|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فـ(من) إمَّا أنها حرف جرٍّ، وإمَّا أنها اسمٌ بمعنى (بعض) فيكون هو المفعول، والماء ستكونُ عندئذٍ مُضافًا إليه، أو شبهَ جملة صفة لموصوف محذوف، تقديره (شيئًا من الماء)، وهو أمرٌ متكرِّر طوال الرحلة، وعلى طول اليوم. ((مَرُّوا على مَن فوقهم)) الراء في (مر) تفيد التكرار، وهي دقَّة نبويَّة متناهية، وفيها كنايةٌ عن كثْرة المرور وتَكرارها من كلِّ أسرةٍ موجودةٍ في السفينة، وواو الجماعة هي الضمير الرابط في الجملتين: (استقَوْا / مرُّوا) المتَّصل بالموصول (الذين)، وكلُّها أدواتٌ تتعانَقُ وتتماسَك، ويستَدفِئُ بها التركيب ترابطًا، واتِّصالاً، والْتِحامًا. والحرف ((على)) يُبَيِّن عُلوَّ صوت حركاتهم، وقَرْع نِعالهم، فهو كنايةٌ عن صفةٍ هي الجلبة والحركة، وفيه بيانٌ لمدى الضِّيق الذي يُحدِثونه في كلِّ آنٍ لِمَن رُزِقُوا سُكنَى العلوِّ من السَّفينة. و((مَن)) اسم موصول للعاقل بمعنى (الذين)، و((فوقهم)) ظرف مكان صلة الموصول، ولم يقل الحديث: (مروا بمن فوقهم)، وإنما قال: ((على)) ليُظهر حجمَ القلق، وكِبَر الضجيج، وسماعه من كلِّ مَن يَسكُن أعلى السفينة، فهي جلبةٌ ظاهرة، وحركة صاخبة يحسها كلُّ ساكنٍ أعلى السفينة، فهم لا يسكتون، وإخوانهم يتألَّمون ويتأفَّفون؛ حتى أظهر أهلُ سكنى العُلوِّ ضِيقَهم وتأفُّفَهم، والواضح أنَّ السفر كان بعيدًا، وأنهم عاشُوا أيَّامًا وليالي كثيرة في السفينة، بدليل أنَّ تلك الظاهرة قد لُمِحَتْ، وأنها أمْسَتْ بحيث لم يستَطِعِ الآخَرون تحمُّلَها، وراحَ الضِّيق يَفُوحُ على الألسنة؛ بدليل قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبنا خَرْقًا))، فالفاء تفيدُ الترتيب والتعقيب، والفعل ((قالوا)) مسندٌ إلى ضمير جماعة القائلين، وهم كُثر، والواضح أنهم اجتمَعُوا معًا عقب الحديث المستمرِّ الذي يحمل الغضب والتأفُّف، والفعل (قال) يَحمِلُ الصوت العالي، والنبر القوي، فالقاف حرف تفخيم واستِعلاء، والألف جوفيَّة، واللام تخرُج من جَوانِب الفم، وتأتي الجملة الشرطيَّة التي هي مَقُول قولهم مُصدَّرة بأداة الشرط (لو) التي تُفيد امتناع تحقُّق الجواب لامتناع تحقُّق الشرط (امتناع لامتناعٍ)، فهي مجرَّد حُلمٍ طرَحُوه، ولم يطرَحُوه بـ(إذا)، فـ(لو) لا تتحقَّق، وحذف جواب الشرط، والتقدير: لكان أَوْلَى وأجْدى، أو هو مذكور، والواو زائدةٌ: ((لو أنَّنا خرقنا.. لم نؤذِ مَن فوقنا))، و(أن) تنفتح همزتها وجوبًا بعد (لو)، وهو أسلوبُ توكيدٍ يَحمِلُ الرَّأي الجماعي: ((أننا))، وخبر (أنَّ) جملة فعليَّة فعلها ماضٍ مُؤكَّد، فـ((خرقًا)) مفعول مطلق مؤكِّد للفعل، فالجملة أُكِّدت بِمُؤكِّدين: (إن - المفعول المطلق)، وعبَّر بالماضي للدلالة على أنَّ أُمنيتهم تحقَّقتْ، واستراحَت نفوسُهم، أو ورَدتْ للتحسُّر. ونُلاحِظُ استِعمال الضمير (نا) ثلاث مرَّات: (إننا/ خرقنا/ نصيبنا)، فالحديث بصيغة الجمع، وكأنهم يعتزُّون برأيهم، وأنَّه جاء جرَّاء مَشُورةٍ وتَداوُلٍ للرأي، ثم حُذِفَ الجوابُ، وعُطِفَ على الشرط بشرطٍ آخَرَ: ((ولم نُؤذِ مَن فوقنا)) الذي يُوحِي بسَلام قَصْدِهم، وعدَم خبث صُدورهم، والفعل ((نُؤذِ)) مبدوء بالنون التي تفيدُ أنَّ هذا مُرادُهم أجمعين، وتكرَّر استِعمال الموصول (من)، وهو اسم موصول، ولكنَّه مُبهَمٌ وُضِع مَوضِعَ الظاهر لعِلْم المخاطب به، وعدم الغُموض أو اللبس في استِعماله، وفي الحقيقة أنَّهم بهذه الكلمات أظهروا حُسْنَ طويَّتهم، وسُمُوَّ غرَضِهم، وعِفَّة لسانهم، غير أنَّ هذا الرأي كان يجبُ أنْ يُؤخَذ في ظِلِّ جميع ركَّاب السفينة: أعلاهم وأسفلهم، ولا يقتصر على جماعةٍ دُون أخرى؛ لأنهم يعيشون في مركبٍ واحدٍ، ولغيرهم رأيٌ، وله رؤيةٌ وتصوُّر، فمن الخطأ أنْ يَفرِضَ المرءُ رأيَه على غيره مهما كانت نيَّته؛ قال حافظ إبراهيم: رَأْيُ الْجَمَاعَةِ لا تَشْقَى البِلادُ بِهِ ![]() رَغْمَ الْخِلافِ وَرَأْيُ الفَرْدِ يُشْقِيهَا ![]() ونحنُ تعلَّمنا من دِيننا أنَّ يد الله مع الجماعة، وأنَّ الأُمَّة لا تجتمع على ضَلالة، وأنَّ مَن شذَّ شذَّ في النار، وأنَّ المشورة مَكفُولةٌ للجميع، لا يستأثر بها أحدٌ دون أحدٍ. ثم يأتي ختام القصة النبوية الذي يضَعُ حَدًّا لهذا التأزُّم القَصصي، ووُصول الأمر إلى نهايته، والذي يتطلَّب حلاًّ وخروجًا: ((فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا))، وفي روايةٍ: ((هلكوا، وهلكوا جميعًا))، واستعمال (إن) هنا للشكِّ الذي يدلُّ على وعي الأمَّة بدورها، وقيامها برسالتها، وأنَّ هذا الصَّنيع والتَّرْك لا يكون، و((تركوهم)) فيه ضميران للغائب، يعودُ الأوَّل على مَن في الأعلى، ويَرجِع الثاني على مَن في الأسفل: (الذين فكَّروا في خرقِ خرْقٍ في نصيبهم)، وقد الْتُزِم الأصلُ في الترتيب؛ لكون كلٍّ من الضَّميرين: الفاعل والمفعول، ضميرًا متَّصلاً، ولمعرفة عَوْدِ الضمير من المتكلم أو المستمع، فليس ثَمَّة غُموض أو توهُّم. والواو في: ((وما أرادوا))؛ إمَّا أنها عاطفةٌ و(ما) معطوفة على الضمير (هم)، وإمَّا أنها للمعيَّة، فيكون (ما) منصوبًا على أنَّه مفعول معه؛ أي: مع مُرادهم، و(ما)؛ إمَّا أنها موصولةٌ، وإمَّا أنها مصدريَّةٌ، وحذف المفعول الثاني لأنَّ (ترك) يتضمَّن معنى جعَل، على نحو قوله - تعالى -: ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾ [الكهف: 99]، وهذا على أحد التأويلَيْن، والتأويل الآخَر أنَّ المحذوف حالٌ؛ أي: ترَكُوهم غير مُعاقبين أو غير مَأخُوذٍ على أيديهم، ففيه إيجازٌ بالحذف في الحالتين، وفي ((أرادوا)) إيجازٌ بالحذف كذلك؛ أي: وما أرادوه من الخَرْق والكسْر وإحداث الفَجوة للسُّقيا، وحذف المفعول هنا لتتخيَّلَ النفس إزاءَ المراد كلَّ متخيَّل، وقوله: ((هلَكُوا جميعًا)) جواب شرط ((إن))، وهو جملة فعليَّة بالحال المؤكِّدة لصاحبها (واو الجماعة)، ومَجِيء الجواب بالماضي مُخيف، لكنَّه نتيجةٌ حتميَّة، فعبَّر الحديث عن المآل والعاقبة المحتومة، والفعل (هلَك) يحمل الموت، والموت الصَّعب، ومَشَقة الموت ومُعاناته، ولَم يقل: (قضوا وقضوا جميعًا)، كأنهم - كما يقول المعجم -: الهَلَكُ: (بَقايا الشيء الهالك لجِيفته)، فكأنهم لا يموتون موتًا عاديًّا، لكن يَهلكون، فهو موتٌ مُجهد قاسٍٍ، يُعانِي صاحبه الغرق وانعِدام التنفُّس، وترى علوَّ الصوت هنا، والاستِصراخ هناك، وضَياع النَّصر، وذَهاب المُنقِذ، ويكون الجميع مشغولاً بإنجاء نفسِه في عرْض البحر؛ حيث لا مُنقِذَ ولا مُنجِيَ إلا الله في هذا الظَّرف الصَّعب الذي ينسى فيه الإنسانُ نفسه، فضلاً عن أنْ يَذكُر مَن حولَه طفلاً، أو صبيًّا، أو شيخًا، أو امرأة. ((وإنْ أخَذُوا على أيديهم)) أسلوب شرط، يُحدِثُ تقابُلاً دلاليًّا، تتَّضح معه الصورة كاملةً، وهو كنايةٌ عن صفةٍ هي الضرب بشدَّةٍ على أيدي المخرِّب، واستِعمال ((على)) تفيدُ قوَّة الحقِّ، واعتلاءه فوق الباطل، وجمع (أيديهم) يدلُّ على ضرورة الإحاطة بكلِّ مخرِّب مهما كان عدده، ومهما وصَلت قوَّته وبلغت قدراته، كما أنَّ فيه اختصارًا في القول، واجتزاءً بالعناصر الأساسيَّة؛ لأنَّه لا وقتَ لطول الحديث وإنشاء الكلام، ففيه كنايةٌ عن صفةٍ هي سُرعة تدارُك الخطَر، والسهر على المصلحة، وإنجاز المطلوب في الوقت المناسب، وعدم الأخْذ والرد، وعمل لجانٍ، وكثرة اجتماعات وتداوُل الرأي، وإنما جاءَت العبارة مُوجَزةً سريعةً؛ لأنَّ الموقف لا يحتملُ، والظرف لا يتَّسع، والمجال لا يسمح برَنِين عِبارات، ولا مَعسُول قولٍ، ولا طويل جُمَلٍ، وإنما الموقف يُحتِّمُ استعمالَ أفعال القوَّة، وعبارات الحسم، ومن ثَمَّ جاء: ((وإنْ أخَذُوا على أيديهم، نجَوْا ونجَوْا جميعًا)) تَكرارٌ جميل إنِ اعتبرنا (الواو) تذهَبُ إلى كليهما في كلِّ جملة، وإمَّا عدم تكرار إنْ اعتبروا الواو الأولى لِمَنْ في الأسفل، وواو الجماعة الثانية لِمَنْ في الأعلى، ويترشَّحُ ذلك بالحال (جميعًا) المؤكِّد لصاحبها، وهو واو الجماعة. ولعلَّ البدء والختم يتَّفقان في إعْطاء رسالةٍ إيجابيَّة للقارئ، فالقائم على حُدود الله ناجٍ، وهو بمنجاةٍ من الهلاك، وكذلك الختام: ((نجوا جميعًا))، ففيه تَوافُقٌ بين المطلع والختام، وهو من سِمات الأسلوب النبويِّ، والحديثُ يشيرُ إلى الواجب الاجتماعي، والمسؤوليَّة الاجتماعيَّة في عدَم تَرْكِ ذَوِي الرُّؤَى الضعيفة - وإنْ كانوا أصحابَ النَّوايا الصحيحة - دُون توعيةٍ أو تنبيه أو تبصيرٍ؛ لأنَّهم لو ترَكُوهم فلن يَسلَمُوا هم أنفسهم؛ لأنَّ البَلاء يَعُمُّ الجميع، وغرق السفينة - وهي الحياة والمجتمع بِمَن فيه وما فيه - سيَنالُ كلَّ فردٍ من أفراده، ولن يختارَ أحدًا ويَترُكَ الآخَر، بل سيَأكُل الأخضر واليابس، ولا يُبقِي ولا يَذَرُ، بل سيأكُل جميع البشر على مرمى البصر. فاللهَ نسألُ أنْ يُبصِّرنا بمسؤوليَّاتنا، وأنْ يجعَلَنا خدمًا لدِينه، أمَّارين بالمعروف، نَهَّائين عن المنكر، نَعرِفُ رسالتنا، ونُؤدِّي واجبنا، ونُحسِن أداء مهمَّتنا؛ حتى ننالَ رضا ربِّنا، ومَحبَّة نبيِّنا، والنَّجاة بأبْداننا والسَّلامة بأهلينا، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصَحْبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |