ذنبي يؤرقني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5002 - عددالزوار : 2122058 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4582 - عددالزوار : 1400601 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 96 - عددالزوار : 51534 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 14505 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 68877 )           »          انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 316 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2020, 05:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي ذنبي يؤرقني

ذنبي يؤرقني


أ. عائشة الحكمي




السؤال

السَّلام عليكم:
مرَّت 3 سنوات على قصتي، أرجوكم الرد علي؛ لأنَّ الندم قتلني، لقد قمتُ بالزِّنا مرة واحدة فقط، صحيح لم يحدث دخول والحمد لله، ولكن جميع الأفعال الأخرى قمتُ بها، كانت تلك فترة عصيبة من حياتي، كان والدي يحتضرُ ومفصولة من عملي، وأخبرني الأطباء باحتماليةِ إصابتي بالسَّرطان، عائلتي مفككة، وجميعُ صديقاتي متزوِّجات وخارج البلد، كنتُ محطَّمة ووحيدة للغايةِ، فأقدمت على هذا الفعلِ الشنيع، يا ليتني لم أفعله! من وقتها وأنا أشعرُ بالنَّدم الشديد، حياتي أصبحت مأساة، لا يمرُّ عليَّ يومٌّ واحد دون أن أتذكر تلك الليلة.


الحمد لله والدي الآن بصحةٍ جيدة، وتبيَّن عدم إصابتي بالسَّرطان، ولكن مع ذلك حياتي تعيسة جدًّا جدًّا؛ لأنني أستمرُّ في تذكر تلك الليلة، من وقتها وأنا لا أركزُ في أي وظيفةٍ أشغلها، سرعان ما يتمُّ طردي، غيرت وظيفتي كثيرًا خلال هذه السنوات، الندمُ ذبحني ولا يشغل تفكيري سوى تلك الليلة، أنا على وشك الارتباط بشخصٍ رائع يخافُ الله، ولكن ندمي الشديد يعكِّرُ علينا، أشعرُ بأنني أظلمه وأنني لا أستحقُّه، أحاولُ أن أنسى ولكنَّني لا أستطيع منذ ذلك اليوم، وأنا أدعو الله بأن يغفرَ لي، أصلِّي كثيرًا، وأقضي كلَّ ليلي مستيقظة أفكر فيما فعلت حتى يُغمى عليَّ من كثرةِ البكاء!


صحتي تدهورت، والنَّدمُ أصبح المسيطرَ على حياتي، عملت فحصًا للإيدز والحمد لله أنا سليمة، ومن شدة النَّدمِ أقنع نفسي أنَّ بي أمراضًا أخرى، ثلاث سنوات على هذا الحال.


أظلُّ أصلِّي، وأقرأ القرآنَ، وأتصدَّقُ، وأدعو الله أن يغفرَ لي، ولكنني ما زلت متعبة ونادمة جدًّا، ولا يزالُ هذا الشعور يلاحقني مهما فعلت، أريدُ أن أعيشَ حياتي وأنسى، أريد أن أسعدَ مع خطيبي، وأن أطرد تلك الليلة التي تلاحقني من خاطري. أريدُ أن أتخلَّصَ من هذا الشعور ومن وسواس إصابتي بالأمراض، ولكنني فشلتُ.

أرجوكم ساعدوني


الجواب

بسم الله الملهم للصَّواب
وهو المستعان

يَا رَبِّ هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدَا
وَاجْعَلْ مَعُونَتَكَ الْحُسْنَى لَنَا مَدَدَا

وَلاَ تَكِلْنَا إِلَى تَدْبِيرِ أَنْفُسِنَا
فَالنَّفْسُ تَعْجِزُ عَنْ إِصْلاَحِ مَا فَسَدَا

أَنْتَ الْكَرِيمُ وَقَدْ جَهَّزْتُ مِنْ أَمَلِي
إِلَى أَيَادِيكَ وَجْهًا سَائِلاً وَيَدَا

وَلِلرِّجَاءِ ثَوَابٌ أَنْتَ تَعْلَمُهُ
فَاجْعَلْ ثَوَابِي دَوَامَ السِّتْرِ لِي أَبَدَا


أيَّتُها العزيزة، قد أحسنتِ الظَّنَّ بالألوكة - أحسن الله إليك - وأحسن بي الظنَّ من دفع استشارتك إلى بريدي - أحسن اللهُ إليه - وإذا كنَّا نحسنُ الظنَّ ببعضنا البعض، وفينا من الشرِّ ما فينا؛ أفلا يجدرُ بنا أن نحسنَ الظنَّ بربٍّ غفور رحيم واسع المغفرة؟! أليس من الخير أن تثقي بربٍّ تواب؛ ((أشد فرحًا بتوبةِ عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيرِه قد أضله بأرض فلاةٍ))؟! رواه مسلم.

فلتحسني الظن بربك، ولا تكوني برحمةِ قلوبنا أوثق منك برحمةِ الله - عز وجل – بك؛ فأنت إلى قليلٍ من رحمة الله - تعالى - أحوج منك إلى كثيرٍ من اهتمامنا وإشفاق قلوبنا عليك.

من المهمِّ أولاً أن تعرفي ما الزِّنا؟ فقد سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماعزَ بن مالك الأسلمي حين أقرَّ على نفسِه بالزِّنا: ((هل تدري ما الزِّنا؟))، قال: "نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجلُ من امرأتِه حلالاً"؛ رواه أبو داود وابن حبان، والبيهقي وعبد الرزَّاق.

فالزِّنا الذي يوجِبُ الحد: أن يغيبَ فرجُ الرجل في فرجِ المرأة كما يغيبُ المِرْوَد في المُكْحُلة، والرشاء في البئر، وأما ما تصِفينه أنت: "لم يحدث دخول والحمد لله ولكن جميع الأفعال الأخرى قمتُ بها"، فهذه "مقدمات الزِّنا"، ومقدمات الزِّنا لا توجب الحدَّ؛ بل هي من اللَّمم الوارد في قولِ الله - عز وجل -: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم : 32].


روى الحاكمُ في "المستدرك" عن سعيد بن ميناء قال: كنتُ عند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - فقلت: يا أبا هريرة، ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ فما اللَّمم؟ قال: "كلُّ شيءٍ ما لم يدخل المِرْوَد في المكحلةِ، فإذا دخل فذلك الزِّنا".

وهذه المعاصي والآثام تطهِّرُها التوبة والإنابة إلى الله - عزَّ وجلَّ - لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، إني عالجتُ امرأةً في أقصى المدينة، وإني أصبتُ منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض فيَّ ما شئت، فقال له عمر: "لقد سترك الله لو سترتَ نفسك"، قال: فلم يرد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود : 114]، فقال رجلٌ من القوم: يا نبي الله، هذا له خاصةً؟ قال: ((بل للنَّاس كافةً))؛ رواه مسلم.

وللقصةِ شواهد وأطراف وطرق عديدة يعضد بعضها بعضًا، وتثبت كما يقول ابنُ حبان - رحمه الله -: "أن هذا الفعل لم يكن بفعلٍ يوجب الحد، مع البيان بأن حكم هذا السائل وحكم غيره من أمَّة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه سواء".

فمن طرقِها ما رواه الإمامُ أحمد بن حنبل - رحمه الله - في "مسنده" عن عبدالله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نبي الله، إني أخذتُ امرأةً في البستان، ففعلت بها كلَّ شيءٍ غير أني لم أجامعْها، قبلتُها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت، فلم يقل له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا، فذهب الرجل، فقال عمر - رضي الله عنه -: "لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسِه"، قال: فأتبعه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بصره، فقال: ((ردُّوه عليَّ))، فردوه عليه، فقرأ عليه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ... ﴾إلى: ﴿ لِلذَّاكِرِينَ ﴾، فقال معاذ بن جبلٍ: "أله وحده أم للنَّاسِ كافةً يا نبي الله؟"، فقال: ((بل للنَّاس كافةً)).

وفي بعضِها كما أخرج النسائي في "السنن الكبرى" عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "إني أخذتُ امرأةً في البستان، فأصبت كلَّ شيءٍ، غير أني لم أنكحها، فافعل بي ما شئت"، فلم يقل له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا، ثم دعاه فقرأ عليه هذه الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات... ﴾.

وقبل المضي أكثر في تفاصيل مشكلتك أودُّ أن أتوجه بكلمةٍ لكلِّ من يقرأ استشارتك، ممن ابتُلي بهذه القاذورة (الزِّنا) أن يسترَ على نفسِه، ويتوب إلى ربه ولا يخبر أحدًا، ولا يكتب لنا ولا لغيرنا؛ "فإنَّ العبادَ يعيّرون ولا يغيرون، والله - تعالى - يغير ولا يعير"، كما نُقل عن أمِّ المؤمنين عائشة - رضوان الله عليها - ولأنَّ الزِّنا يثبتُ بالإقرار وبأربعة شهداء، ونحن في الألوكة لسنا بشافعين في حدٍّ من حدود الله - جلَّ وعز - وليس عندنا في حدودِ الله المنتهكة أية مبررات نفسية كانت أم تربوية أم اجتماعية، فلتستروا على أنفسِكم، ولتستغفروا ربَّكم، ولا تقنطوا من رحمةِ ربِّكم؛ ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر : 53]، غفر الله لنا ولكم، وتاب علينا وعليكم أجمعين، آمين.

وأمَّا ما فعلتِه أنت فإثمٌ عظيم؛ وهو وإن لم يبلغ حدَّ الزِّنا إلا أنه يعدُّ اقترابًا من الزِّنا، والله يقول: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء : 32]، والحال الذي أنت فيه هو تحقيقٌ لمعنى: ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾، وعسى أن يكون هذا الألم الكبير تكفيرًا لذنوبِك وآثامك، وتطهيرًا لجسدك وروحك، وعسى أن يكون ربُّك قد قبلَ منكِ توبتك، ألستَ ترينَ الخيرات التي سِيقت إليك بعد توبتك؟!

"الحمد لله والدي الآن بصحةٍ جيدة".
"وتبيَّن عدم إصابتي بالسَّرطان".
"أنا على وشْكِ الارتباط بشخصٍ رائع يخافُ الله".

لقد صنع الله بك خيرًا، فهوّني عليك؛ ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة : 104] هذا كلامُ الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة : 147]، ولا تهلكي نفسَك بالقنوطِ من رحمة أرحم الراحمين؛ ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر : 56]، فاطمئني - أيتها العزيزة - أنت امرأةٌ مسلمة، وربُّك الله - جل ثناؤه - وليس غير الله عالمًا بمن هو الأفضل؛ إن كنت أنت التي ارتكبت ذنبًا وتبت منه أم هذا الذي يقرأ كلامَك فيعيب عليك ما كان؟! قال الرَّافعي في كتابه "رسائل الأحزان": "أعلمُ أنَّ ميزان الله الذي يشيل ويرجح بالخفيفِ والثقيل ليس في يدي، فلا أستخفُّ ولا أستثقل، وأعرف أنَّ الفضيلةَ ليست شيئًا في نفسها، وإنما هي بالاعتبار، فلا أدري إن كانت عند الله في فلانٍ الذي يحقرُ النَّاسَ أو فلان الذي يحقرُه النَّاسُ".

أوصيك بالمداومةِ على الأعمال الصالحات، والمسارعة إلى الخيرات، واقتراف الحسنات التي تذهبُ السيئات، والحسنات كلمةٌ جامعة لكلِّ عمل حسن يؤجر عليه المسلم؛ ﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [الشورى : 23]، وما يؤجر عليه المسلم ليس الصلاة والصوم وتلاوة القرآن وحسب؛ فهذه العباداتُ العظيمة هي بعض الحسنات، وليست جميعَها، وأمَّا الحسنات فطيفٌ واسع من الأعمالِ الصالحات؛ ففي "المسند"، وهو حديثٌ صحيح عن أبي جري الهجيمي، قال: سألتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلم - عن المعروف، فقال: ((لا تحقرن من المعروفِ شيئًا، ولو أن تعطي صِلَةَ الحبل، ولو أن تعطي شِسْعَ النعل، ولو أن تفرغَ من دلْوِك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريقِ النَّاس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلِق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض)).

ومن الحسنات التي تذهب السيئات:
قال الإمامُ يحيى بن يحيى - رحمه الله -: "الذبُّ عن السنةِ أفضل من الجهادِ في سبيل الله"، فقال له محمد بن يحيى الذهلي: "الرجل ينفقُ ماله، ويتعب نفسه، ويجاهد، فهذا أفضل منه؟!" قال - يحيى -: "نعم، بكثير"، قال الإمامُ أحمد بن حنبل عن يحيى: "ما أخرجتْ خراسانُ مثلَه".

وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: "لما كان الجهادُ أفضلَ الأعمال ولا قدرة لكثيرٍ من النَّاسِ عليه، كان الذِّكرُ الكثير الدائم يساويه ويفضل عليه".

وفي كتاب "الزهد" للإمام أحمد أنَّ رجلاً من بني إسرائيل تعبد ستين سنة في طلبِ حاجة، فلم يظفر بها، فقال في نفسِه: "والله لو كان فيك خيرٌ لظفرت بحاجتك"، فأتى في منامه، فقيل له: "أرأيتَ ازدراءك على نفسِك تلك الساعة؟ فإنه خيرٌ من عبادتك تلك السنين".

وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال: "أوثق عملي في نفسي نشر العلم".

وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "أعظمُ الخطايا الكذِب، وسبُّ المؤمن فسوقٌ، وقتالُه كفر، وحرمة ماله كحرمة دمِه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظَ يأجرْه الله، ومن يغفرْ يغفر اللهُ له، ومن يصبر على الرَّزيةِ يعقبه الله خيرًا منها".

وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: "الوضوء يكفِّرُ الجراحات الصِّغار، والمشي إلى المسجدِ يكفِّرُ أكثر من ذلك، والصلاة تكفر أكثر من ذلك"؛ أخرجه محمد بن نصر المروزي.

ورُوي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "لأنْ أجمع أناسًا من إخواني على صاعٍ من طعام، أحب إلي من أن أدخلَ سوقَكم هذا فأبتاع نسمةً فأعتقها".

وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "مدارسة العلم تسبيح".

وقال كعب: "لأن أبكي من خشيةِ الله أحب إلي من أن أتصدَّقَ بوزني ذهبًا".

وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "من مشى بحقِّ أخيه إليه ليقضيه، فله بكلِّ خطوةٍ صدقة".

وخَرَج علي بن الفتح - رحمه الله - يوم عيد الأضحى، فرأى الناس يضحُّون، وهو فقيرٌ لا دينار له، فانتحى جانبًا وقال: "يا رب، وأنا تقربتُ إليك بأحزاني".

وقال الإمام المنذري - رحمه الله -: "وناسخ العلم النافع له أجرُه وأجر مَن قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطُّه، وناسخ ما فيه إثمٌ عليه وزرُه ووزر ما عمل به ما بقي خطُّه".

وقال هشام بن حسَّان: قلتُ للحسن: "إني أتعلَّمُ القرآن، وإنَّ أمي تنتظرني بالعشاء"، قال الحسن: "تعشَّ العشاءَ مع أمِّك تقر به عينها، أحب إلي من حجةٍ تحجُّها تطوعًا".

وسُئل الإمام أحمد: أيُؤجر الرجلُ على بغضِ مَن خالف حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم؟ فقال: "إي والله".

وقال خباب بن الأرتِّ: "تقرَّبْ إلى الله بما استطعتَ؛ فإنك لن تتقرَّبَ إليه بشيءٍ أحب إليه مما خرج منه"؛ يعني: القرآن الكريم.

وقال قتادة: "إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم، فأمَّا داؤكم فالذنوب، وأمَّا دواؤكم فالاستغفار".

وسئل الحسن عن الرَّجلِ يسأله آخرُ حاجةً وهو يُبغضه، فيعطيه حياءً: هل له فيه أجر؟ فقال: "إنَّ ذلك لمن المعروف، وإن في المعروفِ لأجرًا".

وما قيل في المعروفِ والحسنات من الأقوال القديمة والمحدثة أكثرُ من أن يحيطَ به كتابٌ، فضلاً عن أن تتضمنَه استشارة، هذا بالإضافةِ إلى الفتاوى العديدة والشروحات المفصَّلة التي أصدرها الشيخُ خالد بن عبدالمنعم الرِّفاعي - وفقه الله - في كيفيةِ التوبة النصوح: "كيف أشعر بالتوبة؟"، "كيفية التوبة"، "هل رضي الله عني؟"، فلترجعي إليها.

وأمَّا وضعك النفسي، فالذي يظهرُ لي أنك منذ البداية وقبل هذه الحادثة كنت مصابةً بتوهُّمِ المرض Hypochondria؛ بدءًا بتوهمِك الإصابة بالسَّرطان، مرورًا بفحوصاتِ الإيدز التي أجريتِها توهمًا بإصابتِك بالإيدز، ثم سلسلة الأمراض التي لم تذكُرِيها!

وعليه؛ فإن كنتِ راغبةً في الذهاب إلى العيادةِ، فلتتوجهي من فورك إلى طبيبةٍ نفسية ماهرة، عوضًا عن الكشفِ عن مرضٍ آخر جديد.

ها أنت اليوم على علمٍ ومعرفة بأنَّ وساوس إصابتك بالأمراضِ الخطيرة ليست إلا وهمًا لا أصل له، فلا تتعبي نفسَك بالفحوصاتِ التي لا تظهرُ سوى حقيقة واحدة: أنك متعافية جسديًّا، متعبة نفسيًّا - عافاك المولى.

علاج توهم المرض:
من أهمِّ طرق العلاج: العلاج السُّلوكي المعرفي، وهذا يعني أنَّ عليك ضرورة التوجه إلى أخصائيةٍ نفسية لتلقي العلاج المعرفي على عدَّةِ جلسات، ولِعلمي أنَّ أكثر الناس لا يتوجَّهون إلى العياداتِ النفسية للعلاج؛ سعيتُ جاهدةً لتزويدِكم بمجموعةٍ من الكتب كنوعٍ من العلاج الذاتي، راجية منكم ألاّ تجمعوا بين عِلَّتَين: علة العقل (الجهل)، وعلة الجسد (المرض).

ولعلَّ من أفضلِ كتب العلاج السُّلوكي المعرفي الذاتي: كتابَ "العقل فوق العاطفة"، تأليف: د. كريستين باديسكي ود. دينيس غرنيبرغر، ترجمة: د. مأمون المبيض، فعليك بمطالعتِه لأهميته العلاجية.

متمنية أن يغنيَك الله - تعالى - عن الطبِّ والأطباء، بالسَّلامةِ والشفاء، وأن يجعلَ علتَك هذه تمحيصًا لا تنغيصًا، وأن يلبسك حللاً زاهيةً من الرضوان والغفران، وييسر لك زواجَك بمن تحبِّين، ويستر علينا وعليك في الدنيا والآخرة، آمين.








والله - سبحانه وتعالى - أعلمُ بالصواب، وإليه المرجع والمآب
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.98 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]