
12-08-2022, 07:23 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,465
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(218)
الحلقة (232)
صــ 325إلى صــ 331
2493 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 325 ] أسباط عن السدي : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " . أما " باغ " ، فيبغي فيه شهوته . وأما " العادي " ، فيتعدى في أكله ، يأكل حتى يشبع ، ولكن يأكل منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : فمن اضطر غير باغ بأكله ما حرم عليه من أكله ، ولا عاد في أكله ، وله عن ترك أكله - بوجود غيره مما أحله الله له - مندوحة وغنى .
وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لأحد في قتل نفسه بحال . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الخارج على الإمام والقاطع الطريق ، وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما : من خروج هذا على من خرج عليه ، وسعي هذا بالإفساد في الأرض ، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما - ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك - من قتل أنفسهما . [ وردهما إلى محارم الله عليهما بعد فعلهما ما فعلا وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصا لهما قبل ذلك من فعلهما ، وإن لم نر ردهما إلى محارم الله عليهما تحريما ، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما ] . فإذ كان ذلك كذلك فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة ، الأوبة إلى طاعة الله ، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه ، والتوبة من معاصي الله - لا قتل أنفسهما بالمجاعة ، فيزدادان إلى إثمهما إثما ، وإلى خلافهما أمر الله خلافا . [ ص: 326 ]
وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة ، فأكل ذلك شهوة ، لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك - مما قد دخل فيما حرمه الله عليه - فهو بمعنى ما قلنا في تأويله ، وإن كان للفظه مخالفا .
فأما توجيه تأويل قوله : " ولا عاد " ، ولا آكل منه شبعة ، ولكن ما يمسك به نفسه ، فإن ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله . ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى ، فيقال عنى به بعض معانيه .
فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول ما قلنا : من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرمة .
وأما تأويل قوله : " فلا إثم عليه " ، يقول : من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا ، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حرج .
[ ص: 327 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله غفور رحيم ( 173 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " إن الله غفور رحيم " ، " إن الله غفور " إن أطعتم الله في إسلامكم ، فاجتنبتم أكل ما حرم عليكم ، وتركتم اتباع الشيطان فيما كنتم تحرمونه في جاهليتكم - طاعة منكم للشيطان واقتفاء منكم خطواته - مما لم أحرمه عليكم لما سلف منكم ، في كفركم وقبل إسلامكم ، في ذلك من خطأ وذنب ومعصية ، فصافح عنكم ، وتارك عقوبتكم عليه ، " رحيم " بكم إن أطعتموه .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، برشى كانوا أعطوها على ذلك ، كما : -
2494 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " الآية كلها ، هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى ، من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره .
2495 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) [ ص: 328 ] قال : هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم .
2496 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .
2497 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، والتي في " آل عمران " ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ سورة آل عمران : 77 ] نزلتا جميعا في يهود .
وأما تأويل قوله : " ويشترون به ثمنا قليلا " ، فإنه يعني : يبتاعون به . " والهاء " التي في " به " ، من ذكر " الكتمان " . فمعناه : ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته ثمنا قليلا . وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه ، وكتمانهم الحق في ذلك اليسير من عرض الدنيا ، كما : -
2498 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ويشترون به ثمنا قليلا " قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا عليه طمعا قليلا فهو الثمن القليل .
وقد بينت فيما مضى صفة " اشترائهم " ذلك ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
[ ص: 329 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( 174 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك " ، - هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد صلى الله عليه وسلم بالخسيس من الرشوة يعطونها ، فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها " ما يأكلون في بطونهم " - بأكلهم ما أكلوا من الرشى على ذلك والجعالة ، وما أخذوا عليه من الأجر " إلا النار " - يعني : إلا ما يوردهم النار ويصليهموها ، كما قال تعالى ذكره : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ سورة النساء : 10 ] معناه : ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم . فاستغنى بذكر " النار" وفهم السامعين معنى الكلام ، عن ذكر " ما يوردهم ، أو يدخلهم" . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2499 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار " ، يقول : ما أخذوا عليه من الأجر .
فإن قال قائل : فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال : " ما يأكلون في بطونهم " ؟
قيل : قد تقول العرب : " جعت في غير بطني ، وشبعت في غير بطني " ، فقيل : في بطونهم لذلك ، كما يقال : " فعل فلان هذا نفسه " . وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع ، فيما مضى . [ ص: 330 ]
وأما قوله : " ولا يكلمهم الله يوم القيامة " ، يقول : ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون ، فأما بما يسوءهم ويكرهون ، فإنه سيكلمهم . لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم - إذا قالوا : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ) الآيتين [ سورة المؤمنون : 107 - 108 ] .
وأما قوله : "ولا يزكيهم" ، فإنه يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ، " ولهم عذاب أليم " ، يعني : موجع
القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " ، أولئك الذين أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى ، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة ، وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه . فاستغنى بذكر " العذاب " و" المغفرة " ، من ذكر السبب الذي يوجبهما ، لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه . وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى . وكذلك بينا وجه " اشتروا الضلالة بالهدى " باختلاف المختلفين ، والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول ، فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادته .
[ ص: 331 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فما أصبرهم على النار ( 175 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .
ذكر من قال ذلك :
2500 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .
2501 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم عليها .
2502 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن بشر عن الحسن في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار .
2503 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا مسعر وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو بكير قال : حدثنا مسعر ، عن حماد عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه : " فما أصبرهم على النار " ، ما أجرأهم .
2504 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|