«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5079 - عددالزوار : 2318549 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4665 - عددالزوار : 1602974 )           »          تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 39 - عددالزوار : 427 )           »          الوقفات الإيمانية مع الأسماء والصفات الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 145 )           »          مناقشة شبهات التكفيريين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          تكنولوجيا النانو ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 531 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 5445 )           »          تجديد الإيمان بآيات الرحمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 2890 )           »          نور الفطرة ونار الشهوة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 42548 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2023, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ...﴾

قال الله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].

ذكر الله- عز وجل- الجهاد، ثم أتبع ذلك بأحكام الحج والعمرة؛ لأن الحج كما جاء في الحديث «جهاد لا قتال فيه»[1].

قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ﴾ أي: وأكملوا الحج والعمرة لله بأركانهما وواجباتهما وسننهما- بعد الإحرام بهما، على الصفة التي شرع الله- عز وجل- كما قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم»[2].

فمن أحرم بنسك حج أو عمرة وجب عليه إتمام ذلك النسك، حتى ولو كان نفلًا، يدل على هذا قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾، فأوجب الهدي عند الإحصار- مطلقًا.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ يقول: «من أحرم بالحج أو بالعمرة، فليس له أن يحل حتى يتمهما، تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة، وزار البيت، فقد حل من إحرامه كله، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت والصفا والمروة، فقد حل»[3].

﴿ لله ﴾ أي: مخلصين لله- عز وجل- فيهما، فاشتملت هذه الآية: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ على شرطي صلاح العمل، وهما: الإخلاص لله- عز وجل- ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [النساء: 125]، أي: أخلص العمل لله- عز وجل- وهو متبع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وليس من تمام العمرة ألا تكون في أشهر الحج، كما قيل. فقد اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في أشهر الحج، بل في ذي القعدة خاصة، آخرهن مع حجته صلى الله عليه وسلم؛ حيث قرن بين الحج والعمرة، وأمر أصحابه رضي الله عنهم بالتمتع، وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»[4].

﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ الفاء: عاطفة، و«إن» شرطية. «أحصرتم» فعل الشرط ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ جواب الشرط.

والحصر لغة: المنع، أي: وإن منعتم من إتمام الحج والعمرة، أو أحدهما، بأي مانع كان، من عدو، أو مرض أو ضياع نفقة، أو ضللتم الطريق، أو غير ذلك.

عن عكرمة بن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من عرج أو كسر أو مرض فقد حل وعليه حجة أخرى»، قال عكرمة: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: «صدق»[5].

وقد ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الإحصار لا يكون إلا من عدو.

فقد روى عمرو بن دينار وطاوس وابن أبي نجيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرض، أو وجع، أو ضلال, فليس عليه شيء، إنما قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ ﴾ فليس الأمن حصرًا»[6].

والصحيح العموم؛ لإطلاق الآية.

﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ الفاء رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة اسمية و«ما» موصولة، و«استيسر» أبلغ من «تيسر»؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا، أي: فاذبحوا الذي تيسر من الهدي، أو فعليكم للخروج من النسك والتحلل من الإحرام ذبح أو نحر الذي تيسر من الهدي، من حيث وجوده وقيمته.

فإذا أهدى المحصر حلق وتحلل من إحرامه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين صدهم المشركون عام الحديبية.

ففي حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: «لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب القضية بينه وبين مشركي قريش، وذلك بالحديبية عام الحديبية، قال لأصحابه: «قوموا فانحروا واحلقوا» قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مراتٍ، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟! اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج، فلم يكلم أحدًا منهم، حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه، فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا»[7].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية؛ عرض له المشركون فردوا وجهه، قال: فنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي حيث حبسوه، وهي الحديبية، وتأسى به أناس، فحلقوا، حين رأوه حلق، وتربص آخرون، فقالوا: لعلنا نطوف بالبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله المحلقين» قيل: والمقصرين، قال: «رحم الله المحلقين» قيل: والمقصرين، قال: «والمقصرين»[8].

لكن إن اشترط عند إحرامه، ثم حصر فإنه يتحلل من إحرامه، وليس عليه هدي، لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، وأنا شاكية. فقال: «حجي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني»[9].

و«أل» في «الهدي» للعهد الذهني، أي الهدي الشرعي المعلوم، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، بأوصافه المعتبرة شرعًا، بكونه جذعًا من الضأن، أو ثنيًا مما عداه، سالمًا من العيوب التي تمنع الإجزاء.

عن جابر رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة»[10].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنمًا»[11].

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذبحوا إلا مسنة - أي ثنية- إلا أن تعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن»[12].

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يتقى من الضحايا؟ فقال: «أربعًا، وأشار بأصابعه: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي»[13].

وما لا يجزئ في الأضحية لا يجزئ في الهدي، كما أن ما أجزأ في الأضحية أجزأ في الهدي.

وقد رُوي عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما: «أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر»[14].

وظاهر قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ إجزاء كل ما تيسر مما يسمى هديًا من بهيمة الأنعام- الإبل والبقر والضأن والمعز، وتخصيص ذلك بالبدن والبقر مناف لمعنى التيسير الذي أراده الله- عز وجل- بقوله: ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾؛ لأن معنى ذلك: فليذبح ما تيسر من الهدي. وهذا ما دلت عليه السنة، وبه قال جماهير السلف وفقهاء الأمة.

فإن أهديت البدنة كاملة عن شخص واحد فهي أفضل من البقرة، وكذا البقرة أفضل من الغنم، والشاة أفضل من سبع البدنة وسبع البقرة.

وظاهر الآية أنه إذا تعسر الهدي على المحصر، لعدم وجوده، أو عدم وجود ثمنه فلا شيء عليه.

كما يؤخذ من الآية أنه لا قضاء على المحصر، سواء كان النسك الذي أحصر عنه واجبًا أو نفلًا؛ لأن الله- عز وجل- لم يذكر القضاء، لكن من لم يحج حجة الإسلام ولم يعتمر فوجوب الحج والعمرة باق في ذمته.

وإنما وجب على المحصر الحلق، مع عدم ذكره في الآية؛ لأنه ثبت بالسنة، كما في حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وحديث ابن عمر رضي الله عنهم[15].

ويجوز للمحصر الأكل من هديه، كالمتمتع والقارن، بخلاف جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونحو ذلك، فلا يجوز الأكل منه؛ لأنها من الكفارات.

قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ يحتمل عطفه على قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾، ويقوي هذا أنه أقرب مذكور.

ويحتمل أنه معطوف على قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾.

والحلق إزالة شعر الرأس بالموسى ونحوه، والمعنى: ولا تزيلوا شعر رؤوسكم؛ لأن ذلك من محظورات الإحرام.

وقاس عليه جمهور أهل العلم بقية شعور البدن، كالشارب والإبط والعانة وغير ذلك، كما قاسوا عليه تقليم الأظافر- بجامع أن ذلك كله من الترفه المنافي للشعث، الذي ينبغي أن يكون عليه المحرم.

﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ أي: إلى غاية وصول الهدي إلى محله، و«محل» يطلق على اسم الزمان واسم المكان، واختلف في المراد به، بناء على الاختلاف فيما عطف عليه قوله: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ﴾.

فمن قال هو معطوف على قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾، قال: المراد بـ«محله»: ذبحه مكان الإحصار، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما منعه المشركون من دخول مكة، نحر هديه مكانه في الحديبية، ثم حلق رأسه، وفعل أصحابه كذلك. وقيل: محله أن يصل إلى الحرم، فيذبح فيه.

ومن قال: هو معطوف على قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾، قال: المراد بـ«محله» زمان حلوله، وهو يوم العيد، ومكان حلوله، وهو الحرم، سواء كان هدي تمتع وقران، أو مما ساقه الحاج أو المعتمر من بلده.

والمعنى: حتى يذبح الهدي يوم العيد في الحرم، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 33]، وقال تعالى: ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ [المائدة: 95].

وظاهر الآية أنه لا يجوز الحلق قبل النحر، ويتأكد هذا في حق من ساق الهدي لحديث حفصة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، ما بال الناس حلوا ولم تحل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر»[16].

أما بالنسبة للمتمتع والقارن، إذا لم يسق الهدي، فيجوز في حقهما تقديم الحلق على النحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك: «افعل ولا حرج»[17].

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾.

ســبب النــزول:
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: «حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟»، قلت: لا، قال: «صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك» فنزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة».

وفي رواية عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ونحن محرمون، وقد حصره المشركون، وكانت لي وفرة، فجعلتْ الهوام تساقط على وجهي، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أيؤذيك هوام رأسك»؟ فأمره أن يحلق، قال: ونزلت هذه الآية: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}»[18].

قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾ الفاء: عاطفة، و«من» شرطية, و«كان» فعل الشرط، وجوابه جملة ﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ وربط الجواب بالفاء؛ لأنه جملة اسمية.

ومعنى قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾ أي: به مرض، يحتاج بسببه إلى حلق رأسه، سواء كان المرض بالجسد أو بالرأس.

﴿ أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ﴾ بسبب القمل ونحو ذلك، واحتاج إلى حلقه.

﴿ فَفِدْيَةٌ ﴾ أي: فليحلق رأسه، وعليه فدية، أو فحلق رأسه فعليه فدية، أو فله أن يحلق رأسه وعليه فدية، مقابل فعل المحظور، يفدي بها نفسه من العذاب، ونسكه صحيح.

فكل محظورات الإحرام لا تُفسد النسك، حجًا كان أو عمرة، ما عدا الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وفي العمرة قبل طوافها.

وهذا بخلاف سائر العبادات، فإنها تبطل بفعل المحظورات فيها، فالصلاة تبطل بالأكل، والكلام فيها ونحو ذلك، والصيام يبطل بالأكل والشرب والجماع ونحو ذلك.

والفدية في الأصل: مال أو عرض يدفع مقابل الخلاص، والخروج من تبعة ما وقع فيه الإنسان؛ قال تعالى مخاطبًا المنافقين: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الحديد: 15].

﴿ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ أي: تكون هذه الفدية ﴿ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾.

والصيام ثلاثة أيام، والصدقة إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، والنسك: الذبح، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]؛ أي: ذبحي.

والمراد بقوله تعالى: ﴿ أَوْ نُسُكٍ ﴾ ذبح شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، مما يجزئ في الهدي والأضحية.

ومجيء العطف بـ«أو» للدلالة على التخيير، أي: أنه مخير بين صيام ثلاثة أيام، أو الصدقة بإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، أو ذبح شاة كما في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، أو انسك نسيكة»[19].

ومثل حلق الرأس حلق الشارب والإبط والعانة ونحو ذلك، وكذا غيره من محظورات الإحرام- مما فيه ترفه- كتقليم الأظافر، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، والطيب- ونحو ذلك. فيجوز للمحرم فعله عند الضرورة، وعليه الفدية المذكورة، عدا قتل الصيد، ففيه جزاء مثله، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صيامًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95].

وعدا الجماع قبل التحلل الأول في الحج، وفي العمرة قبل طوافها فإنه أغلظ المحظورات وأشدها تحريمًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلا رَفَثَ ﴾ [البقرة: 197]، ويُفسد النسك، وعليه المضي فيه وإتمامه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾، وعليه قضاء الحج من قابل ونحر بدنة، وعليه قضاء العمرة على الفور وذبح شاة، وعليه التوبة إلى الله- عز وجل- مما حصل منه.

وعدا عقد النكاح فإنه من محظورات الإحرام، لكن لا فدية فيه.

وفي التخيير في الفدية بين الصيام والصدقة والنسك تيسير على من احتاج إلى حلق الرأس، ونحوه من المحظورات، كما قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].

كما أن في جعل إحدى خصال الكفارة صدقة وإطعامًا، والأخرى ذبح شاة دلالة على اهتمام الإسلام بالأعمال التي يتعدى نفعها إلى الآخرين، وفضلها على غيرها، ولهذا قال كثير من أهل العلم: الأفضل النسك، ثم الصدقة، ثم الصيام- مع أن الأصل فيها التخيير.

كما أن في عدم ذكر وقت الفدية، وهل هو قبل الحلق، أو بعده دليلًا على جواز ذلك كله.

وفي عدم ذكر مكان الفدية ما قد يدل على أنها مكان حصول المرض والأذى، وبهذا قال بعض العلماء- وبخاصة النسك والإطعام؛ لأن الأصل فعل الواجبات على الفور.

وعامة أهل العلم على أن النسك محله الحرم، وحكي عليه الإجماع، وكذا محل الإطعام عند أكثرهم، وأما الصيام فحيث شاء.

وإذا فدى بذبح النسك فليس له الأكل منه؛ لأنه من الكفارات.

قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ ﴾ الفاء: عاطفة، والجملة معطوفة على قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾، و«إذا» ظرفية شرطية غير عاملة، أي: فإذا أمنتم من العدو، وقدرتم على البيت، وعلى أداء المناسك من غير مانع أيًّا كان- وهذا- كما قال عز وجل بعد أن ذكر جواز قصر صلاة الخوف وصفتها: ﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾ الفاء: واقعة في جواب «إذا»، و«من» شرطية، و«تمتع» فعل الشرط، أي: فمن توصل بالعمرة إلى الحج، وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها، وهو الذي يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويؤدي مناسكها، ثم يتحلل منها الحل كله، ويتمتع بما كان محظورًا عليه حال الإحرام، ثم يحرم بالحج.

وقد كان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويقولون: «إذا انسلخ صفر، وبرأ الدبر، وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر»[20].

فبين الله- عز وجل- جواز التمتع في هذه الآية، وهو أفضل الأنساك عند كثير من أهل العلم، بل أوجبه بعضهم؛ لما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي من أصحابه بالتحلل من العمرة، وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت معكم»[21].

﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ جواب الشرط. وقد سبق الكلام على هذا.

والمعنى: فعليه ذبح الذي تيسر وقدر عليه من الهدي: شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، شكرًا لله- عز وجل- على نعمة التحلل والتمتع بين النسكين، وحصولهما في سفر واحد. عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح بقرة عن نسائه وكن متمتعات» [22].

ومثل المتمتع في وجوب الهدي، أو بديله الصيام للقارن بين الحج والعمرة شكرًا لله- تعالى- على الجمع بين النسكين في سفر واحد. وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قارنًا، وساق الهدي، ولم يحل من إحرامه حتى نحر هديه.

لكن بعض رواة حجته صلى الله عليه وسلم من الصحابة قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلق التمتع على القران، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى...» الحديث[23].

﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ الفاء: عاطفة، و«من» شرطية. أي: فمن لم يجد الهدي، أو ثمنه.

﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾ أي: فعليه صيام ثلاثة أيام ﴿ فِي الْحَجِّ ﴾ أي: في أثناء الحج وأيامه، وأشهره، أول وقتها منذ إحرامه إلى آخر أيام التشريق، عدا يوم العيد فيحرم صومه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومي العيدين[24].

والأفضل أن لا يصوم يوم عرفة كغيره من الحجاج؛ ليكون أقوى له وأنشط على العبادة والدعاء.

فإن لم يصمها قبل يوم العيد صامها في أيام التشريق- عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: «لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي»[25].

﴿ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ أي: وسبعة أيام إذا رجعتم إلى أوطانكم وأهلكم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: «فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله»[26].

فإن صامها في الطريق أجزأه ذلك؛ لأن المقصود- والله أعلم- من كونها إذا رجع إلى أهله أن لا تكون في الحج، مع أن صيامها في الطريق قد ينافي حكمة التيسير المقصودة للشارع؛ لأن الصيام في السفر مظنة المشقة، والأولى أن لا يصومها حتى يصل إلى بلده وأهله.

﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ تأكيد لقوله تعالى: ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [الأنعام: 38]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 4]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ [العنكبوت: 48]، وقوله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: 142].

وكما يقال: رأيت بعيني، وسمعت بأذني.

فهذا تأكيد على وجوب إتمام صيام هذه الأيام العشرة وتكميلها، وأنها- وإن كانت مفرقة- فهي في حكم المتتابعة.

﴿ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ الإشارة يحتمل أن ترجع إلى أقرب مذكور، وهو قوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ.

والمعنى على هذا أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي ولا بديله- وهو الصيام.

ويحتمل أن تعود الإشارة إلى قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾ وما بعده، والمعنى على هذا: أن التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب للهدي أو بديله الصيام خاص بمن ﴿ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾.

وهذا هو الأظهر- والله أعلم- أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام، فلا يشرع في حقه التمتع، ولا ما يوجبه من هدي أو صيام.

ومعنى: ﴿ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي: ﴿ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ ﴾ أي: سكنه الذي يسكن إليه، من زوج، ووالدين وأولاد ونحوهم.

﴿ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي: سكان الحرم وأهله، وقيل: هم أهل الحرم ومن دون المواقيت، وقيل: هم أهل الحرم ومن بينه وبين الحرم دون مسافة قصر.

والأظهر- والله أعلم- أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم وسكانه، أي: أهل مكة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما[27].

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفعل أوامره وترك نواهيه، ومن ذلك ما ذكر في هذه الآية، من المأمورات والمحظورات.

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ أي: واعلموا أن الله شديد العقوبة والمؤاخذة لمن خالف أمره وارتكب نهيه؛ لأن العلم بذلك- مع توفيق الله- عز وجل- يحمل الإنسان على تقوى الله- عز وجل- بامتثال أمره واجتناب نهيه.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه ابن ماجه في المناسك (2901)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج، والعمرة».

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 328)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 334، 335).

[4] أخرجه مسلم في الحج (1216، 1217، 1218)، وأبو داود في المناسك (1789)، والنسائي في مناسك الحج (2712)، من حديث جابر رضي الله عنه.

[5] أخرجه أبوداود في المناسك (1862)، والنسائي في مناسك الحج (2860)، والترمذي في الحج (940)، وابن ماجه في المناسك (3077)، وأحمد (3/ 450)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 335). وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

[6] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 336).

[7] أخرجه البخاري في الشروط (1731، 1732)، وأحمد (4/ 331)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 362).

[8] أخرجه أحمد (2/ 124)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 362).

[9] أخرجه البخاري في النكاح، الأكفاء في الدين (5089)، ومسلم في الحج- جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه (1207)، وأحمد (6/ 164، 202). وأخرج مسلم نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما (1208)، وكذا أبو داود في المناسك (1776)، والترمذي في الحج (941)، وابن ماجه في المناسك (2938)، وأحمد (1/ 337، 352).

[10] أخرجه مسلم في الحج (1213).

[11] أخرجه البخاري في الحج (1701)، ومسلم في الحج (1321)، وابن ماجه في المناسك (2096).

[12] أخرجه مسلم في الأضاحي- سن الأضحية (1963).

[13] أخرجه أبوداود في الضحايا (2802)، والنسائي في الضحايا (4369)، والترمذي في الأضاحي (1497)، وابن ماجه في الأضاحي (3144)، وأحمد (4/ 284).

[14] أخرجه عنهما ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 336).

[15] سبق تخريجهما قريبًا.

[16] أخرجه البخاري في الحج- التمتع والإفراد والقران (1566)، ومسلم في الحج- بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد (1229)، وأبو داود في المناسك (1806)، والنسائي في مناسك الحج (2682).

[17] أخرجه البخاري في الحج (1738)، ومسلم في الحج (1306)، وأبو داود في المناسك (2014)، والترمذي في الحج (916)، وابن ماجه في المناسك (3051)، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

[18] أخرجه البخاري في كتاب المحصر (1816)، ومسلم في الحج- جواز حلق الرأس للمحرم (1201)، وأبو داود في المناسك- الفدية للمحرم (1856- 1860) والترمذي في التفسير- سورة البقرة (2973، 2974)، وابن ماجه في المناسك- فدية المحصر (3079، 3080).

[19] سبق تخريجه.

[20] أخرجه البخاري في الحج- التمتع والقران والإفراد في الحج (1564)، ومسلم في العمرة- جواز العمرة في أشهر الحج (1240)، وأحمد (1/ 252، 261)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[21] سبق تخريجه.

[22] أخرجه أبو داود في المناسك (1756)، وابن ماجه في الأضاحي (3133).

[23] أخرجه البخاري في الحج - من ساق البدن معه (1691)، ومسلم في الحج - وجوب الدم على المتمتع (1227)، وأبو داود في المناسك- باب في الإقران (1805)، والنسائي في المناسك- باب التمتع (2732)، وأخرج البخاري (1692) عن عائشة نحوه، وكذا مسلم (1228).

[24] كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد» أخرجه البخاري في الصوم (1994)، ومسلم في الصيام (1139).

[25] أخرجه البخاري في الصوم (1998).

[26] هذا جزء من حديث ابن عمر- المتقدم- «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم...» الحديث، وقد سبق تخريجه.

[27] أخرجه البخاري في الحج (1572).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-01-2023, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... ﴾

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

1- أن للحج أشهرًا معلومات؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقال كثير من أهل العلم: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.

ولا خلاف بين أهل العلم أن الإحرام بالحج لا يصح بعد فجر يوم النحر، كما لا خلاف بينهم أن أعمال الحج لا تنتهي في اليوم العاشر، بل لا تنتهي إلا بعده؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ [البقرة: 203].
كما أن بقية الشهر كله محل لأعمال الحج التي لا يفوت وقتها كالطواف والسعي ونحو ذلك.
ففرض الحج والإحرام به في شهرين وعشرة أيام، وأعماله في ثلاثة أشهر.

2- أن الإحرام بالحج لا يصح إلا في أشهره؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾، وبهذا قال كثير من السلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، منهم ابن عباس، وجابر بن عبدالله رضي الله عنهما [1].
وعلى هذا فمن أحرم بالحج في غير أشهره لم يصح إحرامه ولم ينعقد.
وقال بعض أهل العلم ينعقد ويتحول عمرة.
وذهب جمهور أهل العلم، إلى أن الإحرام بالحج يصح في جميع أشهر السنة، وينعقد مع الكراهة.
وقالوا: معنى الآية ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ؛ أي: الحج الأفضل والأكمل حج أشهر معلومات. أي: أن الإحرام به في هذه الأشهر أفضل من غيرها.

واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]، قالوا: فهذا يعم جميع أشهر السنة.

كما احتجوا بأنه أحد النسكين، فيصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة.

وهذا القول ضعيف؛ لأن قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ يدل على أن للحج أشهرًا معلومة محدودة، ولو كان الإحرام به مشروعًا طوال السنة، ما كان لهذا التحديد فائدة.

ومثل هذا استدلالهم بالآية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾، فإن هذا الدليل عليهم، لا لهم، إذ لو كان الإحرام بالحج جائزًا في جميع السنة لم يوقت بالأهلة.

وأما قولهم: إنه أحد النسكين فيصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة، فهذا تعليل في مقابلة الدليل فلا يصح. فالحج جاء تحديده بأشهر معلومة، بخلاف العمرة، وعلى هذا فلا يلزم من صحة الإحرام بالعمرة في جميع السنة صحة الإحرام بالحج كذلك.

3- ظاهر قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ جواز فرض الحج في جميع الأشهر الثلاثة، لكن دلت السنة على أن الإحرام بالحج لا يصح بعد فجر يوم النحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه: «من شهد صلاتنا هذه- يعني صلاة الفجر في مزدلفة - وقد وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه، وقضى تفثه»[2]، وعلى هذا أجمع أهل العلم.

4- أن الإحرام بالحج، أو العمرة ينعقد بمجرد نية الدخول في النسك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ؛ أي: نوى الدخول فيه.

5- أن من أحرم بالحج وجب عليه إتمامه، حتى ولو كان نفلًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾، وكذلك العمرة، كما قال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].

6- تحريم الجماع ومقدماته، والفسوق والجدال والخصام والنزاع على المحرم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ، وهكذا سائر محظورات الإحرام.

7- توكيد حرمة الفسوق والجدال في الحج؛ لحرمة الإحرام والزمان والمكان، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].

8- الترغيب في فعل الخير، وأنه لن يضيع عند الله- عز وجل- قل أو كثر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: يعلمه- عز وجل- ويحصيه ويجازي عليه.

9- علم الله- عز وجل- بجميع أفعال العباد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، وهو- عز وجل- بكل شيء عليم.

10- وجوب الاستعداد بالزاد لسفر الحج والعمرة، والاستغناء عن الناس، فلا يجوز كون الإنسان عالة وكلًّا على الآخرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا﴾.

11- الحث على التزود بتقوى الله- عز وجل- وأنها خير زاد في الحال والمآل والمعاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.

12- أن أصحاب العقول هم الذين يتقون الله تعالى؛ لهذا خصهم بالأمر والنداء في قوله: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾. وفي هذا امتداح لهم، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

13- جواز الاتجار في الحج وطلب الرزق في البيع والشراء والتأجير، ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

14- إثبات ربوبية الله- عز وجل- الخاصة للمتقين، وأن ما يحصل عليه الإنسان في تجارته من كسب وربح- هو من فضل الله- عز وجل- وزيادته؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

15- امتنان الله - عز وجل - على عباده، والتوسعة عليهم، ودفع الحرج عنهم في طلب الفضل منه والرزق في الحج.
وفي هذا ما يظهر بجلاء سماحة الإسلام وسمو مبادئه وأحكامه، وموازنته بين متطلبات الروح والجسد.

16- مشروعية الوقوف بـ«عرفات»، وأنها من مشاعر الحج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ، وهو أعظم أركان الحج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»[3].
ولم يصفها عز وجل بالحرمة؛ لأنها خارج الحرم.

17- وجوب المبيت بمزدلفة، وأنه بعد الوقوف بـ«عرفات»؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾.

18- مشروعية ذكر الله عند المشعر الحرام، بصلاة المغرب والعشاء والفجر، ودعاء الله وتكبيره وتهليله وحمده وتوحيده- كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه.

19- حرمة مزدلفة وأنها من مشاعر الحج، وكلها موقف؛ لقوله تعالى: ﴿ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾.

20- وجوب ذكر الله- عز وجل- وشكره- على العباد على هدايته لهم، وأن يكون ذلك وفق شرعه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾.

21- إثبات الهداية لله- عز وجل- بقسميها هداية البيان والدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق؛ لقوله تعالى: ﴿ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾.

22- تذكير الله- عز وجل- لعباده- بحالهم في الضلال، قبل هدايته لهم، ليعرفوا قدر نعمة الله- عز وجل- وفضله عليهم، وعلى سائر الخلق، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فيشكروه على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾.

23- تأكيد أمر الوقوف بعرفة والإفاضة منها، والمبيت بمزدلفة؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾.

24- استواء الناس أمام أحكام الله الشرعية؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾.

25- مشروعية الاستغفار بعد الإفاضة من عرفات، والانتهاء من أعمال الحج ومناسكه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ وهو ختام الأعمال والأعمار.
26- إثبات صفة المغفرة التامة لله- عز وجل- والرحمة الواسعة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

27- مشروعية ذكر الله- عز وجل- بأنواع الذكر كلها- بعد قضاء المناسك شكرًا لله- عز وجل- على ذلك، وإتباعًا للحسنة الحسنة بعدها، وبعدًا عن الغفلة، أو الاغترار بالعمل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.

28- وجوب ذكر الله- عز وجل- وتعظيمه أكثر وأشد من تعظيم أي مخلوق من الآباء وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾.

29- تنزل القرآن في مخاطبة العرب على نحو ما هم عليه من العادات تقريبًا للمعاني لهم، وتأليفًا لقلوبهم، إذ ليس المقصود بقوله: ﴿ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ المساواة بين ذكر الله وذكر الآباء، ولا المقارنة بينهما فحق الله أعظم وأعظم، وذكره- عز وجل- أوجب وألزم.

30- انقسام الناس إلى فريقين: فريق همهم الدنيا، لا يسألون ربهم سواها، معرضين عن الآخرة، والعمل لها، وعن سؤال الله الفوز فيها- وهم عبّاد المادة والدرهم والدينار، فليس لهم في الآخرة من نصيب، إلا النار وبئس القرار؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾، وفريق وفِّقوا للعمل للدنيا والآخرة، وسؤال ربهم من خيري الدنيا والآخرة، والوقاية من عذاب النار، فلهم جزاء كسبهم، وهو الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

31- الإشارة إلى حقارة الدنيا وعظم مكانة الآخرة.

32- حاجة الإنسان إلى سؤال ربه عز وجل حسنة الدنيا والآخرة، وأن يقيه عذاب النار.

33- أن من أجمع الأدعية وأعظمها، وأحراها بالقبول قول الداعي: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ﴾.

34- إثبات الدار الآخرة، وما فيها من الجنة والنعيم، وعذاب النار والجحيم.

35- أن الله- عز وجل- قد يجيب دعوة كل داع، مسلمًا كان أو كافرًا أو فاسقًا؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾.
لكن ليست إجابته دعاء من دعاه دليلًا على محبته له، وخاصة إذا كان ذلك في أمور الدنيا؛ لأن الله- عز وجل- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، لكنه لا يعطي الدين إلا من يحب كما قال صلى الله عليه وسلم[4].

36- أن لكل من الناس نصيبًا من كسبه ثوابًا كان أو عقابًا؛ لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾.

37- إثبات الكسب للعبد؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّا كَسَبُوا ﴾ وفي هذا رد على الجبرية.

38- إثبات قرب القيامة، وسرعة حساب الله- عز وجل- للخلائق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب ﴾ أي: أن حسابه- عز وجل- سريع لقرب القيامة، كما أنه- عز وجل- يحاسب الخلق على وجه السرعة؛ لعلمه بهم وبأعمالهم، وكمال قدرته.
وقد قال بعض أهل العلم: إنه يحاسبهم في نصف يوم، ويقيل أهل الجنة فيها ذلك اليوم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24].

39- فضل ذكر الله- عز وجل- في أيام التشريق؛ لقوله- عز وجل: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾، وهذا تخصيص لها بعد التعميم بالأمر بالذكر قبلها في قوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.


40- فضل بعض الأزمنة على بعض وكذا الأمكنة.


41- جواز التعجل في اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بعد رمي الجمار، وجواز التأخر إلى اليوم الثالث عشر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وهذا من تيسير الله- عز وجل- على عباده.

42- أن على من أراد التعجل في يومين أن يخرج من مِنى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر؛ ليكون تعجله في اليومين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ؛ لأن «في» للظرفية.

43- عدم جواز التعجل في يوم واحد، أي في اليوم الحادي عشر، وأن من فعل ذلك فهو آثم؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ؛ إذ مفهوم هذا أن من تعجل بأقل منهما فهو آثم لفعله ما لا يجوز.
وهذا بيِّن اللهم إلا على قول من قال: المراد باليومين: يوم العيد واليوم الحادي عشر، وهذا لا يصح إلا على قول من قال المراد بالأيام المعدودات أربعة أيام: يوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة. وهذا القول ضعيف. والصحيح أن المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.

44- أن المعوّل عليه- هو تقوى الله- عز وجل- سواء تعجل الإنسان في يومين، أو تأخر؛ لقوله تعالى: ﴿ لمن اتقى ﴾.

45- وجوب تقوى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.

46- وجوب الإيمان بالبعث والمعاد والحساب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.

47- أن الإيمان بالحشر إلى الله والحساب أعظم واعظ يحمل على تقوى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.

[1] سبق تخريجه عنهما.

[2] سبق تخريجه.

[3] سبق تخريجه.

[4] أخرجه أحمد (1/ 377)، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-01-2023, 04:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ...﴾

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: 208 - 210].
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208].
قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فأرعها سمعك فهو خير يأمر به أو شر ينهى عنه»[1].
﴿ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ قرأ ابن عامر وأبو جعفر وابن كثير والكسائي ﴿السَّلم﴾ بفتح السين، وقرأ الباقون ﴿ السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ بكسرها.
ومعنى القراءتين واحد، والمعنى: ادخلوا في الإسلام كافة. قال الشاعر:
وعدت عشيرتي للسَّلم لما
رأيتهموا تولّوا مدبرينا
فلست مبدِّلًا بالله ربًّا
ولا مستبدلًا بالسَّلم دينًا[2]



والإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، أي: الاستسلام لله ظاهرًا وباطنًا.
﴿كافة ﴾: حال من «السلم»، أي: ادخلوا في الإسلام جميعًا، أي: التزموا وامتثلوا جميع شرائع الإسلام وأحكامه الظاهرة والباطنة، فعلًا للمأمورات واجتنابًا للمنهيات. وهذا هو مقتضى الإيمان الذي وصفهم الله تعالى وشرفهم به، وفي هذا حض وحث لهم على الاستقامة حقًا على الإيمان والإسلام والثبات على ذلك والاستزادة منه؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: 136].
ويحتمل أن تكون ﴿ كافة ﴾ حالًا من الواو في قوله: ﴿ادخلوا﴾، أي: ادخلوا جميعًا في الإسلام، أي: ككلم.
ولا مانع من حمل الآية على الاحتمالين معًا، إذ لا تنافي بينهما، فهم مأمورون بتطبيق أحكام الإسلام كلها، ومأمورون بالدخول في الإسلام كلهم.
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ أمرهم بالدخول بالإسلام كافة، ثم نهاهم عما يصدهم عن ذلك، وهو اتباع خطوات الشيطان.
قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة وخلف وأبوبكر عن عاصم بإسكان الطاء: ﴿خطْوات﴾، وقرأ الباقون بضم الطاء: ﴿خُطُوات﴾.
و﴿ خُطُوات ﴾: جمع «خطوة»، وهي في الأصل: ما بين قدمي الماشي.
و﴿ خُطُوات الشيطان﴾: طرقه ومسالكه وما هو عليه وما يأمر به من الكفر والاستكبار والخروج عن طاعة الله والفحشاء والمنكر.
كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: 21]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: 169].
﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ الجملة تعليل للنهي السابق، و«إنَّ» للتوكيد، فيها توكيد شدة عداوة الشيطان للمؤمنين.
و«العدو»: ضد الولي، وهو من يحب لك الشر، و«مبين»: بيِّن العداوة ظاهرها ومظهرها، ولهذا يجب الحذر منه، واتخاذه عدوًا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6].
قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209].
نهى الله عز وجل عن اتباع خطوات الشيطان لعداوته البينة للمؤمنين، ثم أتبع ذلك بالتحذير عن الميل والعدول عن الحق بعد بيانه، والوعيد لمن فعل ذلك في إشارة واضحة إلى أن ذلك من أعظم الاتباع لخطوات الشيطان.
قوله: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ ﴾ الفاء: عاطفة، و«إن»: شرطية، و﴿ زَلَلْتُمْ ﴾ فعل الشرط، وجوابه: ﴿فَاعْلَمُوا ﴾.
﴿ زَلَلْتُمْ ﴾: وقعتم في الزلل، وهو الخطأ والميل والعدول عن الحق.
فمعنى ﴿ زَلَلْتُمْ ﴾ أخطأتم وعدلتم وملتم عن الحق، وسمي العدول والميل عن الحق زللًا؛ لأن فيه الهلكة، نسأل الله تعالى العافية.
﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ «ما»: مصدرية، و﴿ الْبَيِّنَاتُ ﴾: صفة لموصوف محذوف، أي: الآيات البينات، أي: الواضحات في ألفاظها ومعانيها وأحكامها، والمعجزات والدلائل على الحق.
والمعنى: فإن عدلتم عن الحق من بعد مجيء البينات إليكم، أي: عن علم ويقين منكم.
﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾: جواب الشرط، وفيه تحذير وتهديد ووعيد لمن مال وعدل عن الحق، كما قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 30].
أي: فاعلموا أن الله عزيز القهر والغلبة والقوة والامتناع، لا يعجزه شيء من الانتقام ممن عصاه، ولا يفوته هارب، ولا يغلبه غالب، لا تضره معصية العاصي، كما لا تنفعه طاعة المطيع.
﴿حكيم﴾ أي: ذو الحكم التام في كل ما قدره من أحكام كونية؛ من إضلال من ضل من الخلق من هؤلاء وغيرهم، وهداية من اهتدى، وغير ذلك، وهو ذو الحكم التام في كل ما شرعه، وذو الحكم العدل في جزائه ومعاقبة من عصاه، وإثابة من أطاعه، وذو الحكمة البالغة في قدره وشرعه وجزائه.
قوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210].
نهى الله عز وجل في الآيتين السابقتين من اتباع خطوات الشيطان، وحذر من الميل والعدول عن الحق، وتوعد من فعل ذلك، ثم أكد حصول هذا الوعيد وقربه، فقال: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ﴾ الآية.
قوله: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ ﴾ ﴿هل﴾: للاستفهام الإنكاري، ويفيد النفي المحقق، أي: ما ينظرون، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة للتنبيه.
و﴿ يَنْظُرُونَ ﴾ بمعنى «ينتظرون»، أي: ما ينتظر هؤلاء الذين عدلوا عن الحق ﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ﴾ الآية.
لأن «نظر» إذا عديت بـ«إلى» فهي بمعنى النظر بالعين، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 77]، وإذا لم تعدّ فهي بمعنى الانتظار، كما في قوله هنا: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ ﴾.
﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ «إلا»: أداة حصر، و«أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول ﴿ينظر﴾ أي: إلا إتيان الله يعني: يوم القيامة؛ لفصل القضاء بين العباد، كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [الأنعام: 158]، والإتيان بمعنى المجيء، كما قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 22]، وهو إتيان ومجيء حقيقي يليق بجلاله وعظمته عز وجل.
﴿ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ﴾ «في» هنا بمعنى «مع»، والمعنى: إلا أن يأتيهم الله مع ظلل من الغمام، أي: مصاحبًا لهذه الظلل، ولا يصح أن تكون «في» للظرفية؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- أجل وأعظم وأعلى وأكبر من أن يحيط به شيء من مخلوقاته؛ كما قال تعالى: ﴿﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: 23]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: 9].
وقوله: ﴿ظلل من الْغَمَامِ﴾ «ظلل» جمع ﴿ظلة﴾، أي: ظلة داخل ظلة، وهي ما يستر من الشمس، فهي في غاية الإظلام والهول والمهابة.
و«الغمام» جمع «غمامة» وهو السحاب، أو السحاب الأبيض الرقيق، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴾ [الفرقان: 25].
﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ قرأ أبو جعفر «والملائكةِ» بالجر عطفًا على ظلل، وقرأ الباقون «والملائكةُ» بالضم عطفًا على لفظ الجلالة «الله»، أي: وتأتيهم الملائكةُ.
كما قال تعالى في سورة الفجر: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 22]، «الملك» جنس الملائكة، أي: والملائكة ﴿ صَفًّا صَفًّا ﴾، أي: صفًا بعد صفٍ.
﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾: يحتمل أن تكون الواو: عاطفة، والجملة في محل نصب معطوف على قوله: ﴿ أَنْ يَأْتِيَهُمُ ﴾، فيكون قوله: ﴿ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ مما ينتظر، أي: هل ينتظرون إلا إتيان الله في ظلل من الغمام، وإتيان الملائكة، وقضاء الأمر.
ويحتمل أن تكون الواو استئنافية فالجملة مستأنفة وجاء التعبير بصيغة الماضي؛ لقربه وتحقق وقوعه، وجاء بصيغة ما لم يسم فاعله؛ تعظيمًا للأمر، كما في قوله تعالى: ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 44].
وانقضاء الأمر: انتهاؤه، والأمر هو الشأن، أي: وانتهى شأن الخلائق وحسابهم، وفصل بينهم، وانتهى كل شيء، فلا اعتذار ولا استعتاب، وجوزي كلٌ بعمله، وصار كلٌّ إلى مصيره، ومأواه، أهل الجنة إلى الجنة، نسأل الله من فضله، وأهل النار إلى النار، نسأل الله السلامة.
كما قال تعالى في سورة الزمر: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: 69 - 78] .
﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب: «تَرجِعُ الأمور» بفتح التاء وكسر الجيم، وقرأ الباقون: ﴿ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ بضم التاء وفتح الجيم.
«إلى الله» متعلق بـ «ترجع»، وقدم عليه؛ لإفادة الحصر والاختصاص، أي: وإلى الله وحده، لا إلى غيره ترد الأمور كلها أمور الدنيا والآخرة الدينية والدنيوية، الكونية والشرعية والجزائية، وإليه سبحانه يرد الخلائق كلهم وعليه حسابهم وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: 123]، وقال تعالى: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53]، وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: 40]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿25﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: 25، 26].
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 902)- الأثر (9027).

[2] البيتان لامرئ القيس الكندي يدعو بها قومه كندة إلى الرجوع إلى الإسلام لما ارتدوا مع الأشعث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر: «جامع البيان» (3/ 597)، «الوحشيات» ص (75).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-03-2023, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ... ﴾

قال الله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 211 - 214].

قوله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.

قوله: ﴿ سل ﴾ «سل»: أمرٌ من سأل يسأل، أصله «اسأل»، فحذفت الهمزة تخفيفًا بعد نقل حركتها إلى السين الساكنة قبلها، ثم حُذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها.

والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال لتوبيخ وتقريع بني إسرائيل على طغيانهم وجحودهم الحق بعد وضوح الآيات، وفي ذلك أيضًا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم تجاه تكذيب قومه.

والمراد بـ﴿ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ الموجودون في عهده صلى الله عليه وسلم.

و«بنو إسرائيل» هم ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، و«إسرائيل» هو يعقوب عليه السلام، والمراد بهم في الآية الموجودون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

﴿ كَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ «كم»: استفهامية تفيد التكثير؛ أي: كم أعطيناهم من آيات كثيرة.

و«آتينا» تنصب مفعولين، الأول هنا الضمير «هم»، والمفعول الثاني محذوف، والتقدير: كم من آية بينة آتيناهموها.

وقوله: ﴿ من آية ﴾: تمييز «كم».

أي: كم أعطيناهم من علامة ظاهرة، وحجة قاطعة، ودلالة واضحة على عظمة الله عز وجل، وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ووجوب عبادته وحده، وعلى صدق رسله عليهم الصلاة والسلام فيما جاؤوا به من الآيات الشرعية في التوراة والإنجيل وغيرهما من كتبهم التي من أعظم ما جاء فيها الشهادة بصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وكذا الآيات الكونية كما في الآيات التسع التي أعطيها موسى عليه الصلاة والسلام وغيرها، كالعصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، والسنين، ونقص الثمرات، وانفلاق البحر وإنجائهم وإغراق آل فرعون وهم ينظرون، وتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى عليهم، وغير ذلك.

قال تعالى: ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [النمل: 10 - 12]، وقال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133].

وكذا الآيات الكونية التي أُعطيها عيسى - عليه الصلاة والسلام - كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله عز وجل وغير ذلك.

كما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 110، 111].

وقال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [آل عمران: 47، 48]، إلى غير ذلك من الآيات التي أعطاها الله لبني إسرائيل.

والمعنى: سل بني إسرائيل؛ توبيخًا وتقريعًا وتبكيتًا لهم: ﴿ كَمْ آتَيْنَاهُمْ ﴾، أي: كم أعطينا أسلافهم وتناقلوه عنهم جيلًا بعد جيلٍ من الآيات والدلالات والحجج الكثيرة البينة الواضحة، الكونية والشرعية، والتي هي أعظم نعم الله تعالى عليهم، كما قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40]، وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47].

ومع ما آتاهم الله من الآيات البينات لم ينجع ذلك فيهم، بل كفروا بالله فبدَّلوا شكر نعمته عليهم بهذه الآيات كفرًا، ولهذا قال بعد ذلك: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ بعد ما ذكر عز وجل كثرة ما آتاه لبني إسرائيل من الآيات البينات، والتي هي أعظم نعمة من الله عليهم، أتبع ذلك بقوله: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ... ﴾ الآية، في إشارة واضحة إلى كفرهم بنعمة الله عليهم، وعدم شكرهم لها.

قوله: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾، أي: ومن يبدل نعمة الله عليه بالآيات البينات وهي النعمة الدينية التي هي أعظم نعمة من الله على العباد، والتي بها سعادتهم وفوزهم في دينهم ودنياهم وأخراهم، ويبدل نعمته الدنيوية، بالكفر بها وعدم شكرها، أي: يجعل بدلها وبدل شكرها الكفر بها، وسُمي ذلك تبديلًا؛ لأن النعم إذا كُفْرِت فرّت وتبدلت، وإذا شُكرت قرّت واستمرت وزادت.

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ﴾، أي: من بعد وصول هذه النعمة إليه ومعرفته إياها.

والتصريح بهذا مع أن التبديل لا يتصور قبل المجيء للإشعار بأنهم قد بدلوها بعد ما وقفوا على تفاصيلها، وفي هذا تقبيح لفعلهم، وإظهار لشناعة حالهم، واستدلال على استحقاقهم العذاب الشديد حيث بدلوا بعد المعرفة.

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ تعليل لجواب الشرط أقيم مقامه، أي: ومن يبدل نعمة الله يعاقبه أشد عقوبة؛ لأنه شديد العقاب، ويجوز كونه هو الجواب بتقدير الضمير، أي: فإن الله شديد العقاب له.

والمعنى: فإن الله قوي الجزاء بالعقوبة والعذاب، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْشَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال تعالى عن قريش: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28، 29].

والعقاب: الجزاء المؤلم عن خيانة وجرم وذنب، وسمي عقابًا لأنه يعقب الخيانة والجرم والذنب.

وأظهر اسم الجلالة في مقام الإضمار، فلم يقل: فإنه شديد العقاب، بل قال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ للتعظيم وتربية المهابة في النفوس، ولتكون هذه الجملة مستقلة بنفسها.

قوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾.

قوله: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ «زين»: مبني لما لم يسم فاعله، وجيء به ماضيًا للدلالة على أن ذلك قد وقع وفرغ منه، والتزيين معناه التحسين والتجميل، أي: جعل الشيء حسنًا جميلًا محببًا إلى النفس.

ويجوز أن يكون الذي زين لهم ذلك هو الله تعالى كونًا وقدرًا، أي: زين الله كونًا وقدرًا للذين كفروا الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [النمل: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108].

ويجوز أن يكون الذي زين لهم ذلك هو الشيطان، كما قال تعالى: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24]، وقال تعالى عن الشيطان أنه قال: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]، ولا مانع من حمل الآية على المعنيين إذ لا تنافي بينهما؛ أي: زين وحسن وحبب للذين كفروا من مشركي مكة كأبي جهل وأمثاله من صناديد قريش وغيرهم من أهل الكفر الحياة الدنيا، وما فيها من المتاع والشهوات والملذات، كما قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

﴿ وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الواو: عاطفة، فالجملة معطوفة على ﴿ زُيِّن ﴾، ويصح كون الواو للحال؛ أي: وهم يسخرون من الذين آمنوا، كما كان المشركون يسخرون من عمار وبلال وصهيب رضي الله عنهما.

وفي التعبير بالمضارع دلالة على تكرار ذلك منهم واستمراره، أي: ويجعلون الذين آمنوا محل سخرية وازدراء واستهزاء بسبب إيمانهم وإقبالهم على الآخرة وإعراضهم عن اللذات وقلة ذات يدهم.

وهذا يدل على إغراق هؤلاء الكفار بالافتتان في زهرة الحياة الدنيا، وتناهيهم في الغرور، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴾ [المطففين: 29 - 32]، وكما قال تعالى عنهم: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53].

﴿ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ الواو: عاطفة، أي: والذين اتقوا ربهم وعقابه، بفعل ما أمرهم الله به، وترك ما نهاهم عنه، وهم الذين آمنوا.

وعدل عن الإضمار إلى الإظهار، فلم يقل: وهم فوقهم، بل قال: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ ﴾؛ لئلا يُتوهم أن الضمير يرجع إلى الذين كفروا؛ ولبيان فضل التقوى والحض عليها، وأنها سبب فوقيتهم.

﴿ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ «فوقهم»؛ أي: أعلى منهم في المنازل والدرجات يوم القيامة، فالذين اتقوا في الغرفات في أعلى الجنة في جنات النعيم، والذين كفروا في أسفل الدركات في سواء الجحيم، المتقون في أعلى عليين، والكفار في أسفل سافلين.

كما أن المتقين فوق الكفار في الدنيا والآخرة مطلقًا في الشرف والكرامة.

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ الرزق: العطاء، أي: والله يعطي ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ أي: من يرد كونًا إعطاءهم من فضله من الدرجات والمنازل العالية الرفيعة، التي لا نهاية لها في الدين والدنيا والآخرة.

﴿ بغير حساب ﴾، أي: أنه عز وجل يعطي من يشاء العطاء الجزيل بلا محاسبة منه لهم، وأكثر مما يستحقون ولا حد ولا حصر لعطائه سبحانه، فهو أكرم الأكرمين، وخزائنه لا تنفد، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40]، وقال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أنفق يا ابن آدم يُنفق عليك»[1].

قوله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

قوله: ﴿ كَانَ النَّاسُ ﴾؛ أي: كان الناس فيما مضى قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام إليهم.

﴿ أُمَّةً﴾ أي: طائفة وجماعة واحدة على دين واحد، وهو التوحيد والإسلام والفطرة التي فطر الله الناس عليها، ملة أبيهم آدم، وملة إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.

وقيل: كان الناس أمة واحدة على الكفر والضلال والشقاء، ليس لهم نور ولا هدى ولا إيمان.

﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النبيين ﴾ الفاء: عاطفة، والمعطوف عليه محذوف معلوم من السياق اللاحق، أي: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا في دينهم فبعث الله النبيين، كما جاء في قراءة عبد الله بن مسعود وأُبي بن كعب رضي الله عنهما: «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا...»[2]، وعليه يدل قوله تعالى في الآية: ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾، وقوله تعالى في سورة يونس: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [يونس: 19].

ومثل هذا في حذف المعطوف عليه، ودلالة السياق عليه قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185]، «فعدة» معطوف على محذوف، والتقدير: فأفطر فعدة، أي: فأفطر فعليه عدة.

قال ابن القيم[3] في كلامه عن الآية ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾: «والمقصود أن العدو كادهم، وتلاعب بهم حتى انقسموا قسمين، كفارًا ومؤمنين، فكادهم بعبادة الأصنام، وإنكار البعث».

ومعنى ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ﴾؛ أي: فأرسل الله النبيين، وأولهم نوح عليه السلام، أرسلهم عز وجل رحمة منه، بالوحي من عنده إلى الناس، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].

و﴿ النبيين ﴾ جمع نبي، وأصله نبيئ، أبدلت الهمزة ياءً تخفيفًا، مشتق من «النبأ» وهو الخبر الهام، كما قال تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ [ص: 67، 68].

وذلك لأن النبي منبأ ومخبر من الله، ومنبئ ومخبر للناس، فهو «فعيل» بمعنى «فاعل» وبمعنى «مفعول».

وهو أيضًا مشتق من النبوة، وهو المكان المرتفع؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذوو شرف ومكانة عالية عند الله وعند المؤمنين.

و«النبي» من أوحي إليه، فإن أُمر بالتبليغ فهو نبي رسول، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا.

وعدد من ذكر من الأنبياء في القرآن الكريم خمسة وعشرون، وكلهم رسل.

وعدد الرسل فيما قيل: ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولًا، وعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا». قلت: يا رسول الله! كم الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير»[4].

﴿ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ حالان، أي: بعث الله النبيين حال كونهم مبشرين ومنذرين، أي: مبشرين لمن أطاعهم فاتقى الله بالسعادة في الدنيا والآخرة والجنة، ومنذرين لمن عصاهم وخالف أمر الله تعالى بالشقاء في الدنيا والآخرة والنار، كما قال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام: 48].

والتبشير والإنذار يستلزمان بيان الحق من الباطل والدعوة إلى الحق والتحذير من الباطل، كما قال عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، وقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [الكهف: 1 - 4].

﴿ مَعَهُمُ﴾ أي: مع النبيين، أي: بصحبتهم.

﴿ الْكِتَابَ﴾ «أل»: «للجنس» فيعم كل كتاب، أي: وأنزل معهم الكتب، فمع كل رسول كتاب، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].

﴿ بالحق ﴾ الباء للملابسة، أي: متلبسًا بالحق، فهو حق، ومشتمل على الحق، وطريق وصوله حق. والحق: الأمر الثابت.

﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ قرأ أبو جعفر بضم الياء وفتح الكاف «ليُحكَم»، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الكاف ﴿ لِيَحْكُمَ ﴾.

واللام للتعليل، أي: لأجل أن يحكم بين الناس، والضمير في ﴿ لِيَحْكُمَ ﴾ على قراءة الجمهور يعود إلى ﴿ الكتاب ﴾ أو إلى الله، وقيل: يعود إلى النبيين باعتبار كل فرد منهم.

﴿ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ «ما»: اسم موصول يفيد العموم، أي: في جميع الذي تنازعوا فيه من الحق في أمور الدين والدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [النمل: 64].

﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ﴾ الواو: اعتراضية، و«ما» نافية، والضمير في «فيه» وفي «أوتوه» يعود إلى الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [هود: 110].

﴿ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ ﴾ «إلا» أداة حصر، أي: إلا الذين أعطوه من الأمم، ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ متعلق بقوله: ﴿ اخْتَلَفَ﴾ أي: وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات بغيًا إلا الذين أوتوه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 212.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 209.27 كيلو بايت... تم توفير 3.09 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]