فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 96 - عددالزوار : 51508 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 14470 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 68845 )           »          انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 304 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-08-2025, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ هُودٍ
المجلد العاشر
الحلقة( 372)

من صــ 271 الى صـ 285








أي يضيفون إليه هذا التعليم، وينسبونه إليه، وعبر عنه بلفظ الإلحاد ; لما فيه من الميل، فقال: لسان هذا الشخص الذي قالوا إنه يعلمه القرآن، لسان أعجمي، وهم لم يمكنهم أن يضيفوا هذا التعليم إلى رجل عربي، بل إلى هذا الأعجمي ; لكونه كان يجلس - أحيانا - إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الأعجمي لا يمكنه التكلم بهذا الكلام العربي، بل هو أعجمي، ومحمد لا يعرف بالعجمية، لكن غاية ذلك الأعجمي كعبد بني الحضرمي أن يعرف قليلا من كلام العرب الذي يحتاج إليه في العادة، مثل الألفاظ التي يحتاج إليها في غالب الأوقات ; كلفظ الخبز والماء والسماء والأرض، ولا يعرف أن يقرأ سورة واحدة من القرآن.
فبين سبحانه ظهور كذبهم فيما افتروه، ولم يقل أحد منهم ما يمكن أن يكون شبهة من تعلمه أنباء الغيب، من علماء أهل الكتاب ونحو ذلك، وإنما قالوا ما ظهر بطلانه لكل أحد، ولم ينقل عن
أحد منهم أنه قال قولا يخفى بطلانه، بل ما يظهر كذبه لكل أحد.

فتبين أنه لم يمكنهم أن يقولوا: إنه تعلم أخبار الغيوب من أحد. وهذه القصة: قصة نوح - لا سيما قصته في سورة هود كما تقدم - لا يعلمها إلا نبي، أو من تلقاها عن نبي، فإذا عرف أنه لم يتلقاها عن أحد، علم أنه نبي ; ولهذا قال تعالى في آخرها:
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} [هود: 49].
والقول في سائر القصص، كالقول فيها.
وكما قال - في سورة يوسف -:
{ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون} [يوسف: 102].
وقال - في سورة آل عمران، لما ذكر قصة زكريا ومريم -:
{ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} [آل عمران: 44].
وقال: - في قصة موسى -:
{وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين - ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين - وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك} [القصص: 44 - 46] الآية.

والإنسان إنما يعلم مثل هذا بمشاهدة أو خبر، فنبه بقوله: (وما كنت لديهم) على أنه إنما علمت ذلك بإخبارنا وإيحائنا إليك وإعلامنا لك بذلك، إذ كان معلوما عند كل من عرفه: أنه لم يسمع ذلك من بشر، وأنه لم يكن هو ولا قومه يعلمون ذلك.
وقد قال تعالى:
{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون} [يونس: 16].
بين بذلك أن تلاوته عليهم هذا الكتاب، وإدراءهم ; أي إعلامهم به، هو بمشيئة الله وقدرته لا من تلقاء نفسه، كما قال تعالى:
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم - قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به} [يونس: 15 - 16].

فبين أنه لبث فيهم عمرا من قبله، وهو لا يتلو شيئا من ذلك، ولا يعلمه، ولا يعلمهم به، فليس الأمر من جهته، ولكن من جهة الله الذي لو شاء ما تلاه عليهم ولا أدراهم به، وتلاوته عليهم وإدراؤهم به هو من الإعلام بالغيوب الذي لا يعلمها إلا نبي، وبين أن ذلك من الإرسال الذي يحبه الله ويرضاه، لا من الكوني الذي قدره، وهو لا يحبه، ولا يرضاه؛ كإرسال الشياطين، ولهذا كانوا يعرضون عليه أن يصير ملكا عليهم، وأن يعطوه حتى يكون من أغناهم، وأن يزوجوه ما شاء من نسائهم، فيقول: " "لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر لم أستطع أن أدعه" "، وهذه الثلاث هي
مطلوب النفوس من الدنيا (السلطان والمال والنساء)، فيعرض عن قبول الدنيا التي هي غاية أماني طالبها، ويبين أنه لا يقدر على أن يدع ما أمر به من تبليغ الرسالة.

وقال تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا - ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا - إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا - وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا - سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} [الإسراء: 73 - 77].
بين سبحانه أنهم كادوا أن يمنعوه بكل طريق، فإن الإنسان إنما يتم عمله بإرادته وقدرته. فمع الإدارة الجازمة والقدرة التامة يجب وجود المقدور، وإذا تعذر أحدهما امتنع، فطلبوا تغيير إرادته ليركن إليهم فيغير ما أوحي إليه، فعصمه الله وثبته.
، ثم طلبوا تعجيزه بأن يستفزوه ويخرجوه، حتى يعجز عن تبليغ رسالة ربه، ولو كان ذلك لعاجلهم الله بالعقوبة، أسوة بمن تقدمه من الرسل، فإن الله كان إذا أراد إهلاك أمة، أخرج نبيها منها ثم أهلكها، لا يهلكها وهو بين أظهرها، كما قال تعالى:
{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33].

وهذا بعد قوله:

{وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32].
قال تعالى:
{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33].
فلما خرج من بينهم بالهجرة أتاهم الله بعذاب أليم يوم (بدر) وغيره، فقوله:
{وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73].
إشارة إلى سعيهم في إفساد إرادته.
وقوله:
{وإن كادوا ليستفزونك من الأرض} [الإسراء: 76].
إشارة إلى سعيهم في تعجيزه.

وقال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48].
بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب، لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها.
ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه، ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ.
وقال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين - نزل به الروح الأمين - على قلبك لتكون من المنذرين - بلسان عربي مبين - وإنه لفي زبر الأولين - أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء: 192 - 197].
إلى قوله.
{وما تنزلت به الشياطين - وما ينبغي لهم وما يستطيعون - إنهم عن السمع لمعزولون - فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين - وأنذر عشيرتك الأقربين - واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين - فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون - وتوكل على العزيز الرحيم - الذي يراك حين تقوم - وتقلبك في الساجدين - إنه هو السميع العليم - هل أنبئكم على من تنزل الشياطين - تنزل على كل أفاك أثيم - يلقون السمع وأكثرهم كاذبون - والشعراء يتبعهم الغاوون - ألم تر أنهم في كل واد يهيمون - وأنهم يقولون ما لا يفعلون - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء: 210 - 227].
فقال تعالى:

{وإنه لفي زبر الأولين} [الشعراء: 196].
وقال:
{أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء: 197].
وعلماء بني إسرائيل يعلمون ذكر إرسال محمد ونزول الوحي عليه، كما قال تعالى:
{الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157].
وقال:
{والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} [الأنعام: 114].
وقال:

{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} [القصص: 52].
وقال:
{وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} [القصص: 53].
ويعلمون المعاني التي فيه أنها موافقة لأقوال الرسل قبله في الخبر والأمر.
فإنه أخبر عن توحيد الله وصفاته، وعرشه وملائكته، وخلقه السماوات والأرض، وغير ذلك بمثل ما أخبرت به الرسل قبله. وأمر بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وبالعدل والصدق والصلاة والزكاة، ونهى عن الشرك والظلم والفواحش كما أمرت ونهت الرسل قبله.
والسور المكية نزلت بالأصول الكلية المشتركة، التي اتفقت عليها الرسل، التي لا بد منها، وهي الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا غيره.

وأما السور المدنية ففيها هذا، وفيها ما يختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الشرعة والمنهاج. فإن دين الأنبياء واحد كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إنا - معشر الأنبياء - ديننا واحد"، قال الله تعالى:
{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13].
وقال تعالى: {ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم - وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون - فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 51 - 53].

وقال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون - منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} [الروم: 30 - 32].
وأما الشرعة والمنهاج، فقد قال عن أهل التوراة والإنجيل والقرآن:
{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48].
وقال:

{ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين - الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون - لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج: 34 - 37].
إلى قوله:
{لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} [الحج: 67].
وأما القبلة: فلم يجعل ما ابتدعه أهل الكتاب من القبلة، فلذلك قال:
{ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148].
لم يقل: إنا جعلنا لكل وجهة، كما قال في المنسك والشرعة والمنهاج. وقال تعالى:
{وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} [طه: 133].
فإنه إذا أتاهم ببيان ما في الصحف الأولى - مع علمهم بأنه لم يعاشر أحدا من أهل الصحف الأولى، ولا استفاد منهم علما - كان هذا من أعظم الآيات من الله.

وكما أن إخباره عن أمور الغيب يدل على نبوته، فإنه يدل على أن النبوة إنباء من الله، ليس ذلك كما يقوله بعض المتفلسفة كابن سينا وأمثاله: (إنه فيض فاض عليه من النفس الفلكية أو العقل الفعال)، ويقولون: (إن النفس أو العقل هو اللوح المحفوظ، وأن من اتصلت نفسه به علم ما علمته الأنبياء)، ويقولون: (النبوة مكتسبة؛ لأن هذه صفتها)، ويقولون: (إن سبب علمه بالغيب هو اتصال نفسه بالنفس الفلكية)، وزعموا أنها اللوح المحفوظ، وأن تحريكها للفلك هو سبب حدوث الحوادث في الأرض، فتكون عالمة بما يحدث في الأرض؛ لأن العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب. فإن هذا مبني على مقدمات باطلة، قد بسط الكلام على بطلانها في مواضع أخرى:
منها: إثبات العقل الفعال.
ومنها: دعواهم أنه لا سبب للحوادث إلا حركة الفلك.
ومنها: أن المحرك له هو النفس.

ومنها: اتصال نفوسنا بتلك النفس.

والمقصود - هنا - أن هذا لو كان حقا فإنما يفيد علما بالمستقبل الذي تكون الحركة الحاضرة سببا له، أما ما قد مضى بمئين أو ألوف من السنين فليس شيء من حركات الفلك - حين مبعث الرسول - كان سببا له، وإنما تكون الحركة الموجودة في زمانه سببا للمستقبل لا للماضي، وحينئذ فلا يكون تحريك النفس للفلك سببا للعلم بهذه الأمور، ولا يكون ذلك هو اللوح المحفوظ، بل القرآن المجيد في لوح محفوظ، وهو في أم الكتاب، وهو:
{في كتاب مكنون - لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 78 - 79].
وأخبر سبحانه أنه:
{نزل به الروح الأمين} [الشعراء: 193].
وقال في آية أخرى:
{قل نزله روح القدس من ربك بالحق} [النحل: 102].
وقال: في موضع آخر:

{قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} [البقرة: 97].
وقال:
{إنه لقول رسول كريم - ذي قوة عند ذي العرش مكين - مطاع ثم أمين - وما صاحبكم بمجنون - ولقد رآه بالأفق المبين - وما هو على الغيب بضنين - وما هو بقول شيطان رجيم - فأين تذهبون - إن هو إلا ذكر للعالمين - لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 19 - 28].
وقال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} [الحج: 75].

فذكر أنه قول رسول اصطفاه من الملائكة، نزله به على رسول اصطفاه من البشر، فقال:
{إنه لقول رسول كريم - وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون - ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون - تنزيل من رب العالمين - ولو تقول علينا بعض الأقاويل - لأخذنا منه باليمين - ثم لقطعنا منه الوتين - فما منكم من أحد عنه حاجزين - وإنه لتذكرة للمتقين - وإنا لنعلم أن منكم مكذبين - وإنه لحسرة على الكافرين - وإنه لحق اليقين - فسبح باسم ربك العظيم} [الحاقة: 19 - 52].
فنزه كلا من الرسولين عما قد يشتبه به.
نزه الملك أن يكون شيطانا، ونزه البشر أن يكون شاعرا أو كاهنا، وبين برهان ذلك وآيته، فقال:
{وما تنزلت به الشياطين - وما ينبغي لهم وما يستطيعون - إنهم عن السمع لمعزولون} [الشعراء: 210 - 212].
فبين أنه ما يصلح لهم النزول به، بل هم منهيون عن ذلك، وهم ممتنعون عن ذلك لا يريدونه لمنافاته لمقصودهم، وأنهم لو أرادوا لعجزوا عن ذلك فلم يستطيعوه ; إذ كانوا معزولين عن أن يسمعوه من الملأ الأعلى، وهم إنما يقدرون على أن ينزلوا بما سمعوه لا بما لم يسمعوه، وذلك أن الفاعل للفعل إنما يفعله إذا كان مريدا له قادرا عليه.

فبين قوله:
{وما ينبغي لهم} [الشعراء: 211].
أنهم لا يريدون تنزيله.
وبقوله:
{وما يستطيعون} [الشعراء: 211].
أنهم عاجزون عن تنزيله.
أما كونهم لا يريدون ; فلأنه لا ينبغي لهم، (وينبغي) مضارع بغى يبغي: أي طلب وأراد. فالذي لا ينبغي للفاعل هو الذي لا يطلبه ولا يريده، إما لكونه ممتنعا من ذلك، أو لكونه ممنوعا منه. والشيطان إنما يريد الكذب والفجور، لا يريد الصدق والصلاح.
وما جاء به الرسول مناقض لمراد الشياطين غاية المناقضة، فلم يحدث في الأرض أمر أعظم مناقضة لمراد الشياطين من إرسال محمد، فنزول القرآن عليه، فيمتنع أن تفعل الشياطين ما لا يريدون إلا نقيضه، وهم - أيضا - ممنوعون من ذلك بحيث لا يصلح لهم ذلك ولا يتأتى منهم كما أن الساحر لا ينبغي له أن يكون نبيا. والمعروف بالكذب والفجور لا ينبغي له - مع ذلك - أن يكون نبيا، ولا أن يكون حاكما، ولا شاهدا، ولا مفتيا ; إذ الكذب والفجور يناقض مقصود الحكم والشهادة والفتيا، فكذلك ما في طبع الشياطين من إرادة الكذب والفجور يناقض أن تتنزل بهذا الكلام الذي هو في غاية الصدق والعدل، لم يشتمل على كذبة واحدة ولا ظلم لأحد.
، ثم قال:
{وما يستطيعون} [الشعراء: 211].

فإنهم عن سمع هذا الكلام لمعزولون، بما حرست به السماء من الشهب كما قال - عن الجن -:
{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا - وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} [الجن: 8 - 9].

وقد ذكرنا تواتر هذا الخبر وأن السماء حرست حرسا لم يعهده الناس قبل ذلك، ورأى الناس ذلك بأبصارهم فكانوا قد عاينوا ما أخبرهم به من الرمي بالشهب التي يرمى بها لطرد الشياطين، فعزلوا بذلك عن سمع الملأ الأعلى، وكان ما عاينه الكفار - من الرمي الشديد العام - الذي انتقضت به العادة المعروفة من رمي الشهب، دليلا على سبب خارق للعادة، ولم يحدث - إذ ذاك - في الأرض أمر لم تجر به العادة إلا ادعاءه للرسالة، فلم يعرف قبله من نزل عليه الكلام كنزوله عليه؛ إذ كان موسى عليه السلام إنما أنزلت عليه التوراة مكتوبة، لم تنزل عليه منجمة مفرقة ملقاة إليه
حفظا، حتى تحتاج السماء إلى حراستها عن استراق سمعها. والزبور تابع لشرع التوراة، وكذلك الإنجيل فرع على التوراة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 105.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.93 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]