|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أَمَاتَ أَبُوهَا؟!! مصطفى النعامين (كَلِمَةٌ في عَزَاءِ المُتَبَرِّجَاتِ 1) إيْ والله، لقد مات أبوها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولكنه لم يُوارَ - بعدُ - في لحده، ولم يُغيَّبْ في ثرى رمْسِه؛ لأمرٍ أنت مقبلٌ - إن شاء الله تعالى - على معرفته، والوقوفِ على خبره. ولعلك بادئَ ذي بدء تسألني - وأنت معذورٌ في سؤالك -: مَنْ هي تلك التي مات أبوها؟ ومن هو - قبل هذا وذاك - أبوها؟ وهل موتُهُ يستحق أن تُستمطَر دموعُ اليراع حزنا على ذهابه، وتُلبسَ بيضُ الصحائف سوادَ المدادِ يأسا وقنوطا من إيابه؟ وأقول -والحقُّ حريٌّ أن يُصدع به -: إن موته مصيبةُ عظيمةُ، ونازلةُ جسيمةُ، جثمتْ بكلكلها على قلب الأمة، فكادت أن تأتي على ما تبقى فيه من حياة، وتقضي على ما جُبلَ عليه من حياء، وتمحو ما حباه الله من مروءةٍ، وكرامة، ورجولة، وغيرة، وحمية، وعزة، وإباء.. وإن لموته آثارا خطيرة، وعواقبَ مُبيرة، سعى المفسدون في الأرض سعيا حثيثا إلى إيصال الأمة إليها، فها هي تتجرَّع غُصَصَها، وتكتوي بنارها، وتتحسَّى سُمَّها الزعاف الذي قدموه لها ممزوجا بأهوائها، وشهواتِ نفوس أبنائها، زاعمين إرادةَ خيرِها وخيرِ أبنائها، وهم - في حقيقة أمرِهم، وأصل مرادهم - يريدون استئصالَ شأفتِها، واجتثاثَ جذورها، وإطفاءَ جِذْوتِها ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]. ولكن هيهات هيهات، إنهم ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8-9]. وكأني أطلتُ عليك، وتريَّثْتُ في إخبارك حقيقة تلك التي مات أبوها، ولا عليك، فهأنذا ناشرٌ لك خبرَها وخبرَ أبيها، وَمُفْضٍ لك بما كان مستورا من خوافيها. إنها تلك المرأة التي أخبر عنها من لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه في قوله: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا:.... وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (مسلم / 5704). إنها الكاسيةُ، العاريةُ، المميلة، المائلة، المتبرجةُ، السافرةُ، المتعطرةُ، الخرَّاجةُ، الولَّاجةُ، السَّلْفَعُ، الملعونةُ، شرُ النساء، التي نشرت الفساد، وأغوت العباد، وأذاعت الرذيلة، ووأدت الفضيلة، وأشعلت نيران الفتنة في قلوب الناظرين إليها من الشبان والشيبان، وحلتْ عِقال الشهوات المستعرة فانطلقت جامحةً تَحْطِمُ ما يقابلها من أخلاق رشيدة، وخلال حميدة، حتى لقد صار كثير من الشباب - بسببها - كلابا مسعورة، وذئابا جائعة موتورة، تتحيَّن الفرص السانحة؛ كي تنقض على فريستها، منشبةً فيها مخالبها الحادة، وأنيابها القاطعة، لتتركها - بعد حين من الزمان - أشلاءً ممزَّقةَ الشرفِ، مبعثرةَ الكرامة، مسلوبةَ الحياة، كسيرةً، ذليلةً، مهينةَ، مُلقاةً على أرصفة العار والذل والهوان، والبوار والخسران. ولا تحسبنَّ -رحمك الله -شيئا من هذا الذي أقولُ ضربا من الخيال، وأنني -بهذا -مُجاوزٌ الحقيقةَ، مُهَوِّلٌ الأمرَ، مُبالِغٌ فيه، وأنه لا وجود له بين ظَهْرَانَي المسلمين اليوم، لا والذي في السماء عرشُه، ما عدوتُ الحقيقة قيدَ أُنملة، بل هو كائن واقع بَيِّنٌ في أسبابه وبواعثه، ومظاهره وتجلياته، ونتائجه وعواقبه التي باتت لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح عليها تيسان، وما أكثرَ -وخالقِ الخلق -التيوسَ في هذا الزمان! ( وَكَفَاكَ مِنْ شَرٍّ سَمَاعُه)! وليأتينَّك نبأُ ذلك عما قريب. وهذه التي مات أبوها أنَّى أجَلْتَ الطرف، وألقيت النظر، وأطلقت عِنان البصر، فانك سوف تراها في الأسواق، والمحلات التجارية، والشوارع، والحارات، والبيوت، والمسارح، والمراقص، والحدائق، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والعيادات والمستشفيات، والمتنزهات..... في كل مكان يمكنك أن تراها، حتى في المصانع والمعامل وغيرها من الأماكن التي لا يكون فيها إلا الرجالُ، حتى صيَّروها سلعةً حقيرةً، وبضاعة رخيصة، وسَقَطَاً من المتاع مبذولا بلا عِوض ولا ثمن لكل عين خائنة، وشهوة دنيئة، على مرأى ومسمع من أبيها - (رحمه الله) - وأخيها، وعمها، وخالها، وعشيرتها الأقربين الذين أغمضوا عيونهم عنها، وهم رعاتها المسؤولون عنها، والمؤتمنون عليها، والمكلفون بحمايتها ، فصيروها - بهذا - لقمة سائغة، وغَرَضَا قريبا لكلاب الأرصفة، وهوام المراهقين. وكُناسة المجتمع، وحُفالات المتطفلين الساقطين من الذين فشل آباؤهم، وأخفقت أمهاتهم في تأديبهم، ممن لا خَلاق لهم من خلق ولا دين ولا حياء، وما اصدق قول القائل فيهم: إنَّ (الرجالَ) الناظرينَ إلى النِّسا مثلُ الكلابِ تطوفُ باللُّحْمَانِ إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ (أُسودُها) أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أَ ثْمَانِ ورحم الله القحطاني؛ لو كان عاين ما نعاينه لأيقن أن زمن الرجال و الأُسُود قد ولَّى وأدبر إلا قليلا منهم، وَلَكَانَ - منْ حسرةٍ - متمثلاً قولَ الأول: ذهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافهم وبقيتُ في خلفٍ كجلدِ الأجربِ خَلْفٌ يحسبهم الجاهل بالرجولة وحقيقتها رجالا، فإذا أبصرت نساءهم أدركت صدق قول القائل: لا تغرنك الأشكال والصور ![]() تسعة أعشار من ترى بقر ![]() في شجر السرو منهم مثل ![]() له رواء وما له ثمر ![]() والحقيقة التي لا مِراء فيها: ما كانتِ الحسناءُ تُظْهِرُ سترَها لو أنَّ في هذي الجموعِ رجالا وصدق والله؛ فان لسان حال المتبرجات قائل بلسان مبين: (ما من رجل نهابه ونخشاه؛ إني لأفتحُ عيني - حين افتحها - على كثيرٍ، ولكن لا أرى أحدا إني لأفتح عيني فأرى أبا وأخا وعما وجدا وخالا و.... أرى صور الرجال، ولكني لا أرى الرجال؛ فهم - على كثرتهم - يصدق فيهم، وعليهم قول من يقول: وَيُقْضَى الأمرُ حينَ تَغِيبُ تَيْمٌ ولا يُسْتَأذَنُونَ وهمْ شُهُودُ أما هؤلاء الذين تراهم ملءَ السمع والبصر فأشباهُ رجال، غثاءٌ كغثاء السيل، درستْ معالم رجولتهم فاستنوقوا، فما كان منا معشر النساء إلا أن تمردنا عليهم؛ إذ لا بد أن يكون ثمةَ قائدٌ ومَقُود، وسيد ومسود، فلما تخلى القائد والسيد والقوام وذو الدرجة عن مكانته وقيادته وسيادته وقوامته ودرجته، امسكنا نحن - معاشر النساء المترجلات - بزمام الأمور، وإنْ شئت فقل - وأنت صادق -: بخطام (الرجال) وقُدناهم الى حيث أردنا، وهم مستسلمون، يبكون على أطلال رجولتهم الذاهبة، وعزتهم الغائبة). هذا ما يقوله لسان حال المتبرجات الكاسيات العاريات، وهو لسان صدق، يترجم عما في ضمائرهن إزاء من ولَّاه الله أمرَهُنَّ من الرجال: آباءً وأزواجاً وإخوانا...!! فهلَّا كان لهؤلاء - وغيرهم من ولاة الأمور - آذانٌ مصغية واعية تسمع هذه الهتافات، وتتفحص هذه الاتهامات، التي تطعنهم في صميم رجولتهم، وسويداء كبريائهم، وتدك فيهم معاقل عزتهم، وترميهم - عن قوس واحدة - بالدياثة، وموت الغيرة؟! وهلا أصختم السمع، وأذَِنْتُم لهذا النداء، من قبل أن تصك أسماعكم أنباءٌ تظل لها وجوهكم مسودة، وهاماتكم مطاطاة، تودون أنْ لو تُسوَّى بكم الأرضُ ولا تكونون فرطتم في أعراضكم وشرفكم. ألا أيها الرجال المسؤولون، والآباء المؤتمَنون، ألم يأتكم نبأ ذلك التهديد المرعب المخيف، الذي يتوعد به النبي صلى الله عليه وسلم كل من استرعاه الله رعية، فلم يقم بما أوجبه عليه فيها: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" رواه مسلم. فماذا بعدُ يا آباءَ المتبرجات، ويا أولياءَ أمورِ الكاسيات العاريات، يا مَنْ خنتم الأمانة، وضيعتم الرعية أحوجَ ما تكون الى العناية والرعاية، ماذا بعد أن تُهَدَّدوا بالحرمان من الجنة؛ فإن من ألقى - بيديه - مهجةَ فؤاده، وفلذةَ كبده في النار، نارِ التبرج والعري والعار، لَحَرِيٌّ - والجزاءُ من جنس العمل - أن يُحرمَ من دخول الجنان، وأن يَرِدَ - جزاءً وفاقًا - نارَ جهنم؛ ليذوقَ وبال فعلته، وعاقبةَ جريمته! وأما انتن - يا من أَبَيْنَ إلا التبرجَ والسفورَ سبيلا - فعزاؤكن عزاءان: فعظم الله أجْرَكُن في أنْفُسِكُن! وعظَّم الله أجْرَكُن في آبائكن، وأحسن عزاءكن (فيهِم)! وما عجبٌ أنَّ النساءَ ترجَّلتْ ... ولكنَّ تأنيثَ الرجالِ عجابُ وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أَمَاتَ أَبُوهَا؟!! مصطفى النعامين (كَلِمَةٌ في عَزَاءِ المُتَبَرِّجَاتِ 2) ومالي أُجري اليراعَ بما يجلبُ عليك وعليَّ وعلى كل مؤمنٍ غيورٍ من الهَمِّ أمثالَ الجبال!!!! وإنه لَهَمٌّ - واللهِ - مأجورٌ صاحبُه، مأزورٌ جالبُه، ألم يقلِ العليُّ القديرُ: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]؟ ألمْ يقلِ البشيرُ النذيرُ عليه صلوات الله وسلامه: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (مسلم/ 6751). وما لنا ألا يكونَ لنا موقفُ صدْقٍ من أخواتٍ لنا مسلماتٍ يُستدرجن لحتوفهن، ويُسقن الى ما لا تبصره بصائرُهن ولا بصائرُ آبائهن وكثير ممن يحيط بهن من المسلمين؛ ذلك أنهم غافلون عما يراد بهم وبنسائهم وشبابهم، ساهون عما يدبره شياطين الجن ولإنس لسفينتهم التي ينبغي عليهم الحفاظ عليها سليمة؛ كيما توصلهم الى بر النجاة سالمين، ولربما لا يعلم أكثرُهم اليوم أنهم اتُّخِذُوا - هم ونساؤهم - بما زُيَّنَ لهن من التبرج والسفور - معاولَ تُخْرقُ بها، وتُنقَبُ سفينةُ المجتمعِ الآمنةُ التي أوشكت - في بعض مجتمعات المسلمين اليوم - على الغرق والضياع، وأظننا - جميعا - قرأنا هذا التحذير النبوي الكريم مرارا عديدة، ولكننا - فيما يبدو - لم نأخذه - كما هي عادتنا اليوم - على محمل الجد، فمتى يكون ذلك أيها المسلمون؟!! متى؟ ولا يزال - فينا ومنا - من لا يفتأ لسانه يردد: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]. وغاب عنا في غمرة فرحتنا بدنيانا الفانية أنْ ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ [هود: 43]. متى؟!! وكثيرٌ من وسائل إعلامنا الخائنةِ الآثمةِ التي فتحنا لها أبواب القلوب والبيوت، لا تنفك تنعِقُ في أسماعنا وأسماع نسائنا وبناتنا بما يخرِّبُ قلوبَنا وعقولَنا وبيوتَنا حتى صِرْنَا - إلا مَنْ عصمَ اللهُ - نسخةً مشوَّهةً عمَّنْ قال الله فيهم: ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ [الحشر: 2]. متى يقوم كل واحد منا بدوره آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، بالحكمة، والموعظة المشفقة، والقدوة الحسنة، وتوظيف كل قول وفعل وحركة وسكنة... في الدعوة الى سبيل الله؟وإنا - والله - لقادرون بالوسائل المشروعة، والنوايا الخالصة على درء المفاسد، وإنقاذ الأجيال المهددة، وإلا لما كنا مخاطبين بقوله صلوات الله وسلامه عليه: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" رواه البخاري. فمتى يقومُ المجتمعُ كلُّه - وخاصةً أولئك الذين في أعلاها - بالأخْذِ على يدِ - أو قلْ: بيدِ - هذه المُسْتَدْرَجةِ إلى هلاكِها، المستعمَلةِ وسيلةَ إفساد وتدمير؛ لكي لا يتحقق فيها وبها ما أراده أعداء الله، ووسائلُ ذلك ميسورةٌ مقدورةٌ، ولا بأسَ أن نشيرَ - على عَجَلٍ - إلى واحدةٍ منها؛ لكونها تتعلق بالسواد الأعظم من المسلمين الذين تقعُ أبصارُهم على هذه الكاسية العارية، وهو سلاحٌ فعَّالٌ، ذو اثر شديد في إبطالِ خطرِ هذهِ الفتنةِ الماحقةِ، فتنةِ التبرج والسفور. ومن عجائبِ آثارهِ على المتبرِّجةِ نفسِها، أنه قد يكون سببا في نجاتِها مما تلبَّستْ به من هذا الجرم الخطير، وتوبتِها عنه، ورجوعِها لتكون يدا بانية، وشوكة في حلوق أعداء الله بعد أن جعلوا منها قنبلةً تتفجرُ - كل حين - في قلوب إخوانها من المسلمين.فما هو هذا السلاح؟إنه سلاحُ: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]. فلو أن كل من رآها غضَّ بصرَه عنها، لكان لها في نفسِها - وهي نفسُها شاهدةٌ على هذا - شأنٌ آخرُ غيرُ الذي تجده، وتحسُّ به، وهي ترى العيون تحيط بها، وتلاحقها، وتسمعُ كلماتِ الإعجاب تطاردها، وتعاين الناس يحتفلون بمقْدمها، ويَهَبُونها من اهتمامهم وعنايتهم ما يجعلها تتمادى في غيِّها، وتزيد في تبرُّجها، وتمعن في سفورها وتعرِّيها، وتظل سادرة في ضلالها وتباهيها!نعم، لقد خرجت كاسية عارية، ولكن من أخرجها هيأ لها - ممن ومما يحيط بها - قبل أن يخرجها - أسبابَ بلائها، والافتتانِ برؤيتها (والأنسِ) بقربها، ومن تلك الأسباب الفاعلة: الناظرون إليها، الذين يَمُدُّونها في الغَيِّ ثم لا يُقْصِرُون.نعم إنها هي هذه المسكينةُ الضحيةُ التي مات أبوها، واليتيمةُ التي خانَ الأمانةَ فيها أقربُوها، وإنَّ لنا - إن شاء الله تعالى - معها ومع أبيها، وغيرِه ممن شارك في قتلها وقفاتٍ أخرى.ولعله لا ضيرَ - ابتداءً - في أن نُلِمَّ بالحالةِ التي أخرجوها عليها، والغايةِ التي أمضوها إليها، لعل هذا أن يوافق أذنا واعية، وقلبا شاهدا. فكيف أخرجوها من حصنها الحصين، وَحِرْزِها المتين؟وكيف استطاعوا أن يُزيلوا كل ما اعترض طريقهم من عقبات في سبيل إخراجها؟ وكيف تمكنوا في ليلةٍ مظلمةٍ طُمستْ نجومُها، وَغُيِّبَ بدرُها، أن يُجَيِّشوا من أبناء المسلمين من يكون لهم عونا على تحقيقِ مآربهم، وتنفيذِ خططهم، من غير أن يشعر كثيرٌ من هؤلاء العاقِّين شرفَهم، البائعين بثمنٍ بخسٍ (دولاراتٍ) معدودةً ما تبقي من كرامتهم، أنهم مُسخوا قردةً وخنازيرَ، لا عملَ لهم في الحياة إلا كشفَ العورات، وإظهار السوآت، وإثارةَ الغرائز الكامنات، وتفجيرَ براكين الشهوات الهابطات، تحتَ مُسَمَّياتٍ ومُعَمَّياتٍ كثيرات، سقط في فخاخها، وَعَلِقَ في شباكها، كثيرٌ من ذكور الأمة المتأنثين، ونسائها المترجلات، وبناتها المتبرجات، اللواتي صِرْنَ - ما بين غمضة عين وانتباهتها - اشدَّ خطرا، وأعظمَ أثرا، على الأمة من كل جيوش أعدائها، بل إنهن - شئن هذا أم أبينه - قد صِرْنَ - هن ومن أوصلهنَّ من أبناء جِلْدَتِهِنَّ إلى ما هُنَّ عليه - أعوانا لأعداء الأمة من اليهود والنصارى والملاحدة من المفسدين في الأرض بعد إصلاحها، وتاللهِ ما تلكم الأسلحةُ على شدةِ فَتْكِها، وعظيمِ شرِّها، بأفتكَ في قلوب شباب الأمة ورجالها، من هذه الفتنة الصماء العمياء الهوجاء التي باتت نيرانها اللاهبةُ تستعر في قلوب المسلمين ذكورا وإناثا، قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركتُ بعدي فتنةً هي اضرُّ على الرجال من النساء) أخرجه البخاري ومسلم. إنها فتنةُ تلك الفتاة التي مات أبوها، فاستباحَ حِماها حماتُها، وأسلمها إلى أعدائها رعاتُها، فأخرجوها من بيتها عاريةً أو كالعارية، و بعد أن نزعوا عنها لباسَيْها اللذين جمَّل الله - جل وعلا - بهما بني آدم، ثم قال يخاطبهم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لباسا يواري سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]. ولا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أنهم إنما نزعوا لباسا واحدا هو هذا الذي يستر بدنها، وهو الذي انزله الله على بني ادم لكي يواروا به سوآتِهم، كلا والله، لقد نزعوا قبله لباسا أعظم منه واجل هو لباس التقوى، فلما تَمَّ لأولئك السفلةِ الأبالسةِ من شراذمة الخلق، وشُذَّاذ الآفاق ما أرادوا، سَهُلَ عليهم - بعد ذلك - أن ينزعوا - لا بأيديهم - وتنبهْ أيها الفطنُ الأريبُ - وإنما بيد الضحيةِ نفسِها - لباسَها الذي يواري سوأتَها، وهذا هو الغاية في الكيد والمكر؛ أن يقتلَها عدوُّها بيدها وبيد أبيها التي خُلِقَتْ لتدرأ عنها عوادي الزمان.فما كان منها - استجابةً لتلك الدعواتِ الشيطانيةِ، والإغراءات الابليسيةِ، والمؤامرات اليهودية الخفية - إلا أن خَرجت - في رابعةِ النهار - مكشوفةَ السوأتين: الظاهرة، والباطنة، مشوهةَ الفطرة، منكوسة الجِبِلَّةِ، تقودها الأيدي الأثيمة، إلى نهايتها الوخيمة، وعاقبتها الأليمة، كما تقاد الشاةُ إلى الذبح، مستسلمةً طائعة، مختارةً خاضعة، وما درت المسكينة وأبوها الميت - من قبلُ - أنها تُساق إلى نارين، وتُدَعُّ إلى جحيمين: جحيم الدنيا، وجحيم الآخرة. وقال أُصَيْحَابي: الفرارُ أم الردى ![]() فقلتُ: هما أمرانِ أحلاهُما مُرُّ ![]() وهما - والذي أمْره الأمرُ - أمران أحلاهما أَمَرُّ من نقيع الحنظل. أما جحيمُ الدنيا فهو الذي تَوَعَّدَ الله به المعرضين عن ذكره، الراغبين عن شكره، في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ معيشة ضنكا ونحشره يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]. وما من عاصٍ لله جل وعلا إلا وهو واجدٌ - لا محالةَ - شيئا من هذه المعيشة الضنك، وما فيها من ألوان العذاب النفسي، وأصناف البلاء الدنيوي، من همٍ، وغمٍ، وقلقٍ، وخوفٍ، وضيقٍ، وكآبةٍ، وحيرةٍ، واضطراب..... وغيرِها من الأمراض النفسية الفتاكة، المُودِيةِ بصاحبها إلى مآلاتٍ قاتلةٍ مُهلكة، ونهاياتٍ سوداءَ حالكة، لا يُنجي من شرِّها، ولا يُخَلِّصُ من لأوائها وآصارها إلا اتباعُ الهدى، قال العليم الخبير: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]. وقال السميع البصير: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هدايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]. وان شئتَ على هذا دليلا عمليا، وبرهانا واقعيا، فاسأل أولئك المعرضين عن كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم، صلوات الله وسلامه عليه: أذاقوا للسعادة طعما، أم رأوا لها رسما؟ وهل رفرف طائرُ السكينة يوما على فنن من أفنان حياتهم؟ وهل أشرقت شمسُ الطمأنينة في يوم من أيامهم؟واسأل - إن شئت - هذه القطعانَ الراتعةَ في مراتع الشهوات، الساقطةَ في حمأةِ اللذائذ المحرمات: أهُم بهذا الذي يفعلون من السعداء؟والله لئن سألتَهم ليقولُنَّ - بلسان الحال ولسان المقال -:مَثَلُنا ومثلُ السعادة كما قال القائل:سارتْ مشرقةً وسرْتُ مغرباً ![]() شتَّانَ بينَ مشِّرقٍ ومُغرِّبِ ![]() بل لا حاجةَ لنا إلى سؤالهم، ولا ضرورةَ بنا إلى اختبار حالهم، وعندنا الخبرُ اليقين، والقولُ الفصل المبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13-14]. وهيهات لمن هو في جحيم أن يذوق طعم السعادة، قال ابن القيم رحمه الله: ولا تظن أن قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14] مختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والعمل على موافقته؟ وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟ وهو الذي سلم من الشرك والغل والحق والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد) (الجواب الكافي/ ص107) ولو أن هذه التي مات أبوها سَلِمَ قلبُها لأسلمت قيادَها لمولاها، وعملت على موافقة أمره، واجتناب نهيه، ولكنها أسلمت قلبَها وجسدها وشرفها وعرضها لأعداء الله من سماسرة البِغاء، وتجار الدعارة، وناشري العُهْر، وذائعي الفجور، والناعقين والناهقين من دعاة السفور، ومحترفي نشرِ الانحلال الخلقي، ومروِّجي الخنا والرذائل، من زبالة البشر، وكناسة الخلق، وأذنابهم من المرتزقة، والمأجورين من حثالات الناس وتُحوتهم، وأستاههم، ممن رضوا لأنفسهم أن يكونوا نعالا تُداس بها الكراماتُ الإنسانية، والحرماتُ الأخلاقية، فصاروا بهذه الموبقات، والأفعالِ الشنيعات، والقبائح الفظيعات، قوادينَ قادوا نساء الأمة اللآتي كن أمسِ عفيفاتٍ محصنَّاتٍ من بيوت الستر والعفاف، إلى مواخير الدعارة، وأوكار البغاء التي بناها أعداء الأمة بيد بعض أبناء الأمة على أطلال ما تبقى من جسدها المثخن بالجراح الدامية، فكان ما كان، وحل بالأمة ما حل، من ويلات ومحن، وزلازل أخلاقية وفتن، أودت بأخلاق كثير من أبناء الأمة وبناتها، حتى بتنا نسمع ونرى ما تشيب له النواصي، وتنفطر له القلوب من الجرائم الشنيعة، و الفواحش المُريعة، التي لا يمكن أن تكون إلا في مجتمعات بهيمية تُمارس فيها الرذيلةُ - جهارا نهارا - باسم الحريةِ، و(الديمقراطيةِ)، واحترامِ حقوق الإنسان - إنْ كان قد بقي هناك شيءٌ من هذا الإنسان - أُمورٌ يضحكُ السفهاءُ منها ![]() ويبكي من عواقبِها اللبيبُ ![]() وللحديث بقية...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |