الحكم البليغة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1059 - عددالزوار : 125589 )           »          طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          طريقة عمل العاشوراء بخطوات بسيطة.. زى المحلات بالظبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طريقة عمل لفائف البطاطس المحشوة بالدجاج والجبنة.. أكلة سهلة وسريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-11-2019, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي الحكم البليغة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع

الحكم البليغة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ( 1-4)


سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد

مقدمة:
لا شكَّ أن ما اشتملت عليه خطبُ النبي- صلى الله عليه وسلم- من: العلومِ، والفوائدِ الساميةِ، والقواعدِ الهامةِ، والوصايا النافعةِ، ما يَنبغِي لكلِّ مسلمٍ معرفتُها والعملُ بها؛ فقد قرَّر فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- قواعدَ الإسلامِ، وهَدَم فيها قواعدَ الشركِ والجاهلية، وقرَّر فيها تحريمَ المحرَّمات التي اتفقتِ المِلَلُ على تحريمِها، وهي: الدماءُ، والأموالُ، والأعراضُ.
ووضع فيها أمورَ الجاهليةِ تحت قدميه، ووضَع فيها رِبَا الجاهليةِ كلَّه، وأبطله، وأوصاهم بالنساءِ خيرًا، وذكر الحقَّ الذي لهن وعليهن، وأن الواجب لهن: الرزق، والكسوة بالمعروف- ولم يقدِّر ذلك بتقديرٍ- وأباح للأزواج ضربَهن إذا أَدخَلن إلى بيوتِهن مَن يكرهه أزواجُهن، وأوصى الأمَّة فيها بالاعتصام بكتاب الله، وأخبر أنهم لن يَضِلُّوا ما داموا مُعتَصمِين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم بماذا يقولون، وبماذا يشهَدون، فقالوا: نشهَد أنك بلَّغت، وأدَّيت، ونَصَحت، فرفع أصبعه إلى السماء، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات، وأمرهم أن يبلِّغ شاهدُهم غائبَهم، كما خطب الناس يوم النَّحر خطبةً بليغةً، أعلمَهم فيها بحرمةِ يوم النحر، وفضلِه عند الله، وحرمةِ مكة على جميع البلاد، وأمر بأخذ مناسكهم عنه، وقال
))لعليلا أَحُجُّ بعد عامي هذا))، وعلَّمهم مناسكهم.
ونَهَى الناسَ أن يرجِعوا بعده كفارًا، يضرب بعضُهم رقابَ بعضٍ، وأمر بالتبليغِ، وأخبر أنه رُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامعٍ.
وقال في خطبته تلك: ((لا يَجْنِي جانٍ إلا على نفسه))، وقال: ((إن الشيطان أَيِسَ أن يُعبد ببلدِكم، ولكن سيكون له طاعةٌ في بعض ما تَحتَقِرون من أعمالكم، فيَرضَى بها)).
وقال: ((اعبدوا ربَّكم، وصلُّوا خَمْسَكم، وصوموا شهرَكم، وأطيعوا أُمَراءَكم؛ تَدْخُلوا جنَّة ربِّكم))، وودَّع حينئذٍ الناسَ، فقالوا: حجَّة الوداع.
كما خطبهم- صلى الله عليه وسلم- أيضًا أوسطَ أيامِ التشريقِ خطبةً عظيمةً بليغةً، بيَّن فيها حرمةَ ذلك اليومِ والشهرِ والبلدِ، وبيَّن حرمةَ الدَّمِ والعِرضِ، التي اتفقتِ المِلَل على حُرمتِها، وحذَّر فيها من الظلم والتعدِّي على المال، وأنه لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ بغيرِ طيبِ نفسٍ منه، وبيَّن- في خطبتِه تلك-أن الزمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خلَق اللهُ السمواتِ والأرض، وأن ربَّهم واحدٌ، وأباهم واحدٌ، وأنه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأسودَ على أحمرَ، ولا لأحمرَ على أسودَ، إلا بالتَّقوى.
أولاً : خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة .
وهذا نصُّ خُطبته- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة؛ كما في حديث جابرٍ عند مسلم، وأبي داود وغيرهما، رَوَى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابرٍ، في حديث حجة الوداع، قال: حتى إذا زالت الشمس- يعني: يومَ عرفةَ- أمر بالقَصْوَاء فرُحِلَت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناسَ، وقال: ((إن دماءَكم، وأموالَكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا.))
ألا كلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليةِ تحت قدَميَّ موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أوَّل دمٍ أضعُ من دمائِنا دمُ ابنِ ربيعةَ بن الحارث، كان مسترْضِعًا في بني سعْد فقتلتْه هُذَيل.
ورِبا الجاهليةِ موضوعٌ، وأوَّل ربًا أضعُ من رِبَانا رِبَا العباسِ بن عبدالمطَّلب؛ فإنه موضوعٌ كلُّه.
فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانةِ الله، واستحللتم فروجَهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهُونه، فإن فعَلْن فاضرِبوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهن عليكم رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف.
وقد تركتُ فيكم ما لن تَضْلُّوا بعده- إن اعتصمتم به- كتابَ الله، وأنتم تُسْأَلون عني، فماذا أنتم قائلون؟))، قالوا: نشهَد أنَّك قد بلَّغت، وأدَّيت، ونصحتَ، فقال- بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، ويَنكتُها إلى الناس- : ((اللهم اشهد))، ثلاث مرات؛ الحديثَ.
- حرمة الأموال واحترام الملكية الفردية :
قوله- صلى الله عليه وسلم- : ((إن دماءَكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)): قال النوويُّ: "معناه متأكِّدة التحريمُ شديدتُه، وفي هذا دليلٌ لضرب الأمثال، وإلحاق النظير بالنظير قياسًا"؛ اهـ.
قلتُ: وفيه دليلٌ على احترامِ الأموال كاحترامِ الدماء والأعراض؛ حيث قَرَنها النبي- صلى الله عليه وسلم- بهما، وكما في الحديث الآخر: ((كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعِرضُه))، فهذا يؤكِّد حرمةَ المالِ، ويُنزِّلها منزلةَ النفس سواءً بسواء، فلا تُنتَهك، ولا تُستَبدل بأيِّ وسيلةٍ من الوسائل الأخرى التي لم يأذَن بها الله.
وتأكيدًا لحرمة المِلكية الفردية، وتنزيلها منزلةَ النفس والعِرْض؛ رأينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر يَحُثُّ على الاستشهاد في سبيلِها، والدفاع عنها، ويعتبر ذلك شهادةً في سبيل الله، فيقول- صلى الله عليه وسلم-: ((مَن قُتِل دونَ مالِه فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون عِرْضِه فهو شهيدٌ))، فيؤكِّد حرمةَ المِلكية الفردية مرةً أخرى، ويَزِيدها صيانةً واحترامًا، ويقرِّر مساواتَها للنفسِ والعِرْضِ، ويرغِّب الإنسان على أن يضحِّي بنفسه في سبيلها، إذا أراد إنسانٌ انتهاكَ حرمتِها والاعتداءَ عليها، ويكون بذلك في عداد الشهداء الأبرار.
وهذا واضحٌ في بطلانِ الاشتراكيةِ المَزعُومة أنها من الإسلام، والإسلام منها براءٌ؛ فالإسلام احترَم الملكيةَ الفردية أبلغَ احترامٍ، حيث أَمَر بقطعِ يدِ السَّارِق، متى انتَهَك حرمةَ مالِ الغيرِ بغيرِ حقٍّ ولا شبهةٍ، كما هو مقرَّر في كتب الأحكام، وجميع الأحاديث الواردة في هذا الصدَد تُحَافِظ على حرمةِ الملكية الفرديةِ، وصيانتها من الاقتطاع، أو الانتهاك، فيقول- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الثابت في الصحيحين: ((إنما أنا بشرٌ، أقضِي بينكم على نحوِ ما أسمَع، ولعلَّ بعضَكم أَلْحَنُ بحجَّته من بعضٍ، فمَن قضيتُ له بحقِّ أخيه، فإنما أقتَطِع له قطعةً من النارِ، فلْيأخذْها أو لِيَذَرْها)).
وفي الصحيحين أيضًا: ((مَن حَلَف على يمينٍ فاجرةٍ؛ ليَقتَطِع بها مالَ امرئٍ مسلمٍ؛ لَقِي الله، وهو عليه غضبان)).
فيضع- صلى الله عليه وسلم- شتَّى الاحتياطات اللازمة لحماية المِلكية الفردية، وصيانتها من أن تُقتَطَع بمختَلف الطرق، أو يتصل إليها بشتى الأسباب المبنيَّة على ظاهر الأمر دون باطنه، فيجعل حُكمه الصادر منه- صلى الله عليه وسلم- على نحوٍ مما يسمَع، غير مبيحٍ لانتهاكِ حرمةِ ذلك المال باطنًا، فهو ما يزالُ حرامًا على مَن قضى له به، بل هو كقطعةٍ من النار.
كما بيَّن أن اليمينَ الفاجرةَ لاقتطاع مال امرئٍ مسلم سببٌ لغضبِ الله وعقابه.
وفي قوله- صلى الله عليه وسلم- : ((صَلُّوا على صاحبِكم)): دلالةٌ واضحةٌ على احترامِ الملكيةِ الفرديةِ؛ حيث امتنع من الصلاة عليه، لِمَا تحمَّله في ذمتِه من مالِ الغيرِ، فكيف- بعد هذا- يقال بالاشتراكية في الأموال؟ والله- سبحانه وتعالى- فَاضَل بين الناس في عقولِهم وآجالِهم، فكذلك فَاضَل بين أرزاقِهم؛ قال- تعالى- وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) [النحل: 71]، وقال- تعالى- : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [الزخرف: 32].
وامتناع النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصلاة على المَدِين، بقوله: ((صَلُّوا على صاحبِكم))، أوضحُ بيانٍ، وأدلُّ دليلٍ على احترامِ أموال الناس، وأن لا اشتراكيةَ لأحدٍ في مالِ الغيرِ.
وفيما تقدَّم من الأحاديث، وما دلَّ عليه القرآن من إضافة الأموالِ إلى أربابِها- دليلٌ على مِلكيتِهم لها، واختصاصهم بها، وأن لا اشتراكيةَ لأحدٍ فيها، قال- تعالى- : ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) [البقرة: 279]، وقال- تعالى- : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) [النساء: 5]، وقال- تعالى- : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )[النساء: 6].
فبهذا يتَّضح بطلانُ هذه الاشتراكيةِ التي دعا إليها الكثيرون من الناس، وزَعَموا أنها من الدِّين، وسمَّوها بالاشتراكية الإسلامية تمويهًا وتضليلاً.
والمساواة بين الناس في المال مما لا سبيل إليه؛ لأنها تمردٌ على النظام السماوي، وخلافٌ لسنة الله، قال- تعالى- : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ) [النساء: 135]، الآيةَ.
فالآيةُ تدلُّ بعمومِها على مراعاةِ العدل، والمحافظة عليه في: النفس، والأقارب، والأغنياء، والفقراء؛ فلا تَجُوز الشهادةُ على الغنيِّ للفقير لضعفِه، رحمةً به وإحسانًا إليه، ولا على الغني لقوته، بل أمر- تعالى- بالعدلِ، واتِّباع شرعِه في ذلك، فيُشْهَد للغنيِّ على الفقير، وللفقير على الغني، مراعيًا في ذلك الحقَّ والعدل، مؤدِّيًا للشهادة الحقة، فإذا كان الله نهى عن الشهادة للفقير لفقرِه، فكيف بابتزازِ أموال الأغنياء بحجَّة إعطائها الفقراء، ومساواتِهم في ذلك، فهذا خلافُ العدل المأمورِ به في هذه الآية، وخلافٌ لشرعِ الله ودينِه الذي فَاضَل بين الناس، بأن جعل هذا غنيًّا، وهذا فقيرًا، وهذا شريفًا، وهذا وضيعًا، وهذا مَلِكًا، وهذا صُعلوكًا؛ فالله أعلم بمصالح خَلْقِه، وهو الغاية في العدل، فَاوَت بين الناس، وفَاضَل بينهم بما تقتضيه حِكمته وإرادته.

وفي القول بالاشتراكية إبطالٌ لسننِ الله في الزكاة، والميراث، والنفقات؛ لأن القول بها يؤدِّي إلى: عدمِ وجودِ مُزَكٍّ، ووجود أهلٍ لها، وعدمِ وجودِ وارثٍ وموروثٍ، وعدمِ وجودِ مُنفِق ومُنفَق عليه؛ وذلك لاشتراكهم مع غيرهم في المال، وهذا خلافُ سنَّة الله، وخلافُ شرعِه ودينه، وخلافُ نظامِ هذه الحياة.

المساواةُ بين العباد إنما تكون في أمرٍ ثابتٍ على التأبيدِ، كالتشريعات الإلهية التي يَستوِي فيها الشريفُ والوضيعُ، والغني والفقير؛ كالوضوء، وغُسل الجنابة، وكالصلاة والصوم، إلى غير ذلك، دون الأمورِ التي قَضَت حكمةُ الله باختلافِ الناس فيها؛ فهي غيرُ ثابتةٍ على نهج واحدٍ على الدوام؛ كالمال، بل جعل هذا غنيًّا، وهذا فقيرًا، وربما افتقر الغنيُّ، واغتنى الفقير.

فالمال ليس بالأمرِ الثابتِ الذي يَستَوِي فيه كلُّ الناس؛ فهو أشبهُ بالمواهِب والعقول التي لا يأتِي فيها التساوي بين الناس؛ نتيجةً لتفاوتهم فيها تفاوتًا يَلِيق بسنَّة الحياة.

ومما يَزِيد الأمرَ وضوحًا أن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يؤمِّم مالَ أحدٍ، ولا يعادِل في الأموال بين الأغنياء والفقراء في حالة الرَّخَاء؛ فقد كان في الصُّفَّة في مسجدِه الشريف فقراءُ لا يَجِدون القُوتَ إلا من صدقات الناس عليهم، وفي المدينة كثيرٌ من الأغنياء، وما رأيناه أمَّم لهم مالَ أحدٍ من أغنياءِ المدينةِ، ولا عادَلَ بينهم وبين الأغنياء في أموالٍ، وهم أحوجُ ما يكون إلى ذلك، وأيضًا عندما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجهيزَ جيشِ العُسْرَة في غزوة تَبُوكٍ - رأيناه يَحُثُّ الأغنياء، ويرغِّبهم على تجهيزِه بما يستطيعون، وكيفما يستطيعون، وتَبَارَوا يَستَبِقون للتجهيزِ بما يَقْدِرون عليه؛ فاختلفت مساعدتُهم بحسَب اقتدارِهم الماديِّ، ورغباتهم الجامِحة في الخير، فلو كان مِلْكًا للأمةِ، ولم يكن مِلْكًا لملاَّكه - الذين اكتسبوه بطرقِ الكسب المعروفة في التشريع الإسلامي - لانتزعه من أيدي الأغنياء، وجهَّز به الجيشَ الغازِيَ في أحرجِ ظروفٍ عَرَفتها تلك الغزوة.

ولم يكن في حاجةٍ إلى ترغيبِهم، وحثِّهم في المساعدة على التجهيز.

ورأيناه في غنائمِ هَوَازن التي قسَّمها بين الغانِمين، ثم عاد إليه أهلُها مسلمينَ، وقد حازَ كلُّ غانمٍ نصيبَه، ونال حصَّته من الغُنْمِ بالقِسمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قام خطيبًا في الغانِمين، وقال لهم: ((أما بعدُ: فإن إخوانَكم هؤلاءِ قد جاؤوا تَائِبين، وإني قد رأيتُ أن أردَّ عليهم سَبْيَهم، فمَن أحبَّ أن يُطَيِّبَ ذلك فليَفْعَل، ومَن أحبَّ منكم أن يكونَ على حظِّه حتى نُعطِيه إيَّاه من أوَّل مالٍ يَفِيء الله علينا))، فقال الناس: قد طيَّبْنَا ذلك لهم يا رسول الله، فقال لهم: ((إنا لا نَدْرِي مَن أَذِن منكم ممن لم يأذَن، فارجِعوا حتى يرفعَ إلينا عرفاؤكم أمرَكم))، فرجع الناس فكلَّمهم عُرَفاؤُهم، ثم عادوا إلى رسول الله يخبرونه أنهم قد طيَّبُوا وأذِنوا.
فهذا سيِّد الخلق وإمامُهم يحتاج إلى مُؤاذنة الناس، والحصول على رضاهم، فيما سيردُّونه من أموالٍ، قد أصبحت مِلكًا لهم خاصًّا - بأحد أسباب المِلك المشروعة في الدين - فلو كان هناك مجالٌ للتأميم أو الاشتراكية؛ لأَمَّمها بينهم جميعًا، ولسوَّى بينهم في قِسمتِها للاشتراكية القائمة بحُكم التأميم، ولكنَّ الأمرَ على خلاف ذلك فلا تأميمَ، ولا اشتراكيةَ، وإنما هي الملكية الفَرْدِية يقرَّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها حرمتُها، وصِيانتها، فيستأذِن مُلاَّكها، ويطلب رِضَاهم؛ ليشرِّع للناس أنه لا يحمِل لأحدٍ مالَ أحدٍ إلا بطِيبٍ منه، وإذا كان هو نفسه - عليه الصلاة والسلام - يؤاذِن الناسَ في التنازُل عن حقوقِهم، ويطلب رضاهم في ذلك؛ فغيرُه من الناس من باب أَوْلى، وهو أَوْلى بالمؤمنين من أنفسِهم؛ كما قرَّره القرآن.
وفيما تقدَّم من الآيات والأحاديث دلالةٌ واضحةٌ على بطلانِ الاشتراكيةِ، وأنها ليست من الإسلام في شيءٍ، بل أوَّلُ مَن قال بها، ودعا إليها "مَزْدَك" أحدُ رجالِ فارسَ، دعا إلى الاشتراكية في المال والنساء؛ فتَبِعه على قوله كثيرٌ من الفقراء ورَعَاع الناس، فوافقه الملك "قُبَاذ"، ولكن ابنه "أنوشِروان" بعد أن تولَّى الملكَ بعد أبيه دعا بمَزْدَك فقتله وقتل أصحابه، وأبطل الاشتراكية، واحترم الأموالَ كما احترم الدِّماء والأعراض، وهذا الملِك الفارسي الذي أبطل الاشتراكية هو الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وُلدتُ في زمنِ الملك العادل))؛ رواه البيهقي في الشعب، وقال: وكان شيخنا أبو عبدالله الحافظ قد تكلَّم أيضا في بطلان هذا الحديث، وقال السخاوي: لا أصل له، وقال السيوطي:كذب باطل، والسلسة الضعيفة (997).
فلا عبرةَ ببعضِ المنتسبين إلى العِلم القائلين بالاشتراكية في المال؛ فهؤلاء وأمثالُهم هم آلةُ السياسةِ، وأعوان الرئاسة، وهم كثيرٌ، لا كثرهم الله .
قوله: ((كحرمةِ يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا))؛ أي:
أنه شبَّه تحريم الدمِ والمالِ والعِرضِ، بما هو مستقِرٌّ تحريمُه في نفوسِهم من ذلك اليومِ والشهرِ والبلدِ.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 161.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 160.24 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.06%)]