|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مفهوم العرض والشرف المعتز بالله الكامل الحمد لله ربِّ العالمين، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعد: فالعرض والشرف كلمتان متلازمتان، ومعنيان ساميان مترابطان، يكمِّل أحدهما الآخر، ويعتبر الأوَّل سُلَّمًا للآخر. فإذا حُفظ العرض تمَّ الشرف، وإذا ثُلِم العرض ضاع الشرف، فلا يُتصوَّر وجود الشرف مع فِقدان العرض. والعرض هو: موضع المدح والذمِّ من الإنسان، سواء في نفسه أو سلفه؛ (النهاية لابن الأثير). فما يُمدح به المرؤ من صفات الجمال، ومن شمائل الخير، فهو داخل في العرض، وما يُذمُّ به أو يعاب داخل في العرض، سواء كان المدح قاصرًا على ذاته، أو متعديًا إلى آبائه الأقدمين، فكل ما يُنسب إلى المرء من خير أو شر في نفسه أو في آبائه، فهو مدح أو قدح في العرض. وأما الشَّرف فهو الحسب بالآباء؛ يقال: رجل شريف؛ أي له آباء متقدمون في الشرف؛ (لسان العرب). فالتقت الكلمتان في أن موضع الذم والمدح في الآباء من العرض، وأنَّ الحسب بالآباء من الشرف، ولا يكون المرؤ حسيبًا وفي عرضه ما يُطعن به أو يُعاب عليه. ولقد جاءت شريعة الإسلام الغرَّاء بحفظ الأعراض وصيانتها من كل يُدنِّسها، فجعلت حفظ الأعراض أحد مقاصد الشريعة، بل أدخلها بعضهم مكان حفظ النسل في الضروريات الخمس التي ينبغي أن تُحفظ. ولقد وضعت الشريعة سياجات مانعة لحفظ الأعراض، ولحمايتها من أن يعرض لها أحدٌ بما يُشينها. فمن هذه السياجات: 1- تحريمها للزنا والتَّشديد في عقوبة مرتكبيه. فقد شدَّدت الشريعة في شأن الزنا، وأمرت بالعقوبة الشديدة لمن يقعون فيه؛ قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]. 2- وضعت الشريعة سياجات مانعة من الوقوع في الزنا؛ مثل: أ- الأمر بالاستئذان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27]. وأمرت الصغار الذين لم يبلغوا الحُلم أن يستأذنوا في ثلاثة أوقات؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُم ﴾ [النور: 58]. ب- عدم النظر داخل البيوت؛ حتى لا تقع الأبصار على العورات، (إنما جعل الاستئذان من أجل النظر)؛ أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي. ت- أباحت الشريعة لصاحب البيت إذا رأى رجلًا ينظر داخل بيته دون استئذان أن يفقأ عينه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اطَّلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه)؛ رواه مسلم. ث- نهى النبي صلى الله عليه وسلم المُستأذِن أن يقف قُبالة الباب، وإنما عن يمين أو شمال؛ قال صلى الله عليه وسلم لمن وقف قبالة الباب: (هكذا عنك أو هكذا)؛ رواه أبو داود في سننه. ج- حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الحمو وهو قريب الزوج الذي لا ينتبه إليه الجيران، أو ينظرون إليه نظرة ارتياب، فقال لَما سُئل: أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت)؛ رواه البخاري. ح- حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء عمومًا وعلى المغيَّبة خصوصًا، فقال: (إيَّاكم والدخول على النساء)، وقال: (لا يدخلنَّ رجلٌ على مغيَّبة إلا ومعه غيره)؛ أخرجه مسلم. خ- أمر الله عز وجل بغض البصر، فقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31]. 3- حرَّمت الشريعة فعلَ قوم لوط، ووضعت لذلك عقوبة رادعة لمن تسوِّل له نفسه الوقوع في هذه الجريمة النَّكراء؛ قال صلى الله عليه وسلم: (مَن عمِل عملَ قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به)؛ أخرجه أبو داود والترمذي. 4- حرَّمت القذف وجعلته من أكبر الكبائر ومن الموبقات، ورتَّبت على فعله عقوبات شديدة؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4]. ولم يكن موقف الشريعة قاصرًا في حفظ العرض على منع الزنا، وسد الطرق الموصلة إليه، بل ترقَّت الشريعة إلى أمور أخرى يحفظ المرؤ بها عرضه من أن يعرض له متهوِّك لا يعرف قيمة الكلمة التي يتلفظ بها لسانه، فجعلت الشريعة ما يدفعه الإنسان من مال أو عَرَضٍ في مقابل حماية عِرضه داخلًا في باب الصدقات، ويُثاب المرؤ عليه مثل ثواب المتصدِّق الذي يُنفق ماله ابتغاءَ وجه الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: (ما وقى به المرؤ عرضه كُتب له به صدقة)؛ رواه الدارقطني. ولعل هذا هو الملمح الذي نظر إليه عمر رضي الله عنه حين اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة، فقد كان الحطيئة (جرْول بن أوس) رجلًا هجَّاءً، وكان يُطلق لسانه في أعراض الناس، فطلبه عمر فأُتي به فألقاه في بئر، وهم بأن يقطع لسانه، فقال الحطيئة: ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مَرَخٍ ![]() حُمرِ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ ![]() أَلقَيتَ كاسِبَهُم في قَعرِ مُظلِمَةٍ ![]() فَاِغفِر عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ يا عُمَرُ ![]() أَنتَ الأَمينُ الَّذي مِن بَعدِ صاحِبِهِ ![]() أَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَ النُّهى البَشَرُ ![]() لَم يوثِروكَ بِها إِذ قَدَّموكَ لَها ![]() لَكِن لِأَنفُسِهِم كانَت بِكَ الخِيَرُ ![]() فبكى عمر رضي الله عنه، وعفا عنه، وقيل: إنه أعطاه مبلغًا من المال؛ لئلا يقع في أعراض المسلمين، فقالوا: اشترى عمر من الحطيئة أعراض المسلمين. ومما يدل دلالة عظيمة على تفخيم الشريعة لأمر الأعراض - أنها جعلت الموت في سبيل الدفاع عن الأعراض شهادة يلَقى بها المسلم ربًه مُلحَقًا بالشهداء محفوفًا بكرامة الله. ألا فليعلم الناس أن الشريعة الإسلامية هي أعظم شريعة حافظت على الأعراض، ووضعت التدابير العظمى لحمايتها، ألا فليعلم الذين يتخوَّضون في أعراض الناس أن الشريعة لهم بالمرصاد، وأن عين الله تراقبهم، وأنهم لا يخفون عمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فليتقوا الله في أعراض المسلمين، وليعلموا أن من تخوَّض في أعراض المسلمين، سلَّط الله عليه من يتخوَّض في عرضه، هذه بتلك، وما ربك بظلاَّم للعبيد.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |