تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 67 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الدماغ الخفيّ داخل القلب .. اكتشاف علمي مـذهل لسر من أسرار القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فِقه المآلات وحاجة الأمَّة إليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 121 - عددالزوار : 61138 )           »          شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 1446 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 120 - عددالزوار : 63795 )           »          ترجمان القرآن.. في الطائف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ماذا يفعل من بلغته نميمة عن أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تسوية الصفوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أقسام التوكل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الحذر من الركون إلى النفس والأمن من مكر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #661  
قديم 06-07-2021, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الأمر بالتقوى وبيان حقيقتها ووسيلة تحصيلها

(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88]، هذا أمر ثالث: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، من يسأل فيقول: كيف نتقي الله؟ بم يتقى الله وهو الجبار بيده ملكوت السماوات والأرض؟ كيف يتقى؟ بالأسوار العالية؟ لا تنفع. بالحصون القوية؟ بالجيوش الجرارة؟ بالسراديب تحت الأرض؟ بالاحتماء بأصحاب الدولة والسلطان؟ بم يتقى الله عز وجل؟ومعنى تقوى الله: أن يتقى بطشه ونقمته وعذابه وسخطه الذي تعرض له المعتدون.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ )[المائدة:88] رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، عرفتموه أن بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء.

وكثيرون يقولون: ما هناك حاجة إلى أن نعرف بما يتقى الله؟ يقول القائل: اتقوا الله فلا يقول واحد: بين لنا كيف نتقي الله؟ لأنهم غير مهتمين ولا حافلين بهذا، أما والله لو عرف أحدهم لقال: والله لا تبارح مكانك حتى تبين لنا كيف نتقي ربنا.
هل يقول ذلك أحد؟ لأننا نعيش في ظلام منذ ألف سنة وزيادة، من علَّمنا؟ وهل طلبنا العلم؟
اسمع واحفظ وبلغ أمك وامرأتك: يتقى الله بطاعته وطاعة رسوله لا بشيء آخر، إن تعلن الحرب عليه وتخرج عن طاعته وعن طاعة رسوله؛ فقد عرضت نفسك للدمار والخراب والخسران الأبدي ولا تجد من يشفع لك أبداً، اتقوا الله، خافوه خوفاً يحملكم على امتثال أمره واجتناب نهيه.
أولاً: اذكر عظمة الله وسلطانه وقدرته على البطش والأخذ فترتعد فرائصك وتخافه، فتقبل على طاعته فتفعل ما أمرك وتترك ما نهاك عنه.
ليس تقواه إلا بطاعته وطاعة رسوله؛ لأن فعل ما يأمر به، وفعل ما يأمر به رسوله يجنبكم المضار والمفاسد والمهالك، ولأن ترك ما أمر الله به ورسوله وفعل ما نهيا عنه يعرض العبد للخسران والدمار وفساد القلب وخبث النفس، ولا شك في هذا؛ لأنه من سنن الله القائمة في الأرض، أسألكم يا عقلاء: هل الطعام يشبع؟ هذه السنة باقية إلى يوم القيامة. هل الماء يروي؟ هل الحديد يقطع؟ هل النار تحرق؟
هذه سنن الله هل تتبدل؟ كلا. فكذلك طاعة الله ورسوله ومعصية الله ورسوله كهذه السنن لا تتخلف آثارها أبداً، من أطاع الله رسوله سما وطهر وصفى وتهيأ للملكوت الأعلى، ومن عصى الله ورسوله وكفر بهما وتمرد على شرعهما تمزق وخسر وهلك هلاكاً أبدياً، سنة لا تتبدل، واسمعوا قوله تعالى: ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )[فاطر:43].

معاشر المؤمنين! أفرحتموني عندما قلتم: عرفنا بم يتقى الله، بطاعته وطاعة رسوله. فهيا نمشي الآن، فتلك -والله- ما هي إلا خطوة أولى؛ لأني أسألك: تطيع الله والرسول في أي شيء؟ هل عندك علم بأوامره ونواهيه؟ قال: لا، إذاً: كيف تطيعه؟ نعم تهيأت للطاعة، لكن يجب أن تعرف أوامر الله أمراً بعد آخر، وتعرف أوامر رسوله كذلك، حتى تفعل ما أمرا به وتعرف ما نهيا عنه، أي: ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله نهياً بعد نهي، وإن قيل لك: لا يوجد في مدينتنا هذه من يعرف الأوامر والنواهي إلا في جزائر واق الواق؛ فوالله يجب أن تسافر، ولا يحل لك البقاء في المدينة التي لا تجد فيها من يعرفك بأوامر الله ونواهيه إلا إذا أردت الخسران الأبدي.
وجوب تفريغ الأوقات لتحصيل التقوى
قد تقولون: يا شيخ! نحن مشغولون من أجل القوت في مزارعنا ومصانعنا وأسواقنا فكيف نعرف هذا؟ وأقول: هذا السؤال باطل.. باطل.. باطل، يجب أن تفرغ نفسك ساعة في الأربع والعشرين ساعة، كما تسأل عن الدرهم والدينار اسأل عما أذن الله في فعله، أو عما نهى عنه ولم يأذن به، في كل شئون الحياة، وإلا فأنت فاسق عن أمر الله خارج عن طاعته.واسمعوا الله يقول من سورة النحل والأنبياء، آيتان في كتابه تعالى، يقول: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم يجب أن يسأل حتى يعلم، وليس يوماً واحداً ولا عشرة، يقرع باب العلماء ويسألهم يومياً: دلوني على ما أمر الله به، أو على ما نهى الله عنه، ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، هل بلغ المسلمين هذا وعرفوه؟ ما عرفوه.

والآن نبكي ونصرخ طول العام في ملتقى العالم الإسلامي في مسجد رسول الله، الوافدون طول العام يفدون من العرب والعجم، ونحن نقول -وكتبنا للحكام والمسئولين والعالم بأسره-: لا طريق إلى نجاتنا وخلاصنا من محننا وفتننا وجهلنا وظلمنا وخبثنا وشرنا وفسادنا إلا طريق واحد، وما استطاع واحد أن يطبق هذا.
فإذا قلنا: كيف؟ نقول: أي مانع أن يطبق هذا المنهج المحمدي؟ والله ما وجدنا مانعاً؛ لأنا نقول: إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، ورأينا اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين يحملون أطفالهم ونساءهم إلى دور الرقص ودور السينما والمقاصف والملاهي والملاعب، أسألكم بالله يا من تعرفون أوروبا: أليس هذا نظامها؟
ونحن إذا دقت الساعة السادسة أين نذهب؟ هل نمشي وراءهم ونذهب مذاهبهم وهم كفار ونحن مؤمنون؟ بل نذهب نتوضأ وآمر أولادي وزوجتي وأمي بالوضوء، ونحملهم على السيارة إن بعد بيت الرب عني ونأتي بهم إلى المسجد، مسجد الحي إن كنا في المدينة، ومسجد القرية إن كنا في قرية، حيث لم يبق في الحي رجل ولا امرأة ولا طفل إلا من كان مريضاً أو ممرضاً، الكل حضروا ويصلون المغرب كما نصلي، ويجلسون كما أنتم جالسون، النساء وراء الستارة، والفحول أمام المربي المعلم، وليلة آية من كتاب الله، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله الثابتة الصحيحة، ولا نزال نعلم ونعمل يومياً، فما تمضي سنة إلا وليس في القرية جاهل ولا جاهلة، وليس في الحي من أحياء المؤمنين رجل جاهل ولا امرأة، من أجل هذه الساعة التي يجلسون فيها لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا انتفى الجهل انتفى الخبث انتفى الظلم انتفى الشر، زال الحسد ووجدت أهل القرية كأسرة واحدة، لا تسمع كلمة سوء تقال في فرد من أفرادهم، ولا تجد من يقول السوء بينهم، أو يكيد أو يمكر، وهذا مستحيل مع العلم الرباني.
ما الذي يكلف المسلمين هذا؟ دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب فوقف العمل، يا صاحب الدكان! أغلق دكانك، يا صاحب المقهى! أغلق مقهاك، يا صاحب المصنع! يا صاحب العمل! انتهى العمل من صلاة الصبح إلى الآن، هيا بنا إلى بيوت الله، بيوت الرب جل جلاله وعظم سلطانه، نجلس بين يديه نستمطر رحماته ونتلقى بركات السماء ونتعلم العلم الضروري فنعرف محاب الله ونأتيها، ونعرف مكاره الله ونتجنبها ونبتعد عنها، ومن ثم تحققت لنا ولاية الله، وأصبح أهل القرية أولياء الله، لو رفعوا أيديهم إلى الله وسألوه أن يزيل الجبال لأزالها.
مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه

معشر المستمعين! بلغوا .. بلغوا: لا سبيل إلى النجاة إلا هذا السبيل؛ لأنه منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجتمع النساء في هذا المسجد والرجال فيزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ونسبة من يقرأ ويكتب 1%، وأصبحوا علماء ربانيين نساء ورجالاً، لا يوجد -والله- لهم نظير على الأرض، هل فازوا بشهادات علمية؟ فقط أقبلوا على الله فأسلموا قلوبهم ووجوههم له، ومشوا في صراطه المستقيم، ولكن جلس لهم رسول الله، والله يقول في منته عليهم: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، فأيما أهل إقليم أو بلد أو قرية في العالم الإسلامي أرادوا أن يصبحوا كأصحاب رسول الله في الطهر والذكاء والصفاء والربانية فالطريق هو هذا الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم، يجتمعون كل ليلة طول العام، ليلة آية كالتي درسناها الآن أو بعضها، وليلة حديثاً بعدها، تنتهي الفوارق والمذاهب والعناصر، لا يبقى من يقول: أنا شافعي ولا مالكي ولا إباضي ولا زيدي، انتهت الفرق والانقسامات، وهي محرمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا )[آل عمران:102-103]، من أذن لك أن تقول: أنا مالكي؟ آلله أذن لك بهذا؟ كيف تقول: أنا زيدي أنا إباضي أنا حنبلي؟ قل: أنا مسلم أسلمت قلبي ووجهي لربي، مرني بأمر الله وأمر رسوله أنصاع وأذعن وأعمل، انهني عما نهاني عنه الله ورسوله ننتهي؛ لأني عبده أطلب ولايته وكرامته، فهل يتحقق هذا بدون الاجتماع على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم؟معاشر المستمعين! هل يبقى في أذهانكم شيء من هذا؟ لم لا تبلغونه عندما تجلسون في بيوتكم أو مع إخوانكم فتقولون: سمعنا في المسجد النبوي كذا وكذا؟
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #662  
قديم 06-07-2021, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (34)
الحلقة (344)
تفسير سورة المائدة (4)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم هذا الأمل لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
وها نحن مع سورة المائدة، ومع هذه الآية المباركة التي تناولناها بالدرس في درس سابق، وما استوفيناها وحق لنا ألا نستوفيها لما تحمله من العلم والحكمة، فهيا نتغنى بها ثلاث مرات، ونحن نتأمل ونتفكر ونتدبر فيما حوته من العلم والمعرفة، ثم نعيد شرحها مرة أخرى بإذن الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3].
هذه الآية يجب أن يحفظها كل ذي عقل من المؤمنين والمؤمنات، ويصلي بها طول السنة النوافل والفرائض، هذه الآية نزلت ورسولنا صلى الله عليه وسلم في عرفات، ولم يعش بعدها إلا نيفاً وثمانين ليلة وقبضه الله.

اختصاص الله تعالى بالتحريم لعلمه بما يضر العباد وملكه لهم ولسائر ما خلق

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من المحرم؟ إنه الله تعالى. فهل يحق لكائن سوى الله أن يحرم أو يحلل؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الله هو مالك كل شيء، فما أذن فيه فهو حلال، وما لم يأذن فيه فهو حرام، وهل يستطيع أحدنا أن يتصرف في مال غيره يأخذ ويعطي ما يشاء؟ مستحيل، فما دام الله جل جلاله هو المالك لكل خلقه، إذاً: فما أذن فيه فهو الحلال وما لم يأذن فيه فهو الحرام، فلا يحل ولا يحرم إلا الله، والرسول الكريم باسم الله وبعلم الله وإذن الله يحرم أو يحلل؛ لأنه المسئول عن البيان والبلاغ، أما غير الله ورسوله فلا

ليس من حق أحد أن يحل شيئاً أو يحرم، وكل ما أحل الله وما حرم موجود في كتاب الله وبيانات رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أولاً.
ثانياً: الله وحده يحلل ويحرم؛ لأنه العليم بمضار ومنافع الأشياء، ونحن قاصروا العلم، فالعليم الخبير هو الذي يحل شيئاً لما فيه من الفائدة والمصلحة والمنفعة، ويحرم آخر لما فيه من الضرر والفساد، أليس كذلك؟ إي والله.
تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير

يقول تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ )[المائدة:3] من هم المخاطبون؟ المؤمنون الذين ناداهم بقوله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1] هذا الذي يتلى عليكم:(الْمَيْتَةُ )[المائدة:3] ما مات حتف أنفه بدون تذكية.

(وَالدَّمُ )[المائدة:3] معروف، ليس الذي يختلط مع اللحم والعظم، ولكن الدم الذي يسيل ويؤخذ بالسفح والطريقة الخاصة بأخذ الدم من الحيوان، كانوا يأكلون الدماء: يغلونها فتنتفخ وتيبس ويأكلونها، وفيها من الأمراض ما لا يعلمه إلا الله.

(وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ )[المائدة:3] لحم الخنزير حرام كشحمه كدمه ككله، الخنزير معروف، حيوان أكثر ما يوجد في البلاد الباردة، هذا الحيوان علمنا أن فيه أمراضاً خطيرة عرفها الأطباء الآن وكشفوا عنها، ولكن ما حرمه الله إلا لأن فيه الضرر والخطر على عباده.

وسبب ذلك: أنه يعيش على القاذورات، يأكل الجيف، لو يجد فأراً ميتاً يفرح به، ويأكل الأوساخ، فمن هنا كان لحمه فيه جراثيم قاتلة، حرمه الله لعلمه بما فيه من الضرر.
وهنا لطيفة ما ننساها: أنه ديوث الحيوانات، فالجمل عندنا إذا جاء آخر يريد أن ينازعه في أنثاه قاتله، حتى الكلب، والقط ما يرضى أن تمس أنثاه، وهذا الخنزير يأتي بالآخرين يقول لهم: افجروا بها، فالذين يأكلون لحمه ينتقل إليهم هذا المرض مرض الدياثة، ويصبح الرجل لا يبالي بامرأته تغني أو ترقص أو يصاحبها فلان ويسافر معها حيث شاء والعياذ بالله، وخطره على البلاد الحارة عجيب، فلهذا يأكله من في البلاد الباردة.
تحريم ما ذبح لغير الله تعالى

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، أهل يهل: رفع صوته، ومنه الهلال، أهل بالعمرة: إذا قال: لبيك اللهم عمرة، فالذي ذبح لغير الله وسمي عليه اسم غير اسم الله حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير.

ولا نغفل عما عليه إخواننا أولئك الذين يذبحون لسيدي عبد القادر ، وسيدي البدوي ، وسيدي العيدروس ، وسيدي إبراهيم، وسيدي الحسين ، وسيدتنا فاطمة ، حتى ولو لم يقولوا: باسمك يا فاطمة أو يا حسين ، فالدافع الباطني نية الذبح لذلك المخلوق، بدليل أنه يقول: هذه شاة سيدي عبد القادر ، هذا العجل عجل سيدي البدوي ، وقد رأينا ذلك بأعيننا، وقد رأينا بأعيننا من يغرس حديقة شجر زيتون ويقول: هذه الزيتونة لسيدي فلان، يغرس نخلاً ويقول: هذه النخلة لسيدي فلان، يشتري قطيعاً من الغنم في آخر الشتاء، فإذا كان الربيع يقول: هذه شاة سيدي فلان، ليرعاها ويحميها ويحرسها، فهذا من هذا.
(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، فلا حل لمؤمن ولا مؤمنة أن يذبح لغير الله عز وجل، قد يقول قائل: ها نحن نذبح للضيفان؟! فالضيفان أمرنا رسول الله بإكرامهم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، لم اشتريت هذه الشاة؟ قال: عندنا ضيوف الليلة، اشتريناها لنطعمهم، فهذا مأذون به وجائز، لكن الممنوع أنك تتقرب إلى ذلك الميت لتحصل على الخيرات والبركات بواسطته، فتعبده كما يعبد الله جل جلاله بذكره والتوسل إليه بالذبح والنذر إلى غير ذلك.

وإن شككتم فإني أحلف لكم بالله: والذي نفسي بيده! ما جاز لمؤمن ولا مؤمنة أن يسمي شاة أو بقرة أو نخلة أو شجرة لغير الله ويقول: هذا لسيدي فلان، ولا تنفعه صلاته ولا صيامه إذا فعل، فقد قال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ )[الزمر:65] يا رسولنا ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65] ما معنى أشركت؟ أشركت غير الله في عبادة الله، جعلت له عبادة كما هي لله.

(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]،كان المشركون يذبحون لهبل واللات والعزى ومناة والحجارة التي ينصبونها، وجاء الإسلام فحرم الذبح لغير الله حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أجاز عالم عرف الأصول أن تقول: هذه شاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذبح، وإنها لشرك ومحنة كبيرة، أهنت رسول الله وجعلت له الشاة التي يتقرب بها إلى الله!

فالرسول صلى الله عليه وسلم ما هو في حاجة أبداً إلى أن تصوم عنه أو أن تتصدق عنه أو تحج عنه؛ لأن حسنات الأمة كلها له مثلها، ما له إلا أن تحبه وتطيعه وتصلي وتسلم عليه، أما أن تتصدق عليه أو تصوم فقد جعلته كسائر الناس، شككت في درجته المرفوعة ومقامه السامي عند الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #663  
قديم 06-07-2021, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ما يدخل في الميتة من المحرمات
فهذه الأربعة المحرمات وردت في عدة سور: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )[المائدة:3]، والستة الباقية داخلة فيها؛ في الميتة، فالمنخنقة ميتة، والمنخنقة: التي تدخل رأسها بين شجرتين أو كذا وتختنق، انخنقت فهي منخنقة، أو يربطها صاحبها بحبل في عنقها فتحاول أن تمشي بعيداً وتجذب فتختنق، وإن فرضنا أن رجلاً خنق شاة فهذا غير واقع لأن الله سماها المنخنقة، لو كانت تخنق لقلنا: والمخنوقة، لكن ما هناك من يخنق الشاة، المنخنقة هي التي تختنق بنفسها.

والموقوذة التي ترمى وتوقذ بحجرة أو بعصا أو برصاصة فتسقط ميتة، والمتردية: التي تردت من مكان عال، من السطح فوقعت في الأرض، أو من أعلى الجبل، أو طلعت فوق شجرة وهبطت منها فاندقت عنقها وماتت، هذه الموقوذة، والنطيحة: التي تنطحها أختها نطحة فيغمى عليها وتموت.
وما أكل السبع، السبع هنا: الذئب والثعالب والضباع وسائر الحيوانات التي تأكل، فالتي يأكلها السبع أيضاً جيفة ميتة، كل هذا داخل تحت الميتة.
وقوله تعالى: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ )[المائدة:3] استثناء، فالمنخنقة إذا أدركت الحياة فيها مستقرة وذكيتها فلا بأس، المتردية التي سقطت من السطح فوجدتها حية فذبحتها فلا بأس، النطيحة التي نطحتها أختها ووجدت فيها الحياة كذلك، والتي أكلها السبع ووجدت حية حياة مستقرة اذبحها وكل، وعلامة استقرار الحياة أنك إذا أخذت تذبحها تنتفض، تضرب برجليها وتتحرك، فتكون الجراثيم كلها قد خرجت من الدم حين سال، أما إذا ماتت فالجراثيم باقية فيها.
تحريم المذبوح على الأنصاب

(وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3] سواء قلت: باسم الله أو قلت: بسيدي عبد القادر ، ما دامت مذبوحة على ما ينصب، على عظيم أو زعيم أو ولي أو قبر أو كذا، والنصب: ما ينصب في المدينة دالاً على عظيم من عظماء البلاد، زعيم من زعمائها، ولي من أوليائها، والأولياء يبنون عليهم القباب ينصبونها عليهم ليعرف: هذا سيدي فلان! إذ ما كان يمكن أن يدفن الولي عندنا أيام الجهل في عامة المقبرة، لا بد أن يبرز ويعلم ويظهر ليعرف حتى يستغاث به ويطاف بضريحه، ويتمسح به، وقد رأينا النساء عاكفات على الضريح، والرجال عاكفين! فلا إله إلا الله! وهم يقرءون القرآن لكن على الموتى، أما على الأحياء فلا.

أحببت أن أقول: الحمد لله؛ الآن صحونا لعوامل كثيرة، منها: تقارب العالم الإسلامي، ووجود الكتاب والطباعة بسرعة والإذاعات، وإذاعة القرآن وحدها كافية، إذاعة القرآن أنا سميتها لما طالبت بها: إذاعة الإسلام، يجب أن تفتح الإذاعة أربعاً وعشرين ساعة، وإياك أن تفتح إذاعة غيرها، تتعلم فيها الكتاب والحكمة، وكم تفقه عليها من النساء، عجائز أصبحن عالمات! والآن هذه الإذاعة تصل إلى المسلمين في الشرق والغرب بلغة العرب البينة الفصيحة.
قال تعالى: ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، هل تقولون: ما ذبح على الأصنام فقط؟ كان يذبحون على الأصنام حول الكعبة، ويلطخون الكعبة بالدماء، لكن الشيطان هو هو، هل تغير نظامه وسلوكه؟ لما عرف أننا لا نعبد الأصنام جاءنا بفكرة جديدة، ما هي؟ التوسل بالأولياء رحمهم الله، بالذبح لهم والنذر لهم، تمر المرأة تقول: يا سيدي فلان! إذا تزوجت ابنتي، أو إذا غلبت فلاناً في المحكمة فسنذبح لك شاة! تمر بالضريح هكذا وتنادي، والرجال والنساء سواء، والعلماء يقولون: ماذا في ذلك؟ فهو حسب النية، لكن الله عز وجل أضاء البلاد الإسلامية بنور العلم الآن.

معنى قوله تعالى: (وأن تستقسموا بالأزلام)

وقوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3]: الأزلام: جمع زَلمَ أو زُلمَ، وأهل الشام يقولون: يا زلمة، والزَلمَ والزُلم واحد: عود من خشب، هذا العود أصله كان من الرماح أو السهام، مصنوع صناعة خاصة، ليس فيه حديد أسفله، ولا فيه ريش، لأن السهم يجعلون فيه ريشاً حتى يقوى ويصل إلى الحيوان الذي يرمونه به أو الإنسان، هذه العيدان التي كانت سهاماً قدمت وأصبحت لا تصلح، فماذا يصنعون بها؟ يأتي رجل من الكهنة أو السحرة أو مدعي الغيب ويجمع ثلاثة عيدان، يكتب على أحدها: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث غفل ما عليه أي كتابة، وكان يجلس عند الكعبة، فتأتي تقول: يا شيخ! أريد أن أتزوج امرأة من مصر، ولا أدري هل فيها خير أم لا؟ فدلني، فيجيل الأزلام في الكيس، ثم يخرج واحداً، فإذا وجد فيه: أمرني ربي يقول: تزوج، الخير كله في هذه الزوجة، وإذا جاء العود الذي فيه نهاني قال: لا خير لك فيها، وإذا جاء العود الخالي الغفل يعيد إجالتها، يخلطها مرة ثانية ويخرج.

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا )[المائدة:3] أي: أن تطلبوا ما قسم الله لكم من طريق هذه العيدان، هذه كانت في مكة، وكانت في بلاد العرب لها ناس خاصون، والإسلام لا يسمح بهذا، إذاً: جاء الشيطان بأعجب من هذا:

أولاً: ما يعرف بخط الرمل، في باريس تجد الرجل جالساً والرمل أمامه في شوارع باريس، وأنت تريد أن تسافر أو تتزوج أو تطلب كذا، فيضرب لك القصد، ويكذب عليك ويقول لك: افعل أو لا تفعل، ثم يقول: هات ألف فرانك!
كذلك تأتي إلى الرجل والمسبحة في يده، فيرسلها، فإذا جاءت أزواجاً قال: افعل، وحط بيضة أو ريالاً!
وكذلك قراءة الكف، هذه واحدة أخرى، يقرأ في الكف ما يعرف بالعرافة، وكذلك قراءة الفنجان، وهذه كلها من وضع إبليس، وهو الذي يسوق إليها البشرية الغافلة؛ لتأتي بالشرك الحرام من أجل أن يعيشوا، وعندنا يسمونها الكزانة والشوافة كذلك.
فهذا كله يدخل تحت قوله تعالى: ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ )[المائدة:3]، كله خروج عن طاعة الله ورسوله، ( ذَلِكُمْ )[المائدة:3]الذي سمعتم من أكل المحرمات، ومن الاستقسام بالأزلام، كله ( فِسْقٌ )[المائدة:3]، أي: خروج عن طاعة الله ورسوله، ومن خرج عن طاعة الله ورسوله هلك.
(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ )[المائدة:3] بالقرعة، بالشوافة، بالكف، بالمصحف، كل ذلك.
الاستخارة الوسيلة المشروعة المغنية عن الاستقسام

فإن قلت: إذاً: وماذا نصنع يا شيخ إذا منعتمونا من هذا ونحن في حيرة، نريد أن نتزوج، نريد أن نسافر، فكيف نصنع؟ الجواب: هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم سن لنا صلاة الاستخارة، إذا هم أحدكم بالأمر وأراد أن يأتيه وهو لا يدري أفي صالحه أم في غير صالحه؛ فليصل ركعتين لله عز وجل، ويحسن أداءهما، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك لا يملكه إلا أنت، إن كنت تعلم أن في زواجي في سفري في كذا خيراً لي في ديني ودنياي، وفي عاقبة أمري فاقدره لي ويسره وأعني عليه، وإن كنت تعلم أن في هذا شراً لي أو عدم الخير فاصرفني عنه واصرفه عني. وكررها مرتين أو ثلاثاً أو أسبوعاً، فلقد استخرت الله مرة شهرين في قضية، كل يوم مرة! فاقرع باب الرحمن عز وجل، أما أن تذهب إلى المشعوذين والدجالين وأولياء الشيطان، وتعتمد على ما يقولونه لك فهذا حرمه الله عز وجل، عليك بذي الجلال والإكرام، اطرح بين يديه وابك، والذي يحصل لك والله خير لك، حين تستخيره أي: تطلب الخيرة منه، فالذي يتم لك عملاً أو تركاً والله لهو الخير الذي اختاره الله لك، وكن مطمئناً.
أردت أن تتزوج فلانة وما تدري ما العاقبة فاستخر الله عز وجل يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً وأنت تتردد عليه تعالى وتسأله، فإذا خطبت وقالوا: باسم الله مرحباً، وزوجوك فقد اختارها الله لك، فإذا قالوا: لا، ما نستطيع، فهذا معناه: أن الله صرفك عنها لما فيها من الشر لك.
وبعض العوام يقول: نرى في المنا! لا منام ولا رؤيا ولا هاتف يهتف بك، انتبه، اقرع باب الله واسأله، وتردد كما قلنا، ما هي بمرة أو مرتين، ثم الذي يقع فعلاً أو تركاً هو الذي اختاره الله لك، وافرح به واحمد الله تعالى عليه.
وقت نزول قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)

حرمة الابتداع في الدين وجواز ما كان من المصالح المرسلة
فلهذا من أراد أن يزيد سنة في الإسلام أو فريضة فليضرب رأسه على الحائط، الله يقول: أكملت، وأنت تقول: ما زال ناقصاً، نزيد فيه شيئاً! ولهذا كل بدعة حرام، وكل بدعة ضلالة، المبتدع كأنه ينتقد الشرع أنه يحتاج إلى زيادة، والله يعلن أنه أكمله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، فقط لنا المصالح المرسلة، فتلك العوام يسمونها بدع حسنة، ليست من باب الابتداع.
على سبيل المثال: المحراب، ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محراب في الجدار، أليس كذلك؟ القبلة معروفة، لكن لما دخل الناس في دين الله أفواجاً كان الإنسان يدخل المسجد ما يعرف القبلة، فماذا يصنع؟ يسأل: أين القبلة؟ فجعلوا طاقة في الجدار تسمى المحراب، كل من دخل المسجد عرف القبلة، سواء كان في الشرق أو الغرب.
وكذلك المنارة، حيث كان يؤذن على سطح المسجد، فاتخذت المنارات ليسمع أهل البلاد عامة، فهذه من المصالح المرسلة.
والقرآن الكريم ما كان منقوط الحروف أبداً، ويفهمونه، فـالحجاج بن يوسف قال: الناس ما يعرفون الحروف، فنقط الباء والتاء والثاء والجيم وكذا، هذه مصالح مرسلة، ليست بدعة في الإسلام وزيادة فيه.
والشاهد عندنا: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )[المائدة:3]، الحمد لله، الحمد لله، رضي الله لنا الإسلام ديناً، لو رضي لنا اليهودية أو المجوسية أو النصرانية لقلنا: الحمد لله، ولكن لم يرض لنا إلا الإسلام، فقولوا: رضينا بالإسلام ديناً.

قال تعالى: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )[المائدة:3]، بعد أن فتح الله مكة، وأصبحت الوفود تأتي من أنحاء الجزيرة بالعشرات وهم يدخلون في الإسلام ما بقي من يفكر في قتال رسول الله والمؤمنين، فكان الخطاب: فلا تخشوهم اليوم واخشون أنا، فأنا ربكم وخالقكم، فمن ثم ارتفعت راية لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)

ثم قال تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[المائدة:3] أي: جاءته الضرورة وهي المخمصة أو المجاعة أو الجوع الشديد، ولكن حال كونه غير مائل إلى إثمه وراض بما حرم الله، الجوع ألجأه إلى أن يأكل من هذه الميتة أو هذا الخنزير أو هذا الدم؛ دفعاً لغاية الموت؛ لأنه إذا مات فلن يعبد الله، إذاً: أذن الله للمضطر اضطراراً قوياً وهو غير مائل بطبعه إلى أن يتلذذ بما حرم الله؛ ولهذا لا يأكل إلا القدر الذي يسد رمقه، لا يشبع، بل يأكل القدر الذي يقيم به صلبه ويمشي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #664  
قديم 06-07-2021, 04:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (35)
الحلقة (345)
تفسير سورة المائدة (40)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون .. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة ومع الثلاث الآيات التي تدارسنا بعضها بالأمس.
وإليكم تلاوتها مرة أخرى، وتأملوا يفتح الله عليكم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].
شرف المؤمنين بنداء الإيمان
أولاً: أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن نداء الله للمؤمنين بعنوان الإيمان فيه شرف لهم عظيم، إذ تأهلوا لأن يناديهم الرب تبارك وتعالى، وهذه فضيلة الإيمان، لولا إيمانهم الصادق الحق الصحيح ما تأهلوا لأن يناديهم، كان سيقول لرسوله: قل لهم، كما قال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، أما الله فيتنزه أن ينادي المشركين والهابطين من بني الناس، ولكن ينادي الأحياء، فمن هنا عرفنا أن الإيمان الحق بمثابة الروح، المؤمن حي والكافر ميت، وبرهنا ودللنا على أن أهل الذمة في ديارنا نحن -المسلمين- لا نكلفهم بصيام ولا صلاة ولا جهاد ولا رباط ولا زكاة؛ لأنهم كالأموات، يوم يحيون بـ(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) مرهم يفعلوا، وانههم يتركوا؛ لكمال حياتهم.
حادثة نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، نادانا هنا ليقول ناهياً مانعاً لنا من أن نحرم ما أحل الله لنا: ( لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[المائدة:87].
ذكروا أن لهذه الآية سبباً في نزولها، والقرآن ما نزل دفعة واحدة، نزل في خلال ثلاث وعشرين سنة، بحسب متطلبات الأمة، كلما جد أمر نزل قرآن يبين الحكم فيه.
وعظ الحبيب صلى الله عليه وسلم رجاله موعظة رقت لها القلوب، فقام عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون رضي الله عنهما وآخر، وجاءوا إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وسألوها عن قيام الرسول في الليل؟ فقالت: كان يقوم وينام. فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام بعد اليوم، أحيي الليل كله؛ لأن الرسول مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسألوها عن صيام الرسول؟ فقالت: كان يصوم ويفطر. فقال أحدهم: إذاً سأصوم الدهر ولا أفطر. وسألوها: هل كان يأتي النساء؟ قالت: نعم، فقال أحدهم: إذاً: أنا لن آتي النساء أبداً. رغبة منهم في حب الله وولايته، رغبة منهم في الانقطاع إلى الله.
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقام خطيباً وقال: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ إني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فسد باب الرهبنة التي يعيش عليها النصارى، يحرمون على أنفسهم ما أحل الله لهم، ونزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ )[المائدة:87].
فالنوم طيب يحتاج إليه الآدمي فكيف تحرمه على نفسك؟ وإتيان النساء مشروع وفيه خير، ومما أباح الله وأذن فيه ورغب فيه، فكيف تحرمه أنت على نفسك؟ والصيام ضده الإفطار، فالإفطار يقوي البدن ويزيد في طاقته لينهض بتكاليف الله ومستلزمات هذه الحياة، فكيف تحرم الإفطار لتصوم أبداً؟
وقال لهم: ( وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، بينت لكم أن الذي يحرم أو يحلل بدون الله اعتدى على الله، فمن الذي له الحق أن يحرم أو يبيح؟ إنه المالك العالم بمصائر الأمور، أما الجاهل الذي لا يملك فكيف يحرم أو يحلل، بأي حق؟
(وَلا تَعْتَدُوا )[المائدة:87]، والاعتداء: مجاوزة الحد، قد يكون بينك وبين أخيك بسبه أو شتمه أو انتهاك عرضه أو أخذ ماله، قد يكون بينك وبين نفسك تلزمها بصيام الدهر أو بقيام الليل بدون نوم أو بحرمانها من النساء وإنجاب البنين والبنات، هذا اعتداء على نفسك، واعتداء على الله؛ لأن الله هو المشرع لحكمته وعلمه ورحمته، فلا يصح لآدمي أن يحلل أو يحرم، وإنما الذي يحرم ويحلل هو الله عز وجل، أولاً: لأنه المالك، ثانياً: لأنه العليم بالمنافع والمضار، ثالثاً: لأنه رحيم بأوليائه وعباده، فلا يحرم عليهم طيبات ينتفعون بها.
أمر المؤمنين بأكل الحلال الطيب وتقوى الله تعالى
ثم قال لهم ولنا: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ )[المائدة:88] حال كونه ( حَلالًا طَيِّبًا )[المائدة:88]، فليس الحرام برزق ولا تقل: هذا رزق رزقنيه الله وهو جيفة أو مال مغصوب أو مال ربا.
ثانياً: أن يكون طيباً غير مستخبث ولا مستقذر؛ لأنه يسبب مرضك وانحطاط قوتك، فلا بد أن يكون المطعوم والمأكول أولاً مما أذن الله به، والله لم يأذن في مال الربا ولا في مال التلصص ولا السرقة ولا الخيانة أبداً، ولا مال المؤمنين، فما أذن فيه لا بد أن يكون مما أحل الله، ثانياً: أن يكون طيباً ليس بمستقذر ولا مستخبث بحيث تشمئز منه النفس أو يسبب مرضاً للإنسان، هذه مظاهر ربوبية الله ورحمته بعباده.
ثم قال لنا: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:88]، أي: خافوه، نتقي الله بأي شيء؟ يتقى الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، فيما أمر الله بفعله أو قوله أو اعتقاده، وفيما نهى الله عن اعتقاده أو قوله أو عمله، ومن هنا وجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أوامر الله بالضبط، ونواهيه كذلك، وإلا فلن يستطيع أن يتقي الله، لا يمكن أن تتحقق تقوى الله للعبد وهو ما عرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا قلنا: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس شرطاً أن يكون هناك قرطاس وقلم، وإنما تسأل بلسانك وتطبق بجوارحك يوماً بعد يوم؛ لقول الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )[النحل:43]، فكل من كان لا يعلم أوامر الله أو نواهيه يجب عليه أن يسأل العلماء.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #665  
قديم 06-07-2021, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ...)

لما عرف أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم وقد حلف أحدهم أن لا يأتي النساء وآخر أن لا ينام وثالث أن لا يأكل، وارتبكوا ماذا يصنعون في أيمانهم التي حلفوها؛ فرج الله عنهم وأنزل الآية الثانية فبين فيها كيف الخروج من اليمين، وهذا عام لكل مؤمن ومؤمنة، اسمع ما قال تعالى: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ هذه الآية، هذه مادة من قانون الحياة ودستور دخول الجنة: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ )[المائدة:89]، بماذا؟ ( بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ )[المائدة:89]، والأيمان: جمع يمين.
أنواع اليمين وأحكامها
وهنا الأيمان خمس ممكن أن نحصيها ونحفظها، لو كانت تتعلق بالتجارة والبيع لحفظت، لكن هذه علمية ربانية لا يحفظها إلا ولي الله، فكونوا أولياء الله، وليقل أحدكم: لن أبرح مكاني حتى أعرفها.
أولاً: لغو اليمين، أن يحلف أحدنا على شيء يظنه كذا فيتبين أنه خلاف ما ظن، يا فلان! ناولني عشرة ريالات. فيقول: والله ما عندي يا شيخ الآن معتقداً ذلك، ثم أدخل يده في جيبه فوجد عشرة ريالات، فهل يؤاخذ على هذه اليمين؟
أو قيل له: أين إبراهيم؟! فقال: والله! إنه في المنزل؛ لأنه تركه في المنزل، وتبين أنه في السوق أو في المسجد، فهذه لغو يمين لا إثم فيها ولا كفارة.
الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصد به اليمين، كأن يقال لك: نحن في أي ساعة؟ فتقول: في الساعة السابعة والله، أو هل جاء فلان؟ فتقول: بلى والله جاء، يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده، تعود الحلف فأصبح يجري على لسانه ولا يقصده، هذه أيضاً لغو يمين، ولا إثم فيها ولا كفارة عليها، إذ الكفارة لمحو الإثم، فما دام لا إثم فلا كفارة، فهاتان يمينان من لغو اليمين:
الأولى: أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيتبين خلافه.
والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو لا يقصده ولا يريده.
ويمينان تجب فيهما الكفارة، الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، أو: والله! لا أعطيك بعد اليوم درهماً ولم يقل: إن شاء الله، فهذا نسي الله بالمرة، نسي أن الذي يعطي أو يمنع هو الله، وأن ما يريده الله فسيكون، فكان المفروض أن نقول: والله! لا أصاحبك بعد اليوم إلا أن يشاء الله، فالذي يحلف ألا يفعل أو يحلف أن يفعل ثم يحنث تجب عليه الكفارة.
هذه الصيغة الأولى: أن يقول: والله! لا أكلمك بعد اليوم، كما قال الصحابي: والله! لا آتي النساء بعد اليوم .
الصيغة الثانية: أن يقول: والله! لتفعلن كذا يلزمك، ولم يقل: إن شاء الله، فلما نسي مشيئة الله، وغفل عن قدرة الله وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراد الله تلطخت نفسه بالإثم لنسيانه الله، فبم يزال هذا؟ بمادة معينة وضعها الحليم العليم، فهاتان يمينان تجب فيهما الكفارة؛ لأن فيهما الإثم، ما سبب الإثم؟ أنك تقول: والله لأفعلن ونسيت أن تقول: إلا أن يشاء الله، وإذا لم يشأ الله فهل ستفعل أنت؟ أنت لا تتحرك إلا بإذن الله.
أو أن تقول لآخر: والله لتفعلن كذا. وهل أنت تقدر على أن تلزمه وتجبره إذا لم يشأ الله؟ هاتان اليمينان فيهما كفارة.
اليمين الخامسة تسمى باليمين الغموس، من: غمسه ويغمسه في الماء، أو غمس رأسه في الطين، اليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في جهنم، تغمسه أولاً في أوضار وأوساخ الذنوب والآثام، وبذلك يستحق دار البوار ودار النار، وأعيذكم بالله أن تحلفوها، اليمين الغموس فسرها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن يحلف أحدنا كاذباً ليأخذ مال أخيه أو ليمزق عرضه أو ينال دمه، وهي اليمين التي يتعمدها الحالف وهو يعلم أنه كاذب ليتوصل إلى تحقيق غرض من أغراضه الهابطة.
هذه اليمين الغموس اختلف أهل العلم: هل فيها كفارة؟ فمالك وجماعات قالوا: هذه لا تكفر بشيء أبداً لا بالصيام ولا بالعتق، لا تكفر إلا بالتوبة النصوح وإرجاع الحق لأهله، يأتي ويقول: يا فلان! حلفت كاذباً لآخذ من مالك، وأتوب إلى الله فخذ مالك الذي أخذت منك، ومع هذا فالأحسن أن يضيف إلى التوبة الكفارة لتطمئن نفسه.

كفارة اليمين

خبر انقطاع الوحي لترك رسول الله الاستثناء

حرص الإسلام على تحرير الرقاب

ملخص لما جاء في تفسير الآية

ذكر الله وشكره وعبادته سر الحياة
معاشر المستمعين! لو قام أحدكم وسأل أهل المنطق والفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والسياسة وقال: أطرح هذا السؤال على منتدى أمريكا وإيطاليا: ما هو سر هذه الحياة؟ ما علة هذا الوجود؟ والله ما عرفوا؛ لأنهم أموات غير أحياء، وكيف يعرفونها؟! وهل الميت يعرف؟ لا يعرف، كيف -يا شيخ- وهؤلاء دكاترة في علم النفس، في علم الكواكب، في الذرة، كيف تقول ذلك؟
والله! إنهم لجهلة أموات حتى يعرفوا ربهم خالقهم ومدبر حياتهم، ثم يخضعوا له ويذلوا ويحبوه ويرغبوا فيما عنده، أما وهم جاهلون بخالقهم فهل يقال: فيهم أحياء؟ هؤلاء أموات.
والآن تعودون بها إلى دياركم أنكم عرفتم سر هذه الحياة، لم خلق الله الجنة؟ لم خلق الله النار؟ لم خلق الله السماوات؟ لم خلق الله الجبال؟ لم خلق الحيوانات؟ لم خلق الآدميين؟ والجواب واحد: أراد أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون ليسمع ذكره من أفواه عباده ويرى شكره في أعمالهم، ما أراد بالخلق زوجة ولا ولداً ولا منصباً ولا وجاهة ولا سلطاناً، هو غني عن هذه المخلوقات وهو خالقها، إذاً: ما السر في خلقها؟ السر أن يذكر ويشكر فقط، فلهذا من عاش على ذكر الله وشكره تحققت ولايته وأصبح من أهل دار السلام بما لا جدال فيه، ومن أعرض عن ذكر الله ونسيه وكفر بشكره على آلائه ونعمه فهو هالك مع الهالكين، وخاسر خسراناً أبدياً.
فانظر: حيث بين الله تعالى لنا هذه الأحكام ثم قال: ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:89]، يا معاشر المستمعين! إذا أكلتم فاشكروا الله، إذا شربتم فاشكروا الله، إذا صليتم فاشكروا الله، بل ادعوا الله أن يعينكم على ذكره وشكره، الرسول يقول لحبيبه: ( يا معاذ ! والله إني لأحبك، لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
تعريف بالشرك وبيان بعض صوره
وقد سمعتم ما قال لقمان لولده: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]، وأنا أعرف موقناً أن من بين الحاضرين عوام وطلبة علم ما جلسوا هذه المجالس، فلا يعرفون الشرك ما هو، فسأضع أيديكم على نقاط: الحلف بغير الله شرك، الذي يقول: وحق النبي، ورأس سيدي فلان، ورأسك يا فلان أشرك بالله عز وجل.

وهذا رسول الله يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ما معنى: أشرك؟ أوجد عظيماً من الخلق وأعطاه عظمة الرب وحلف به، ومن هو الأعظم والأكبر: الله أم غيره؟ الله أكبر، فكيف ترفع مخلوقاً وتحلف به تقرنه مع الله؟
وأنبه الذين يجري على لسانهم الحلف بدون قصد: والله لا نفعل، والنبي، وحق سيدي كذا، هؤلاء كفارة ذنبهم لما يقع في الحلف أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا قلت: والنبي فقل: لا إله إلا الله تمحوها، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما شاهد المؤمنين الجدد هذا آمن منذ أسبوع وهذا منذ سنة يحلفون كما كانوا يحلفون في الجاهلية، فقال لهم: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله )، تغسلها على الفور.
فالحلف بغير الله شرك في عظمة الله، سويت مخلوقاً من مخلوقات الله بالله، على المنبر يقول صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، قالها على المنبر.
فلن يسمع الله منا بعد اليوم الحلف بالأم ولا بالرأس ولا بالكعبة ولا بالنبي ولا بالمصحف أبداً، ومن جرى على لسانه فليقل: لا إله إلا الله يمحها.
ثانياً: الذي يذبحون للأولياء في نذور على أضرحتهم، أو يقول: هذه لسيدي عبد القادر أو لسيدي مبروك أو لسيدي فلان، هذا النذر لغير الله شرك في عبادة الله، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينذر لغير ربه، النذر لله أن نقول: لك يا رب علي أن أصوم هذا الأسبوع إن فرجت كربي، لك علي يا رب أن أتصدق بألف في هذه الليلة إن فعلت بي كذا وكذا، هذا بينك وبين الله، أما أن تقول: يا سيدي مبروك ويا سيدي فلان لميت تدعوه وتتكلم معه فهذا -والله- لأن يذبح العبد خير من أن يقوله، يحاد الله ويعتدي على شرعه ودينه.
أما الدعاء فكأن يقف أمام الضريح: يا سيدي .. يا فلان .. يا فلان، هذا من أفضع أنواع الشرك، والله لو تقف أمام علي بن أبي طالب أو عمر بن الخطاب أو رسول الله وتدعو ألف سنة والله ما أجابك، ولا عرف عنك!
فكل من ينادي ميتاً: يا سيدي فلان! المدد أو الغوث أو كذا؛ فقد أشرك في عبادة ربه غيره ولا ذنب أعظم من هذا الذنب.
والله نسأل أن يتوب علينا قبل موتنا، من تاب تاب الله عليه، أما من مات يشرك بالله فلا نجاة له من النار، وإليكم بيان الله، يقول تعالى لرسوله: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[الزمر:65]، ويقول تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا )[النساء:116]، فكيف نفتح أعيننا أمام المخلوقات وننسى خالقها؟! ولكن الجهل هو الذي ساقنا إلى هذا، فهيا نعود إلى قال الله وقال رسوله لننجو من هذه الفتن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #666  
قديم 11-07-2021, 02:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (36)
الحلقة (346)
تفسير سورة المائدة (41)

قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل ذلك اليوم إن شاء الله تعالى، وهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:77-81].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:

مازال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهوداً ونصارى، فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ )[المائدة:77] يا رسولنا: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )[المائدة:77]، والمراد بهم هنا النصارى: ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )[المائدة:77]، أي: لا تتشددوا في غير ما هو حق شرعه الله تعالى لكم، فتبتدعوا البدع وتتغالوا في التمسك بها والدفاع عنها، التشدد محمود في الحق الذي أمر الله به اعتقاداً وقولاً وعملاً، لا في المحدثات الباطلة، ( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ )[المائدة:77]، وهم اليهود؛ إذ قالوا في عيسى وأمه بأهوائهم، فقالوا في عيسى: ساحر، وقالوا في أمه: بغي. ( وَأَضَلُّوا كَثِيرًا )[المائدة:77] من الناس بأهوائهم المتولدة عن شهواتهم، ( وَضَلُّوا )[المائدة:77]، أي: وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم، هذا ما تضمنته الآية الأولى ]، وهي قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )[المائدة:77].

[ أما الآيات بعد فقد أخبر تعالى في الآية الثانية بأن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور، وعلى لسان عيسى ابن مريم في الإنجيل، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن، فقال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ )[المائدة:78]، فقد مسخ منهم طائفة قردة، ( وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )[المائدة:78]، حيث مسخ منهم خنازير، كما لعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في غير آية من القرآن الكريم، وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والآخرة، سببه ما ذكر تعالى بقوله: ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[المائدة:78]، أي: بسبب عصيانهم لله تعالى ورسله بترك الواجبات وفعل المحرمات، واعتدائهم في الدين بالغلو والابتداع، وبقتل الأنبياء والصالحين منهم.

وأخبر تعالى في الآية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ )[المائدة:79]، أي: كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ولا ينهى بعضهم بعضاً،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ) ] أي: يأكل معه ويشرب ويقعد [ ( فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوبهم بعضهم ببعض، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:78] إلى قوله: ( فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ) ]، أي: تلا الآية كما هي: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:78-81].

[ ( ثم قال صلى الله عليه وسلم: كلا والله ) ]، معاشر المستمعين والمستمعات! هذه لنا، فتأملوها، اسمعوا رسول الله يحلف، اسمعوا رسول الله يبين، قال: [ ( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم ) ]، هذه لنا، اسمعوا رسول الله بعدما تلا هذه الآيات الثلاث، قال: ( كلا والله )، هكذا يحلف صلى الله عليه وسلم ( لتأمرن ) أيها المؤمنون المسلمون ( بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقسرنه على الحق قسراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم )، أي: كما لعن اليهود والنصارى؛ إذ ما هناك فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين، الكل عبيد الله، الكل عبيد الرحمن عز وجل، الكل يريد الله منهم أن يعبدوه؛ ليسلموا وينجوا وليسعدوا ويكملوا، فإذا لعن اليهود والنصارى لإتيانهم المنكر واستمرارهم عليه، وعدم رجوعهم عنه؛ فنحن إذا استمررنا على الباطل والمنكر والبدع والضلال ولم نتراجع فهل نسلم من لعنة الله؟ الجواب: لا والله، الكل عبيد الله عز وجل.
ثم قال المؤلف غفر الله له ولكم: [ وفي آخر الآية قبح الله تعالى عملهم ] قبح عمل أهل الكتاب [ فقال: ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( تَرَى )[المائدة:80] ] بعينيك [ ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ )[المائدة:80]، أي: من اليهود في المدينة، ( يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:80]، يعني: من المشركين أو المنافقين في مكة والمدينة، يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالاتهم في دينهم وكتابهم ]، اليهود بالمدينة يوالون المشركين، وهم يعلمون أن المشركين كفار ملعونون، يعرفون أن المنافقين نافقوا وأظهروا الإيمان وهم يكرهون الدين ورسول الإسلام والمسلمين، واليهود يوالونهم، فكيف يوالي المؤمن الكافر؟ لو كانوا صادقين في دعوهم الإيمان ما كانوا يوالون الكافرين والمنافقين.

[ ثم قبح تعالى عملهم فقال: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ )[المائدة:80]، نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر والفساد، وهو سخط الله تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى ما لا نهاية له ] في دار القيامة [ فقال تعالى: ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80]، لا يخرجون منه أبداً.

ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[المائدة:81] كما يجب الإيمان به ( وَالنَّبِيِّ )[المائدة:81] محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من الهدى ودين الحق ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ )[المائدة:81] من القرآن والآيات البينات ما اتخذوا الكفار والمشركين والمنافقين أولياء، ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إلا قليلاً منهم ] أفراد قلائل فقط، [ والفاسق عن أمر الله الخارج عن طاعته لا يقف في الفساد عند حد أبداً. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81] ].

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #667  
قديم 11-07-2021, 02:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
معاشر المستمعين! نضع أيدينا على هداية هذه الآيات، فتأملوا.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: حرمة الغلو والابتداع في الدين، واتباع أهل الأهواء ]، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا )[المائدة:77]، ومعنى هذا: أنه يحرم على المسلم أن يبتدع في دين الله، أو أن يغالي فيه، أو يتبع أصحاب الأهواء في دين الله، ومن هنا عرفنا ما حدث في هذه الأمة بعد القرون الذهبية الثلاثة، انتشرت البدع والضلالات والخرافات وتقسمت الأمة وتجزأت؛ بسبب اتباع الأهواء، وتقليد أرباب الأهواء واتباعهم والتعصب لهم، حتى أصبحنا في أسوأ الأحوال، سبب ذلك أننا ما أخذنا بوصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم، أما قال: ( عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )، وقد بين لنا الطريق وقد أعلنها واضحة صريحة عندما قال: ( ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )، ستفترق هذه الأمة كما افترق اليهود إلى اثنتين وسبعين فرقة، وكما افترق النصارى إلى إحدى وسبعين فرقة، والله! لتفترقن هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، ووالله! لقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرق وطوائف ومذاهب، وكلها في النار، لم يا رسول الله في النار؟ لأنها ما عبدت الله بما شرع، فالعبادة التي شرعها الله تعالى هي التي تزكي النفس وتطهرها، أما ما ابتدعه المبتدعة فالعمل به لا يزكي النفس ولا يطيبها ولا يطهرها.

فقام رجل من أصحابه في ذلك المجلس المقدس الطاهر وقال: من هي الفرقة الناجية يا رسول الله؟ وهذا السؤال يقع لكل المؤمن، فقال صلى الله عليه وسلم -واحفظوا واعملوا وطبقوا واطلبوا النجاة لأنفسكم- قال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، فيجب أن تكون عقيدتنا عقيدة رسول لله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا نختلف معهم أبداً فيها، يجب أن تكون عباداتنا كما كان رسول الله يعبد الله بها وأصحابه، لا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير، يجب أن تكون آدابنا وأخلاقنا كما كان عليه رسول الله وأصحابه، هذا سبيل النجاة، هذا يتوقف على المعرفة، يجب أن نعرف كيف كان يعتقد رسول الله وأصحابه في الله وفي لقائه وفي الإيمان، وما أمر الله بالإيمان به، يجب أن نعرف كيف كان رسول الله يتوضأ ويغتسل ويصلي ويحج ويعتمر، ونفعل كما كان يفعل، يجب أن نعرف كيف كان الرسول يتعامل مع الناس، فنتعامل كما كان يتعامل مع الناس، في آدابنا، في أخلاقنا، في معاملاتنا، هذا -والله- طريق النجاة، العلم أولاً، كيف كان الرسول يعتقد في الله ولقائه والدار الآخرة والملائكة والأنبياء والرسل السابقين، نعتقد كما كان يعتقد، كيف كان الرسول يعبد الله من التيمم إلى الاغتسال، إلى الرباط، إلى الجهاد، إلى القضاء، إلى الحكم، فنقضي ونحكم ونعمل كما كان الرسول صلى الله وسلم يقضي ويعمل، وليس هذا بالمستحيل ولا بالصعب أبداً، كل ما في الأمر أن نهيئ أنفسنا لأن نعبد الله عبادة تزكي أنفسنا وتؤهلنا لرضا الله والسكن في دار السلام مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلا عنصرية ولا مذهبية ولا طريقة ولا حزب، إنما نحن مسلمون عباد الله، نعبد الله بما شرع، والحمد لله فقد حفظ الله لنا هذا الدين، حفظه بحفظه الخاص، وإلا لكان منذ مائة سنة فقط قد اختلط وما أصبح فيه ما يعبد به الله، لكن الله تعالى قال: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر:9]، فحفظ لنا كلامه آية بعد آية في ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، وحفظ لنا سنة رسول الله وإن داخلها الزيادة والنقص والتبديل، ولكن هيأ الله لها في كل عصر من يصونها ويحفظها كما هي؛ لتقوم الحجة لله على الناس، وإلا لكان على الله أن يجدد الرسالة ويبعث برسول.

معاشر المستمعين! في الآية الأولى: حرمة الغلو، والغلو: الزيادة، فلا تزد كلمة في دين الله، ما شأنك أن تزيد أنت وتنقص؟ لقد أنزل الله كتابه وبينه رسوله، الصلاة كما صلى الرسول، لو زدت سجدة في صلاة الصبح أو ركعة في صلاة المغرب بطلت صلاتك بالإجماع، ما هو شأنك أن تزيد، لو حاولت أن تنقص تكبيرة واحدة، فقلت: ما هناك حاجة إلى هذه التكبيرة في هذه الصلاة فصلاتك باطلة، ما معنى: باطلة؟ ما تزكي النفس، لماذا الآن نحن نسأل كيف نحج وكيف نعتمر؟ لعلمنا اليقيني أن هذه العبادة إذا لم نفعلها كما بينها الرسول فلن تؤثر على نفوسنا، أي: ما تزكي أرواحنا ولا تطيبها، وعلة العبادة تزكية النفس وتطهيرها، وطلبنا تزكية نفوسنا لعلمنا بحكم الله علينا، ألا وهو: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، فمن أراد الفلاح -وهو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار- فليزك نفسه، أي: فليطيبها وليطهرها، وما هي مواد التطهير؟ الإيمان الصحيح كإيمان الرسول وأصحابه، والعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى، وهو هذه العبادات من الصلاة إلى الصدقات وغيرها.

[ ثانياً: العصيان والاعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران ]، العصيان، أي: عصيان الله ورسوله بعدم فعل ما يأمران به وعدم ترك ما ينهيان عنه، هذا هو العصيان، والاعتداء: هو الظلم وتجاوز الحد، هذان ينتجان لصاحبهما الحرمان من رضا الله وجواره والخسران بالخلود في النار.
فمن أين عرفنا هذا؟ أما قال تعالى: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ([المائدة:78]، بسبب ماذا؟ ( بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78]، عصوا رسل الله، عصوا الله ما عبدوه بما شرع لهم، ( وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )[المائدة:78] بالظلم والطغيان والشر والفساد.

[ ثالثاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع ]، حرمة السكوت عن المنكر حين نراه ونسمعه ونسكت، ووخامة عاقبته على المجتمع بكامله، قال تعالى: ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79]، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: كان الرجل منهم يرى أخاه على معصية، فينهاه: اتق الله واترك هذه، ومن الغد يراه يفعلها ويكون مؤاكله ومجالسه وقاعداً معه، فمن ثم ضرب الله قلوب بعضهم بعض ولعنهم.

وهذا بإجماع الأمة، فمن رأى منكراً يجب أن يغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه: يا عبد الله! لا تفعل، فإن لم يستطع بلسانه حيث خاف أن يؤذى في نفسه أو ماله أو أهله فليغيره بقلبه، أما أن نسكت عن المنكر ونرضى به فسوف يعمنا العقاب.
وضربنا لذلك مثلاً: قرية أو حي من الأحياء يخرجون القمامة ويرمونها عند الباب، هذا يرمي وهذا يرمي وليس هناك من يقول: لا تفعل، وليس هناك من يبعد هذه الأوساخ والقاذورات، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع تتحول تلك إلى بعوض وذباب وحشرات، ثم تتحول إلى أوبئة ويهلك أهل القرية كلهم، بسبب ماذا؟ لما رمى الرجل أو المرأة الوسخ عند الباب ما قال له أخوه: يا أخي! لا تفعل هذا، فهذا سبب مرضنا. لكن لما سكت وسكت الثاني والثالث وأصبحوا يرمون القمامة في الشوارع امتلأت الحارة أو الحي بالأوساخ والقاذورات وعمهم المرض، هذه هي الحقيقة، ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )[المائدة:79].

إذاً: حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع، فالقرية دخلها رجل جاء بمعصية وأعلنها، فأهل القرية عليهم أن يقولوا: يا فلان! ما ينبغي هذا، لا تبع هذا الباطل في بلدنا، لا تفعل هذا. يقول ذلك الأول والثاني والثالث، فيستحي ويخرج أو يترك هذا، أما أن يشاهدوه ويسكتوا ويفعله الكبير والصغير والذكر والأنثى فإنه تعم الفتنة.
[ رابعاً: حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد ]، الموالاة: هي المحبة والتعاون، حرمة موالاة أهل الكفر والشر والفساد، فلا نحبهم ولا نمد أيدينا لعونهم ومعاونتهم، وبذلك نسلم، أما أن نوالي أهل الشر والكفر والفساد بحبنا لهم وتعاوننا معهم؛ فهذا -والله- هو الحالقة، هذا هو الدمار، دل هذا على قوله تعالى في الآية الكريمة: ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ )[المائدة:80].

حرمة موالاة أهل الكفر، ولو كانوا آباءنا وأبناءنا ونساءنا وأولادنا، وحرمة موالاة أهل الشر والفساد بيننا، لا موالاة، أي: لا محبة ولا تعاون معهم، بل يجب هجرانهم وتركهم حتى يتوبوا ويرجعوا إلى الحق.
[ خامساً: موالاة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلامته في صاحبه ]، موالاة أهل الكفر بم تكون؟ بحبهم ونصرتهم على إخواننا المؤمنين، هذه هي آية الكفر، والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من أحب الكافر ونصره على إخوانه المؤمنين؛ لأن الله قال في بيان المؤمنين والمؤمنات بحق وصدق: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، والمؤمنون بحق وصدق والمؤمنات بحق وصدق من هم؟ ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )[التوبة:71]، أي: يتحابون ويتعاونون ويتناصرون، فالذي لا يحب المؤمن -والله- ما هو بالمؤمن، والذي ينصر الكافر على المؤمن -والله- ما هو بمؤمن؛ إذاً لا بد من الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات، وهي الحب من بعضهم لبعض، والنصرة من بعضهم لبعض، أما أننا نحب أعداء الله وننصرهم على أولياء الله فأعوذ بالله.. أعوذ بالله! هذا هو الكفر الذي ما بعده كفر، دل على هذا قوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[المائدة:81]، والفاسق: الخارج عن طاعة الله ورسوله، هو الذي يتحول إلى أن يحب أعداء الله ويكره أولياء الله، يتحول إلى أن يصبح ينصر الظلمة والمشركين والكافرين على المؤمنين والموحدين والمسلمين.

هذا والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعلى سائر المؤمنين.
عباد الله! آخر ما نقول: ينبغي أن نعرف كيف نعبد الله؛ إذ لا سبيل إلى النجاة إلا بمعرفة كيف نعبده، ثم نعبده بما شرع، وعبادة فيها ضلالة وفيها خرافة، وعقيدة فيها الزيغ والزيادة كل هذا خسران كامل، لا بد من أن نعبد الله بما شرع، وبذلك تطهر أنفسنا وتزكو أرواحنا وندخل دار السلام بقضاء الله وحكمه، إذ قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

اللهم زك أنفسنا أنت خير من زكاها، وآتها تقواها أنت وليها وموالاها يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #668  
قديم 11-07-2021, 02:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (37)
الحلقة (347)
تفسير سورة المائدة (42)
تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات من سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وشرعنا في دراستنا بالأمس، وها نحن نواصل اليوم إن شاء الله تعالى، فهيا نستمع إلى تلاوة الآيات المباركات وكلنا يتأمل ويتدبر ويحاول أن يفهم مراد الله من هذه الآيات الكريمة، ثم نأخذ -إن شاء الله- في شرحها كما هي في هذا الكتاب.
فهيا نتلوها ونتغنى بتلاوتها مرتين أو ثلاثاً وكلنا يتأمل ويتفكر ويتدبر، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، فإن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً تركناه وابتعدنا عنه، وإن كان أدباً تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان علماً علمناه من أجل أن نستنير به طول حياتنا، فحقق اللهم تعالى ذلك لنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:82-86].

هيا نتأمل: من القائل: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82] ؟ الله عز وجل، هذه آيات كتابه القرآن الكريم، الذي أنزله على مصطفاه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: ( لَتَجِدَنَّ )[المائدة:82]، كأنما قال: وعزتنا ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، من هم الذين آمنوا؟ والله! إنهم لنحن، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:82]، أي: بالله رباً وإلهاً، وبالقرآن كتاباً وبمحمد نبياً ورسولاً، الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر، هم المؤمنون.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً )[المائدة:82]، والعداوة بغض في النفس يحمل صاحبه على أن يبتعد من المؤمنين، ولا يقربهم ولا يأمل لهم خيراً ولا يحب لهم خيراً.

سبب عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، عرفنا عن اليهود أن الصورة بينت حالهم وفضحت واقعهم، اليهود المعروفون، ( وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، هم المشركون الكافرون، ولو قيل لك: من يحب المؤمنين؟ فالجواب: والله! لا يحبهم إلا مؤمن، وكل الناس غيرهم عدو لهم، لكن من أشد عداوة لهم؟ اليهود والمشركون، اليهود لأنهم يحلمون بدولتهم أو مملكتهم التي تسود العالم، والذين يقفون حجر عثرة في طريق حلمهم وتحقيقه هم المؤمنون، فلهذا يبغضونهم ويعادونهم أشد العداوة؛ لأنهم في طريقهم ما يستطيعون أبداً أن يحققوا مملكة وجودهم والمؤمنون موجودون في الطريق.والذين أشركوا لأنهم كفرة، فجرة، لا يريدون ديناً ولا استقامة ولا منهجاً ولا عدلاً ولا حقاً ولا توحيداً، يعيشون على الضلال فيكرهون المؤمنين لهذا.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )[المائدة:82]، من أخبر بهذا؟ الله جل جلاله، هل يمكن أن يخبر الله بغير الواقع؟ تعالى الله عن ذلك، أليس هو العليم الحكيم؟

إذاً: والله! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والمشركون، والله الذي لا إله غيره! لأشد الناس عداوة لكم أيها المؤمنون هم اليهود والكفار المشركون.
معنى قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ...)

ثانياً: قال تعالى: ( وَلَتَجِدَنَّ )[المائدة:82] يا رسولنا ( أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82]ومحبة ( لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )[المائدة:82]، أتباع عيسى ابن مريم عليه السلام، النصارى بحق الذين آمنوا بعيسى وألهوه، من حيث العطف والإحسان والرحمة ورقة القلب، ولكن استولت عليهم اليهودية وحولتهم من نصارى إلى بلاشفة، إلى علمانيين، إلى ملاحدة، لا يؤمنون بالله ولا بعيسى ولا بأمه، يقولون: لا إله والحياة مادة، من هنا ذهبت تلك الرحمة وزال منهم ذلك الإحسان وذلك العطف، وذلك الرفق بالناس حتى بالحيوانات؛ لأن القلوب هي التي كانت تعطف وترحم فقلبوها، حولوها إلى مادة. (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً )[المائدة:82] لنا نحن المؤمنين ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ([المائدة:82]، واسمع التعليل الرباني، يقول عز وجل: ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا )[المائدة:82]، القسيسون: واحدهم قسيس، ويجمع على: قسس وقساوس وقسيسين، والقسيس: هو العالم العابد، العالم بتعاليم المسيح وكلها رحمة، والرهبان: جمع راهب، الذي يرهب الله، وإذا ذكر الله ارتعدت فرائسه وخاف من الله وانقطع إلى عبادته في الأديرة والصوامع، وكانوا قبل أن تلعب بهم اليهودية والماسونية، كان أحدهم ينقطع إلى عبادة الله يبكي على رأس جبل أو على دار أو صومعة، هذا إخبار الله أم لا؟ ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82] أيضاً، يتنافى الكبر والعتو والعلو مع من يرهب الله ويخافه ويعبده.
تفسير قوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ...)

ثم قال تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ )[المائدة:83] محمد صلى الله عليه وسلم، ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ )[المائدة:83]، من أجل ما عرفوا ( مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، من هم الشاهدون الذين سألوا الله أن يدون أسماءهم معهم؟ والله! إنهم لأنتم أيها المؤمنون، أما شهدتم أن لا إله إلا الله؟ أما شهدتم أن محمداً رسول الله؟ أما شهدتم أنه لا يعبد إلا الله؟ أما شهدتم أنه لا ظلم ولا فسق ولا فجور ولا كذب ولا خيانة؟ أنتم الشاهدون، سألوا الله أن يكتبهم مع الشاهدين.

تفسير قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ...)

ويقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ نحن الذين أدينا حقوق ربنا كاملة غير منقوصة وأدينا حقوق عباده، فلا نسلب مؤمناً حقه في هذه الحياة، يقولون: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ )[المائدة:84]، أي شيء يمنعنا من الإيمان بالله وما جاءنا من الحق بواسطة كتابه ورسوله، (
وَنَطْمَعُ )[المائدة:84] ونرجو ( أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84].

ذكر من نزلت فيهم الآيات الكريمات
من يعنون بالصالحين؟ والله! إنهم ليعنون المؤمنين المسلمين؛ لأن هذه الآيات نزلت في أصحمة النجاشي ملك الحبشة والجماعة التي آمنت معه، لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجموعة من مكة إلى الحبشة حينما لم يطيقوا التعذيب المسلط عليهم من أبي جهل وأضرابه من المشركين والكافرين، قال: اذهبوا إلى الحبشة فإنه يوجد فيها ملك صالح يقال له: أصحمة النجاشي ، وبالفعل مشوا فآواهم واحتضنهم وأطعمهم وسقاهم وأمنهم، ثم لما أشيع أن صلحاً تم بين محمد -صلى الله عليه وسلم- والمشركين جاءوا، فلم يجدوا شيئاً، فعادوا أيضاً، فلما عادوا وهاجر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع من هاجر من المؤمنين وكانت وقعت بدر وهزم الله المشركين هزيمة مرة، حيث قتل منهم سبعون صنديداً، وأسر منهم سبعون آخرون، فاجتمع رجال من قريش وقالوا: إذاً: نبعث برسولين من ديارنا إلى أصحمة ونطلب منه أن يعطينا أولئك المهاجرين فنقتلهم ونشفي صدورنا نقمة منهم ومن محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثوا رجلين سياسيين: عمرو بن العاص وآخر، وأتوا بهدايا فقدموها للملك أصحمة على أن يعطيهم جعفر ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، فلما وصلوا أنزلهم وهو الكريم رحمه الله، وجمع رجاله وقال: يا جعفر ! اقرأ علينا شيئاً من القرآن، فقرأ سورة مريم، وإذا بعيون القوم تفيض بالدموع والبكاء ويؤمنون، وقص الله تعالى هذا الخبر: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، ففيهم نزلت هذه الآيات، بكوا وفاضت أعينهم بالدموع.وعزم أصحمة على أن يأتي إلى رسول الله، وبعث بأولاده، وشاء الله أن تغرق بهم السفينة بالبحر، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بخبر السماء أن أصحمة قد مات، فخرج برجاله إلى هذا المكان وصلى عليه، صلى على النجاشي صلاة الغائب، فرحمة الله عليك أيها النجاشي، وفي السنة السابعة بعد غزوة خيبر جاء جعفر مع رجاله، وكانت فرحة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #669  
قديم 11-07-2021, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

شمول وصف الآيات لكثير من أفراد النصارى
بهذا عرفنا فيمن نزلت هذه الآية، وهي أيضاً عامة، فكم من قسس ورهبان لما وصلتهم دعوة الرحمن على أيدي أصحاب رسول الله وأحفادهم بكوا ودخلوا في الإسلام وانتظموا في سلك المؤمنين، مئات الآلاف، وإلى الآن لولا السياسة المنتنة واللعبة اليهودية لما ترددوا في قبول دعوة الله لو عرضت عليهم كما هي، فاليهود هم الذين فعلوا ما فعلوا، وما زالوا يعملون على تحقيق أملهم في إيجاد مملكة بني إسرائيل التي تحكم الناس من الشرق إلى الغرب، ولكن عندنا تعاليم وأخبار نبوية صادقة، واسمعوها بالحرف الواحد: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم ) أي: تقتلونهم ( حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، ولا عجب أن تنطق الأشجار والأحجار؛ إذ هي آيات النبوة المحمدية، والزمان قريب، ولا نقول: مع المهدي ولا مع عيسى، والله! ما هي إلا أن نسلم في صدق لله قلوبنا ووجوهنا، في يوم واحد والزمان متقارب والبلاد واحدة، ما هي إلا أن يجتمع المسلمون في روضة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلن عن وحدتهم وإقامة دين الله بينهم، ثم يزحفون، فيقتلون اليهود حتى ما يبقوا منهم أحداً إلا من هرب وشرد. واليهود يعرفون هذا أكثر مما يعرفه مدرسكم فضلاً عنكم، فلهذا يعملون على نشر الخبث والظلم والشر والفساد والسحر والباطل وحب الدنيا والشهوات والأطماع؛ حتى لا توجد الفئة المؤمنة التي ينطق لها الشجر والحجر كرامة لها، وليس هذا فقط في بلاد المسلمين، بل في العالم بأسره ما يريدون الطهر ولا الصفاء، ولعلكم تسمعون عن أندية اللواط في أوروبا، من أنشأها؟ والبنوك والربا من أنتجه وأخرجه إلى حيز الوجود؟ وقل ما شئت، لا يريدون الطهر ولا الصفاء؛ لأن الطهر والصفاء ينهي وجودهم، وخاصة بين المسلمين.
فاسمع ما يقول أولئك النصارى: ( وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ )[المائدة:84]، من هم القوم الصالحون؟ الذين أدوا حقوق الله كاملة فعبدوه بما شرع وحده لا شريك له، وأدوا حقوق عباده فلم يظلموا أحداً، لا بإفساد عقيدته ولا بطمس النور من قلبه بتكفيره ولا بسحره، ولا بظلمه بأخذ حقه أو انتهاك حرماته، هؤلاء هم الصالحون، ونحن إن شاء الله منهم، وفي آية الأنبياء قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ )[الأنبياء:105].
تفسير قوله تعالى: (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار ...)

ثم قال تعالى: ( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا )[المائدة:85]، أي: جزاهم بما قالوا ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:85]، عجب هذا الكلام! ( وَذَلِكَ )[المائدة:85]، أي: الجنة دار النعيم جزاء من؟ هل جزاء المسيئين المفسدين، أم المحسنين؟ جزاء المحسنين. من هم المحسنون؟ المحسنون -يا أهل الإحسان- هم الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، ففعلت فيهم تلك العبادة فعلها، أحالت نفوسهم وقلوبهم إلى نور وطهر وصفاء، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل وهو يسأله عن الإحسان: ( فأخبرني؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه )، فإن عجزت عن هذه المرتبة فانزل إلى التي تحتها فاعبده وأنت تعلم أن الله يراك، والذي يرزق هذه المراقبة لله ويصبح لا يقول ولا يفعل إلا تحت رقابة الله هل مثل هذا يسيء؟ والله ما يسيء، هذا الذي دائماً مع الله إن قال لا يقول حتى يعرف هل الله أذن له أو لم يأذن في القول، لا يأكل ولا يشرب ولا يعطي ولا يأخذ إلا تحت رقابة الله إن أذن الله في العطاء أعطى، وإن لم يؤذن له ما أعطى، إن أذن له في الكلام تكلم وإن لم يأذن سكت، هذا هو الإحسان وهو ثلث ملة الإسلام، الإسلام مركب من الإيمان والإسلام والإحسان، الدين الإسلامي مركب أو مكون من ثلاثة:أولاً: الإيمان.
ثانياً: الإسلام، أي: إسلام القلب والوجه لله.

ثالثاً: الإحسان.
وقد قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: ( أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )، يقيناً كاملاً جازماً، وقبل ذلك سأله عن الإسلام فقال: ( الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً )، وبعد ذلك سأله عن الإحسان فقال: ( أخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، الذي يعبد الله في الصلاة، في الوضوء، في الجهاد، في الكلام، في كل العبادات كأنه يرى الله هل يمكن أن يخطئ، أو يزيد وينقص أو يقدم أو يؤخر؟ الجواب: لا، فإن عجز عن هذه المرتبة السامية فهو يعبد الله وهو يعلم أن الله يراه، فكذلك لا يمكن أن يسيء في عبادته.
عرف هذا إخواننا القسس والرهبان المؤمنون فقالوا: ( وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )[المائدة:84-85]، اللهم اجعلنا منهم.
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم)

ثم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا )[المائدة:86] أولاً، ( وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[المائدة:86] الحاوية لشرائعنا وهداياتنا وتعاليمنا فلم يعملوا بها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86]، الجحيم: النار الملتهبة المتقدة، التي لا يقدر اتقادها، مأخوذة من: جحمت في النار إذا اشتعلت واشتد اشتعالها، ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86] في العالم السفلي، نعوذ بالله من النار ومن الجحيم.الآن نسمعكم تلاوة الآيات فتأملوا: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:82-86] عياذاً بالله.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
هذه الآيات بعد شرحها كما شرحنا نقول: فيها هداياتها، فانظروا كيف نجد الهدايات.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: عظم عداوة اليهود والمشركين للإسلام والمسلمين ] إذ هم المؤمنون.
[ ثانياً: قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين ]، أما الذين تحولوا إلى ماديين وبلاشفة وشيوعيون واستعماريين يريدون المال والسلطة؛ فهؤلاء انتهوا لا إحسان فيهم ولا رحمة في قلوبهم، كما هو الوقع.
[ ثالثاً: فضيلة التواضع، وقبح الكبر ]، لقوله تعالى: ( وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )[المائدة:82].

[ رابعاً: فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها ]، لقولهم: ( فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )[المائدة:83]، ومن هم الشاهدون؟ إنهم المؤمنون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويطيعون الله ورسوله.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، أما قال تعالى من آخر سورة الحديد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ )[الحديد:28]، (كِفْلَيْنِ) أي: أجرين: أجر بإيمانهم بعيسى وموسى، وأجر بإيمانهم بمحمد وطاعته، ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[الحديد:28]، ففرق بين مسيحي كان يعبد الله بالمسيحية فآمن فله أجران، ومن كان كافراً مشركاً ودخل في الإسلام فله أجر واحد.

[ خامساً: فضل الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه ]، بشرط أن يسلم قلبه ووجهه لله، ويحسن إسلامه فما يبقى لصاً ولا ماجناً.
[ سادساً: بيان مصير الكافرين والمكذبين، وهو خلودهم في نار الجحيم ] أبداً، خلود في نار جهنم.
[ سابعاً: استعمال القرآن أسلوب الترغيب والترهيب بذكره الوعيد بعد الوعد ]، ذكر الوعيد بعد ذلك الوعد العظيم، فقال: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )[المائدة:86]، وهذا من أجل هداية الخلق، يرغب ويرهب، هذا الذي يريد الخير لك يرغبك في الخير ويخوفك من الشر، أما أن يرغبك في الخير فقط ولا يهددك بالشر فستبقى في شرك.
تذكير بطريق العودة إلى الله تعالى
معاشر المستمعين! يا أبناء الإسلام! أكرر القول: هيا نسلم قلوبنا ووجوهنا قبل أن تفوت الفرصة، وهي تفوت يوماً بعد يوم، ما من يوم إلا ومات فلان وانقطع عمله، هيا نسلم قلوبنا لله فلا تتقلب قلوبنا إلا في طلب الله، ونسلم وجوهنا لله فلا ننظر إلا إلى الله، وهذا يتطلب منا أن نرجع إلى الطريق، فنجتمع في بيوت ربنا في مدننا وقرانا في صدق كاجتماعنا هذا، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وبنسائنا وأطفالنا أيضاً نجتمع في صدق نتعلم الكتاب والحكمة، ولنستمع إلى قول الله وهو يمتن علينا: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2]، دقت الساعة السادسة فوقف العمل، توضأنا وتطهرنا، وحملنا نساءنا وأطفالنا إلى أين؟ هل إلى دور السينما، إلى المراقص والمقاصف كما يفعل الهابطون اللاصقون بالأرض؟ لا، وإنما نحملهم إلى بيوت الرب، وهل للرب من بيوت؟ إي والله إنها المساجد، ونوسعها حتى تتسع لأفرادنا ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، نصلي المغرب كما صلينا ونجتمع ويكون نساؤنا وراء ستار، والأطفال كالملائكة صفوفاً ننظمهم قبل أن نأخذ في تعلم الكتاب والحكمة، ويجلس لنا عالم رباني لا يقول: قال الشيخ ولا قال إمامنا ولا قال مذهبنا، وإنما قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلم الكتاب القرآن، والسنة، وقد حفظها الله فجمعت في الصحاح والسنن والمسانيد، وليلة آية من كتاب الله نتغنى بها ربع ساعة بنسائنا وأطفالنا ونحفظها، آية فقط، ونصلي بها النوافل فلا ننساها ونعرف مراد الله منها ماذا يريد من هذه الآية، فإن كان عقيدة عقدناها في قلوبنا فلن تحل إلى القبر، وإن كان واجباً عرفناه ومن ثم نعزم على فعله والنهوض به كيفما كانت حياتنا، وإذا كان محرماً مكروهاً لله مبغوضاً له تركناه وتخلينا عنه، إن كان خاتماً في أصبعي رميته كما رماه الصحابي، وإن كانت علبة سجائر دستها عند الباب، ونصدق في إقبالنا على ربنا عز وجل، والليلة الثانية نأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله المبينة لكتاب الله، الشارحة والمفسرة لمراد الله من كلامه، وهكذا يوماً آية ويوم حديثاً، ونحن ننمو في صفاء أرواحنا وزكاة أنفسنا وآدابنا وأخلاقنا، والله الذي لا إله غيره! لن تمضي سنة على أهل الحي أو القرية إلا وهم ككوكب في هذه الدنيا، لم يبق خلاف ولا فرقة ولا نزاع ولا شقاق، لم يبق سوء في مظاهر حياتنا، لا خيانة، لا غش، لا كذب، لا خداع، لا زنا، لا فجور، لا ربا؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع أو لا؟ النار تحرق أو لا؟ الحديد يقطع أو لا؟ فهل الكتاب والحكمة لا يزكيان النفوس؟ مستحيل، وينتهي الفقر والبؤس، ونصبح ككواكب في السماء، ويأتي الناس ويؤمنون بديننا ويدخلون في رحمة ربنا.هل هناك -يا شيخ- حل غير هذا؟ والله لا وجود له، ما هو إلا الكتاب والسنة، نتلقاها بصفاء الروح وصدق النية، وكلنا راغب في أن يسمو ويعلو في الملكوت الأعلى، فهيا نجرب، فالذين يحضرون هذا المجلس هل يوجد بينهم زان، سارق، كاذب، غاش، خادع، لوطي، سباب، شتام؟ لا يوجد، لأنهم تعلموا وعرفوا.


والله تعالى أسأل أن يمدنا بعونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #670  
قديم 11-07-2021, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (38)
الحلقة (348)
تفسير سورة المائدة (43)

منهج رسول الله طريق الخلاص من المحن

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة.
معاشر المستمعين والمستمعات! نحن مع هذه الثلاث آيات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[المائدة:87-89].

معاشر المستمعين! أكثركم حجاج بيت الله الحرام، نحن على نهجنا في هذه الدعوة ندرس أربع ليالٍ كتاب الله عز وجل، وهي ليالي: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء، وندرس يوم الأربعاء (عقيدة المؤمن)، ويوم الخميس ندرس السنة النبوية الطاهرة الشريفة من الجامع الصحيح للإمام البخاري ، وندرس السيرة النبوية العطرة يوم الجمعة ليلة السبت، وهذا الذي ندعو إليه إخواننا المؤمنين في ديارهم.
يا معاشر المستمعين! اعلموا -والعلم ينفع- أنه لا سبيل لنجاتنا والخروج من فتننا وما نتعرض له من الإحن والمحن إلا العودة إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المنهج الرباني الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهجه ويدعو أمته إليه، وهو أن نجتمع في بيوت ربنا كل ليلة وطول عمرنا وحياتنا نتلقى الكتاب والحكمة، إن محننا قديماً وحديثاً ومستقبلاً هي ثمرة جهل هذه الأمة، وبعدها عن كتاب ربها وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم، إن شئت حلفت لكم بالله على أن ما نشكوه من الكذب والخيانة والظلم والخبث والشر والفساد والفتن والله إنه لثمرة الجهل بالله وبمحابه ومساخطه، وبما هيأه لأوليائه وما أعده لأعدائه، الجهل هو سبب هذا الشقاء، سبب هذه الفتن وهذه المحن، والطريق إلى أن نعلم ونتعلم هو أن نجتمع في بيوت ربنا عز وجل، وذلك كل ليلة، لا يوماً في الأسبوع ولا يومين ولا ثلاثة، دقت الساعة السادسة مساءً فنلقي بآلات العمل من أيدينا ونتوضأ ونحمل نساءنا وأطفالنا إلى بيوت الله عز وجل نتعلم كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله ما يمضي على المؤمن الصادق في إيمانه الذي يتعلم الكتاب والحكمة سنة واحدة إلا وهو من أفقه الناس وأعلمهم، وأعرفهم بمحاب الله ومساخطه وأقدرهم على فعل المحبوب لله وترك المكروه لله، وهذا هو سبيل النجاة، فها نحن في هذا المسجد طول العام، ومع الأسف الناس في المقاهي والملاهي، وفي المتاجر والملاعب، ويهجرون هذا العلم، ثم نشكو، فماذا نشكو؟ لم يوجد الظلم؟ لم يوجد الخبث؟ لم يوجد الفساد؟ لم يوجد سوء الأخلاق، لم يوجد الهبوط في الآداب؟ كيف نتأدب؟ كيف نكمل؟ كيف نسعد بدون أن نقرأ كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والله يمتن على هذه الأمة ويقول: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )[الجمعة:2].

وهذا إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام وهما يبنيان الكعبة يقولان: ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ )[البقرة:129]، واستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، ونبأه الله وأرسله وأنزل عليه كتابه، وكان يجمع أصحابه ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

فيخرج من هذا المسجد علماء لم تحلم الدنيا بمثلهم، ربانيون من أهل الصدق والكمال والعلم والمعرفة، والله! ما عرفت الدنيا أفضل من أولئك الأصحاب باستثناء الأنبياء والرسل، كيف كملوا وفازوا، وأصبحوا مضرب المثل في الآداب والأخلاق والعلم والمعرفة والطهر والصفاء، كيف حصلوا على هذا؟ والله! إنه من طريق تعلمهم الكتاب والحكمة.
العلم سبيل تحقيق التقوى

وأقول لكم في علم: أقسم لكم بالله على أن أتقى أهل القرية هو أعلمهم بالله عز وجل وبمحابه ومساخطه، في مدينتك، في حيك، أقسم لك بالله أن أتقاهم لله أعلمهم بالله، ونظير ذلك: أفجرنا في قريتنا أجهلنا بربنا وبمحابه ومساخطه، ولا نستطيع أن ننتسب إلى الإسلام بالاسم فقط ونحن ما نعرف محاب الله ولا مساخطه ولا كيف نتملق إلى الله ونتزلف إليه بما يحب أن نتملقه به من أنواع العبادات والطاعات التي شرعها، فكيف نعالج هذا المرض؟ لا علاج إلا بأن نصدق الله في إيماننا وإسلامنا ونجتمع في بيوت ربنا التي بنيناها بأيدينا أو بنيت لنا، نجتمع فيها، النساء وراءنا والفحول أمامنا والأطفال بين أيدينا، ونتعلم الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، ندرسها بعد أن نتغنى بها ونحفظها ونفهم مراد الله منها وكلنا عزم على تحقيق مراد الله منها، إن كان عقيدة اعتقدناها، وإن كان أدباً على الفور تأدبنا به، وإن كان خلقاً تخلقنا به، وإن كان واجباً نهضنا به، وإن كان محرماً ابتعدنا عنه وكرهناه وتركناه، ولا نزال نعلم ونعمل ونسمو حتى نصبح كالملائكة في الأرض طهراً وصفاء، وها نحن مع هذه الجماعة المؤمنة في هذه الحلقة، هيهات هيهات أن من لازمها سنة يسرق أو يزني أو يكذب أو يفجر أو يرابي أو يغش أو يخدع أو يخلف وعده وهو قادر على الوفاء، هيهات.. هيهات!
ولكن الذين ما يجلسون في حجور الصالحين ويتعلمون هم الذين تعبث بقلوبهم الشياطين، وتحولهم إلى الكذب والخيانة والفجور والباطل والشر والفساد، فكيف يجيء هذا؟ لأننا ابتعدنا عن فيض الرحمن وأنواره وعن الكتاب والسنة.
هذه ثلاث آيات لو يحفظها مؤمن أو مؤمنة ويفهم مراد الله منها ويعمل بها فسيسمو ويرتفع.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ...)

نداء المؤمنين لكمال حياتهم
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، يا أهل الحلقة! أجيبوا. قلنا: لبيك اللهم لبيك، ما إن ينادينا حتى نقول له: لبيك اللهم لبيك. ينادينا ربنا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:87]، ومن يعرض فقد كفر، من يغلق أذنيه ولا يسمع فقد كفر، أينادينا ذو الجلال والإكرام رب الأرض والسماء وما بينهما، الحي القيوم، خالقنا ورازقنا ثم لا نصغي ولا نستمع ولا نقول: لبيك، ولا نأخذ ما يعطينا ولا نفعل ما يأمرنا به؟ هل أموات نحن أم أحياء؟ الجواب: أهل الإيمان أحياء، الإيمان بمثابة الروح، والله إنه لبمثابة الروح، المؤمن حي يسمع، يعي، يأخذ إذا أعطي، يمتنع إذا منع؛ وذلك لكمال حياته، والكافر ميت، الكافر بالله ولقائه، بالله وكتابه، بالله ورسوله، بالله ووعده ووعيده، والله! إنه ميت، فلا يؤمر ولا ينهى؛ لأنه ميت، والبرهنة على هذه الحقيقة بلغوها: هل أهل الذمة تحت رايتنا في دولتنا الإسلامية نأمرهم بالصيام إذا دخل رمضان؟ هل نقول: يا يهود! صوموا غداً رمضان؟ لا والله. آن أوان الحج فهل نأمر يهودياً أو مسيحياً ليحج؟ لا نأمره. آن وقت الزكاة، فهل نقول: يا معشر اليهود أو النصارى في بلادنا! أخرجوا زكاة أموالكم؟ لا والله أبداً. لم؟ لأنهم أموات، إذا نفخنا فيهم روح الحياة فحييوا بالإيمان فحينئذ مرهم يفعلون، وانههم ينتهون؛ لكمال حياتهم.
فهل عرفتم الآن أن الإيمان بمثابة الروح أم لا؟ ها هو ذا تعالى ينادي المؤمنين ليأمرهم ويفعلون، لينهاهم وينتهون، ليبشرهم فيستبشرون، ليحذرهم فيحذرون، ليعلمهم فيتعلمون؛ وذلك لكمال حياتهم، ويعيش المسلمون في قراهم عشرات السنين ما يسمعون نداء الله ولا يستجيبون، فكيف هذا؟ لأنهم محرومون، أبعدتهم الشياطين عن بيوت الله وعن كتاب الله وهدي رسوله، القرآن في ديار العالم الإسلامي لا يجتمع عليه أهل القرية أو أهل الحي إلا من أجل أن يقرءوه على ميت فقط.
اسمحوا لي أقول لكم: من منكم يقول: يا شيخ! أنا كنت إذا جلست في المسجد أقول لحافظ القرآن: من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن. أو أجلس في البيت وأقول لمن يحفظ القرآن من الأسرة: من منكم يسمعنا شيئاً من القرآن ؟ أو نعمل في شركة، في مؤسسة، وجاءت ساعة الاستراحة، فمن منكم يقول: نقول لأخينا: أسمعنا شيئاً من كلام ربنا؟ الجواب: لا أحد.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن الوحي الإلهي بواسطة جبريل عليه السلام، والله العظيم! لجلس يوماً مع أصحابه فقال لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد -وهذه كنيته- اقرأ علي شيئاً من القرآن، فيعجب عبد الله بن مسعود ويقول: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأ عبد الله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء:1]، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا )[النساء:41]، وإذا برسول الله تذرف عيناه الدموع وهو يقول: حسبك.. حسبك يا عبد الله ).

فهل جلس اثنان وطلب أحدهما أن يقرأ عليه أخوه شيئاً من القرآن؟ فلهذا عمنا الظلام، وسادنا الجهل، وإن طرنا في السماء وغصنا في الماء، وحللنا ذرات الكون، وعرفنا علل الحياة، فهذا كله غير مجدٍ ولا محيٍ، وإنما الذي يجدي ويحيي الإيمان بالله ولقائه، الإيمان بالله ورسوله، الإيمان بالله وكتابه، وآية الإيمان بالله وكتابه: أن نقرأ كتابه ونتعرف على ما يحمله من أنور الإله الهادية إلى السعادة والكمال؛ لنعرف ما يحب الله وما يكره الله.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 290.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 285.14 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]