كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4916 - عددالزوار : 1969579 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4487 - عددالزوار : 1266014 )           »          شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 738 - عددالزوار : 202361 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 53066 )           »          فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تمكين الصغار من مس المصحف والقراءة منه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          فضل صلاة الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 468 - عددالزوار : 148039 )           »          وما خرفة الجنة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 25-11-2021, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,749
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (75)
صــــــــــ 126 الى صـــــــــــ130

باب الخلاف في الحج عن الميت

( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى لا أعلم أحدا نسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والأكابر من ماضي فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر علي بن أبي طالب وابن عباس به وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة والذي قال لا يحج أحد عن أحد قاله ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذلك ، أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد وهو يروي عن ابن عمر ثلاثة وستين حديثا يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يدعه لقول رجل من التابعين ومنها ما يدعه لرأي نفسه فكيف جاز لأحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه ؟ وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال كيف يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز وجل كيف والمسألة في شيء قد ثبتت فيه السنة ما لا يسع عالما والله أعلم ، ولو جاز هذا لأحد جاز [ ص: 126 ] عليه مثله فقد يثبت الذي قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار ومنها بيع العرايا ، ومنها النهي عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن ، فكيف جاز له على من خالفه أن يثبت الأضعف ويرد على غيره الأقوى ؟ وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهي مختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال ، وهو لا يعطي بها جرحا ولا درهما ولا أقل من المال في غيرها ، فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على العقل فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعدما وصفت من القسامة وغيرها ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له وتركه حيث لا يجوز تركه فقال إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله ، وأصل مذهبه أن لا يحج أحد عن أحد ، كما لا يصلي أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه فقلت : أرأيت لو أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع ، أيصام أو يصلى عنه ؟ قال : لا . والوصية باطلة فقلت له : فإذا كان إنما أبطل الحج ; لأنه كالصوم والصلاة فكيف أجاز أن يحج المرء عن غيره بماله له ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها ؟ قال أجازها الناس قلت : فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند .

وإن مات بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول ، بل كان عنده خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر ، فما علمته إذ قال لا يحج أحد عن أحد استقام عليه ، ولا أمر بالحج في الحال التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة الفقهاء وما علمت من رد الأحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شيء تروحهم إلى إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه شغبه في هذا ، فقلنا لبعض من قال ذلك : لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا علم له أو من له علم بلا نصفة فقال : وكيف ؟ قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزم قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمي قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ ؟ قال : بل قول من يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندما قال فهو من أهل ناحيتكم قلنا ، وما زعمنا أن أحدا من أهل زماننا وناحيتنا برئ من أن يغفل ، وإنهم لكالناس وما يحتج منصف على امرئ بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه .
باب الحال التي يجب فيها الحج

( قال الشافعي ) :
رحمه الله ما أحب لأحد ترك الحج ماشيا إذا قدر عليه ولم يقدر على مركب رجل أو امرأة والرجل فيه أقل عذرا من المرأة ولا يبين لي أن أوجبه عليه لأني لم أحفظ عن أحد من المفتين أنه أوجب على أحد أن يحج ماشيا ، وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجب المشي على أحد إلى الحج ، وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما يمتنع أهل العلم بالحديث من تثبيته ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال قعدنا [ ص: 127 ] إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول { : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الحاج ؟ فقال الشعث التفل فقام آخر فقال : يا رسول الله أي الحج أفضل ؟ قال العج والثج فقام آخر فقال يا رسول الله ما السبيل ؟ فقال : زاد وراحلة } ( قال ) : وروي عن شريك بن أبي نمر عمن سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { السبيل الزاد والراحلة } .
باب الاستسلاف للحج

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن { عبد الله بن أبي أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سألته عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج ؟ قال : لا }

( قال الشافعي ) :
ومن لم يكن في ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض فهو لا يجد السبيل ولكن إن كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج ، فإن كان له مسكن وخادم وقوت أهله بقدر ما يرجع من الحج إن سلم فعليه الحج ، وإن كان له قوت أهله أو ما يركب به لم يجمعهما فقوت أهله ألزم له من الحج عندي والله أعلم ، ولا يجب عليه الحج حتى يضع لأهله قوتهم في قدر غيبته .
ولو آجر رجل نفسه من رجل يخدمه ثم أهل بالحج معه أجزأت عنه من حجة الإسلام وذلك أنه لم ينتقض من عمل الحج بالإجارة شيء إذا جاء بالحج بكماله ولا يحرم عليه أن يقوم بأمر غيره بغير أن ينقض من عمل الحج شيئا كما يقوم بأمر نفسه إذا جاء بما عليه وكما يتطوع فيخدم غيره لثواب أو لغير ثواب ، أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال أو آجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك إلى أجر ؟ فقال ابن عباس نعم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } ، ولو حج رجل في حملان غيره ومؤنته أجزأت عنه حجة الإسلام ، وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر حملهم فقسم بين عوامهم غنما من ماله فذبحوها عما وجب عليهم وأجزأت عنهم ، وذلك أنهم ملكوا ما أعطاهم من الغنم فذبحوا ما ملكوا ، ومن كفاه غيره مؤنته أجزأت عنه متطوعا أو بأجرة لم ينتقض حجه إذا أتى بما عليه من الحج ، ومباح له أن يأخذ الأجرة ويقبل الصلة ، غنيا كان أو فقيرا ، الصلة لا تحرم على أحد من الناس إنما تحرم الصدقة على بعض الناس ، وليس عليه إذا لم يجد مركبا أن يسأل ولا يؤاجر نفسه ، وإنما السبيل الذي يوجب الحج أن يجد المؤنة والمركب من شيء كان يملكه قبل الحج أو في وقته
باب حج المرأة والعبد
( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى وإذا كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي والله أعلم ، وإن لم يكن معها ذو محرم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة ، وإن لم تكن مع حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعدا لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم ، وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج ، وإن لم يكن معها محرم ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سئل عطاء عن امرأة ليس [ ص: 128 ] معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها ؟ قال : نعم . فلتحج

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل : فهل من شيء يشبه غير ما ذكرت ؟ قيل : نعم . ما لا يخالفنا فيه أحد علمته من أن المرأة يلزمها الحق وتثبت عليها الدعوى ببلد لا قاضي به فتجلب من ذلك البلد ولعل الدعوى تبطل عنها أو تأتي بمخرج من حق لو ثبت عليها مسيرة أيام مع غير ذي محرم إذا كانت معها امرأة وأن الله تعالى قال في المعتدات { : ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فقيل يقام عليها الحد ، فإذا كان هذا هكذا فقد بين الله عز وجل أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها ، وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم ، فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل لم يختلف الناس فيما علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها وكل حق لزمها ، والسنة تدل على أنها تخرج من بيتها للنداء كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس ، فإذا كان الكتاب ثم السنة يدلان معا والإجماع في موضع على أن المرأة في الحال التي هي ممنوعة فيها من خروج إلى سفر أو خروج من بيتها في العدة إنما هو على أنها ممنوعة مما لا يلزمها ولا يكون سبيلا لما يلزمها وما لها تركه ، فالحج لازم وهي له مستطيعة بالمال والبدن ومعها امرأة فأكثر ثقة ، فإذا بلغت المرأة المحيض أو استكملت خمس عشرة سنة ولا مال لها تطيق به الحج يجبر أبواها ولا ولي لها ولا زوج المرأة على أن يعطيها من ماله ما يحجها به ( قال ) : ولو أراد رجل الحج ماشيا وكان ممن يطيق ذلك لم يكن لأبيه ولا لوليه منعه من ذلك ( قال ) ولو أرادت المرأة الحج ماشية كان لوليها منعها من المشي فيما لا يلزمها ( قال ) : وإذا بلغت المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها ، منعها منه ما لم تهل بالحج ; لأنه فرض بغير وقت إلا في العمر كله ، فإن أهلت بالحج بإذنه لم يكن له منعها ، وإن أهلت بغير إذنه ففيها قولان ، أحدهما أن عليه تخليتها ، ومن قال هذا القول لزمه عندي أن يقول : لو تطوعت فأهلت بالحج : أن عليه تخليتها من قبل أن من دخل في الحج ممن قدر عليه لم يكن له الخروج منه ولزمه ، غير أنها إذا تنفلت بصوم لم يكن له منعها ولزمه عندي في قوله أن يقول ذلك في الاعتكاف والصلاة .

والقول الثاني : أن تكون كمن أحصر فتذبح وتقصر وتحل ويكون ذلك لزوجها ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها : هي بمنزلة الحصر .

( قال الشافعي ) :
وأحب لزوجها أن لا يمنعها ، فإن كان واجبا عليه أن لا يمنعها كان قد أدى ما عليه وأن له تركه إياها أداء الواجب ، وإن كان تطوعا أجر عليه إن شاء الله تعالى .
الخلاف في هذا الباب : ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى :
فذهب بعض أهل الكلام إلى معنى سأصف ما كلمني به ومن قال قوله ، فزعم أن فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقت يمكنه أن يحج فيه فتركه في أول ما يمكنه كان آثما بتركه ، وكان كمن ترك الصلاة وهو يقدر على صلاتها حتى ذهب الوقت ، وكان إنما يجزئه حجه بعد أول سنة من مقدرته عليه قضاء كما تكون الصلاة بعد ذهاب الوقت قضاء ، ثم أعطانا [ ص: 129 ] بعضهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتها الأول فتركها ، فإن صلاها في الوقت ، وفيما نذر من صوم ، أو وجب عليه بكفارة أو قضاء ، فقال فيه كله متى أمكنه فأخره فهو عاص بتأخيره ثم قال في المرأة يجبر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى وقاله معه غيره ممن يفتي ولا أعرف فيه حجة إلا ما وصفت من مذهب بعض أهل الكلام .

( قال الشافعي ) :
وقال لي نفر منهم : نسألك من أين قلت في الحج للمرء أن يؤخره وقد أمكنه ؟ ، فإن جاز ذلك جاز لك ما قلت في المرأة ؟ قلت : استدلالا مع كتاب الله عز وجل بالحجة اللازمة ، قالوا فاذكرها ، قلت : نعم { نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا } ، وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه ; لأنه لم يصل إلى الحج بعد فرض الحج إلا في حجة الإسلام التي يقال لها حجة الوداع ، ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج { وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في وقتين وقال ما بين هذين وقت } وقد أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى نام الصبيان والنساء ، ولو كان كما تصفون صلاها حين غاب الشفق وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : إن كان ليكون علي الصوم من شهر رمضان فما أقدر على أن أقضيه حتى شعبان وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يحل لامرأة أن تصوم يوما زوجها شاهد إلا بإذنه } .

( قال الشافعي ) :
فقال لي بعضهم : فصف لي وقت الحج ، فقلت الحج ما بين أن يجب على من وجب عليه إلى أن يموت أو يقضيه ، فإذا مات علمنا أن وقته قد ذهب ، قال : ما الدلالة على ذلك ؟ قلت ما وصفت من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكثير ممن معه وقد أمكنهم الحج ، قال : فمتى يكون فائتا ؟ قلت إذا مات قبل أن يؤديها أو بلغ ما لا يقدر على أدائه من الإفناد ، قال فهل يقضى عنه ؟ قلت : نعم . قال : أفتوجدني مثل هذا ؟ قلت : نعم . يكون عليه الصوم في كل ما عدا شهر رمضان ، فإذا مات قبل أن يؤديه وقد أمكنه ، كفر عنه ; لأنه كان قد أمكنه فتركه ، وإن مات قبل أن يمكنه لم يكفر عنه ; لأنه لم يمكنه أن يدركه قال : أفرأيت الصلاة ؟ قلت : موافقة لهذا في معنى ، مخالفة له في آخر قال : وما المعنى الذي توافقه ؟ فيه قلت : إن للصلاة وقتين أول وآخر ، فإن أخرها عن الوقت الأول كان غير مفرط حتى يخرج الوقت الآخر ، فإذا خرج الوقت قبل أن يصلي كان آثما بتركه ذلك وقد أمكنه ، غير أنه لا يصلي أحد عن أحد قال : وكيف خالفت بينهما ؟ قلت : بما خالف الله ثم رسوله بينهما ، ألا ترى أن الحائض تقضي صوما ولا تقضي صلاة ولا تصلي وتحج وأن من أفسد صلاته بجماع أعاد بلا كفارة في شيء منها ، وأن من أفسد صومه بجماع كفر وأعاد وأن من أفسد حجه بجماع كفر غير كفارة الصيام وأعاد ؟ قال : قد أرى افتراقهما فدع ذكره .

( قال الشافعي ) :
فإن قال قائل فكيف لم تقل في المرأة تهل بالحج فيمنعها وليها أنه لا حج عليها ولا دم إذ لم يكن لها ذلك ، وتقول ذلك في المملوك ؟ قلت إنما أقول لا حج عليها ولا دم على من كان لا يجوز له بحال أن يكون محرما في الوقت الذي يحرم فيه والإحرام لهذين جائز بأحوال أو حال ليسا ممنوعين منه بالوقت الذي أحرما فيه إنما كانا ممنوعين منه بأن لبعض [ ص: 130 ] الآدميين عليهما المنع ولو خلاهما كان إحراما صحيحا عنهما معا ، فإن قال : فكيف قلت ليهريقا الدم في موضعهما قلت : نحر النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل إذ أحصر ، فإن قال : ويشبه هذا المحصر ؟ قيل : لا أحسب شيئا أولى أن يقاس عليه من المحصر ، وهو في بعض حالاته في أكثر من معنى المحصر ، وذلك أن المحصر مانع من الآدميين بخوف من الممنوع فجعل له الخروج من الإحرام ، وإن كان المانع من الآدميين متعديا بالمنع ، فإذا كان لهذه المرأة والمملوك مانع من الآدميين غير متعد كانا مجامعين له في منع بعض الآدميين وفي أكثر منه ، من أن الآدمي الذي منعهما ، له منعهما

( قال الشافعي ) :
في العبد يهل بالحج من غير إذن سيده فأحب إلي أن يدعه سيده وله منعه ، وإذا منعه فالعبد كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان والله أعلم ، أحدهما : أن ليس عليه إلا دم لا يجزيه غيره فيحل إذا كان عبدا غير واجد للدم ومتى عتق ووجد ذبح ، ومن قال هذا في العبد قاله في الحر يحصر بالعدو وهو لا يجد شيئا يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم . والقول الثاني : أن تقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما ، فإن وجد الطعام تصدق به وإلا صام عن كل مد يوما والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم .

( قال الشافعي ) :
ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدي المتعة فإن الله عز وجل يقول { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فلو لم يجد هديا ولم يصم لم يمنعه ذلك من أن يحل من عمرته وحجه ويكون عليه بعده الهدي أو الطعام ، فيقال : إذا كان للمحصر أن يحل بدم يذبحه فلم يجده حل وذبح متى وجد أو جاء بالبدل من الذبح إذا كان له بدل ولا يحبس للهدي حراما على أن يحل في الوقت الذي يؤمر فيه بالإحلال ، وقاسه من وجه آخر أيضا على ما يلزمه من جزاء الصيد فإن الله تعالى يقول : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } فيقول : إن الله عز وجل لما ذكر الهدي في هذا الموضع وجعل بدله غيره ، وجعل في الكفارات أبدالا ، ثم ذكر في المحصر الدم ولم يذكر غيره كان شرط الله جل ثناؤه الإبدال في غيره مما يلزم ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسرا دليلا على ما أنزل مجملا فيحكم في المجمل حكم المفسر كما قلنا في ذكر رقبة مؤمنة في قتل ، مثلها رقبة في الظهار ، وإن لم يذكر مؤمنة فيه ، وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولا وذكروا في موضع آخر فلم يشترط فيهم العدول : هم عدول في كل موضع على ما شرط الله تعالى في الغير حيث شرطه ، فاستدللنا والله أعلم على أن حكم المجمل حكم المفسر إذا كانا في معنى واحد ، والبدل ليس بزيادة وقد يأتي موضع من حكم الله تعالى لا نقول هذا فيه : هذا ليس بالبين أن لازما أن نقول هذا في دم الإحصار كل البيان وليس بالبين وهو مجمل والله أعلم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,356.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,354.86 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]