حقوق غير المسلمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 96 - عددالزوار : 51506 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 14470 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 68838 )           »          انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 304 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق غير المسلمين

حقوق غير المسلمين

د. أمير بن محمد المدري
الحمد لله خالق الأكوان، ومُقلب الدهور والأزمان، أحمده سبحانه وأشكره، فحقٌّ للمنعِم أن يُشكَر بكل لسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الدرجات العلا من الجنان، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله المصطفى بالرسالة والتكريم على الثقلين الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى الخطى بإحسان.
وبعد:
فحديثنا اليوم عن حقوق غير المسلمين فلهم في ديننا حقوق وغير المسلمين ينقسمون منحيث الجملة إلى قسمين:
1- محاربون.
2ـ مسالمون. وهم ينقسمون أيضًا إلى قسمين:
أ- الذميون الذين يعيشون داخل الدولة المسلمة ولهم حق المواطنة.

ب- المستأمنون وهم المحاربون الذين أعطوا الأمان لدخول الدولة المسلمة إما لمصلحة دينية أو دنيوية.

وهؤلاء جميعًا سواء كانوا محاربين أو مسالمين لهم عليناخمسة حقوق:
الأول: حفظ كرامتهم الإنسانية. ومن المحافظة على كرامة غير المسلمين حقهم في مراعاة مشاعرهم، والتأكيد على أن ديننا امتداد للأديان السماوية السابقة وأننا نؤمن بجميع الرسل والأنبياء والكتب السماوية التي يؤمنون بها: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

وقد بلغ من تكريم الإسلام لهم أن الله تعالى حرّم على المسلمين سب آلهة المشركين، لأن ذلك يجرح مشاعرهم فيحملهم على سب الله تبارك وتعالى، ويكون سببًا لعنادهم وإعراضهم عن الحق، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108].

قال الإمام القرطبي «لا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلىذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية»؛ [تفسير القرطبي ج 7 ص 60].

ومن تكريم الإسلام لهم ما ثبت في صحيح البخاري أن جنازة مرّت بسهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عباده رضي الله عنهم وهما قاعدان بالقادسية، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي: أهل الذمة، فقالا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي! فقال: أليست نفسًا؟


ومن ذلك النهي الشديد عن التمثيل بجثثهم في الحرب، والنهي عن سب أمواتهم، لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، ولأن سب الأموات يؤذي الحي ولا يضر الميت. والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة.

ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان تقرير المساواة بين البشر في أصل الخلقة، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، ويقول تعالى: ] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: «يا أيها الناس! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسودو لا أسود على أحمر إلا بالتقوى، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فليبلغ الشاهد الغائب» [أخرجه أحمد في المسند 5/411، حديث رقم 23536، وصححه ابن تيمية والألباني].

الحق الثاني: التعاونمعهم على البر والتقوى وتحقيق المصالح الإنسانية النبيلة، فيما يحقق التعايش السلمي والأمن العالمي، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية قال -صلى الله عليه وسلم-:"«والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطة يُعظّمونفيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها».

الحق الثالث: تعريفهم بالإسلام وتأليف قلوبهم عليه، لأنه الدين الحق الذي ارتضاه لعباده ولا يقبل من أحد دينًا سواه. كما أن سعادة الإنسان وحفظ مصالحه في الدنيا والآخرة موقوفة على التدين به والتزامه.

الحق الرابع: مجادلتهم بالتي هي أحسن، وإقناعهم بالحق بأدلة عقلية ومنطقية مقنعة، وبأسلوب لين ومعاملة حسنة: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46] ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

الحق الخامس: العدل معهم في كل الأمور وفي جميع الأحوال.

الإسلام هو دين العدل في كل أحكامه وتشريعاته، العدل مع كل أحد، وعلى كل حال، وفي كل شيء، فبالعدل قامت السموات والأرض، ولتحقيق العدل أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، والله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. وقد أوجب العدل حتى في حال الحرب مع الكفار المحاربين، ونهى عن ظلمهم والعدوان عليهم، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، ومما يؤكد أثر التعامل الإنساني من قبل المسلمين مع أهل الذمة، وشعورَهم بالعدل ورضاهم عن حكم المسلمين: قتالهم مع المسلمين ضد النصارى عندما جمع هرقل لغزو المسلمين في موقعة اليرموك، حيث قال نصارى حمص: "لولايتكم وعدلكم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم. ونهض اليهود فقالوا: والتوراةِ لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب أو نجهد» [أبو الحسن البلاذري، فتوح البلدان، مكتبة الهلال، بيروت، لبنان، د. ط، 1983م، ص139].

والأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم والتعايش السلمي. فيجب أن نسالم من سالمنا، ونفي بالعهد لمن عاهدنا، ولا يجوز أن نقاتل إلا من قاتلنا أو منعنا من إقامة ديننا، ولا أدل على ذلك من إباحة نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم، والبيع والشراء معهم، وإقرارهم على دينهم، وعدم إكراههم على الإسلام، وبقائهم بين ظهراني المسلمين، فهذا كله يدل على أن أصل العلاقة مع غير المسلمين هي السلم. والله تعالى لم يخلق هذا الإنسان الذي كرمه وفضله على كثير من خلقه لكي يقتل وتزهق روحه بغير حق. وكلام العلماء في تقرير هذه الحقيقة كثيرة معروفة. قال الله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وقال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] وليس لتتقاتلوا ويهلك بعضكم بعضًا.

فالعدل والقسط، والبر والإحسان، والتسامح والتعايش السلمي، والتعاون على البر والتقوى وعلى تحقيق المصالح الإنسانية المعتبرة هي العناوين الجامعة لكل الحقوق الإنسانية المشروعة لغير المسلمين على المسلمين، سواءً أكانوا يعيشون داخل البلاد الإسلامية أو خارجها، وسواء أكانوا ذميين مستوطنين أو مقيمين أو سائحين أو مستأمنين.

حقوق غير المسلمين الغير محاربين:
أولًا: حقهم في البر بهم والإحسان إليهم وحسن التعامل معهم.
قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]، فأوصى بعبادته، وبالإحسان إلى خلقه من الوالدين والقرابة والجيران والأصحاب والضعفاء والمساكين. والآية عامة في جميع المذكورين، من المسلمين والكافرين، والصالحين والفاسقين، والقريبين والبعيدين. فكلهم يجب العدل في معاملتهم، والإحسان إليهم، وإن كان حق المسلم أعظم من حق الكافر، وحق القريب آكد من حق البعيد، فكل يجب له من البر والإحسان بحسب قربه ومنزلته، وعلى قدر حاجته وما يناسبه.

وعلى هذا تواطأت رسالات السماء، وأوصت به جميع الأنبياء، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83]، أي: أخذ الميثاق عليهم على ألسنة أنبيائهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يحسنوا إلى الوالدين والأرحام واليتامى والمساكين، بكل قول وفعل جميل، ثم أمر بالإحسان إلى الناس عمومًا، فقال: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة 83]، أي: قولًا حسنًا، لطيفًا رفيقًا، طيبًا مفيدًا. وهذا عام في القريب والبعيد، والبر والفاجر، والمسلم والكافر، إلا أن يكون محاربًا، قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

وقد حذف المعمول في قوله [أنتبروهم] ليشمل كل أنواع البر والإحسان، بالقول والفعل.

وإذا كنا مأمورين بالإحسان في معاملة الكفار، والبر بهم قولًا وفعلًا، تأليفًا لقلوبهم، وترغيبًا لهم في الإسلام، فكيف بالمسلمين الحنفاء؟!

فالقول الحسن يؤنس النفوس، ويفتح مغاليق القلوب، ويعين على قبول الحق والانقياد له، ويورث المحبة والتقدير لصاحبه، وهو يدل على سمو نفسه، وحسن خلقه، وعفة لسانه. وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس ا لمؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولاالبذيء"؛ [رواه الترمذي: 1977، وأحمد: 3839، والبيهقي في السنن الكبرى: 10580، والطبراني في المعجم الكبير: 10483، وأبو يعلى: 5088، وابن حبان: 192، والحاكم: 29، وصححه. وقال الترمذي: حديث حسن].

وفي الصحيحين عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «دَخَلَرَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّالرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»، وقال القرطبي: «وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا، مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يَرضى مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43-44]، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.

ويدخل في هذا الباب صور لا تحصى من البر والإحسان وحسنالخلق، ومن ذلك:
إعانة محتاجهم وسد خلاتهم.

تحيتهم ولين الجانب معهم.

تهنئتهم بمناسباتهم غير الدينية كزواج وولادة، ونجاح في دراسة، وكسب في تجارة، وقدوم غائب، وسلامة من حادث أو مرض، أو نحوها.

إجابة دعوتهم والأكل معهم.

عيادة مريضهم، وتفقد أحوالهم.

إهداؤهم وقبول هداياهم.

ومن أروع الصور التي جسّدها تعامل المسلمين مع أهل الذمة؛ "أن عمر -رضي الله عنه- مر بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت، فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده، وذهب إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه»؛ [ أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، ص126].

وقد ورد عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أنه كتب إلى عدي بن أرطأة والي البصرة: «وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرتسنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين مايصلحه»؛ [ابن سلام، أبو عبيد القاسم، كتاب الأموال، ص55. نقلا عنحقوق الإنسان في الإسلام د. عبد العزيز بن فوزان الفوزان].

ثانيًا: حقهم في الحرية الدينية.
وهذا يشمل ثلاثة أمور:
أ ـ عدم إكراههم علىالإسلام، قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، وقال جل وعلا:
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29] قال الشيخ محمد الغزالي: «إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض لم يُعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام».

وأما ما جاء في الكتاب والسنة من تحريم الردة وقتل المرتد فإن هذا ليس إكراهًا على الإسلام، بل قطعًا للطريق على المتلاعبين الذين يريدون محادة الله ورسوله ومناكفة المسلمين وتشويه صورة الإسلام وتنفير الناس منه، كما قال الله تعالى عن اليهود: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]، والعلماء يعتبرون قتل المرتد نتيجة خيانته للملة الإسلامية التي انخرط في عداد أفرادها باختياره، ثم غدرها وتنكر لها، فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم ينقب عما في قلبه، بل يبقى حاله كحال المنافقين الذين قال فيهم الله: ﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14].

ب- إقرارهم على دينهم وممارسة شعائرهم في معابدهم وفي دورهم وأماكنهم الخاصة. وكان الخلفاء يوصون قادتهم حين يخرجون للجهاد بما يكفل ذلك ويحفظه، ففي وصية أبي بكر لأسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام: «وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم ومافرغوا أنفسهم له»؛ [ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 1 ص 335].

وجاء في عهد عمر مع أهل إيلياء "القدس": «هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء منالأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئهاوسائر ملتها، لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا منصليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضارَّ أحدٌمنهم»؛ [الفاروق عمر بن الخطاب تأليف محمد رضا ص 206 طبع دار الكتب العلمية لبنان الطبعة الأولى 1398 هـ].

وعلى ذلك سار المسلمون في سائر العصور، وما الكنائس والبيَع المنتشرة في بلاد الإسلام شرقًا وغربًا منذ دخلها الإسلام إلى اليوم إلا خير شاهد على ذلك.

يقول روبرتسون: «إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بينالغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وإنهم مع امتشاقهم الحسامنشرًا لدينهم تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسك بتعاليمهمالدينية».

ج ـ حقهم في التزامهم بشرعهم والتحاكم إلى أئمتهموعلمائهم.
فلا يُلزموا بدفع الزكاة التي تلزم الأغنياء من المسلمين، لأنهم لا يعتقدون وجوبها، ولم يُفرض عليهم الجهاد مع المسلمين وإن كانوا ذميين لهم حق الإقامة والمواطنة.

وفي العقوبات قرّر الفقهاء أن الحدود لا تُقام عليهم إلا فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنا، ولا يُعاقبون فيما يعتقدون حِله كشُرب الخمر وأكل الخنزير وأكل الربا ونحوها.

وتبعًا لذلك لم يلزموا بالتحاكم إلى المحاكم الشرعية، بل يجوز لهم أن يحتكموا إلى محاكمهم الخاصة بهم، فإن جاؤوا إلينا حكّمنا بينهم بالقسط الذي شرعه الله، كما قال ربنا سبحانه: ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42].

ثالثًا: حقهم في حفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
فهذه الحقوق كلها محفوظة لهم كحقوق المسلمين فيها بعضهم مع بعض.

والحق في الحياة الكريمة هو الحق الأول للإنسان، وعليه تبنى سائر الحقوق، وبضياعه تنعدم كل الحقوق، ويعتبر حق الحياة مكفولًا بالشريعة لكل إنسان، فلا يجوز قتله بغير حق مسلمًا كان أو غير مسلم. كيف وقد جعل الله تعالى قتل نفس واحدة معصومة كقتل الناس جميعًا، وإحياء نفس واحدة وإنقاذها من الهلاك كإحياء الناس جميعًا فقال تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32] ففي هذه الآية: تغليظ أمر القتل، والمبالغة الشديدة في الزجر عنه، وتوكيد لحق الحياة الإنسانية، حتى لا يضار فيها أحد بغير حق.

بل لقد دلت السنة النبوية على أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلمًا وعدوانًا، جريمة يستحق فاعلها دخول النار.

ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْهاتأكل من خشاش الأرض ».


فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم؟!

وهناك أحاديث كثيرة تدل على تحريم قتل الكفار غير المحاربين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، ومنها ما يأتي:
1- عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل معاهدًا لميرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عامًا«؛ [رواه البخاري: 2995].

2- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا من قتل نفسًا معاهدة لهاذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد منمسيرة سبعين خريفًا« [رواه الترمذي: 1403، وابن ماجه: 2687. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح].

3- عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قتل معاهدًا في غير كنهه [أي: في غير وقته الذي يجوز فيه قتله] حرّم الله عليه الجنة»؛ [رواه أبو داود: 2760، والنسائي: 4747، وفي السنن الكبرى: 6949، والدارمي: 2504، وأحمد 5/ 36، 38، والبيهقي في السنن الكبرى: 9/ 231].

قال العلامة الشوكاني: «المعاهد: هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه»؛ [نيل الأوطار 7/ 155ـ156]، وقد أجمع العلماء قاطبة على تحريم الغدر، ووردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تنهى عن الغدر، وتتوعد فاعله بالخزي والعذاب الأليم. وإذا كان هذا الوعيد الشديد في قتل آحاد المعاهدين والذميين والمستأمنين، فكيف بنسف بيوتهم وعماراتهم، وهدمها على رؤوسهم، وقتل من فيها من النساء والصبيان؟ مع أن قتل هؤلاء من الكفار المحاربين حرام لا يجوز بإجماع العلماء إلا لضرورة [انظر: التمهيد لا بن عبد البر 24/ 233ـ234]، فكيف بنساء المعصومين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين وأطفالهم؟ وهل هذا إلا محادة لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وغدر في العهود، ونقض للعقود، وارتكاب لجريمة من أكبر الجرائم، ومظلمة من أعظم المظالم؟! مع ما فيها من تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والصد عن سبيل الله القويم، وتنفير الناس من الدخول في دينه الذي أنزله رحمة للعالمين.

حُرمة أموالهم:
وأما حُرمة أموالهم وأعراضهم فقد ذكر ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن الله عز وجل حرم أموال المسلمين والمعاهدين إلا بطيب نفس منهم، وأن المسلمين وأهل الذمة في هذا سواء. ويقول ابن قدامة: «وحكم أموال أهل الذمة حكم أموال المسلمين في حرمتها. قال علي بن أبي طالب: إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا»، ويقول القرافي: «إن عقد الذمة يوجب لهمحقوقًا علينا، لأنهم في جوارنا وفي حمايتنا وذمتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة فقد ضيع ذمة الله تعالىوذمة رسوله وذمة دين الإسلام»؛ [الفروق 3/ 14ـ15].

رابعًا: حقهم في حفظ حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
ويشمل ذلك حقهم في الأمن والحرية والعدل، وفي التعلم والتعليم، وفي التكسب وطلب الرزق، وفي العمل وشغل الوظائف الحكومية والأهلية، وفي إقامة المؤسسات والشركات، وفي مشاركة المسلمين والتعامل معهم بأنواع البيوع والمبادلات، وحقهم في التملك والتصرف، والسكنى والتنقل والسفر، والتزوج والتزويج، وفي حفظ خصوصياتهم وممتلكاتهم، وعدم التطلع على عوراتهم أو التجسس عليهم بغير حق.

وقد نص الفقهاء على أن لأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة، والنظارة على أوقاف المسلمين، والقضاء بينهم، وقيادة الجيش، ونحو ذلك. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.19 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]