زلني! - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 15907 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 216 - عددالزوار : 68294 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 12859 )           »          مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حاجتنا إلى النضج الدعوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 26785 )           »          وهو يتولى الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 14277 )           »          عطاءات المتقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-06-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,001
الدولة : Egypt
افتراضي زلني!

زلني!


د. طه محمد نجا








نعم.. ما زلت أشعر بغصَّتها.. ومرارتها.. رغم ذلك الدهرِ الدائرِ كلِّه..

ما زلت أشعر بطعم "المزلة" في حلقي...

بكل ما تحمله "الزاي" الملحونة، من "زن" و"أزيز"..

بكل ثقل اللام المشدَّدة في الوسط، كأنها همٌّ جاثم..

أو زائر بارد.. في وقت شغل.. أو مَقِيل!



فلا تعذُلني - أيدك الله - في لحن القول، وهبوط "الزاي" إلى أسفل السطر، وأنت تريدها "ذالًا" من فوقه؛ إذ كانت هي وضع الكلام، وحق المعجم في معنى "الذُّل" ومادته...

غير أنني أستمحيك عذرًا في أن أتخلى عن "التفاصح" عليك، وتحقيق مخرج الذال منها..



وإنما أكتبها لك، كما أنطقها..

فإنما أُريغ من مقالي إليك استدرار عطفك، ورحمةَ قلبك لأخيك "الزليل"؛ فمتى رأيت الناس يتعطَّفون على من يَتخلَّل لهم بلسانه، أو يتشادق عليهم ببيانه؟!



ثم إن لصاحبك - أيدك الله - غرضًا، في أن يطربك بنادرٍ من القول، وطريف من حكايا الناس.. ومتى استطرفت الكلام، وتَسَقَّطت نوادرَ الأخبار، فإياك والتقعرَ في روايتها، وإقامة اللحن فيها، عن جهة حكايتها.



أمَا سمعتَ شيخ الأدب، أبا عثمان، يقول لك:

"إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، ومُلْحة من مُلَح الحُشْوَة والطَّغام، فإياك وأن تستعمل فيها الإعراب، أو أن تتخير لها لفظًا حسنًا، أو تجعل لها من فِيك مخرجا سَرِيًّا؛ فإن ذلك يفسد الإمتاع بها، ويُخرِجها من صورتها، ومِن الذي أُريدت له، ويُذهب استطابَتَهم إياها، واستملاحهم لها".

♦ ♦ ♦



كان "صاحبي" كلما لقيني، في جِيئتي وذَهابي، يفجؤني بصوته الجَهْوَرِيِّ المريع: (أنا أستاذك)..

كنت أحاول أن أتوقَّى الدرب الذي يسلك بي عليه...

أحاول أن أتفادى الشارع الذي يسكن فيه..



كنت أشعر أنه يتخبأ لي خلف سُجُف الليل، كما كانوا يخوفوننا بالسِّعلاة.. وأمِّنا الغولة.. حتى إذا ما حاذيته صاح بي في بُهْمة الليل: "بِخْ".." أنا الأستاذ"...

كنت كلما نجحت في مرحلة من التعليم: "زلني"..

كنت كلما استجدَّت لي نعمة..: "زلني"..

كان كأنه يتأهب لي في كل نادٍ.. ويتربص بي في كل حاضر وبادٍ؛ ليستزلني..



وأنا في كل مرة: أَمْتَنُّ للأستاذ.. وأشكر له فضله.. وأشكر "الحظ" الذي جعلني يومًا: تلميذًا له؛ فيا لها من مكرُمة!

حتى كان غاية ما بلغ مني من "المزلة": يومان؛ يوم أن حصلت على "الماجيستير".. فرأى نباته، وغرس أيامه، قد استحصد.. واستوى على سوقه..



لكني، وقد لقيت منه من البَرْح ما لقيت.. كان أشده عليَّ: يوم خطبت الجمعة في بعض مساجد القرية... ولأجل "بختي" كان "الأستاذ" حاضرًا.. وكنت في الخطبة: موفَّقًا..

فانتشى.. وطرب.. ورأى أنه قد بلغ بي.. وأوفى، وأربى على الحق.. وزيادة..

ففجِئني، في المحفل الجامع كله، بصوته الجهوري البليغ:

" أنا أستاذك"...



لم أكن أفهم جيدًا؛ ماذا عسى يريده الأستاذ مني، وقد تفارط بيننا السير، وبعُد بنا العهد..

لقد شب الصغير عن الطوق.. ولم يعد يلائمه أن يدخل في "تبان" الطفل الصغير..

كان قد طرَّ شاربُه.. وهو يتتبعه: " أنا أستاذك"..

كان قد كبِر.. وملأت اللحيةُ وجهه... وتزوَّج... وهو يصيح به في كل مرة يلقاه..

لم يكن يدرك الأستاذ: أن وقت الاستتباع قد مضى... وأن ذلك الصغير: قد تخطى دربه.. ومضى في شوطه البعيد..

لم تعُد عصا الأستاذ تفلح في أدبه..

ولا درس القراءة في "الألف باء" يعنيه..

لقد درسه منذ دهر داهر.. وانقضى...

لم يعد ممكنًا "للفتى" أن يعود لذلك الدرس من جديد..



كنا نجهد أن نحفظ للأستاذ مقامه، وحُرْمَته..

وهو يأبى إلا أن يستعيد زمانه.. وسطوته!

كان يريد أن يظل مستتبِعًا..



وقد نسي أنْ قد عثت فيه صروف الدهر، وتقلب الحدثان، حتى كأنه في درب السنين، كحال الأول:



حَنَتْني حانياتُ الدَّهْرِ حَتَّى

كأَني خَاتِلٌ يَدْنو لصَيْدِ



قَرِيبُ الخَطوِ يَحسَبُ مَن رَآنِي

ولَسْتُ مُقَيَّدًا أَني بقَيْدِ




♦ ♦ ♦



كان أعجبَ ما في محنتي مع أستاذي، و"استزلاله" لي، في غدوي ورواحي - أمران:

أما أولهما: فهو أن "أستاذي" لم يكن أستاذًا لي؛ لا وربي، بل لم يكن أستاذًا قط!

لقد كان "الرجل" أمينًا للمعمل، في المدرسة الابتدائية التي كنت أدرس فيها، فبالله عليكم: متى كنت مخترعًا صغيرًا، يرعاني "أمين المعمل" وأنا أُجري تجارِبي الكيميائية؟!



وأما ثانيهما، وأعجبهما: فلقد كان صاحبي "أبح الصوت"، ما يكاد يُسمع له: هَمس، ولا هَجْس؛ ما هو إلا حركات الشفاه، مع جهد النفس المتحشرج، يبين عما يريد..




ظل الداء بحباله الصوتية، يحبسه عن الكلام، والصوت الرفيع.. حتى انتهيت من أدوار تعليمي كلها.. ثم كانت آية، وانفكت حُبْسته!

ليعود بها جَهْوري الصوت..

ليـ"زلني"... في غدوتي... ورواحي!





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.56 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]