تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 591 - عددالزوار : 334014 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-07-2025, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (17)
سُورَةُ ق
من صــ 11 الى صــ 20
الحلقة (665)






والمراد بالقعيد ها هنا الملازم الثابت لا ضد القائم.
قوله تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه ؛ مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم. وفي الرقيب ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه المتبع للأمور. الثاني : أنه الحافظ ، قال السدي. الثالث : أنه الشاهد ، قال الضحاك.
وفي العتيد وجهان : أحدهما : أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني : أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة. قال الجوهري : العتيد الشيء الحاضر المهيأ ؛ وقد عتده تعتيدا وأعتده إعتادا أي أعده ليوم ، ومنه قوله تعالى : {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف : 31] وفرس عَتَد وعتِد بفتح التاء وكسرها المعد للجري.
قلت وكله يرجع إلى معنى الحضور ، ومنه قول الشاعر :
لئن كنت مني في العيان مغيبا ... فذكرك عندي في الفؤاد عتيد
قال أبو الجوزاء ومجاهد : يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه. وقال عكرمة : لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه. وقيل : يكتب عليه كل ما يتكلم به ، فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا ، نحو أنطلق أقعد كل مما لا يتعلق به أجر ولا وزر ، والله أعلم. وروي عن أبي هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا فيرى الله في أول الصحيفة خيرا وفي آخرها خيرا إلا قال الله تعالى لملائكته اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة" . وقال علي رضي الله عنه : "إن لله ملائكة معهم صحف بيض فأملوا في أولها وفي أخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك" . وأخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا جدي محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا سهيل بن عبدالله قال : سمعت الأعمش يحدث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الحافظين إذا نزلا على العبد أو الأمة منهما كتاب مختوم فيكتبان ما يلفظ به العبد أو الأمة فإذا أرادا أن ينهضا قال أحدهما للأخر فك الكتاب المختوم الذي معك فيفكه له فاذا فيه ما كتب سواء فذلك قوله تعالى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ"
إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "غريب ، من حديث الأعمش عن زيد ، لم يروه عنه إلا سهيل. وروي من حديث أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله وكل بعبده ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا ربنا قد مات فلان فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى إن ، إن سمواتي مملوءة من ملائكتي يسبحونني فيقولان ربنا نقيم في الأرض فيقول الله تعالى إن أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني فيقولان يا رب فأين نكون فيقول الله تعالى كونا على قبر عبدي فكبراني وهللاني وسبحاني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة "."
قوله تعالى : {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} أي غمرته شدته ؛ فالإنسان ما دام حيا تكتب عليه أقوال وأفعال ليحاسب عليها ، ثم يجيئه الموت وهو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله تعالى وعده وأوعده. وقيل : الحق هو الموت سمي حقا إما لاستحقاقه وإما لانتقاله إلي دار الحق ؛ فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره وجاءت سكرة الحق بالموت ، وكذلك في قراءة أبي بكر وابن مسعود رضي الله عنهما ؛ لأن السكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين. وقيل : يجوز أن يكون الحق على هذه القراءة هو الله تعالى ؛ أي جاءت سكرة أمر الله تعالى بالموت. وقيل : الحق هو الموت والمعنى وجاءت سكرة الموت بالموت ؛ ذكره المهدوي. وقد زعم من طعن على القرآن فقال : أخالف المصحف كما خالف أبو بكر الصديق فقرأ : وجاءت سكرة الحق بالموت. فاحتج عليه بأن أبا بكر رويت عنه روايتان : إحداهما موافقة للمصحف فعليها العمل ، والأخرى مرفوضة تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها ، أو الغلط من بعض من نقل الحديث. قال أبوبكر الأنباري : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا علي بن عبدالله حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق قال : لما احتضر أبو بكر أرسل إلى عائشة فلما. دخلت عليه قالت : هذا كما قال الشاعر :
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر : هلا قلت كما قال الله : {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} وذكر الحديث. والسكرة واحدة السكرات. وفي الصحيح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه ركوة - أوعلبة - فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء ، فيمسح بهما وجهه ويقول : "لا إله إلا الله إن للموت سكرات" ثم نصب يده فجعل يقول : "في الرفيق الأعلى" حتى قبض ومالت يده. خرجه البخاري. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن العبد الصالح ليعالج الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول السلام عليك تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة" . وقال عيسى ابن مريم : "يا معشر الحواريين ادعوا الله أن يهون عليكم هذه السكرة" يعني سكرات الموت. وروي : "إن الموت أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير وقرض بالمقاريض" . {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي يقال لمن جاءته سكرة الموت ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه. يقال : حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل. وأصله حيدودة بتحريك الياء فسكنت ؛ لأنه ليس في الكلام فعلول غير صعفوق. وتقول في الأخبار عن نفسك : حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا إذا ملت عنه ؛ قال طرفة :
أبا منذر رمت الوفاء فهبته ... وحدت كما حاد البعير عن الدحض
*3*الآية : 20 {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}
قوله تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} هي النفخة الآخرة للبعث {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} الذي وعده الله للكفار أن يعذبهم فيه. وقد مضى الكلام في النفخ في الصور مستوفى والحمد لله.
قوله تعالى : {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} اختلف في السائق والشهيد ؛ فقال ابن عباس : السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم الأيدي والأرجل ؛ رواه العوفي عن ابن عباس. وقال أبو هريرة : السائق الملك والشهيد العمل. وقال الحسن وقتادة : المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها. وقال ابن مسلم : السائق قرينها من الشياطين سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها. وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر : {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} سائق : ملك يسوقها إلى أمر الله ، وشهيد : يشهد عليها بعملها.
قلت : هذا أصح فإن في حديث جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل له إن الله لا اله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله واكتبه شقيا أو سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته فإذا جاءه الموت ارتفع ذلك الملكان ثم جاء ملك الموت عليه السلام فيقبض روحه فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فأنشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والآخر شهيد ثم قال الله تعالى {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لتركبن طبقا عن طبق} قال :" حالا بعد حال "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم "خرجه أبو نعيم الحافظ من حديث جعفر بن محمد بن علي عن جابر وقال فيه : هذا حديث غريب من حديث جعفر ، وحديث جابر تفرد به عنه جابر الجعفي وعنه المفضل. ثم في الآية قولان : أحدهما أنها عامة في المسلم والكافر وهو قول الجمهور. الثاني أنها خاصة في الكافر ؛ قاله الضحاك."
قوله تعالى : {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قال ابن زيد : المراد به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة في قريش في جاهليتهم. وقال ابن عباس والضحاك : إن المراد به المشركون أي كانوا في غفلة من عواقب أمورهم. وقال أكثر المفسرين : إن المراد به البر والفاجر. وهو اختيار الطبري. وقيل : أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن أن كل نفس معها سائق وشهيد ؛ لأن هذا لا يعرف إلا بالنصوص الإلهية. {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} أي عماك ؛ وفيه أربعة أوجه : أحدها إذ كان في بطن أمه فولد ؛ قاله السدي. الثاني إذا كان في القبر فنشر. وهذا معنى قول ابن عباس. الثالث وقت العرض في القيامة ؛ قاله مجاهد. الرابع أنه نزول الوحي وتحمل الرسالة. وهذا معنى قول ابن زيد. {فبصرك اليوم حديد} قيل : يراد به. بصر القلب كما يقال هو بصير بالفقه ؛ فبصر القلب وبصيرته تبصرته شواهد الأفكار ونتائج الاعتبار ، كما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص والأجسام. وقيل : المراد به بصر العين وهو الظاهر أي بصر عينك اليوم حديد ؛ أي قوي نافذ يرى ما كان محجوبا عنك. قال مجاهد : {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن سيئاتك وحسناتك. وقال الضحاك. وقيل : يعاين ما يصير إليه من ثواب وعقاب. وهو معنى قول ابن عباس. وقيل : يعني أن الكافر يحشر وبصره حديد ثم يزرق ويعمى. وقرئ {لَقَدْ كُنْتَ} {عَنْكَ} {فَبَصَرُكَ} بالكسر على خطاب النفس.
*3*الآية : 23 - 27 {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ َلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}
قوله تعالى : {وَقَالَ قَرِينُهُ} يعني الملك الموكل به في قول الحسن وقتادة والضحاك. {هذا ما لدي عتيد} أي هذا ما عندي من كتابة عمله معد محفوظ. وقال مجاهد : يقول هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله. وقيل : المعنى هذا ما عندي من العذاب حاضر. وعن مجاهد أيضا : قرينه الذي قيض له من الشياطين. {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} قال ابن زيد في رواية ابن وهب عنه : إنه قرينه من الإنس ، فيقول الله تعالى لقرينه : {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} قال الخليل والأخفش : هذا كلام العرب الفصيح أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول : ويلك ارحلاها وازجراها ، وخذاه وأطلقاه للواحد. قال الفراء : تقول للواحد قوما عنا ، وأصل ذلك أن أدنى ، أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره أثنان فجرى كلام الرجل على صاحبيه ، ومنه قولهم للواحد في الشعر : خليلي ، ثم يقول : يا صاح. قال امرؤ القيس :
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب
وقال أيضا :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقال آخر :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
وقيل : جاء كذلك لأن القرين يقع للجماعة والاثنين. وقال المازني : قوله {أَلْقِيَا} يدل على ألق ألق. وقال المبرد : هي تثنية على التوكيد ، المعنى ألق ألق فناب {أَلْقِيَا} مناب التكرار. ويجوز أن يكون {أَلْقِيَا} تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب به الملكين. وقيل : هو مخاطبة للسائق والحافظ. وقيل : إن الأصل القين بالنون الخفيفة تقلب في الوقف ألفا فحمل الوصل على الوقف. وقرأ الحسن {أَلْقِيَنَ} بالنون الخفيفة نحو قوله : {وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف : 32] وقوله : {لنَسْفَعاً} [العلق : 15 ] . {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}
أي معاند ؛ قال مجاهد وعكرمة. وقال بعضهم : العنيد المعرض عن الحق ؛ يقال عند يعند بالكسر عنودا أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند ، وجمع العنيد عند مثل رغيف ورغف. {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} يعني الزكاة المفروضة وكل حق واجب. {مُعْتَدٍ} في منطقه وسيرته وأمره ؛ ظالم. {مُرِيبٍ} شاك في التوحيد ؛ قاله الحسن وقتادة. يقال : أراب الرجل فهو مريب إذا جاء بالريبة. وهو المشرك يدل عليه قوله تعالى : {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة. وأراد بقوله : {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أنه كان يمنع بني أخيه من الإسلام. { فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} تأكيد للأمر الأول.
قوله تعالى : {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر العنيد تبرأ منه وكذبه. { وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق وكان طاغيا باختياره وإنما دعوته فاستجاب لي. وقرينه هنا هو شيطانه بغير أختلاف. حكاه المهدوي. وحكى الثعلبي قال ابن عباس ومقاتل : قرينه الملك ؛ وذلك أن الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب سيئاته : رب إنه أعجلني ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته أي ما أعجلته. وقال سعيد بن جبير : يقول الكافر رب إنه زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته أي ما زدت عليه في الكتابة ؛ فحينئذ يقول الله تعالى : {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يعني الكافرين وقرناءهم من الشياطين. قال القشيري : وهذا يدل على أن القرين الشيطان. {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أي أرسلت الرسل. وقيل : هذا خطاب لكل من اختصم. وقيل : هو للاثنين وجاء بلفظ الجمع. {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} قيل هو قوله : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام : 160] وقيل هو قوله : {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة : 13] . وقال الفراء : ما يكذب عندي أي ما يزاد في القول ولا ينقص لعلمي بالغيب . {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} أي ما أنا بمعذب من لم يجرم ؛ قال ابن عباس. وقد مضى القول في معناه في "الحج" وغيرها.
*3*الآية : 30 - 35 { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}
قوله تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} قرأ نافع وأبو بكر { يوم يقول} بالياء أعتبارا بقوله : { لا تختصموا لدي} . الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة. وقرأ الحسن "يوم أقول" . وعن ابن مسعود وغيره "يوم يقال" . وأنتصب "يوم" علي معنى ما يبدل القول لدي يوم. وقيل : بفعل مقدر معناه : وأنذرهم {يوم نقول لجهنم هل أمتلات} لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها. وهذا الاستفهام على سبيل التصديق لخبره ، والتحقيق لوعده ، والتقريع لأعدائه ، والتنبيه لجميع عباده. "وتقول" جهنم {هل من مزيد } أي ما بقي في موضع للزيادة ؛ كقوله عليه السلام : "هل ترك لنا عقيل من ربع أومنزل" أي ما ترك ؛ بمعنى الكلام الجحد. ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة ؛ أي هل من مزيد فأزداد ؟ . وإنما صلح هذا للوجهين ؛ لأن في الاستفهام ضربا من الجحد. وقيل : ليس ثم قول وإنما هو على طريق ، المثل ؛ أي إنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك ؛ كما قال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قَطني ... مهلا رويدا قد ملأتَ بطني
وهذا تفسير مجاهد وغيره. أي هل في من مسلك قد امتلأت. وقيل : ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح. وهذا أصح على ما بيناه في سورة "الفرقان" وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط به بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" لفظ مسلم. وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة : "وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا" . علماؤنا رحمهم الله : أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار ، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار. وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم ؛ يقال : رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد ، فال الشاعر :
فمر بنا رجل من الناس وانزوى ... إليهم من الحي اليماني أرجل
قبائل من لخم وعكل وحمير ... على ابني نزار بالعداوة أحفل
وبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال : ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه ، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته ، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة : قط قط حسبنا حسبنا! أي اكتفينا اكتفينا ، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر. فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم ؛ ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث : "ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله. وقال النضر بن شميل في معنى قوله عليه السلام : "حتى يضع الجبار فيها قدمه" أي من سبق في علمه أنه من أهل النار.
قوله تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي قربت منهم. وقيل : هذا قبل الدخول في الدنيا ؛ أي قربت من قلوبهم حين قيل لهم اجتنبوا المعاصي. وقيل : بعد الدخول
قربت لهم مواضعهم فيها فلا تبعد. {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي منهم وهذا تأكيد . {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} أي ويقال لهم هذا الجزاء الذي وعدتم في الدنيا على ألسنة الرسل. وقراءة العامة. {تُوعَدُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ ابن كثير بالياء على الخبر ؛ لأنه أتى بعد ذكر المتقين. {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أواب أي رجاع إلى الله عن المعاصي ، ثم يرجع يذنب ثم يرج هكذا قاله الضحاك وغيره. وقال ابن عباس وعطاء : الأواب المسبح من قوله : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ : 10] . وقال الحكم بن عتيبة : هو الذاكر لله تعالى في الخلوة. وقال الشعبي ومجاهد : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود. وقال عبيد بن عمير : هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال : كنا نحدث أن الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده ، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا. وفي الحديث : "من قال إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر الله له ما كان في ذلك المجلس" . وهكذا كان النبي صلى صلى الله عليه وسلم يقول. وقال بعض العلماء : أنا أحب أن أقول أستغفرك وأسألك التوبة ، ولا أحب أن أقول وأتوب إليك إلا على حقيقته.
قلت : هذا استحسان واتباع الحديث أولى. وقال أبو بكر الوراق : هو المتوكل على الله في السراء والضراء. وقال القاسم : هو الذي لا يشتغل إلا بالله عز وجل. {حَفِيظٍ} قال ابن عباس : هو الذي حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها. وقال قتادة : حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته وأتمنه عليه. وعن ابن عباس أيضا : هو الحافظ لأمر الله. مجاهد : هو الحافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر. قال الضحاك : هو الحافظ لوصية الله تعالى بالقبول. وروى مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حافظ على أربع ركعات من أول النهار كان أوابا حفيظا" ذكره الماوردي.
قوله تعالى : {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} {مَنْ} في محل خفض على البدل من قوله : {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أو في موضع الصفة لـ {أَوَّابٍ} . ويجوز الرفع على الاستئناف ، والخبر




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 150.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 148.92 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.14%)]