَ المطلقَ من جميع الوجوه, والسلام يتضمن سلامةَ أفعاله من العبث والظلم, وخلافِ الحكمة, وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين, وسلامةَ ذاته من كل نقص وعيب, وسلامةَ أسمائه من كل ذم, فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له, ونفي جميع النقائص عنه.

وأما قول المسلِّم: السلام عليكم, فهو إخبار للمسلَّم عليه بسلامته من غِيْلَةِ المسلِّم, وغشِّه ومَكْره, ومكروهٍ يناله منه, فيرد الراد عليه مثل ذلك, أي: فعل الله ذلك بك وأحلَّه عليك". ا.هـ كلامه.

السلام أمّة الإسلام: تحيةُ المسلمين, وأتم هذه التحية وأكملُها: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فهو دعاءٌ للمسلَّم عليه بالسلامة والرحمة والبركة.

والسلام من محاسن الإسلام, وابتداؤه سُنة عند اللقاء، على من عرفت ومن لم تعرف، من صغير وكبير، وغني وفقير، وشريف ووضيع، وهو يتضمن تواضع الْمُسلِّم، وأنه لا يتكبر على أحد، فمن بدأ الناس بالسلام فقد برئ من الكبر, وأولى الناس بالله من بدأهم بالسلام, وأبخل الناس الذي يبخل بالسلام.

وهو تحيةُ المسلمين التي جاء به الإسلام (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النور: 61]، والسلام تحيةُ المسلمين في الدنيا والآخرة (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) [الأحزاب: 44].
يُسَلِّمُ عليهم الرب الكريم, وتسلم عليهم الملائكة, ويسلم بعضهم على بعض, وقد سلموا من كل آفة ونقص.

والسلام عبادة عظيمةٌ، أَمرنا الله به وحثنا عليه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) [النور: 27].
ولو دخلت بيتك وليس فيه أحد، فالمشروع في حقك السلام أيضاً.
قال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النور: 61].

والسلام تحية الأنبياء والملائكة عليهم السلام.
قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ) [الذاريات: 24- 25].

والسلام من أعظم الأعمال، وأجلِّ الخصال.
سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيُّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (متفق عليه). والكثير من الناس لا يسلّم إلا على معارفه وأحبابه، وهذا مُخالفٌ للسنة ولمكارم الأخلاق.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام". (رواه أبو داود وصححه الألباني)، فأوْلى الناس بالله من يبدأ الناس بالسلام، فهنيئًا له هذه المنزلة العظيمة الرفيعة.

والسلام أيها المسلمون: من أعظم أسباب دخول الجنة.
عن عبدِ الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

والسلام من حق المسلم على أخيه المسلم, ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "حق المسلم على المسلم ست، -وذكر منها-: إذا لقيته فسلِّم عليه"..
فحقُّ المسلم عليك أيها المسلم, أنْ تُسلّم عليه إذا لقيتَه أو مَرَرْتَ عليه, سواءٌ عرفتَه أو لم تعرفْه.

بل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسلام وحث وأكدّ عليه.
فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ, –وذكر منها-: وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ". (متفق عليه).

فالذي يمرّ على الناس ولا يُسلم عليهم, قد خالف أَمْرَ نبيّه وإمامِه -صلى الله عليه وسلم-, وتسبّب في نُفرةِ القلوب وضيقِها؛ لأن إفشاء السلام من أسباب المحبة والألفة بين المسلمين، وتركُها يقطع هذه الألفة والمحبة, كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (رواه مسلم).

ولَمَّا عَلِمَ السلف الصالح بفضل السلام، وأجرِه ومنزلتِه، حرصوا على نشره وإفشائه بين الناس.

فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, يذهب إلى السوق كثيرًا لأجل السلام, فلا يَمُرُّ على أحدٍ إلا سلم عليه.
ويقولُ أبو بكر رضي الله عنه للأغر المزني: "لا يَسْبِقْكَ أحد إلى السلام".

والعجيب أن يزهد كثيرٌ من الناس في هذه السنة العظيمة، والتحيّة الكريمة.
فما أجمل أنْ تُعوّد نفسك إفشاءَ السلام أيها المسلم, فلا تمرّ بأحدٍ إلا بادرتَه بالسلام, وإن زدّت على ذلك بشاشةً وابتسامةً فهو نورٌ على نور.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية:


الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد: أيها المسلمون, وينبغي إفشاءُ السلام بين الرجال والنساء, والصغار والكبار. ولكن هل يجوز السلام على النساء غير المحارم أم لا؟ ثبت فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ, أَنّ الصّحَابَةَ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ مِنْ الْجُمُعَةِ, فَيَمُرّونَ عَلَى عَجُوزٍ فِي طَرِيقِهِمْ فَيُسَلّمُونَ عَلَيْهَا.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ السّلَامِ عَلَى النّسَاءِ, يُسَلَّمُ عَلَى الْعَجُوزِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ, دُونَ غَيْرِهِنّ". ا.هـ.

فبادر أيها المؤمن بإفشاء السلام, لِتَنْعم بالأجر العظيم , وتفوزَ بالقرب والرضا من الرب الرحيم, وإذا سلّم عليك أخوك المسلم, فردَّ عليه التحيةَ بمثلها أو بأحسنَ منها, ولْيكُنْ ذلك ببشاشة وإطلاق وجه, وبجوابٍ يسمعه, وقد عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- «ابتسامتك في وجه أخيك صدقة», وقال أيضًا: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».

نسأل الله أنْ يجعلنا مُباركين أينما كنّا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-02-2021, 12:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,441
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السلام يا أمة الإسلام

السلام يا أمة الإسلام (2) أحكامه وآدابه- مع الحديث عن التوسط وعدم الغلو


الشيخ : أحمد بن ناصر الطيار






عناصر الخطبة

1/ حكم رفع الصوتِ عند السلام 2/ رد السلام فرض كفاية 3/ ذكر بعض آداب السلام 4/ هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام 5/ حكم السلام والرد على غير المسلمين.


اقتباسالحكمةُ في تسليمِ الصغير على الكبير: لأجل حق الكبير, لأنه أُمر بتوقيره والتواضعِ له، وأما تسليمُ القليل على الكثير: فلأجل حقّ الكثير؛ لأن حقهم أعظم، وأما تسليمُ المارّ على القاعد: فلشَبَهِه بالداخل على أهل المنزل، وأما تسليمُ الراكب: فلئلا يتكبر بركوبه, فيرجعُ إلى التواضع. وإذا لم يسلّم الصغير فسلّم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً، وقد يكون جاهلاً, فأنت سَلِّمْ لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم, تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام, وتعليماً للأمة…










الخطبة الأولى:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه, ومن سار على سّنته إلى يوم الدين:

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الحديث في الجمعة الماضية، كان عن السلام وفضلِه ومكانتِه، وبقي الحديثُ عن أحكام السلام ومسائلِه وآدابِه.

معاشر المسلمين: السّنَّةُ رفعُ الصوتِ عند السلام, قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا سلّمتَ فأسمع، فإنها تحيةٌ من عند الله"، قال النووي -رحمه الله-:
"أقلُّه أنْ يرفع صوته بحيث يُسْمِعُ المسلَّمَ عليه, فإن لم يُسْمِعُه: لم يكن آتيا بالسنة". ا.ه


ويستثنى من رفع الصوت بالسلام, ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظٌ ونيام, فالسنة فيه ما ثبت في صحيح مسلم, عن المقداد -رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل, فيسلم تسليما لا يوقظ نائما, ويسمع اليقظان".

ورَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ, فَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ. قال ابن كثير -رحمه الله- تعالى عند قول الحسن البصري : "السلام تطوع، والرد فريضة".

وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة: أن الرد واجب على من سَلَّمَ عليه, فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالف أمر الله تعالى في قوله: (إِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء: 86]. ا.ه

قال بعض العلماء: إنما كان الرد واجبًا؛ لأن السلام معناه الأمان، فإذا ابتدأ به الْمُسْلِمُ أخاه فلم يجبه, فإنه يَتَوَهَّمُ منه الشر، فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه.

ولا بأس بالمعانقة عند المصافحة، وتسن عند القدوم من السفر، أو طولِ الفراق.

ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين, أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي, وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ, وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ, والصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ".

والحكمةُ في تسليمِ الصغير على الكبير: لأجل حق الكبير, لأنه أُمر بتوقيره والتواضعِ له، وأما تسليمُ القليل على الكثير: فلأجل حقّ الكثير؛ لأن حقهم أعظم، وأما تسليمُ المار على القاعد: فلشَبَهِه بالداخل على أهل المنزل، وأما تسليمُ الراكب: فلئلا يتكبر بركوبه, فيرجعُ إلى التواضع.

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وإذا لم يسلم الصغير فسلّم أنت أيها الكبير؛ لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة غافلاً لاهياً، وقد يكون جاهلاً, فأنت سَلِّمْ لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم, تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام, وتعليماً للأمة". ا.ه

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ -صلى الله عليه وسلم-, السّلَامُ عِنْدَ الْمَجِيءِ إلَى الْقَوْمِ, وَالسّلَامُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ, وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: "إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلّمْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلّمْ, وَلَيْسَتْ الْأُولَى أَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ".

ومن بدأك بالكلام قبل السلام فلا تجبه. فقد استأذن رجلٌ على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته فقال: أأَلِج؟ فقال لخادمه: "اخرج لهذا فعلمه, فخرج عليه فقال: قل: السلام عليكم أأدخل".

وأما حديث: "السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ" فرواه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ والألبانيُّ بِالْوَضْعِ.

قال ابن القيم -رحمه الله-: وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ ضَعِيفًا، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ". ا.ه

وَكَانَ -صلى الله عليه وسلم- إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ, لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ, وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ: السّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَكَانَ هَدْيُهُ انْتِهَاءَ السّلَامِ إلَى "وَبَرَكَاتُهُ ", فلا يزيد عليها لفظًا آخر.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ -صلى الله عليه وسلم-, أَنْ يُسَلّمَ ثَلَاثًا, كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذَا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ: أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتّى تُفْهَمَ عَنْهُ, وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ سَلّمَ ثَلَاثًا".

قال ابن القيم -رحمه الله-: وَلَعَلّ هَذَا كَانَ هَدْيَهُ فِي السّلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ, الّذِينَ لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ, أَوْ هَدْيَهُ فِي إسْمَاعِ السّلَامِ الثّانِي وَالثّالِثِ, إنْ ظَنّ أَنّ الْأَوّلَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِسْمَاعُ .. وَمَنْ تَأَمّلَ هَدْيَهُ: عَلِمَ أَنّ تَكْرَارَ السّلَامِ كَانَ مِنْهُ أَمْرًا عَارِضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. ا.ه

ولا يكفي الرد بالإشارة، بل ورد النّهيُ عنها، لكنّه مخصوصٌ بمن قَدِرَ على اللفظ حسًّا وشرعًا. فأمّا من لا يقدر شرعًا كالْمُصلي, ومن لا يقدر حسًّا كالبعيدِ والأخرس والأصم: فيجوزُ لهمُ الردّ بالإشارةِ.

واعلموا معاشر المسلمين: أن العلماءَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرّدّ عَلَى اليهود والنصارى, فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ, قال ابن القيم -رحمه الله- : وَهُوَ الصّوَابُ.

وقال في موضع آخر: "لو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلامٌ عليكم, فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية, وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام, فإن هذا من باب العدل, والله يأمر بالعدل والإحسان, وقد قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء: 86].

وأما ابْتداؤهم بالسلام فلا يجوز, ولكن يجوز ابتداؤهم بهذه الصيغة: السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى؛ لِمَا صَحّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-, أَنّهُ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ بذلك, وقال موسى وهارونُ عليهما السلامُ لفرعون: (قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه: 47]، ولا تُقال هذه الصيغةُ للمُسْلم.

والحكمة من ابتداء أهل الكتاب بهذه الصيغة: استمالةُ قلوبِهم, وإشعارهمُ بالإيمان بشرطه، وهو الاهتداء, وهذا منتفٍ في حق المؤمن، فإنه من المهتدين قطعاً، فلم يَجُزْ إِلْقَاءُ هذا اللفظ المحتمل عليه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم. بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية:


الحمد لله الذي هذّبنا بالإسلام, وأنعمَ علينا بشرائع الإيمان, وأشهد أن لا إله إلا الله الكريمُ الْمَنَّان, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى ما فيه كرامةُ الإنسان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: أيها المسلمون: مَنْ مرّ على مجموعةٍ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فلْيُسلّم عليهم, وينوي بسلامه بأنه للمسلمين, فقد ثَبَتَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ "مَرّ عَلَى مَجْلِسٍ, فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ".

وإذا قال لك إنسانٌ: بلغ سلامي إلى فلان, فهي أمانةٌ لا بد أن تُبَلِّغَها, إلا أن تكون ناسيًا.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ -صلى الله عليه وسلم-, إذَا بَلَّغَهُ أَحَدٌ السّلَامَ عَنْ غَيْرِهِ: أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُبَلِّغِ, كَمَا فِي السّنَنِ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنّ أَبِي يُقْرِئُكَ السّلَامَ, فَقَالَ لَهُ: "عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السّلَامُ".

فهذه يا أمة الإسلام أحكامُ وفضائلُ السلام, فلْنطبّقها ولْنعمل بها, ولْنتذكّر بأنّ السلام مُشتقٌّ من السلام والأمان, فدينُنا دين السلام والعدل, فلا ينبغي أنْ نُقصّر أو نغلوَ فيه, (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه سميع مجيب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.16 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]