البحتري في وصف إيوان كسرى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 129 - عددالزوار : 1139 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 21812 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 20420 )           »          حياة البرزخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          مذاهب العلماء في نفقة الزوجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          سعي المرأة لطلب الرزق بين الوجوب وعدمه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          الغُمة الشعورية الكئيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          التفسير بالعموم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          فشكر الله له فغفر له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          وتعاونوا على البر والتقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-08-2023, 12:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى


في اخْضِرارٍ من اللِّبَاسِ على أَصْـ
ـفَرَ يَختالُ في صَبِيغَةِ وَرْسِ
وعِرَاكُ الرِّجالِ بينَ يَدَيْهِ
في خُفُوتٍ منهم وإِغماضِ جَرْسِ
من مُشِيحٍ يَهْوِي بحاملِ رُمْحٍ
ومُلِيحٍ من السِّنَانِ بِتُرْسِ
تَصِفُ العَيْنُ أنَّهمْ جِدُّ أَحْيا
ءٍ لهمْ بَيْنهمْ إشارةُ خُرْسِ
يَغْتَلِي فيهمُ ارْتِيابيَ حتَّى
تَتَقرَّاهُمُ يَدَايَ بِلَمْسِ


إن هذا لهو السِّحر بعينه! أرأيت كيف ينقل لك البحتري المنظر من خلال عينه العبقرية؟! فأنت إذا وقفت أمام صورة المعركة على جدران الإيوان، أحسستَ بالخوف، وقد اصطفَّ الجيشان متواجهين، كأنك تراهما حقيقةً بعين البصر لا بعين الخيال؟ لا، بل إنك لَترى المنايا واقفةً هناك تنتظر أن تَجمَعَ حصادَها من أرض المعركة حين يلتحم الجيشان، فتُنْتَضى السيوفُ، وتُصوَّب الرِّماحُ، وتطير الرؤوس، وتَخِرُّ الأبطال صرعى يَتَشَخَّبُ كلٌّ منهم في دماه، ثم أرأيت كيف لم يَفُتِ الشاعر تسجيلُ إشراف أنوشروان على تنظيم جنوده صفوفًا تحت علم الإمبراطورية المُرفرف في السماء، وحثِّهم على اقتحام الهول واكتساح الأعداء، وقد ارتدى شِكَّةَ القيادة الزاهية الألوان من أخضر وأصفر وأحمر، ولا تَنسَ أن تلتفت إلى تشخيصه الصفرةَ وجَعْلها تَختال في صَبيغة وَرْسٍ افتتانًا منها بجمالها؟! أو كيف يصوِّر القتال نفسَه من الهَوِيِّ بالرماح والاتِّقاءِ بالتُّروس؟!

إن الشاعر مبهور بما يرى، وإنه ليتساءل: أليست هذه معركة حقيقية؟! ولكن ما للجُند لا يتكلمون ويكتفون بالإشارات كأنهم خرسٌ قد انعقدتْ ألسنتُهم؟! ويبلغ الشك بالشاعر إلى الحد الذي يدفعه إلى أن يَمُدَّ يديه يَلمِسُ بهما الجنود وقادتهم؛ ليصل إلى برِّ الحقيقة، فتأمَّل كيف لم يَدَعْ تسجيل الحركة أو اللون أو الصوت!

ثم يلتفت الشاعر إلى ما يسود الإيوان من وحشةٍ حتى لـ:
يُتَظَنَّى من الكآبةِ أنْ يَبْـ
ـدو لِعَيْنَيْ مُصَبِّحٍ أَو مُمَسِّي
مُزْعَجًا بالفِراقِ عن أُنْسِ إِلْفٍ
عَزَّ أو مُرْهَقًا بِتَطْليقِ عِرْسِ


فتمعَّنْ كيف لم يجد الشاعر ما يصوِّر به وحشةَ الإيوان، إلا تشبيهَه بحبيبٍ قد أزعَجه هِجران حبيبتِه المُدِلَّة بجمالها غير مبالية بقلبه الذي حطَّمته، أو تَخيُّلَه عروسًا قد أرهقتْه عَروسُه التي كان مُتَدَلِّهًا في حبِّها، فطلَّقها فزادَه التطليقُ إرهاقًا إلى إرهاقٍ، ولا يَفُتْكَ ما في كلمة "العرس" من إيحاء بأن الزواج ما كاد أن يتمَّ حتى وقع الطلاق؛ مما يجعل الفِراقَ أشدَّ وأفظعَ وأبشع إيلامًا، إلا أن القصر مع ذلك يتجلَّد لما أصابَه، ولا يُظهر ضَعفًا، صُنع الإنسان الكريم الذي يَنفِر من التَّضَعْضُعِ أمام ضربات الدهر، ويظَل - رغم تتابُع البلاء - رافعَ الرأس شامخَ الأنف:
فَهْوَ يُبْدِي تجلُّدًا وعلَيْهِ *** كَلْكَلٌ مِنْ كَلاكِلِ الدَّهْرِ مُرْسي
وإذا كان البحتري حين وقف يتملَّى صورة معركة أنطاكية على جدران القصر، قد بلغ به الارتياب حدًّا جعَله يتقرَّى الجنودَ وأسلحتَهم بيده؛ ليعرفَ أهم جنودٌ حقيقيون، أم أن الأمر لا يَعدو مَجرَّدَ بَراعة في التخيل والتصوير؟! فإنه من انبهاره بجمال الإيوان بأجْمعِه وجلاله، قد شمِلتْه الحيرةُ، فلم يَعُدْ يَعرِف مَن بناه لِمَن، أهم الجنُّ قد بنوه للإنس، أم العكس؟!
ليس يُدْرَى أَصُنْعُ إِنْسٍ لِجِنٍّ *** سَكَنُوهُ أم صُنْعُ جِنٍّ لإِنْسِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 50.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.69 كيلو بايت... تم توفير 1.70 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]