|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#51
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة هذه قصة ذكرها الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، يقول: حدثني من أثق به، أنَّ أحد الناس الذين يعرفهم، نهى زوجته أن تخرج أي شيء من بيته، والمرأة الصالحة هي التي تسمع وتطيع، وهذا مال الرجل وصاحب الحق فيه، الشاهد أنه مرت الأيام وطُرق الباب، فإذا المرأة تسأل من بالباب؟ فيقول: رجل مسكين جائع، لا أجد ما أستر به جسدي عن هذا البرد، والمرأة بطبعها عاطفية، فتأثرت بهذا الرجل فجاءت بثوب بال فيه خرق وثلاث تمرات. دارت الأيام فإذا هذا الرجل ينادي زوجته -تعالى-، رأيت الليلة رؤيا رأيت شيئا غريبا عجيبا، وكأن القيامة قد قامت، وحُشر الناس والشمس تدنو من الخلائق، وإذا بثوب طائر في السماء يظلني، ولكن هذا الثوب فيه خرق يتخلله الشمس، ثم جاءت ثلاث تمرات فسدت هذه الخروق الثلاثة، يحكي لزوجته وهو مستغرب ويقول: والله ما أدري ما هذا الشيء الغريب؟ فلما سمعت هذا الكلام زوجته تخيلت الحادثة كلها بينها وبين هذا الفقير، فقالت له: أريد أن أقول لك شيئا، أنت نهيتني عن أن أتصدق، وذات يوم طرق الباب، وإذا برجل مسكين يريد ثوبا يستره من البرد، وجائع؛ فأعطيته ثوبا مخرقا، وأنت لا ترتديه، وكان عندي ثلاث تمرات أعطيته إياهم؛ فعلم الرجل أن هذا الفعل هو الذي ستره عند الله -تعالى-، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ) لم يقل شيئا أخر من العبادات، وإنما قال في ظل صدقته، فقال هذا الرجل لزوجته: لا تردين أحدا بعد اليوم حتى لو أعطيته تمره، فسبحان الله! الرجل انتقل من حال إلى حال، وعلم أن الله يجزي الأجر الكبير لصاحب الصدقة سواء علم أو لم يعلم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لا يَبْقى بَعدي منَ النُّبوةِ شيءٌ إلَّا المُبشِّراتُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما المُبشِّراتُ؟ قال: الرُّؤيا الصالحةُ، يَراها الرَّجلُ، أو تُرى له»، فأنت قد ترى رؤيا يثبتك الله -عزوجل- بها، أو يطمئنك بها أو ترى انفراجات، وقد ترى مكانك عند الله بها، أو ترى شرًا يصدك عنه الله -عزوجل-، أو عافية بعد مرض، أو تُرى له؛ فيأتي أحد ويروي لك رؤيا، وإذا كان هذا الرجل صالحا فرؤياه تكون حقا؛ لذلك الرؤيا من الصالحين هي من المبشرات، فصدق النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها من علامات النبوة، وهي من الصلة، ونحن عندنا صلتان:
اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#52
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. أثر الأخلاق في الدعوة إلى الله
قال زيدُ بنُ سُعنةَ ما من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُها في وجهِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَينِ لم أُخبَرْهما منه: يَسْبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُه شدةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا؛ فكنتُ ألطف له إلى أن أخالطَه فأعرفَ حلمَه مِنْ جهلِهِ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فخرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومًا مِنَ الحُجُراتِ ومعه علي بنُ أبي طالبٍ، فأتاه رجلٌ على راحلتِهِ كالبدويِّ، فقال يا رسولَ اللهِ، إنَّ بقربي قريةَ بني فلانٍ قد أسلموا أو دخلوا في الإسلامِ، وكنتُ حدَّثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزقُ رغدًا وقد أصابتْهم سَنةٌ وشدَّةٌ وقحوطٌ مِنَ الغيثِ؛ فأنا أخشى يا رسولَ اللهِ، أن يخرجوا مِنَ الإسلامِ طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا! فإن رأيتَ أن ترسلَ إليهم بشيءٍ تعينُهم به فعلتَ. فنظر إلى رجلٍ إلى جانِبِه أراه عليًّا، فقال يا رسولَ اللهِ، ما بقِيَ منه شيءٌ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فدنوتُ إليه فقلتُ يا محمد هل لك أن تبيعَني تمرًا معلومًا في حائطِ بني فلانٍ إلى أجلِ كذا وكذا؟ فقال لا يا يهوديُّ، ولكن أبيعُك تمرًا معلومًا إلى أجلِ كذا وكذا ولا تسمِّي حائطَ بني فلانٍ، قلتُ نعم، فبايعني؛ فأطلقتُ هِمْياني فأعطيتُه ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا، فأعطاه الرجلَ وقال اعدِلْ عليهم وأعِنهُم بها، قال زيدُ بنُ سُعنةَ: فلما كان قبلَ محلِّ الأجلِ بيومين أو ثلاثةٍ خرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ في نفرٍ مِنْ أصحابِه فلما صلَّى على الجنازةِ وَدَنا مِنْ جِدَارٍ ليجلِسَ أتيتُه فأخذتُ بمجامعِ قميصِه وردائِه، ونظرتُ إليه بوجهٍ غليظٍ فقلتُ له ألا تقضيني يا محمدُ حقِّي؟ فواللهِ ما علمتُكم بني عبدالمطلبِ لمُطلٌ ولقد كان لي بمخالطتِكم علمٌ. ونظرتُ إلى عمرَ وإذا عيناه تدورانِ في وجهِهِ كالفَلَكِ المستديرِ ثم رماني ببصرِه فقال يا عدوَّ اللهِ، أتقولُ لرسولِ اللهِ ما أسمعُ وتصنعُ به ما أرى! فوالذي بعثه بالحقِّ لولا ما أحاذرُ فوتَه لضربتُ بسيفي رأسَكَ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينظرُ إلى عمرَ في سكونٍ وتُؤَدَةٍ وتبسُّمٍ، ثم قال يا عمرُ، أنا وهو كنا أحوج إلى غيرِ هذا أن تأمرَني بحسنِ الأداءِ وتأمرَه بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذهبْ به يا عمرُ فأعطِه حقَّه وزِدهُ عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما رُعتَه. قال زيدٌ فذهب بي عمرُ فأعطاني حقِّي وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ؛ فقلتُ ما هذه الزيادةُ يا عمرُ؟ قال أمرني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن أزيدَك مكانَ ما رعتُكَ! قال: وتعرفُني يا عمرُ؟ قال لا؛ فما دعاك أن فعلتَ برسولِ اللهِ ما فعلتَ وقلتَ له ما قلتَ؟ قلتُ: يا عمرُ لم يكن من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُه في وجهِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَين لم أُخبَرْهما منه: يسبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُهُ شدَّةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتُهما فأُشهدُكَ يا عمرُ أني قد رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدُكَ أنَّ شطرَ مالي فإني أكثُرها مالًا صدقةٌ على أمةِ محمدٍ، قال عمرُ: أو على بعضِهم؛ فإنكَ لا تسعُهم، قلتُ: أو على بعضِهم؛ فرجع عمرُ وزيدٌ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال زيدٌ أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وآمن به وصدَّقه وتابعه وشهِد معه مشاهد َكثيرةً، ثم تُوُفيَ في غزوةِ تبوكَ مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ رحم اللهُ زيدًا. أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - فالشاهد من هذه القصة: أن زيد بن سعنة دخل في الإسلام؛ بسبب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، من هنا فإن قضية الأخلاق قضية عظيمة يجب الاهتمام بها، سواء على الجانب النظري من خلال القراءة في كتب الأدب والأخلاق، ككتاب الأدب في صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغيرها ككتاب رياض الصالحين وغيرها الكثير، ثم على الجانب العملي أن تتمثل هذه الأخلاق سواء بينك وبين الله -تعالى-، أو بينك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بينك وبين المسلمين وغير المسلمين. اتصل بي أحد المشايخ في حاجة معينة، فسألته كيف التزمت على السلفية؟ فقال: كنت رجلا عاميا، وكان أعز أصحابي أحد الإخوة الأفاضل، وكان عندنا حب للدين، لكن ما كنا نعرف الطريق، فذهبنا في يوم لدرس في أحد المخيمات، فكان الشيخ يذكر الأحاديث كلها في صحيح البخاري ويقول: من أراد أن يحفظ أحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعليه بالبخاري الذي أجمعت الأمة على صحته، ثم دعاني الإخوة عندهم في درس للمسجد ورأيت من أخلاقهم وحسن سمتهم ما شرح صدري، ثم حضرنا للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- فرأيت من أخلاقه أيضًا ما كان سببًا في التزامي. أهمية الأخلاق في حياة الداعية مما سبق يتبين لنا أن الخلق الحسن من أجمل ما يتحلى به الداعية، وهو أقصر طريق لقلوب الناس، وقد وصف الله -تعالى- به نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله -تعالى-، بطيب نفس وانشراح صدر». جذب الناس الخلق الحسن من العوامل المهمة في جذب الناس إلى الداعية وتأثرهم به وقبولهم لدعوته، إضافة إلى أجره في الآخرة؛ فالناس مفطورون على محبة الفضائل والانجذاب إليها، والنفور من القبائح والابتعاد عنها، والدعية إلى الله أحوج ما يكون إلى التخلق والاتصاف بالأمور المحببة إلى قلوب الناس، فضلا عن أنها من واجبات المسلم، قال أبو حاتم البستي -رحمه الله-: «الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل». أضرار سوء الخلق والناس إذا لاحظوا من الداعية سوءا في أخلاقه تبرموا منه، ونفروا من دعوته، خوفا من تضررهم بأخلاقه السيئة، وقد يميلون إلى تفضيل أهل الفسق والضلال ومجالستهم، إذا آنسوا منهم حسنا في الخلق ورفقا في المعاملة، وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: «إذا خالطت فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيء الخلق، إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه». الثبات على الأخلاق ومن الصفات المهمة للداعية، الثبات على الأخلاق الإسلامية في كل حال، فلا يحيد عنها أو يميل إلى غيرها، لأنها حق، والثبات على الحق دين، إضافة إلى أن تنازل الداعية عن أي خلق من الأخلاق الكريمة، تحت ضغط الظروف أو تبعا للحالة النفسية له، خسارة لذاته، حين يفقد تقديره واحترامه بين الناس، وخسارة للدعوة التي يمثلها وينصب من نفسه وخلقه نموذجا لها، وخسارة له في الآخرة حين يضع نفسه في الموضع المخالف لأمر الله. أهمية الخلق الحسن ومما يزيد من أهمية الخلق الحسن عند الداعية، أنه قد لا يتمكن من الإحسان إلى الناس بنفسه أو بماله، لكثرة في الناس أو قلة في المال،-فهذا غير داخل في مقدور البشر- فإذا كان ذا خلق حسن ولين جانب، وطلاقة وجه، ونحو ذلك فإن ذلك مما يجلب التحاب بين الناس، ولن يعدم حينئذ الوسيلة التي ينفذ بها إلى قلوب المدعوين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق». اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#53
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. الإيمان بالقضاء والقدر بلسم القلوب لا شك أن القلوب تمرّ بفترات من الجفاف، وتعتريها قسوةٌ من حينٍ إلى آخر، فتحتاج إلى ما يلينها ويحييها وقد أنزل الله -عزوجل- الوحي ليكون بلسمًا للقلوب، وشفاءً للصدور، وهدايةً للعقول، فكلام الله -تعالى- وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الدواء الذي يداوي الأرواح، ويعالج النفوس، ويهذب السلوك، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ((يونس:57). وما من قضية إيمانية أو عقائدية، أو أمرٍ في العبادات والمعاملات، أو خلقٍ وسلوكٍ، إلا وهي بلسمٌ لهذا القلب، ورواءٌ لهذه الروح، ونورٌ لهذا العقل، يظهر أثرها في أقوال الإنسان وأفعاله وتصرفاته.واليوم، أقف مع جزئية صغيرة في ظاهرها، عظيمة في معناها، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الاضطرابات النفسية، وتاهت فيه الأرواح، إنها قضية الإيمان بالقضاء والقدر، التي وصفها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- بأنها «البلسم الذي يمنح المسلم الطمأنينة»، وقد علّق -رحمه الله- على «متن الأصول الثلاثة» لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- حين تناول مسألة القضاء والقدر، فقال ما معناه: «لو آمن الكفار بعقيدة القضاء والقدر، لما انتحروا، ولا لجؤوا إلى مستشفيات الأمراض النفسية، فجلّ مشكلات الدنيا ناتجة من الجهل بهذه الجزئية من جزئيات العقيدة»، كلمةٌ عميقة، تدل على علمٍ وفهمٍ، قد تمرّ على بعضنا مرور الكرام، ولكن من تأملها وجد أن القضية ليست بالهينة. إن الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبريل -عليه السلام- حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما الإيمان؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فهذا الإيمان يمنح الإنسان سكينةً في قلبه، وثباتًا في مواقفه، ورضًا في نفسه؛ لأنه يعلم أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير الله، وبعلمه، وبحكمته. قال -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، وقال أيضًا: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22). فإن لم يستقرّ في قلب الإنسان هذا الإيمان، فقد يضيق صدره بالحياة، ويقنط من رحمة الله، فيلجأ إلى الإلحاد أو الانتحار، والعياذ بالله، وقد أظهرت منظمة الصحة العالمية إحصائية مفزعة: كل أربعين ثانية، ينتحر شخصٌ في هذا العالم، ولو آمن هؤلاء بأن الله هو المدبر، وأنه كتب مقادير الخلق بعلمه، لما ضاقت صدورهم، ولما فقدوا الأمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك». إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام السلبي، بل هو يقينٌ بأن الله يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يقع شيءٌ إلا بإرادته، وهذا اليقين يمنح المؤمن قوةً في مواجهة البلاء، وصبرًا عند المحن، ورضًا في كل الأحوال، قال -تعالى-: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} ا(لأنعام:59). اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#54
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. كُن كصاحب اللؤلؤة
التقيت في سنة من السنوات في موسم الحج، مع أحد أثرياء الكويت، وفي تلك الرحلة المباركة ومع مرور الأيام صارت بيننا مودة وتعارف، وفي يوم من الأيام تكلم معي في موضوع يخصّه وهو شغفه وحبه لاقتناء أثمن الساعات؛ حيث يضعها في صندوق مخصص لذلك، ولا يستطيع أحد الاقتراب من هذا الصندوق، وأنه يقوم بفتحه مرة كل شهر أو شهرين ينظفها، يلبس منها ما يريد وقتا قليلا ثم ينظفها ويلمعها ويضعها في مكانها ويغلق عليها، ويقول: إنه لديه ساعة فاخرة مرصّعة باللؤلؤ يحبها جدا قيمتها «ثلاثمائة ألف دينار»، يقول: إنها موجودة في العالم مع عشرة أشخاص فقط، وسمى لي فلانا وفلانا من أناس مشهورين ومعروفين -بارك الله لهم. الشاهد من قصة هذا الرجل عندما مررت على كلمة للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- في شريط عنوانه (شُبَه حول السلفية) ذكر فيه المنهج السلفي، ثم ذكر الشبه التي تثار عليه، ورد عليها ردودا حكيمة ومتقنة بأبسط العبارات، وتلك ميزة الشيخ السبت -رحمه الله-؛ لأنه يفهم جيدًا ما السلفية؟ ويفقه المنهج فقها عظيما، فعباراته سهلة وواضحة، ويستطيع أن ينقل معنى السلفية لأعلى الناس من المثقفين من أصحاب الشهادات العليا، وأيضا يستطيع إيصال تلك المعاني إلى البسطاء والعوام والصغار. العلم يولد الحرص وكان مما قاله في هذا الشريط: «العلم يولد الحرص على قيمة هذا الشيء، فلو علم الإنسان حقيقة هذا المنهج لحرص عليه»، فلو تعلمنا ما السلفية بصدق دون أن تكون هناك ضبابية في أي أمر، وتتضح كل التفاصيل والقواعد دون التحرك بالعاطفة، لحرصنا على بقاء هذا المنهج الصافي عندنا حرص صاحب اللؤلؤة كيف يتعامل معها؟ يحافظ عليها وينظفها من وقت لآخر ويخاف عليها فيُخفيها عن عيون الناس ويدافع عنها وهو أشد الحرص أن تبقى لديه سليمة مصانة. الدين الحق لذا عندما نتكلم عن السلفية فنحن نتكلم عن الدين الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأحسن عبارة في الحقيقة اختصرت تمسكك بالسلفية اليوم وتمسكك بالقضية الحق وتمسكك بالدين هو قول الإمام القحطاني عندما قال: والدين رأس المال فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسران فإذا ضاع المنهج السلفي فقد ضاعت البوصلة الصحيحة التي ترشد الإنسان، وضاع منه المنهج القويم الذي رسمه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وسلكت سبيلاً غير سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبيل أصحابه -رضوان الله عليهم-، فصرت تتخبط ذات اليمين وذات الشمال. عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «خطَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خطًّا بيدِه ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ مستقيمًا، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال: هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ»› فلو أدرك العالم قيمة هذه الرسمة التي رسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخلدها ولكانت أغلى رسمة مرت على التاريخ. طريقٌ نهايته الجنة أين يذهب هؤلاء أهل الطرق التي على اليمين واليسار؟ مآلهم إلى النار عياذا بالله، أما الصراط المستقيم الذي رسمه نبينا - رضي الله عنه - فإن نهايته الجنة؛ فلذلك فإن علينا أن نتعلم لكي نعرف الحقائق جيدًا ونعلم المخالفين وكيف يمكرون بنا، تفرق شملهم إلا علينا فكنا كالفريسة للذئاب، هم أعداء بعض لكنهم عندما رأوا فريستهم انقضوا واجتمعوا عليها، هكذا حال الناس مع الإسلام، وهكذا حال الناس مع السلفية، قال - صلى الله عليه وسلم - : «يُوشَكُ أن تَداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكلةُ على قصعتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ أمِن قلةٍ بنا؟ قال: لا ولكنَّكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ تُنزَعُ المهابةُ من قلوبِ عدوِّكم منكم ويُوضعُ في قلوبِكم الوهنُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما الوهنُ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ»، هكذا الإسلام وهكذا السلفية التي هي المنهج الحق. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#55
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. انتفاع العلماء وطلبة العلم بعضهم من بعض كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على الانتفاع من بعضهم، ولا سيما العلماء؛ فالعالم مهما بلغ علمه يبقى محتاجًا إلى غيره، ولا يصل أحد إلى مرحلة يستغني فيها عن الآخرين، وقد ضرب لنا التاريخ نماذج عطرة من ذلك، ومن أبرزها ما روي عن الإمام سفيان الثوري -رحمه الله-؛ فقد أخذ سفيان العلم عن عاصم في بداية طلبه، ثم صار لاحقًا محدثًا بارزًا له مجلسه وتلاميذه، ودخل عليه عاصم يومًا وهو يُحدّث الناس، فقال له: «يا سفيان، أتيناك صغيرًا فعلّمناك، وجئناك كبيرًا لتعلّمنا، فأنا في علم القراءات فارس الميدان، وأنت في علم الحديث كذلك، فلا يعيبني أن آخذ العلم عنك.» هذا الموقف يجسد تواضع العلماء، فالاستزادة من العلم تورث التواضع لا الكِبر، وهكذا كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما جاءه جبريل بالوحي ازداد تواضعًا ولينًا وقربًا من الناس؛ ولهذا نقول: من تعلّم ثم رأى نفسه فوق الآخرين ولم يثمر علمه تواضعًا، فليعلم أنه لم يذق طعم العلم الحقيقي. أثر السند المبارك ومما يرويه سفيان الثوري عن الإمام جعفر الصادق -رحمه الله- أن جعفر اشتهر بالصدق لكونه لم يُعرف عنه كذب، صغيرًا كان أو كبيرًا، وقد جمع الله له هذه الخصلة الكريمة من سلالة مباركة تمتد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجده علي وجدته فاطمة -رضي الله عنهما-، ثم الحسن والحسين-رضي الله عنهما-، حتى وصل إلى والده محمد بن علي بن الحسين. وقد عُرف عن علماء السلف دقة العبارة واختصار المعاني، حتى إن من يطالع المتون القديمة يلحظ فيها روح النبوة وجوامع الكلم؛ وهذا من بركة اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوتي جوامع الكلم، وانتقلت هذه الخصيصة إلى أصحابه والتابعين، ولا يزال أثرها ظاهرًا في كلام العلماء الكبار مثل الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألباني -رحمهم الله-؛ حيث نجد كلمات قليلة مشبعة بالخير. وصايا إيمانية من كلام جعفر الصادق من الأقوال النفيسة التي نقلها سفيان الثوري عن جعفر الصادق قوله: «إذا أتاك ما تحب فأكثر من الحمد لله». وليس المقصود بالشيء المحبوب المال وحده؛ فالدنيا متنوعة في مشتهياتها، فمن الناس من يطلب المال، وآخر يطلب المزارع أو الماشية، وكلٌّ له رغبة، ومع ذلك تبقى أعظم النعم هي نعمة الدين، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «الحمد لله إذ لم تكن في ديني»؛ فالمؤمن يستقبل الخير بالحمد، ويستقبل المكاره بلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذان جناحا المؤمن: الحمد عند السرّاء، والصبر عند الضرّاء، وقد لخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في قوله: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير...». الاستغفار مفتاح الرزق وكان جعفر الصادق يقول أيضًا: «إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار.» وقد جسد بعض الناس هذا المعنى، فذكر أحدهم أنه حُرم الذرية وطرق أبواب الأطباء بلا جدوى، ثم سمع خطيبًا يذكّر بقوله -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (نوح)؛ فعاد إلى زوجته وبشّرها بالفرج، وجعلا الاستغفار ديدنهما، فما مضى شهر حتى حملت زوجته ثم رُزقا المولود الأول، وتتابعت الذرية بعد ذلك، حتى وُهبوا سبعة أبناء؛ ببركة الاستغفار، وهكذا ختم سفيان الثوري روايته بقوله: «فنفعني الله بها»، ونحن نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والتواضع للحق. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#56
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. دعاء عظيم وأثرٌ مبارك
الدعاء سرّ العبودية ولبّها، به ينكسر العبد بين يدي مولاه، وبسبيله يتقرب من الرحمن فيمتثل لأمره وينال وعده: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:60). هو همس الروح وسلاح المؤمن، وهو رابطة الوصال بين الأرض والسماء. وقد علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أجمل صيغ الدعاء وأكملها، فجاءت ألفاظه جامعة مانعة، تحمل بين طياتها رجاء الخير، وطلب المغفرة، والتماس الثبات، فهو ميراث النبوة الذي يهتدي به المؤمن في مسالك الحياة. مناجاة الفاروق - رضي الله عنه - وما أجمل ما حُفظ من مناجاة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو يطوف بالكعبة متضرعًا: «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليّ الذنب والشقوة فامحُني، وأثبتني في أهل السعادة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب». الخوف والرجاء إنها كلمات تفيض يقينًا وشعورًا عميقًا بقدر الله -تعالى-، وتكشف أثر الخوف والرجاء في قلب رجل ملأ الدنيا عدلًا وإيمانًا، لقد كان عمر - رضي الله عنه - على عظم شأنه، لا يأمن مكر الله، وإنما يلوذ بدعاء صادق يرجو به الثبات، ويستعيذ به من خاتمة السوء، مستمسكًا بقول الله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (آل عمران: 8). إقرار بقدرة الله -تعالى- في دعائه - رضي الله عنه - إقرار بأن السعادة لا تنال إلا بتوفيق الله -تعالى-، وأن الهداية لا تكمل إلا بالثبات، وفيه رجاء صادق أن يُمحى ما كُتب من ذنب أو شقاء؛ إذ يعلم أن الله -تعالى- بفضله يبدّل ويغير، وأن أبواب رحمته -سبحانه- مشرعة للتائبين ما داموا أحياء، وكيف لا؟ وهو القائل -جل وعلا-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد: 39). عمق إيمان الصحابة هذا الدعاء شاهد على عمق إيمان الصحابة، وقوة يقينهم بالله؛ فهو يجمع بين التسليم بالقضاء والقدر، وبين اجتهاد العبد في دعاء ربه طلبًا لعفوه ورحمته، فالدعاء لا يرد القدر المحتوم، ولكنه يغيّر القدر المعلق كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرد القضاء إلا الدعاء» (رواه الترمذي). خلاصة القول دعاء عمر - رضي الله عنه - صورة حيّة للتوحيد الخالص والافتقار إلى الله -تعالى-، يعلّمنا أن نجتهد في الطاعة ونكثر من الدعاء، نرجو رحمة الله ونخشى سوء الخاتمة. إنه يذكّر القلوب بأن السعادة الحقة لا تثبت إلا بفضل الله، وبأن أبواب الدعاء مفتوحة لكل خائف وطامع، حتى يحيا المؤمن بين جناحي الرجاء والخوف، مستمطرًا رحمة ربه الذي بيده المحو والإثبات. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#57
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. الصلاة بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة
قد يقول قائل: لِمَ الحديث عن الصلاة ونحن - بحمد الله - من المصلين المحافظين عليها؟ والجواب: أن الصلاة ليست موضوعًا هينا؛ بل هي الركن الأعظم في الإسلام بعد الشهادتين، وقد أخذت مساحةً واسعةً في كتاب الله -تعالى-، وجاءت الأحاديث النبوية الكثيرة في الأمر بها، والترغيب فيها، والتحذير من تركها، حتى قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «ما كنا نرى شيئًا تركه كفرًا من الأعمال إلا الصلاة»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (رواه أحمد وأصحاب السنن). الصلاة عبادة جامعة للإنسان حاجات ومصالح لا تنفك عنه، وهي عند أهل الإيمان نوعان: دنيوية وأخروية، والمتأمل في الصلاة يجد أنها عبادة جامعة، تحقق مصالح العبد في الدنيا، وتضمن له النجاة والفوز في الآخرة. مصالح دنيوية من أمثلة ذلك: طلب الذرية الصالحة، فقد قصّ الله علينا قصة زكريا -عليه السلام- الذي دعا ربَّه دعاءً خفيًا في محرابه، وسأله الولد: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (مريم)، فجاءته البُشرى وهو في صلاته: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَ} (آل عمران: 39). وهذا درس بليغ: أن الصلاة باب عظيم لتحقيق المطالب الدنيوية، وملجأ صادق لقضاء الحاجات وتفريج الكربات، وكم جرّب كثير من الناس أن يدخلوا الصلاة مهمومين، فما خرجوا منها إلا بفرجٍ وسكينة! مصالح أخروية أما من جهة الآخرة، فالصلاة أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته» (رواه أبو داود والترمذي). فإن صلحت صلاته صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. شبهة وجواب قد يقول قائل: نرى كثيرًا من العصاة - فضلا عن الكفار- تتحقق لهم مصالح دنيوية دون صلاة، فما وجه الفرق؟ والجواب: أن ما يُعطَى الكافر أو العاصي قد يكون استدراجًا، قال -تعالى-: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 182)، فالعطية التي يعقبها حساب وعقاب ليست كالعطية التي يعقبها رضا ورحمة. وقد قال -تعالى- عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (المدثر)، فحتى الكفار يُحاسبون على ترك الصلاة زيادة على كفرهم، وأما المسلم المفرِّط فقد يُعطى شيئًا من مطلوبه لكنه مهدَّد بالتقصير والحساب، وأما المصلِّي المحافظ، فإن الله يتقبّل صلاته، ويثيبه، ويجعل له من عطاياه ما يكون رحمةً له في الدنيا، وذخرًا له يوم القيامة. إخوتي الأحبة، إذا أدركنا أن الصلاة تحقق لنا مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، فلن ننظر إليها على أنها عادة متكررة، بل نعمة عظيمة ومنحة ربانية، وحين نسمع النداء للصلاة سنجد أرواحنا تشتاق إليها؛ لأنها ساعةُ وقوفٍ بين يدي الكريم، الذي يقضي الحاجات، ويشرح الصدور، ويمنح العبد خيري الدنيا والآخرة. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#58
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة.. نبذ التعصّب المذهبي
من القضايا المهمّة التي يركّز عليها أهل العلم، ودوّنها علماء المدرسة المباركة مدرسة السلف الصالح، أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قضية التعلّم في ضوء الدليل ونبذ التعصّب المذهبي، فلم يكن أحد من الأئمّة الأربعة -رحمهم الله -حين يتحدّث عن العلم، يقصد علمًا مذهبيًّا محضًا. فلم يقل الإمام الشافعي مثلًا: تعلّموا مذهبي، ولا قال الإمام مالك ذلك، بل حين عُرض عليه أن يُلزم الناس بالموطّأ قال كلمته المشهورة: «كيف أحمل الناس على شيء من طريقي، وقد بلغهم علم غيري؟». وهكذا كان شأن الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد بن حنبل -رحمهم الله جميعًا-، لم يخصّ أحد منهم الناس بعلمه دون غيره، بل نشروا العلم كما تلقّوه من الرواية والاستنباط، مؤكدين أصلا متينا وهو: وجوب الاتباع، لا التقليد، قالوا جميعًا بعبارات متقاربة: «لا تقلّدني ولا تقلّد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي، وخذ من حيث أخذوا». اتباع الدليل إنهم أرادوا من الأمة أن تتبع الدليل، وأن تتعلّم العلم من منابعه الأصيلة: قال الله، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالأمة بعد رسولها - صلى الله عليه وسلم - لم تُكلّف باتباع مذهب معيّن؛ إذ لم يكن في زمن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مذاهب تُعرف، وإنما كان الناس إذا اختلفوا رجعوا إلى الدليل، فيسأل بعضهم بعضًا: من أين لك هذا؟ أهو من السنة؟» فيُذكر الدليل ويُحتج به، فكان الخلاف علميا منضبطًا بالدليل لا بالعصبية. ظهور المدارس الفقهية ثم جاءت القرون بعدهم، وظهرت المدارس الفقهية، فدُوِّن الفقه فيها وازدهرت علومها، غير أنّ بعض المنتسبين إليها جعلوا من التمذهب التزامًا شخصيا وحصروا الناس في نطاقه، حتى تمحورت الأمة في قرون متتابعة حول مذاهب محدّدة، فصار في كل بلد مذهب يغلب عليه، فهذه بلاد للأحناف، وتلك للشافعية، وأخرى للمالكية، ورابعة للحنابلة، وهذا - بلا شك - كان من أسباب تفرّق الأمة؛ إذ تحوّل الاختلاف الفقهي المشروع إلى تعصّب مذهبي مذموم، أفضى إلى التنازع والخصومة، بل وصل في بعض العصور إلى ألا يُصلّي أتباع مذهب خلف غيرهم، ولا يزوّجون من يخالفهم في المذهب، بل قاس بعضهم ذلك على زواج المسلم من أهل الكتاب! وقد أشار ابن القيّم -رحمه الله- إلى خطورة هذا المسلك؛ فقال في بيتين جميلين: ما العلم نصبُك للخلافِ سفاهةً ولا الكلامُ بينَ رسولٍ وفقيهِ أي ليس من العلم أن تضع قول الفقيه في مواجهة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فالقول المقدم هو قوله - صلى الله عليه وسلم - وحده، وقد كان الأئمّة الكبار أنفسهم مثالًا للتجرّد من التعصّب، فمع أنّ كُلًّا منهم نشأ في بيئة فقهية معيّنة، إلا أنهم تجاوزوا حدود المذهب حين اتّسع علمهم، فصاروا يتّبعون الدليل ولو خالف مذهبهم. فليس في الشرع ما يُلزم أحدًا باتّباع مذهب بعينه، ولا يُسأل العبد يوم القيامة: «على أيّ مذهب كنت؟»، بل السؤال سيكون عن اتّباع الحق؛ فلقد كان التعصّب المذهبي سببًا في ضعف الأمة وتفرّقها، حتى بلغ ببعضهم أن يخاصم ويجادل ويبغض لأجل الانتماء المذهبي. أصحاب المنهج السلفي أما أصحاب المنهج السلفي، فإنهم جمعوا الناس على الأصل الجامع وهو: الاتباع لا الابتداع، والدليل لا التقليد، وقول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - فوق كل قول؛ ولهذا يتميّز المنهج السلفي ليس في أبواب العقيدة والمنهج فحسب، بل كذلك في الفروع الفقهية؛ إذ لا يرتبط المنتسب إليه بمذهب محدّد، بل يتّبع الدليل حيث كان. ومن الأمثلة على ذلك كبار علماء العصر: الشيخ الألباني- رحمه الله-، مع أنه درس الفقه الحنفي في بداياته، والشيخ ابن باز- رحمه الله- مع خلفيته الحنبلية، والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، فكلّهم تجردوا عن التقليد، وكانوا يقدّمون النصّ على كل قول؛ فالميزان عندهم: الدليل لا الانتماء، والاتباع لا التعصّب. ولذلك نقول: لا حرج في دراسة المذاهب والاستفادة من علومها، ولكن الحرج كل الحرج أن يتحوّل التمذهب إلى عصبية تُقدّم على النص، أو ولاء وبراء على أساسها، فالعلم الحق هو ما قام على الدليل، وأضاء بصيرة صاحبه، وأبعده عن الهوى والتعصّب، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: إذا خالف قولي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فاضربوا بقولي عرض الحائط، وهذا هو سبيل السلف، وبه تنهض الأمة، ويزول عنها ما دبّ فيها من الخلاف والفرقة، والله المستعان. خطورة التقليد بغير دليل التقليد الأعمى الذي لا يقوم على دليل هو آفة ابتلي بها كثير من الناس ومن طلبة العلم، وهو أحد موانع قبول الحق، كما قال الله -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة: 170)، يقول العلامة السعدي -رحمه الله-: «أخبر -تعالى- عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}؛ فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ؛ فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا». ونظرا لخطورة التقليد بغير دليل ولا بصيرة، فقد كان العلماء يحذرون منه، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: «أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، وإن كنتم لابدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة»، وقال - رضي الله عنه -: «ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ»، وكان الفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: «اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين»، وقال ابن القيم -رحمه الله-: وكانوا يُسَمُّون -أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة، وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح. وهذا الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: «إذا قلت قولا يخالف كتاب الله -تعالى- وخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فاتركوا قولي»، وكان الإمام مالك -رحمه الله- يقول: «ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -». ويقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه»، أما الإمام الشافعي -رحمه الله- فكان من أقواله: «أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل له أن يدعها لقول أحد، ويقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: «من رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة». اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#59
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. السكوتُ والتغافل جناحا الحكمة
لا يخفى على أحدٍ، أن من أعظم كتب الإسلام النافعة لأمة المسلمين - التي حظيت بشهرةٍ واسعة بين العلماء وطلاب العلم والعامة على حدٍّ سواء- كتاب (شُعَب الإيمان) للإمام البيهقي -رحمه الله تعالى-، ويُعَدّ هذا الكتاب من أوسع ما أُلّف في جمع قضايا الإيمان وتفصيلها. جاء في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان»، هذا الحديث من جوامع الكلم؛ إذ يندرج تحته كثير من أبواب الدين، بل كلّها؛ فقد تناول الإمام البيهقي هذه الشعب بابًا بابًا، ومسألةً مسألة، مستدلًا عليها بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى أخرج لنا هذا الكنز العظيم الذي يُعَدّ بحقٍّ من ذخائر التراث الإسلامي. جهود العلماء في خدمة الكتاب وقد قام جمعٌ من أهل العلم والفضل باختصار هذا السفر العظيم، وتيسيره للقراء، ومن ثمار ذلك أن مجلة الفرقان -التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي، جزاهم الله خيرًا- أخذت تنشر مختاراتٍ منه تحت عنوان: (من شعب الإيمان)، في صورة مقالاتٍ أسبوعية نافعة، وقد تولّى الأستاذ د. عبدالرحمن الجيران - حفظه الله-، تلخيص تلك الشعب بأسلوبٍ علميٍ ميسّرٍ يقرّب الفائدة إلى القارئ، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء. فنّ من فنون الحياة سأقف معكم اليوم مع فنٍّ من الفنون الراقية التي نحتاجها في حياتنا اليومية، في البيت، وفي العمل، وفي الشارع، بل في كل موطن، إنه فنٌّ علّمنا إياه سلفُ الأمة، الذين ما تركوا جانبًا من جوانب الحياة إلا رسموا فيه نهجًا حكيمًا من نور العلم والإيمان، ومن الآثار البليغة التي نقلها الإمام البيهقي في كتابه، ما رواه عن الأعمش -رحمه الله تعالى- أنه قال: «السكوتُ جواب، والتغافلُ يُطفئُ شرًّا كثيرًا». معنى الأثر وعمقه تأملوا هذه العبارة القصيرة، كم تحمل من حكمةٍ وتجربةٍ ووقار! قال شيخنا عبدالله السبت -رحمه الله-: الميزة في كتب السلف أنك تقرأ أسانيد كثيرة، وقد تملّ من طولها، ولكنك تصل في نهايتها إلى كلمتين تساويان مجلدات من الحكمة! أما اليوم، فكثيرٌ من الكلام بلا أسانيد ولا فائدة، حشوٌ كثير ومضمونٌ قليل. إن عبارة الأعمش: السكوت جواب، والتغافل يطفئ شرًا كثيرًا تختصر منهجًا تربويا راقيًا، فكم من موقفٍ في حياتنا يحتاج إلى أن نسكت فيه ولا نتكلم! وليس السكوت جهلًا أو خوفًا، بل هو حكمةٌ واتزانٌ وبصيرة. السكوت في زمن الفتن وقد نُقل أن بعض الإخوة من مصر جلسوا مع الشيخ عبدالله السبت- رحمه الله- في مجلسه بدولة الإمارات، وذكروه ببعض الفتن التي وقعت بعد ما سُمّي بالربيع العربي، وقالوا له: يا شيخ، لماذا العلماء ساكتون؟ لمَ لا يجيبون؟ فقال لهم -رحمه الله-: ألا يسعكم ما وسعهم؟ ألستم تقرّون بأنهم علماء؟ فليسعكم -إذًا- سكوتهم. فالعالم يسكت في الوقت المناسب، كما يتكلم في الوقت المناسب، وسكوته ليس خوفًا، بل فقهٌ في درء الفتنة؛ فالسكوت في موطن الحكمة جوابٌ أبلغ من الكلام. فنّ السيطرة على النفس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، إنّ ضبط النفس عند الغضب، والاكتفاء بالسكوت في مواضع التوتر، قوةٌ لا ضعف؛ ولذلك قال بعض العلماء عن الشيخ الألباني -رحمه الله-: كان يكتفي بسكوته جوابًا عن المسائل؛ إذ يرى أن الكلام فيها لا يجلب إلا الشرور. فيا أخي، إذا عدت إلى بيتك ووجدت ما يثيرك من موقفٍ أو تقصير، فاختر السكوت، فهو أكرم للنفس وأعقل للرأي، وأبعد عن الفتن والمشكلات، إن السكوت في موضعه رجولةٌ وحكمة. التغافل يُطفئ شرًّا كثيرًا ثم ينتقل الأعمش -رحمه الله- إلى الجانب الآخر من هذا الفنّ الراقي، فيقول: «والتغافل يُطفئ شرًّا كثيرًا»، فكم من موقفٍ أغضبك لو التفتَّ إليه لزاد شرًّا، ولكنك تغافلت فنجوت ونجا غيرك، غير أن التغافل المطلوب هو التغافل عن المباحات والهفوات الصغيرة لا عن الحرام والمنكرات؛ فهناك يكون الموقف الحازم الحكيم. التغافل النبوي ومن أروع أمثلة التغافل ما وقع في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين كسرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إناءً جاء من إحدى ضرائرها، فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- بهدوءٍ وجمع الطعام، وقال للجارية: «إناءٌ بإناءٍ، وطعامٌ بطعام»، ثم جلس ولم يُعقّب بكلمة، مكتفيًا بقوله بعد ذلك معتذرًا عنها: «غارت أمكم»، ما أعظم هذا الخُلق النبوي في احتواء الموقف بالتغافل وحسن التعامل! جناحان من أجنحة الحكمة وهكذا يتجلّى لنا أن السكوت والتغافل جناحان من أجنحة الحكمة، لا يتصف بهما إلا من تزيّن بالعقل ورجاحة الرأي وسَعة الصدر، فليس السكوت عجزًا، ولا التغافل ضعفًا، بل كلاهما دليل على قوّة البصيرة وحسن التدبير، ووعيٍ بأن الكلمة إذا خرجت ملكت صاحبها، وأن التغافل عن الزلات أرقى مراتب الأخلاق، فكم أطفأ السكوتُ نارَ فتنةٍ قبل اشتعالها! وكم طوى التغافلُ صفحاتِ خلافٍ قبل أن تتسع! فليكن شعارنا في الحياة: سكوتٌ في موطن الفتنة، وتغافلٌ في موطن الهفوة، فبهما تُحفظ القلوب وتصفو الحياة. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
|
#60
|
||||
|
||||
|
خواطر الكلمة الطيبة .. الدعوة والبلاغ المبين وظيفةُ الرسل وأتباعهم كانت الدعوة والبلاغ المبن -ولاتزال- وظيفةَ الأنبياء والمرسلين؛ كونهم يحملون وحي السماء إلى الأرض، وينقلون نور الهداية إلى القلوب، وهكذا كانت مدرسةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، مدرسةٌ تُعلِّم ليُبلَّغ العلم، فلا يبقى حبيسَ الصدور، بل ينتشر في الناس فيثمر خيرًا وبركة، ويشهد لهذا ما رواه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «كنا نتعلم العشر آيات من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نتعلم ما فيها من الحلال والحرام، ونعمل بما فيها، ونعلمها أهلينا، فجمع الله لنا بين العلم والعمل». فالتعلم للنفس وحدها تناقضٌ لجوهر العلم؛ بل هي لونٌ من الأنانية؛ لأن الله -تعالى- جعل تبليغ العلم من الواجبات؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، ومعنى ذلك: أن أولَ من يُبلغهم الإنسانُ علمَه هم أهلُ بيته، يعلّمهم العقيدة الصحيحة، واتباع السنة، والتمييز بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والشرك والتوحيد. ولذلك كان السلف في مجالس التحديث لا يرحلون إلا بحديث أو حديثين، يأخذون الهَدْي قبل أن يأخذوا العلم، ويتربّون بالصبر قبل كثرة الرواية، أما اليوم فكثيرٌ من طلاب العلم يريدون الكمَّ لا الفهم، والسرعة لا الأثر، مع أن المقصود من العلم: الفقهُ والعملُ والتبليغ. لذلك على الإنسان أن يجعل مما يتعلمه مادةَ حوارٍ مع أهل بيته، خطبةُ الجمعة، حديثُ مساء، ومقالٌ تقرؤه منفعة لأهلك، ومحاضرةٌ تسمعها نور يُهدى إليهم، فإن أصبحت هذه سُنّةً بين الناس، عمَّ الخير وانتشر النفع، بعضهم يقول: «أهل بيتي عوام، لا يفهمون»، وهذا عذرٌ واهٍ، فربّ كلمةٍ بسيطة تغيّر قلبَ زوجتك أو ولدك. كن كالغَمائم، أينما مررتَ أنزلتَ خيرًا، فربّ كلمة عابرة أحيت قلبًا كنت تظنه بعيدًا، وما أجمل أن يستحضر المبلّغ دعوةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - له: «نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فربَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»!، فكم من عالمٍ انتفع بكلمة نقلها إليه طالبٌ صغير! وهذا من تمام حكمة الله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |