|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج بقلم: دكتور عيسى عبده المقال الثاني الاقتصاد المعاصر يحفظ الدارسون عن ظهر قلب .. إن المدارس التي تابعت وتركت لنا هذا القدر الهائل من الفكر والرأي هم التجاريون، فالطبيعيون فأنصار الرأسمالية فخصومها .. وخصومها هؤلاء يقال لهم (( اشتراكيون )) على التعميم، وهم فرق .. بعضها مشهور وبعض آخر لا يستوقف النظر عند غير المتخصصين كالتعاونيين .. ذلك أن التعاون في الفكر الاقتصادي .. قد بدأ في صورة حركة مضادة لبعض الرأسمالية حين اتخذ البعض صورا خاصة من التجارة ثم الصناعة .. وهكذا بدأ التعاون. ومن الفرق المناهضة للرأسمالية أيضا .. جماعات لا تدل أسماؤها على المبادئ لأول وهلة .. كدعاة الإصلاح .. فهؤلاء اشتركيون بدورهم. ومن المذاهب ما يتخذ اسما له تاريخي يلقي ضوءا كاشفا على اختيار اللفظ وعلى مصدر الفكر والرأي .. كالماركسية والشيوعية .. ولكن حتى هذه المذاهب الصريحة يطيب لها أن تدعى بأنها وحدها تعمل على نشر الاشتراكية وأن ما عدها هو جهد العقل أو هو مرحلة تؤدي إلى ما بعدها. ولعرض هذه المادة في إطار العام أساليب متفق عليها .. منها اتخاذ الأحداث التاريخية أساسا للتقدم من خطوة لأخرى .. ومنها اتخاذ الفكر أصلا والأحداث تبعا، ولكن الصواب هو اعتبار كل من الفكر والرأي ووقائع التاريخ مفردات تدور مع الزمن، فبعضها يكون السبب أحيانا ويكون النتيجة أحيانا أخرى .. فارتقاء الوعي بين جماعات العمال مثلا، قد كان سببا في حركاتهم وما وصلوا إليه من المركز المميز في بعض المجتمعات .. ومن هذا المركز بدأت حركات أخرى تلتها أحداث .. ولذلك يتعذر القول بأن التقدم التكلنولوجي كان سببا في زيادة الحقوق السياسية للأفراد، أم أن هذا التقدم كان من نتائج التحرر والمساواة في مجتمعات كان ترسف في العبودية ألف عام في أدق التقديرات التي سجلها التاريخ. نقول بأنه يتعذر القطع بواحد من الرأيين .. وما بنا من حاجة إلى ترجيح قول على قول لأن النقاط الواقعة على دائرة (هكذا عجلة الزمان) تدور وتتباول مراكز التقدم والتبعية مع الدوران، وهذه من طبائع الأشياء .. إذن من الصواب أن نقول بتكامل الآراء والأحداث وتلاحقها في ترابط دائري. ومن أساليب عرض المادة أيضا .. اختيار الأشخاص الذين عاشوا زمنا وجمعتهم فكرة ومجموعة من الآراء .. ولهم في حياتهم أنصار ولهم بعد ذلك تابعون .. كما كان لهم خصوم. وأسلوب ثالث يقوم على التصنيف .. فيميز الفكر والرأي والنظام والسياسة والعقيدة والمذهب. ويضع هذا كله في موضعه المنفصل عن علم الاقتصاد إذ العلم لا يضع (( الفكر )) للآراء والأهواء وتتابع الأحداث وإنما يتألف العلم من مفردات ثاتبة تقوم بينها نسب وصلات ولا يملك الإنسان بكل ما أوتي من حيله أن ينال من هذه الأوضاع .. ونجد هذا واضحا في النظرة الاقتصادية التي تقوم على الحقائق المجردة من الفكر والرأي .. كنظرية النقود مثلا وفعل التضخم في مستويات الأسعار .. هذا من علم الاقتصاد .. وقد ينجح التدخل المقصود (استنادا إلى السلطة) في تعطيل بعض الآثار أو إخفائها عن الأنظار أو تلطيفها زمنا، ولكنها واقعة حتما إذا اجتمعت أسبابها وليس للإنسان رأي في هذا. وإنما يطول الجدل أحيانا حين يغيب عن الباحث أن حياة المجتمع الإنساني وما تزخر به من ظاهرات معلنة أو خفية .. تخضع لقوانين ثابتة تفرض سلطاتها ولو في المدى الطويل .. ولا تختلف هذه القوانين عن نظائرها التي تحكم الجوامد والطاقات .. من حيث الثبات والترابط التام بين المقدمات والنتائج. ومن أسلوب التصنيف أيضا أن يدور البحث في ميدان محدد بمعالمة الخاصة به .. كالبحث في التجارة الخارجية وحدها أو السكان أو المصارف .. غير مراحل التاريخ وفي ظل النظم والسياسات على ما بينها من تشابه أو افتراق. وباختلاف أساليب العرض كان التكرار في الأمر الواحد من زاية وثانية وثالثة، وقد أتاح هذا التكرار فرصة الموازنة ومن ثم الوضوح، ولكن الإسراف في أي شيء يقلب الأوضاع، ولذلك يقال بأن الكثير من قضايا الفكر الاقتصادي لم يزد على وفرة العرض لا غموضا وبخاصة حين يتوسع الباحث ليربط الاقتصاد بجملة الدراسات الإنسانية. سنذكر هذا كله، إذن، بأبسط الأساليب وأكثرها أمنا .. سنعرض للأحداث والوقائع والأشخاص جميعا في تتابع زمني مع أحكام الربط بين هذه المفردات على مراحل مميزة ولئن كان اختيار الثورتين الصناعية والفرنسية بداية للدراسات الاقتصادية على نهج علمي .. أمرا مسلما .. إلا أنه من المتفق عليه أيضا أن مقدمات هامة قد وقعت قبل ذلك ببضعة قرون، وبخصاة تلك الكشوف الجغرافية التي توالت من القرن الخامس عشر وكانت لها آثار مباشرة على الفكر الاقتصادي عند الأفراد والجماعات .. وعند رجال الحكم والسياسة .. وهذا ما نعرض له بالإشارة البعيدة فيما يلي .. لمجرد التنبيه إلى ما قبل القرن الثامن عشر من أحداث لها صلة بالدراسات الاقتصادية من عهد آدم سميت فنقول: كان الدافع الأكبر لتنظيم التجارة إلى القرون الوسطى هو توفير الثراء لكل من الفرد والمجتمع .. وتركز مفهوم الثراء في المعادن النفيسة لأنها مقبولة عند كل مجتمع في المبادلات العادية، ولأنها صالحة لدفع رواتب الجند وشراء أسرار الأعداء ورشوة القواد، وهكذا كان موضع التجارة ثانويا بالنسبة لموضع المعادن النفيسة .. ولكن كشف الأمريكيتين وطريق رأس الرجاء الصالح في ختام الخامس عشر أعطى للتجارة وزنا لا عهد للناس به، في غرب أوروبا وفي انجلترا بوجه خاص. وهكذا بدأ الاهتمام بالتجارة كفرع مميز من فروع النشاط الاقتصادي .. يأخذ سمته نحو الصدارة ومن أجل التجارة وعلى أساس المصالح التي يمكن أن تحققها وضعت السياسات وأبرمت العهود والمواثيق وقامت الحروب وتحركت أفاج من البشر في هجرات متلاحقة في أكثر من اتجاه، كل ذلك سبيل الإثراء السريع عن طريق التجارة إذ تبين بوضح أن مضاعفة القيم بهذا الأسلوب وفي هذا العهد بالذات قد كان فريدا وغير مسبوق. كان طبيعيا أن تمتد آثار هذه الأفكار الحديثة عندئذ إلى مراكز الإنتاج فخضعت السلعة في مواصفاتها وفي كمياتها إلى ما يمليه الطلب في الأسواق الجديدة وبخاصة في أمريكا الشمالية والأجور بدورها .. وضعت في إطار يحفظ على التجارة إزدهارها .. بل إن سلوك الفرد في إنفاق دخله من العمل أو من غيره خضع للقواعد الآمرة التي كانت تجيء من السلطات على النحو الذي يكفل للتجارة استمرار الرواج .. وهكذا تكاثرت الأوامر والتوجيهات .. وتوافرت القواعد الحاكمة للنشاط الاقتصادي في أكثر من مجال، بعد أن كان المجال الوحيد الذي يتسع لهذا النشاط الذهني هو مجال المعادن النفيسة. وبهذا التوسع في دراسة سلوك الناس في كل من الإنتاج والاستهلاك بقصد تحقيق الثراء الكبير للأفراد والشعوب عن طريق التجارة، بدأت الدراسات العلمية المبكرة التي ميزت جماعات من الساسة والحكام والتجار .. ومن جملة هذه الآراء والقواعد الآمرة تألفت مادة الاقتصاد في عهد التجاريين، واتسع مجال التطبيق حتى شمل حياة الفرد والشعب وسياسة الدولة في السلم والحرب، كما امتد سلطان هذه المدرسة الهامة من مدارس الفكر الاقتصادي إلى الهجرات التي نشطت من بعد القرن الخامس عشر .. ثم بقيت قبضة التجاريين شديدة نسبيا زهاء قرنين ونصف قرن .. أعني من السادس عشر إلى أواسط الثامن عشر .. وكان الميراث الفكري الذي عاش كل هذه المدة يلتزم بالخط الرئيسي لهذه المدرسة، وو يقضي بتحصين المصالح القومية عن طريق رواج التجارة وأن ترتب على ذلك تتابع الأوامر والنواحي الحاكمة لسلوك الأفراد وهم بسبيل الإنتاج والاستهلاك، وإن اقتضى أيضا إسقاط حكومات وإزالة دول من الجود .. على أن هذا الميراث الفكري لم يستمر خالصا كما بدأ، وإنما - مع مرور الزمن - ظهرت اعتراضات من أتباع التجاريين أنفسهم .. لا بالتنكر للمذهب الذي عرفت به مدرستهم، بل بالخلاف فيما بينهم على وسائل التنفيذ ... ومن أشهر مظاهر الخلاف .. قول بعضهم إن الهدف الأخير من ازدهار التجارة ونجاحها لا يصدم بالمعيار القديم للثراء وهو توفير المزيد من كميات المعدن النفيس داخل حدود الإقليم، ورتبوا على ذلك أمرا كان له ما بعده .. فقالوا بأن التخفيف من القيود التي أرهقت الأفراد وبخاصة التجار بشأن استيراد المعدن النفيس وتصديره، من شأنه أن يحفزهم على مضاعفة الجهد لتحقيق الريح الخاص، ومن ثم يكون الفائض من المتاجرة بالمعدن النفيس (في ظل شيء من حرية التصرف) أكبر منه في حالة الإلزام بالقيود .. ومن هذه البداية المحدودة كانت البادرة الأولى لفكرة التحرر النسبي في النشاط الاقتصادي، وقيل عندئذ بأن المرجع في هذا هو طبائع الأشياء، ثم غلبت فكرة (( الطبيعة )) كرمز للقوى التي يعيش الإنسان بها كما يعيش بفيض من مواردها وطاقاتها. غلبت هذه الفكرة على فريق من الخاصة، في أواسط القرن الثامن عشر فأقاموا منها مبدأ يدعون إليه أو مذهبا يميزهم من غيرهم فكانت مدرسة الطبيعيين. ولقد عاشت هذه المدرسة في القمة زهاء عشرة أعوام وحسب .. ومع ذلك .. يعود الكتاب (حتى في أيامنا هذه من القرن العشرين) إلى دراسة الدقائق من حول هذا الفريق الذي لم يلبث طويلا على مسرح الأحداث والفكر جميعا، وهكذا كانت نشأة الاقتصاد المعاصر بين عهد التجاريين وظهور الطبيعيين، وكان لهذه المدرسة الأخيرة آثار جديدة بمزيد من البيان في البحث التالي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |