كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) ليس للسيوطي

[ابوالوليد المسلم]

كتاب (الرحمة في الطب والحكمة) ليس للسيوطي





بقلم عبد الحكيم الأنيس

لهذا الكتاب رواجٌ كبيرٌ فطبيعة موضوعه تستدرجُ الناظرَ لإطالة النظر فيه، ولهذا طُبِعَ عدة طبعات، ولكن هل هو للإمام جلال الدين السيوطي حقاً ؟
الواقعُ أنه لا يوجد دليلٌ يؤيد هذه النسبة، بل يوجد العكس، وهنا أعرض هذه الملحوظات:
1-إن السيوطي يقول عن نفسه في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" (1 ــ 338 ــ 339): "ورُزقت التبحر في سبعة علوم:


التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع؛ على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي، فضلاً عمن هو دونهم، وأما الفقه فلا أقول ذلك فيه، بل شيخي فيه أوسع نظراً، وأطول باعاً.


ودون هذه السبعة في المعرفة: أصول الفقه والجدل والتصريف.


ودونها الإنشاء والترسل والفرائض.


ودونها القراءات، ولم آخذها عن شيخ.


ودونها الطب.



وأما علم الحساب فهو أعسر شيء علي وأبعده عن ذهني؛ وإذا نظرت في مسألةٍ تتعلق به فكأنما أحاول جبلاً أحمله".


وهكذا نرى أنه جَعَلَ معرفته بالطب أقل شيءٍ في علومه واطلاعه، فهل تراه ينسى ذلك ويذهبُ ليؤلِّف فيه ؟

2- لم يذكر هو لنفسه في "فهرسة مؤلفاته" المرتبة على الفنون تأليفاً في الطب، ولكنه ذكر تحت قسم الحديث وتعلقاته: "الطب النبوي: مختصر (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي)". وهما كتابان اختصر الأول من الثاني. وتختلف موضوعات الطب النبوي عن موضوعات (الرحمة في الطب والحكمة) اختلافاً كبيراً.
كما أنه لم يذكر هذا الكتاب في ترجمته لنفسه: "التحدث بنعمة الله"، ولا في "حسن المحاضرة".

3- إن مترجمي السيوطي الأوائل كالسخاوي في "الضوء اللامع"، وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب"، والغزي في "الكواكب السائرة"، وغيرهم لم يذكروا له هذا الكتاب.

4- قال الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال في كتابه "مكتبة السيوطي" ص 202 عن هذا الكتاب: "ولا يرتاب قارئه العارفُ بقدر السيوطي في كونه مكذوباً عليه ومنسوباً إليه افتراء".
قلت: ولم يذكر أمثلةً وأنا أوردُ بعضاً من ذلك:

أ‌- قال ص 10 من طبعة المكتبة الشعبية ببيروت سنة 1972: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما مِنْ رمانة من رمانكم هذا إلا وفيها حبة من الجنة".
وهو حديث موضوع، وهنالك أحاديث مكذوبة أخرى.

ب‌- قال ص 18: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأصل كل داء البرودة، وعودوا كل جسم ما اعتاد".
وهو حديث موضوع كما قال أئمة الحديث.

ج-قال ص 47: "فائدة: مَنْ حفظ هذين البيتين لم يرمد أبداً، وهي هذان البيتان:
يـا نـاظريَّ بـيـعقـوب أعيـذكـمـا ممّـا استعـاذ به إِذ مسَّه الـكمدُ
قميص يوسف إذ جاء البشير له بحق يعقوب اذهبْ أيها الرمدُ".
وهذا غريب على مثل السيوطي.

د- وفيه كثير من الكلمات الأعجمية، ومنها سريانية، وخطوط لا تفهم، وأرقام لا تعرف حكمة الجمع بينها، وأوفاق وجداول مطلسمة !
كما فيه أشياء غريبة جداً منها ما قاله ص 130 ــ 131:

"تقوية جماع: وهو من الخواص الهندية مكتوب عند أهل الهند، وهو إذا جامعَ الكلبُ وانعقد ذكرُهُ فبادِرْ إلى قطع ذنبه من أصله، ثم ادفنْهُ في الأرض أربعين يوماً، ثم أخرجه تجده عظاماً كالعقد، فَمَنْ ربطه وجعله على حِقْوه وجامع امرأته فإنه لا يُنزل، ولو أقام من المغرب إلى الصباح، وهو من المجرَّبات الصحاح بإذن الله تعالى".
وهو كما ترى كلام غريب.
هـ. تذكر فيه أشياء تتنافى مع منزلة السيوطي في الدين وجلالته في العلم، كأن يقال: يكتب كذا آية وتعلق على العجز الأيسر، وما شاكل ذلك.
وإليك هذين النصين:
قال المؤلف ص 131: "تقوية جماع وإمساك الماء من الإنزال من الإحليل، وهو ما وُجد بخط بعض العلماء وهذا ما تكتب:
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر.
لما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله.
أمسك أيها الماء النازل مِنْ صلب فلان ابن فلانة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
وقال ص 55: "لعسر النفاس: يكتب في مشط رأس وتعلقه على فخدها الأيسر: إذا السماء انشقت) إلى (ما فيها وتخلت)، وتكتب على قروة المشط: جبريل ميكائيل إسرافيل عزرائيل محمد صلى الله عليه وسلم تسليما".
وهنالك أشياء أخرى مرفوضة شرعاً وعقلاً تُعرف من مراجعة الكتاب.
وعلى هذا فكلامُ الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال سديدٌ ومقبولٌ تماماً.
5- للصبنري اليمني كتابٌ بهذا الاسم، فهل الكتاب له؟
هذا ما أجيب عنه في كلمة أخرى.
6-جاء في "الكشاف عن مخطوطات خزائن كتب الأوقاف" لمحمد أسعد طلس ص 215 : "الرحمة في الطب والحكمة مؤلّفه الجلال السيوطي (911) بروكل 2/155 طبع مرات".
واعتماده على بروكلمان لا يُفيد أَي شيء، لأنَّ نسبة الكتاب إلى السيوطي قد شاعت وكثرت النسخ التي وُضِعَ اسمُه عليها.
وأخيراً ومن خلال هذه الملحوظات أجزم أنَّ هذا الكتاب لا تصح نسبته إلى السيوطي أبداً، ويجب أن يُدرج مع الكتب التي نُسبت إليه وهي ليست له.
ملحوظتان:
1)ذكر الدكتور عدنان محمد سلمان في كتابه "السيوطي النحوي" ــ وهو رسالة دكتوراه ــ ذكر هذا الكتاب "الرحمة في الطب والحكمة" ص 152 ضمن مؤلفات السيوطي في علوم الفقه وأصوله. وهو سهو فليس الكتاب في الفقه ولا أصوله، وهو ليس للسيوطي أصلاً كما ترى.
2)تفرَّع عن خطأ نسبة هذا الكتاب إلى السيوطي أخطاء أخرى، فقد عمد بعضُ الناشرين المتربحين بالباطل إلى كتاب "الرحمة" هذا وأخذ منه فصولاً وأطلق عليها أسماء من عنده، ونشرها على أنها للسيوطي، وقد رأيت كتابين صدرا عن دار الحكمة (؟) سنة 1420هـ ــ 2000م، وهما:
1. الشفاء في علاج أوجاع النساء للسيوطي، ضبطه وعلّق عليه موفق فوزي الجبر!
2. المتراس في علاج أوجاع الراس للسيوطي، ضبطه وعلّق عليه موفق فوزي الجبر!
فاقرأ واعجبْ