أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 90 - عددالزوار : 16271 )           »          وقفات مع آية خسوف القمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 1818 )           »          الأمل عبادة والثبات موقف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مختصر تاريخ تطور مدينة القاهرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 120 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 58 - عددالزوار : 27232 )           »          خطورة قول: ما رأيك في هذا الحكم الشرعي؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خطورة الظن السيء بالعلماء الراسخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيف تحمي الأسر العريقة أجيالها من الرفاهية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          نزيف الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 24-09-2019, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

آداب الخطيب وصفاته
الاولى( الإخلاص)
د.علي بن عمر بادحدح

المقصود بالإخلاص هنا (صلاح الباطن وصفاء السريرة وتوجه القلب نحو الله سبحانه، وألا يكون للعبد في قوله وفعله أي مطمع سوى طاعة الله ومرضاته. وهو قوة فعالة في توجيه النفس البشرية وقيادة القلب الإنساني)([1]).
(فالواعظ يقصد بوعظه وجه الله عز وجل ولا يقصد توصلاً إلى غرض دنيوي لتحصيل مال أو جاه أو شهرة)([2]) (أو يحرص على مدح مادح أو تجنبًا لقدح قادح، فالله لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصًا صوابًا)([3]) (وقد مدح الله المخلصين وأثنى عليهم في القرآن الكريم فقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإخلاص مبينًا لهم أنه كمال الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم ((من أعطى لله تعالى ومنع لله تعالى وأحب لله تعالى وأبغض لله تعالى وأنكح لله تعالى فقد استكمل الإيمان))([4]) وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه ((أخلص دينك لله يكفك القليل من العمل))([5]) ([6]) (والخطيب الذي يتحلى بالإخلاص هو أقدر على التأثير في نفوس جمهوره وتوجيه قلوبهم وأذهانهم لأن كلامه ينبع من أعماقه.
وكم من خطيب شخصت فيه صفة الإخلاص وأشرقت استطاع أن يعالج أقسى القلوب وأن يؤثر في أعتى النفوس فينقل صاحبها- بإذن الله تعالى- من الظلام إلى النور)([7]).
عن أبي يوسف قال: (يا قوم أريدوا بعملكم الله، فإني لم أجلس مجلسًا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلسًا قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح)([8]) (وقال الإمام أبو جمال الدين الفرج ابن الجوزي: لقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين متجبر بوعظي لم تكن تسيل)([9]).
وعندما يتجرد الخطيب عن الإخلاص ويغلب الهوى وحب الشهرة وما إلى ذلك فإن الخطيب (لن يتمكن من الوصول إلى أعماق الناس والتأثير فيهم وتحريك مشاعرهم لأنه فقد المصباح المنير الذي به يضيء أرجاء القلوب وينير ساحات العقول وعلى هديه يعالج أوصاب النفوس)([10]) قال بعض السلف: (إن العالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله، زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر على الصفا)([11]).
([1]) "خصائص الخطبة والخطيب" (ص 111).

([2]) "تحفة الواعظ" (ص 21)

([3]) "إرشادات لتحسين خطبة الجمعة" (ص 21).

([4]) رواه الحاكم في "المستدرك" (رقم2694) (2/178). وأبو داود (بدون $وأنكح لله))) رقم (46814/220). والطبراني في "الأوسط" (رقم9083) (9/41)، وقال في "مجمع الزوائد" (1/90)فيه صدقة بن عبد الله السمين وقد ضعفه البخاري وأحمد وغيرهما، وقال أبو حاتم، محله الصدق.

([5]) رواه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/22). والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/342) وقال حديث مرسل.

([6]) "خصائص الخطبة والخطيب" (ص 110) بتصرف.

([7]) "خصائص الخطبة والخطيب" (ص 111) باختصار.

([8]) "تحفة الواعظ" (ص 21).

([9]) المرجع السابق (ص 20).

([10]) "خصائص الخطبة والخطيب" (ص 112).

([11]) "تحفة الواعظ" (ص 18).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 24-09-2019, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

فقه الوعظ
بسام الشطي

ما أحوجنا إلى الوعظ لانشغالنا بالدنيا، نسينا الآخرة فقست قلوبنا فأصابنا فتور وضعف في الإيمان، فالوعظ يحيي القلب ويحرره من الشيطان، قال -تعالى-: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله).
فالموعظة مزيج من الترغيب والترهيب والنصح وعلو الصوت والتذكرة بالآخرة والألوهية وحقيقة الإنسان، قال - تعالى -: (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا).
- يحتاج المسلم إلى الموعظة بين الفينة والأخرى؛ لأنها شفاء للصدر، قال - تعالى -: (يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور)، فكان عبدالله بن مسعود يعظ في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن لوددت أنك ذكرتنا في كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.
- فوائد الموعظة كثيرة، منها: تذكير الغافل، تعريف الخلق بالخالق، وتبصير الناس بشرائع الإسلام وحدوده، وتجديد الإيمان وتحريكه، وزجر العاصي، وتثبيت المهتدي، وكشف مكائد ومصائد شياطين الإنس والجن.
- وللواعظ آداب يتحلى بها: الإخلاص والعلم بما يعظ، والرفق على الناس والصبر على أذاهم، والعمل بما يأمر به الناس وينهاهم عنه، فصاحة اللسان وعذوبته، واتباع السنة وآثار السلف، الورع في مسائل الحلال والحرام.
- على الواعظ الالتزام بالسلوكيات الآتية:
اختيار أوقات مناسبة للناس، وعدم الإطالة في الكلمة، التركيز في الموضوع وتحديد معالمه عدم التوسع في القصص الغريبة والمبالغة في طرحها، وعدم الطعن في العلماء وغمز الولاة، وعدم تجريح السامعين والتهجم عليهم أو التهكم بهم، وعدم المبالغة في ضرب الأمثلة التافهة، والنزول إلى الأسلوب المفهوم وعدم التحدث بأسلوب التعالي أو غريب اللفظ، والحرص على جمع الكلمة وتأليف القلوب والإصلاح بين الراعي والرعية، ويرغبهم في التفقه في دين الله - عز وجل -.
- إلقاء الموعظة ارتجالا يؤثر أكثر.. فالواعظ يرفع صوته ويحرك يده ويتفاعل مع الكلام: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم"[رواه مسلم عن جابر]، وإذا نبع الكلام من القلب لامس شغاف القلوب وخالطها".
- تحفيز الأذهان من خلال طرح السؤال: فكان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يطرح السؤال: ((أتدرون من المفلس؟))، ((أتدرون ما الغيبة)) ((أتدرون أي يوم هذا؟)) وتحفيزهم بذكر معلومة أو خبر مثال ذلك: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة))[رواه مسلم].
- لا تحرض الرجل على أهله أو خدمه.. كأن يقول: أين الرجولة عن المرأة التي تتبرج وباستطاعته القول: أيها الغيورون شجعوا المرأة على الحجاب وأثنوا عليها إن تحجبت.. وغيرها من العبارات، واصبروا على الخادم حتى يتعلم.
- خاطبهم بأنهم إخوانك وارفق بهم ولا تتعالَ عليهم، وحرك ملكة الإبداع والاستنباط فيهم وأنزل الأحكام الشرعية على الواقع ولا تشعرهم باليأس والقنوط بل بالتفاؤل، وادفعهم ليقوم كل منهم نفسه ويحاسبها، واعمل تجربة عملية أمامهم، فقل نتوقف الآن وكل منا يستغفر الله مائة مرة فكان رسولنا –صلى الله عليه وسلم- يستغفر في اليوم مائة مرة رغم أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمتى طبقنا هذا آخر مرة؟ وكم يأخذ تطبيق ذلك من الوقت؟.
- الموعظة تجعل المستمع متقيا بالعلامات الآتية: صدق الحديث، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله. قالها الحسن البصري - رحمه الله -
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24-09-2019, 05:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

كيف تكون خطبتك مؤثرة ؟

محمد بن عبد الله الخضيري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله ومن والاه إلى يوم الدين أما بعد:
فمضمون الخطبة هو الجانب الأهم في الخطبة، وهو الذي عليه مدار إصلاح القلوب والأعمال، والأخلاق والسلوك، تثبيتا للصواب، وتكثيراً له، وتحذيراً من الخطأ وتقليلا له، وهناك عدة معالم وأسس تنطلق منها الخطبة الهادفة وترتكز عليها:

الأولى:تقرير الأصول والأركان حيث يكون للخطيب عناية خاصة بتقرير مسائل الإيمان والعقيدة، ولا يأنف من ذكرها والتأكيد عليها بين الفينة والأخرى، ولا يستبد به الولع بالمستجدات أيا كانت، وتطغى عليه هذه النـزعة، فيهمل تلك الجوانب العظيمة، ولربما تركها أو تساهل فيها بعض الخطباء؛ اعتماداً على سبق معرفة المستمعين لها أو دراسته إياها، وهذا على فرض ثبوته، فإن لغة الخطيب قدسية المكان وعبودية الاستماع تختلف عن لغة التعليم والدراسة فهما، وتأثراً وتطبيقا، إضافة إلى أن في المستمعين ربما من لم يتعلم في التعليم النظامي، أو ليست هذه المسائل من ضمن فقرات المنهج، ولهذا كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم مشتملة على هذه القضايا الأساسية .
يقول ابن القيم- رحمه الله- كما في زاد المعاد: ( كانت خطبه صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعده لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيدا..) ويقول أيضا: ( ومن تأمل خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدي والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم )[1]

القضية الثانية:التنويع، فالخطبة الناجحة النافعة هي التي ينوع الخطيب في موضوعاتها كل خطبة بما يناسب مقامها وظروفها الزمانية والمكانية، بحيث لا يكرر ولا يعيد، بل يرسم لنفسه خطاً بيانياً علميا يحاول أن يأتي عليه جميعا في فترة معينة يحددها؛ بحيث إن المستمع الذي لا يكاد يفارق هذا الخطيب؛ يطمئن إلى أنه استوعب واستمع إلى جميع ما يحتاجه في أمور دينه، ولم يفته منه شيء، وقد يعيد الخطيب بعض الموضوعات التي تتأكد الحاجة إليها، ولكن بأسلوب مغاير وعرض مختلف، وتهيئة الخطيب نفسه على تنويع الموضوعات حسب ما تقتضيه المناسبات أو الظروف والأزمات؛ يقضي على الرتابة عنده والتكرار الذي ربما لا يحس به، كمن يأسره مثلا موضوع معين أو أكثر أو تخصص معين ؛ فتجده لا ينفك عن طرحه إلا قليلا، وكان سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم يراعي مقتضى الحال في خطبه، ويذكر عنه ابن القيم- رحمه الله-: ( وكان- صلى الله عليه وسلم- يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم).
ويقول أيضا: ( وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم) ومن هنا فإن على الخطيب أن يتناول في خطبته القضايا الإيمانية والعبادية والأخلاق والسلوكيات .

القضية الثالثة: العلمية: فالخطبة الناجحة المؤثرة؛ هي التي يعتمد فيها الخطيب على التأصيل العلمي؛ لأنه يتحدث من منبر شرعي، يحضره الناس لتلقي الطرح الشرعي المؤصل، وليس المنبر موقعاً خاصاً أو ديوانية أو وسيلة إعلامية تنسب للشخص ذاته، فعلى الخطيب أن يتقي الله فيما يطرح، فلا يخوض في القضايا بغير تأصيل وعلم وسبق تحر وبحث، وألا يكون طرحه للقضايا المهمة مبنياً على وجهة نظر شخصية عارية عن التنقيح أو التحقيق، ومهما كان للخطيب فصاحة وبلاغة وثقافة، فلا يغنيه ذلك عن التأصيل العلمي والرجوع إلى المحكمات دون المشتبهات، وإلى اليقينيات دون الظنيات، وإلى ما تثبت منه دون ما ظنه، أو اشتبه عليه، يقول أحد السلف: ( من أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ).
وقد أعجبني كلاماً للشيخ الطنطاوي- يرحمه الله- وهو يتحدث عن عيوب الخطبة في زمانه فيقول: ( ومن أعظم عيوب الخطبة في أيامنا؛ أن الخطيب ينسى أنه يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتكلم بلسان الشرع، وأن عليه أن يبين حكم الله فقط لا آراءه هو، وخطرات ذهنه، إلى أن يقول: ومن الخطباء من يأتي بأحكام غير محققة ولا مسلمة عند أهل العلم، يفتي بها على المنبر، ويأمر الناس بها، ولو اقتصر على المسائل المتفق عليها فأمر بها العامة، وترك الخلافية لمجالس العلماء لكان أحسن )

القضية الرابعة: الاستدلالية: فالخطبة المؤثرة ؛ هي التي يزينها الخطيب بكثرة الأدلة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ ليربط السامعين بمصادر التلقي الشرعية أولا، وليثبت القضية المطروحة ثانيا، ويحسن أن يكون الاستدلال بعد عرض المسألة وطرحها؛ لتتهيأ النفوس لسماع ما يثبت ذلك؛ فإذا سمعته بعد ذلك؛ وعته وعقلته وأحسنت ربط القضية بدليلها .
قال عمران بن حطان: خطبت عند زياد خطبة ظننت أني لم أقصر فيها عن غاية، ولم أدع لطاعة علة، فمررت ببعض المجالس فسمعت شيخاً يقول: هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن[2].
وفي قضية الاستدلال: يجب على الخطيب أن يتحرى الأحاديث التي يلقيها في خطبته، فيتقي الله أن يأتي بأحاديث موضوعة أو منكرة أو ضعيفة، أو يتبع فيها غيره ممن يتساهل من مؤلفي دواوين الخطب القديمة أو الحديثة ورسائل التخريج، وتمييز الصحيح من غيره أصبحت ميسرة جدا بحمد لله ، سواء كان عن طريق البحث الموضوعي في أبواب كتب السنة عن طريق فهارسها، والحاسب الآلي والشبكة العنكبوتية، سهلت ذلك أكثر وأكثر فلا عذر في التقاعس والتقصير في التخريج أو في الحكم على الحديث.

خامسا: الوعظية: ولابد من اشتمال الخطبة الناجحة على عنصر الوعظ، كما كان هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وليس الوعظ قسيما للعلم، أو مقابلا له، كما قد يتصور الكثيرون ممن يقصرون معنى الوعظ على الجانب التخويفي أو الترغيب فقط، وهذا فهم قاصر؛ إذ الوعظ في اصطلاح القرآن أعم من مجرد الترغيب والترهيب؛ ولهذا جاء وصف القرآن كله بأنه موعظة: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ)) (يونس: 57).
وفي الأحكام قال تعالى: (( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً)) ( الطلاق: 2)
ومن هنا يتضح أن الموعظة وعاء، ومَرْكَب وقالب لجميع الموضوعات الإيمانية أو العبادية، أو الأخلاقية أو الاجتماعية، فلا تكون الخطبة مجرد عرض بارد أو تقرير هادئ، أو أخبار مسرودة، وإنما لابد أن تساق بسياق وعظي بالندب للفعل إن كان الموضوع علميا، والتحذير منه إن كان يتعلق بمحرم ومعصية، والتحفيز على ما وراء الخبر إن كان الموضوع خبرا أو قصص قرآني، وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمر وجهه وعلا صوته، حتى كأنه منذر حرب يقول صبحكم ومساكم، وهكذا مفهوم اللغة الوعظية في الخطبة، لا يتصور أن يفضَّل عليها أي مضمون .

سادسا: الاستباقية: لابد لكي تكون الخطبة ناجحة ومؤثرة علينا نناقش - إضافة إلى القضايا الحاضرة الراهنة وما يحتاج إليه المسلمون في كافة أمورهم ومسائلهم، أن نناقش أيضاً القضايا التي يتوقع وقوعها وحدوثها، أو الأحداث والفتن التي يخشى وقوعها، وذلك توضيحاً لأحكامها إن كانت مناسبات ومواسم، أو تحذيراً من أسبابها إن كانت مصائب وفتنا ومنكرات .
وهاهنا قاعدة شرعية تقول: ( الدفع أولى من الرفع)؛ لأن مدافعة الشيء قبل وقوعه تكون من حيث السهولة وقلة مفسدته.
يقول الغزال- رحمه الله- : ( إذا حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة فلفقت لها شبه، وثبت لها كلام مؤلف صار ذلك المحظور بحكم الضرورة مأذونا فيه"[3] وإذا تأملنا بعض خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- وجدناها على هذا النسق في مثل قوله: (( ويل للعرب من شر قد اقترب))[4] .
وقوله: (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))[5].
وقوله: (( والله ما الفقر أخشى عليكم إنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم))[6].
وقوله: (( إن بين يدي الساعة سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ))[7].


______________________________ __________
[1] الزاد 1/423
[2] البيان والتبيين 1/ 77
[3] إحياء علوم الدين 1/ 22
[4] رواه البخاري رقم الحديث 3168
[5] رواه أحمد في مسنده رقم الحديث 23680
[6] رواه البخاري حديث 2988
[7] رواه ابن ماجه حديث 4036 وأحمد حديث 7899


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 24-09-2019, 05:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

خطبة الجمعة ... الواقع والمأمول


عمر غازي



على الرغم من التطور المذهل الذي لحق بوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وما نتج عن ذلك من دخول وسائل اتصال جماهيري جديدة كالإنترنت والفضائيات ومن قبلها الإذاعة، لعبت ولا تزال دورا مهماً في حياة الناس وتشكيل أفكارهم والتأثير على سلوكياتهم وأفعالهم، إلا أن دور المنبر وخطيب الجمعة يظل الأقوى فاعلية في نفوس الناس والأقرب إلى قلوبهم ووجدانهم والأعظم تأثيراً في المجتمع ربما من جيوش حاشدة!! وذلك لكونه وسيلة إعلامية يقبل عليها الناس أداءً لفريضة دينية، الأمر الذي يضفي عليها صيغة القداسة، بخلاف أية أداة إعلامية أخرى، مما يجعل المتلقي أكثر استعداداً للقبول والاقتناع.

فإذا كان من المستحيل أن تجبر أي سلطة - مهما بلغت من القوة والجبروت- الناس على قراءة صحيفة أو مجلة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني ما، فإن جميع فئات المجتمع على تنوعها رجالا ونساءً أطفالا وشبابا وكهولا تجتمع على صلاة الجمعة، كما تلتقي شرائح المجتمع على اختلاف ثقافاتها ومشاربها قادة وسياسيين وعلماء وأدباء وأطباء ومهندسين .. وكذلك العمال والزراع والصناع والتجار، أغنياء وفقراء، جميعهم إلى المنبر: تشرئب أنظارهم.. ولكلمات الخطيب تصغي آذانهم في سكينة ووقار.. وقد ملأ الرضا قلوبهم وتشوقت جوارحهم إلى ما عنده راغبين طائعين.

وفي الوقت الذي يتعين على جموع الحاضرين بعد انقضاء الجمعة الحديث عن فائدة ألموا بها أو مسألة فقهية تعلموها أو موعظة أثرت في نفوسهم... يكون الحديث غالباً عن خطيبهم الذي أطال متأففين ضجرين، في حين يكون الآخرون على النقيض متباهين مفتخرين مسرورين لأن خطيبهم حطم الأرقام القياسية في قصر الخطبة!! وما بين هؤلاء وهولاء تكمن المأساة وتقع اللائمة على كثير من الخطباء الذين لم يدركوا المقاصد الجليلة السامية من خطبة الجمعة ولم يستشعروا عظمة المهمة التي أسندت إليهم فلم يقتدوا بما كان عليه إمام الخطباء وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا صلوات ربي وسلامه عليه ومن بعده الخلفاء الراشدين ومن تبعهم.

فنلاحظ أن كثيراً من الخطباء يطيل الخطبة لدرجة أن يملها الحاضرون ويسأمونها فتجد الكثير منهم يتثآئبون وربما ثقلت رؤوسهم وأدركهم النعاس، وشعروا بالحنق والضجر تجاه خطيبهم، وانشغلوا بالتذمر والتأفف والضيق عن سماع خطبته، وإطالة الخطبة على هذا النحو مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم إذ يقول : { إِنَّ طول صلاة الرجل، وقصَر خطبته مَئِنةٌ – أي: علامة- من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا اَلخطبة، وإِنَّ من البيان لسحْرا } رواه مسلم.

فالواجب على الخطباء مراعاة أحوال المأمومين على اختلافهم ففيهم الشيخ المسن الهرم، والمريض، والصغير والضعيف، وصاحب الحاجة ومن يُطمَع في تأليف قلبه للطاعة والعبادة، وقصر الخطبة لا يعني بحال الإخلال بها فتخرج مفتقرة للهدف الذي جعلت من أجله كما يفعل البعض الآخر على النقيض.

كذلك من الأمور التي يجب مراعاتها لدى الخطيب تنوع موضوعات خطبه وملاءمتها لواقع أمته ومجتمعه فالخطيب الناجح لابد وأن يكون معايشاً لإخوانه في همومهم وأفراحهم وأتراحهم يشاركهم ويوجههم ويرشدهم ويذكرهم.

وممَّا يحز في النفس أن تجد خطيبًا قد اجتمع عنده الناس راغبين طائعين لله غير مجبرين ولا راهبين، وهو مع ذلك يوبخهم ويحذرهم في فظاظة وغلظة، بصوت مرتفع ونبرة نشاز، وكأنهم قد أساءوا الأدب معهم أو خالفوه في أمر ما!! وهذا الفعل مع ما فيه من مخالفة هدي الكتاب والسنة، فهو مدعاة للتنفير منه وعدم الاقتناع بما يدعوا إليه، وهو أيضا سبيل العاجز والله تعالى يقول: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".

ما سبق ليس هجوما على الخطباء ولا تنقصاً منهم بل هو محاولة لرصد الأخطاء وعلاجها ودعوة للتصدي لقلة قليلة لا تعي خطورة وعظمة الدور المناط بها. وإذا كان من عتب ولوم فإنه يقع في المقام الأول على كاهل الجهات المعنية في الدول الإسلامية من وزارات الشؤون الإسلامية ومن قبلها الجامعات خاصة الكليات المعنية (كليات أصول الدين والشريعة وغيرها)، التي لم تساهم في إعداد الخطيب على الوجه الأمثل، وكيف لها أن تفعل وهي في الغالب لا تضم إلا ضعاف الطلبة وأقلهم مجموعاً دون تمييز، ومن المعلوم أن الخطابة في الأساس موهبة فمهما درس الدارس وتعلم، فلن نستطيع أن نصنع من العيي خطيباً ولا من معقود اللسان فصيحاً طلقاً، فالكتب والمناهج والدراسات إنما هي كالسراج يضئ في العتمة ومعلوم أن السراج المنير لا يستفيد منه سوى المبصر، فلابد أن يكون هناك اختيار دقيق وعناية في اختيار الطلاب والراغبين في دراسة العلوم الشرعية سيما الخطابة والوعظ والإرشاد، كذلك يجب أن يكون هناك تدريب عملي على الخطابة والوعظ للخطيب وللدارس في الكليات المعنية ( أصول الدين – الشريعة ..وغيرها) طوال فترات دراسته مثلما يحدث في نظيراتها من الكليات الأخرى كالطب والهندسة، وبرأيي الخطيب والواعظ والداعية حاجته إلى التدريب وحسن الإعداد أحوج من غيره فبكلماته تتشكل العقول وتوقظ القلوب الميتة، وبسببه بإذن الله يبصر الغافلون ويرجع التائهون، وتنهض الأمة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 24-10-2019, 11:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

ضوابط حكاية القصص في الموعظة
خالد بن سعود البليهد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن الموعظة من أعظم وسائل الدعوة والهداية التي لها أثر عظيم على العامة؛ قال - تعالى -: (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً).
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة البليغة كما ثبت في حديث العرباض بن سارية: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون"[رواه الترمذي وصححه].
وتختلف أساليب الموعظة وتتنوع منها ما هو وارد في الشرع ومنها ما هو مكتسب ومنها ما هو صحيح معتبر ومنها ما هو فاسد مخالف للشرع وهذا يحتاج إلى تفصيل وبيان ليس هذا محله وإنما الضابط العام في هذا الباب يجوز استخدام أي أسلوب في الموعظة إذا كان مؤثرا صادقا لا يظهر فيه مخالفة صريحة للشريعة أو معارضة لأصل من أصولها أو يترتب عليه مفسدة أو يكون شعارا للكفار أو لأهل البدع أو يتخذ سنة يداوم عليه فإذا خلا من هذه المحاذير كان استعماله سائغا.
ولهذا تنوعت أساليب الموعظة وحصل لها تطور عند وعاظ المسلمين خلال تاريخ الوعظ وتسامح أهل العلم في ذلك ولم يشددوا في اشتراط التوقيف.
قال الحسن البصري: "القصص بدعة ونعمت البدعة كم من دعوة مستجابة وسؤال معطى وأخ مستفاد وعلم يصاب".
ومن أعظم ركائز الموعظة الوعظ بآيات القرآن وأحاديث الرسول والحكم النافعة والقصص الحسنة والقصائد الفصيحة والتجارب الناجحة.
ولا شك أن القصص لها تأثير عجيب وتشويق للنفوس وتحريك للقلوب وتقريب للمراد ولذلك اعتنى القرآن بذكر القصص للأمم السالفة لما في ذلك من العبرة والعظة البليغة؛ كما قال - تعالى -: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتني أيضا بإيراد القصص لمن مضى كما ثبت في السنة الصحيحة كثير من القصص النبوية امتثالا لقوله - تعالى -: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وقد يكون حكاية الواعظ للقصة البليغة كفاية وغنية عن ذكر كثير من الكلام إذا أحسن الاختيار وأحسن العرض وراعى أحوال السامعين كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل في بعض المناسبات كحكايته قصة أهل الغار وقصة الثلاثة الذين امتحنوا في شكر النعمة وغيرها.
وقد قرر أهل العلم أن استعمال القصص في الموعظة أمر شرعي لا غبار عليه لدلالة القرآن والسنة وعمل السلف الصالح. فاستعمال القصص النافعة طريقة حسنة في الدعوة والموعظة.
وكان الواعظ يسمى في عرف العلماء قاصا لأنه غالبا يعظ الناس ويذكرهم بقصص التائبين من الأمم الخالية وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأشرف القصص ما ورد في القرآن ثم ما ورد في السنة الصحيحة ثم ما ورد في الأحاديث الضعيفة ضعفا مقاربا مما خلا متنها من النكارة ثم ما حكاه الأئمة الثقات من المؤرخين والمحدثين والفقهاء ممن عرفوا بالتمييز والضبط. وأسوأ القصص ما ورد في الأحاديث الموضوعة ثم ما حكاه أهل البدع المتساهلين في الرواية كالرافضة والصوفية ثم ما تناقلته وسائل الإعلام من غير برهان ثم ما حكاه المجاهيل من آحاد الناس.
ومع أهمية القصص في باب الموعظة ألا أن ثمة ظاهرة سيئة تتابع عليه كثير من الوعاظ وهي التهاون والتساهل في استعمال القصص المنكرة وارتكابهم مخالفات ومحاذير في هذا الباب وقد وجدت هذه الظاهرة في زمن مبكر في القرن الثاني الهجري وتوارد ذم الأئمة للقصاص وذم مسالكهم كما قال الإمام أحمد لما سمع قاصا: (ما أنفعهم للعامة وإن كان عامة ما يتحدثون به كذبا).
ومر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - برجل يقص فقال: "أعرفت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت".
وهذا الذم محمول على من ارتكب المخالفات في باب الوعظ وروج للغرائب واستباح رواية الكذب في تخويف الناس وأعرض عن السنة وفتن الناس في حديثه كما قال ابن الجوزي: "ذم القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ثم غالبهم يخلط فيما يورده وربما اعتمد على ما أكثره محال".
أما القاص الصدوق الورع الحريص على اتباع السنة فغير داخل في كلامهم ويحمدونه على فعله كما قال الإمام أحمد: "ما أحوج الناس إلى قاص صدوق لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر".
وقال أيضا: "القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه".
وهذا يدل على أن الإمام أحمد كان يتوسط في باب القصص والمواعظ ولا يشدد كبعض الأئمة من السلف ومذهبه أصح لدلالة النصوص الخاصة والعامة والمقاصد الشرعية والمصلحة المرسلة والله أعلم.
وحكاية القصص المنكرة والغرائب داخل في نقل الشائعات والوعيد في هذا الباب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)[أخرجه مسلم].
ولذلك أحببت أن أذكر ضوابط حكاية القصص في الموعظة التي ينبغي على الواعظ مراعاتها والتحقق من توفرها في القصة المراد حكايتها في موعظته حتى يحقق المقصد الشرعي ويعظ الناس على بصيرة ولا يؤاخذ شرعا ولا تلحقه ملامة.
ضوابط حكاية القصص:
أولا: ألا تكون القصة مكذوبة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))[رواه مسلم].
وفي صحيح البخاري: ((لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار)) فيحرم على الواعظ أن ينسب قصة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنها كذب أو يغلب على ظنه أنها كذب أو يتساهل في حكايتها وهو يجهل مصدرها أما إذا كان مجتهدا ويظن أنها صحيحة ثم تبين خطأه فهو معذور ولا يدخل في هذا الوعيد. ولا يحل للواعظ مطلقا الاستدلال بقصة منكرة في السنة لغرض الدعوة لفضائل الأعمال فإن الحق لا يتوصل إليه بوسيلة باطلة.
ثانيا: ألا تكون القصة تتضمن فتنة على العامة بحيث لا تدركها أفهامهم وتسبب لهم شبهة وشك في إيمانهم لما في البخاري عن علي - رضي الله عنه - قال: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
وتفسيره ما جاء عن عبد الله بن مسعود: "ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم"[رواه البخاري].
فيجب على الواعظ أن يمسك عن القصة ولو كانت صحيحة إذا علم أن في حكايتها معنى خفيا أو شبهة قوية أو إثارة لمسألة مشتبهة أو حديثا عن دقائق باب الأسماء والصفات وغير ذلك مما لا تدركها عقول غير المتخصصين بالشريعة فيؤدي بهم ذلك إنكار الثوابت وتغلغل الشبه الفاسدة في قلوبهم فيسيؤا الظن بربهم ويهلكوا.
ثالثا: ألا تخالف دلالة القرآن والسنة والإجماع لأن ما خالف الحق فباطل. قال - تعالى -: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). وقال ابن تيمية: "وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام، لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة".
فلا يحل للواعظ أن يحكي قصة فيها مخالفة ظاهرة للقرآن أو السنة أو الإجماع المحفوظ مهما كان راويها لأن الخرافات لا تبطل الشرع ومن المؤسف أن بعض الوعاظ يحكي قصة تشتمل على منكرات والواجب أن يطرحها ويكذبها ولا يلتفت إليها ويكون يقينه عظيما بصدق الشرع لا يتطرق إليه الشك بالواهيات.
رابعا: ألا تكون القصة تشتمل على قدح في اعتقاد أهل السنة من غلو وتزيين للشرك ووسائله لأن الشريعة جاءت بإبطال ومنع كل ما يمس جناب التوحيد.
فإذا كانت القصة تشتمل على الغلو بشيء معظم أو فيها تزيين لوسيلة من وسائل التأله لغير الله أو فيها تزهيد لحرمة التوحيد أو ثناء على الكفار والمشركين فلا يحل للواعظ حكايتها والاشتغال بها لأن التوحيد أعظم الحقوق على المسلم فإذا نقض أو خدش فلا خير في سائر الحقوق والفضائل.
ومن المحزن أن بعضهم يحكي قصصا فيها محاذير عقدية ويتساهل مع أن النصوص شددت في هذا الباب فلا ينبغي التساهل مهما ادعى المتحدث أن نيته صالحة وأن غرضه أخذ العبرة.
وإذا اضطر الواعظ لذكر حدث وكان فيه محذور وجب عليه أن يعلق ويبين وجه مخالفته للاعتقاد في نفس المجلس لتبرأ ذمته ولا يلتبس الحق بالباطل على السامعين.
ولما ذكرت أم سلمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور بين لها النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفة ذلك للتوحيد فقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله))[متفق عليه].
خامسا: ألا يكون فيها إغراء بالفاحشة وتزيين بالشهوات؛ لأن ذلك يدخل في قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فلا يحل للواعظ أن يتوسع في ذكر قصص أهل الفجور ويفصل في أحوالهم بما يمرض قلوب المؤمنين ويسبب لهم الفتنة ويفتح عليهم أبواب الشيطان بل عليه أن يجمل ويكني في ذكر ما يستحيا منه متبعا أدب القرآن والسنة في هذا الباب.
سادسا: ألا يكون فيها فضح لمسلم محترم وهتك لستره ولو كان في عداد الأموات لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالستر في جملة من الأحاديث كقوله: ((يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضي الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))[رواه أحمد].
فلا يحل للواعظ ذكر قصة لمسلم معين وفضحه بين الأشهاد ولو قصد التنفير من فعل المنكر إلا إذا كان هذا الشخص مجاهرا بالمعاصي مبارزا لله ورسوله يظهر عليه العناد والاستخفاف بالشعائر فلا كرامة له.
سابعا: ألا تكون القصة مخالفة للحس والواقع لا يقبلها العقل إلا ما ورد من طريق الشرع الثابت من المعجزات والكرامات للأنبياء والصديقين أما مالم يرد في الشرع ولم ينقل من طريق المعصوم وتناقلته العامة فينبغي إغلاق بابه وعدم حكايته والتساهل في قبوله لأن الكذب دخل كثيرا فيه واشتمل على مفاسد وصار مطية للغلو في الأولياء وعبادتهم ووصفهم بصفات الألوهية والنبوة ولا يمكن تمييزه وصار شعارا لأهل البدع.
والمحققون من أهل السنة يتحفظون في نقل الكرامات فلا ينقلون إلا ما ثبت منها وعرف عن أهلها الالتزام بالشرع واتباع السنة ولم تكن مخالفة لأصول الشرع ولذلك الكرامات المنقولة في أصولهم قليلة لم يتوسعوا فيها أما أهل البدع من المتصوفة والرافضة وغيرهم فيكثرون نقل كرامات أوليائهم ويتوسعون جدا في هذا الباب ويبنون دينهم على هذه الخرافات.
ثامنا: ألا تستغرق حكاية القصة جميع الموعظة أو أغلبها بحيث يغلب استعمال القصص على ذكر أدلة الكتاب والسنة لأن ذلك يشغل عن سماع الحق والتدبر فيه وكل ما يشغل ويصرف القلوب عن كلام الله وكلام رسوله فمذموم وداخل في هجر القرآن والإعراض عنه.
وهذا كحال بعض الوعاظ اليوم الذين لا يعظون إلا بالقصص ويكثرون منها في المحاضرة ويقصرون جدا في ذكر الكتاب والسنة وأقوال السلف فيقوم عنهم السامع ولم يستفد علما يذكر ويكون تأثره وقتيا يزول عما قريب.
تاسعا: ألا يكون في القصة إثارة لنعرة جاهلية أو انتقاص لأسرة أو قبيلة بعينها أو جنسية معينة أو عرق لأن ذلك من أمور الجاهلية التي نهى عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((إن الله - عز وجل - قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن))[رواه أبو داود].
فلا يليق بالواعظ أن يسخر من جنسية أو طائفة أو عرق أثناء حكاية القصة ولو كان غرضه الدعوة لفضيلة لأن ذلك يؤذي المؤمنين ويعرض نفسه للتهمة وتطاول السفهاء.
فإذا تحققت هذه الضوابط في القصة ساغ حكايتها في الموعظة وإن خلت من بعضها لم يسغ حكايتها في الموعظة لاشتمالها على مفسدة وتشويه للدين وتعدي على حدود الله وتلبيس الحق بالباطل.
ومن الأخطاء الشائعة لدى بعض الوعاظ حكاية غرائب القصص عن الأموات وأحوالهم في القبور فهذه القصص كثيرا منها كذب وما يثبت منها فيه فتنة للعامة وما صح مخالف لما أمر به الشارع من الستر على أهل الفجور.
وكذلك حكاية بعض الوعاظ قصص أهل الفجور والفواحش والتوسع في ذكر التفاصيل التي تهيج النفوس وتزين لها الباطل وتفسد حاجز الحياء وتشغل الفكر والواجب الكف عن هذا مطلقا.
وفي حكاية غرائب القصص والتساهل في رواية المنكرات فتنة عظيمة للواعظ حيث يلقى شهرة بين الناس بأسرع وقت وينال حظوة كبيرة وتشرأب له الأعناق ويشار إليه بالبنان ولكن بعد أن ينال هذه المنزلة ويكتشف الناس ضحالته في الوعظ وتساهله في الرواية وقلة غيرته على السنة سرعان ما يسقط من أعين الناس ويتكلم فيه الجاهل ويذهب سعيه ولا يبارك في عمله ويتناساه التاريخ ولا يلحق بالثقات من أهل الوعظ.
وثمة أسباب توقع الواعظ في التساهل في رواية الأكاذيب والغرائب:
1- كثرة الوعظ والارتباط ببرامج وعظية كثيرة بحيث يتزاحم عليه الوقت فلا يستطيع تنقيح القصص وحسن الاختيار.
2- ضعف التأصيل في منهج العلم فلم يتلق دراسة مؤصلة أو دورة علمية.
3- التربية على طريقة متساهلة لإحدى الجماعات الإسلامية التي تسهل وترخص في حكاية القصص دون قيود ومقاييس لأجل تحقيق غاية لمصلحة الجماعة كما هو شائع في جماعة الدعوة والتبليغ وغيرها.
4- الاستجابة لرغبات الجمهور وطلبات العامة فيصير همه إرضاء محبيه على حساب دينه.
5- السعي وراء بريق الشهرة بأقصر الطرق. قال إبراهيم النخعي: "من جلس ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه".
وإن أعظم سبب يجعل الواعظ يغرب في القصص ويتساهل في حكاية المناكير عدم تلقيه منهج أهل السنة وتربيه على تعظيم السنة واتباع منهج السلف الصالح فينشأ في الجملة على حب الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - والغيرة والحرص على الخير مع وجود خلل كبير في وعظه ودعوته وبيانه وهو قصور في تعلم السنة وضعف في الإتباع وقلة بصيرة في تمييز السنة ومعرفة الصحيح من الضعيف فيترتب على ذلك أمران:
1- عدم امتلاكه قدرة على تنقيح الخبر والتثبت والتأكد من صحة القصة.
2- عدم رغبته في اختيار الصحيح وتجنب الفاسد من القصص والمواعظ.
ويكون منهجه في الوعظ غالبا إيراد القصص والأحاديث التي تلقاها من الشيوخ الذين يعظمهم ومما يشتهر في بطون كتب المواعظ والتاريخ والقصص فحاله كحاطب ليل يجمع كل غث وسليم من غير تمييز كما قال ابن الجوزي: "ومعظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يزيدون أحاديث تثقف وترقق والصحاح يقل فيها هذا".
ولذلك كثيرا ما يروي الواعظ قصة غريبة فإذا سئل ما مصدر هذه القصة قال حدثني فلان عن فلان وهو ثقة فإذا فتش عن حال الرواة وجد أنهم مجاهيل.
ولذلك يجب على من يتصدر للوعظ ويرزق صوتا مؤثر وبيانا ساحرا أن يجتهد في تلقي قدرا من العلم ممن يوثق بعلمه ويؤصل نفسه في باب تمييز الأحاديث ونقل الأخبار ويكون عنده معرفة بالجملة في المصادر الصحيحة وكيفية البحث وفهم كلام النقاد واصطلاحاتهم فإن أشكل عليه شيء رجع إلى أهل العلم وتبين منهم. قال الذهبي: (الوعظ فن بذاته يحتاج إلى مشاركة جيدة في العلم ويستدعي معرفة حسنة بالتفسير وإكثارا من حكايات الفقراء والزهاد".
وينبغي على الواعظ أن يتحرى موافقة الشرع واتباع السنة والإخلاص في وعظه ولا يكن همه زيادة كثرة الأتباع ونيل المراتب والصيت الحسن وليجتهد على توطين نفسه على الورع في الموعظة فلا يتكلم إلا بما يستوثق من علمه ولا يحكي قصة إلا صحيحة ولا يكثر فيقع في المهالك وإنما تكون مواعظه عند تحقق المصلحة ودعاء الحاجة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 24-10-2019, 11:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها*** متجدد

همسات للمبتدئين بإلقاء الكلمات
عبد الرزاق الشمري




معشر القراء الكرام..لا يخفى عليكم ما للكلمات والمحاضرات من دور بارز في الدعوة إلى الله، وقد كتبت مجموعة من الهمسات للمبتدئين أمثالي في إلقاء الكلمات الدعوية، هي من خلال تجربتي المتواضعة ومن كلام الإخوة ومن حضوري لبعض الدورات التدريبية، أراها مفيدة لي ولعلها بإذن الله تكون مفيدة لكم، أترككم مع الهمسات:
1- أعظم مطلب في هذا المجال هو الإخلاص لله - عز وجل -، فلا تبدأ لأجل أن تصل لشهرة أو لأجل أن يقال عنك شيخ أو ملقٍ بارع، وإنما ألقِ الكلمات بإخلاص ليكون لك في الآخرة الخلاص، واحرص على سلامة منهجك بطلب العلم و الرجوع للكتاب و السنة و اسأل ربك التوفيق.
2- ضبط العلم و تمكنك منه يعطيك ثقة في نفسك تجعلك تبدع في طرحك للكلمات فالاستعداد مطلب للانطلاق.
3- الدعوة ليس لها عمر معين، فبادر إن وجدت في نفسك القدرة و الكفاءة ولو بالقليل قبل أن تفوت الفرصة فتندم، وأذكر أن صاحباً قال لصاحبه: لا تتعجل في الدعوة فعمرك صغير! فقال له صاحبه وما هو السن المناسب برأيك؟ قال: بعد الأربعين، فقال صاحبه: موافق ولكن بشرط أن تضمن لي العيش حتى ذلك السن!.
4- الخذلان أيها المبارك أن تطلب العلم في المساجد أو تتخرج من كلية شرعية فيراك الناس داعية و يتلهفون لك ثم يكون لسان حالك: نفسي نفسي!
5- لا تجعل نفعك يقتصر على مسجدك أو مدينتك، بل اذهب ذات اليمين وذات الشمال، اذهب للقرى، سافر لمدن أخرى، فأهل مدينتك مهما كنت مبدعاً سيزهدوا بك أحياناً، فالناس تحب التجديد وكما قيل (أزهد الناس بالعالم أهله) و (زمار الحي لا يُطرب) و الواقع شاهد بذلك.
6- نسمع بدورات (فن التسويق) و(فن الإدارة) والداعية أحوج ما يحتاج إلى مثل هذه الفنون في الدعوة، فالدعوة بضاعة، أسلوبك يحدد انتشارها من عدمه، فاحرص على تطوير قدراتك ومهاراتك و أساليبك، فحضورك لدورة تعينك على الدعوة هي من الأمور التي تؤجر عليها.
7- إتقانك لفنون الإلقاء تعني نجاحك بإذن الله، فالدعوة أسلوب ولكل مقام مقال، فرفع الصوت و خفضه وحركات الوجه و اليدين كلها أمور يجدر بالداعية إتقانها إما بحضور محاضرات دورات أو سؤال المبدعين في إلقاء الكلمات.
8- راقب الناجحين في دعوتهم و في كلماتهم، فهم لم يأتوا بشيء لا تستطيع أنت فعله، قلدهم واستفد منهم و جدّد و أبدع، ولتكن لديك قاعدة: فما تراه حسناً من الدعاة خذه و ما تراه سلبياً اجتنبه.
9- لا يكن همك كم عدد الحضور، فالكثرة ليست معياراً، و إنما العبرة بإحياء مجلس ذكر ولو كان الحضور قليلاً.
10- كن ذا علاقة جيدة مع الناس، كوّن علاقات و اكسب صداقات، فكم من داعيةٍ كانت له صداقات مع الإخوة ففرقتهم الدنيا في الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب، فكانوا سبباً في التنسيق معه من تلك الديار، التي لم يكن ببال الداعية الذهاب لها يوماً!.
11- لا يكن همك لبس العباءة (البشت) في كلماتك و خاصة أنك في البداية لأنه يجعل في النفس شيء، لكن إزهد و تواضع فالعبرة بالقلوب لا بالمظاهر، فالناس تنتقد ذلك، وكم رأينا من العلماء من لا يلبس البشت تواضعاً و شباباً للتو بدؤوا الدعوة لا تفارقهم عباءتهم!
12- احرص على مواعيد كلماتك و احمل معك مفكرة لتدوينها و إياك و كثرة الاعتذار، فكم من داعية سقط من أعين الناس لإخلافه الموعيد.
13- احرص على على الاعتذار مبكراً في حال عدم مقدرتك على الحضور، و اشكرهم على حسن ظنهم و عدهم بتعويضهم في أقرب وقت.
14- كن مهذباً في ردودك معهم و موافقتك أو اعتذارك و اجعل الفضل لهم و ادع لهم قبل الأمر و بعده.
15- لا تنتظر من ينسق لك حتى تلقي، بل بادر و استأذن من الإمام فإن أذن لك و إلا فالتمس له العذر.
16- لا تطل على الناس بكثرة الحديث و إنما أوجز ولتكن الكلمة من 5 - 8 دقائق، وإن اضطررت فلا تزد عن عشرة دقائق و ادع لهم في النهاية ولمن أتاح لك الفرصة.
17- تقبل النقد البناء من الآخرين و استفد منها، وقد كتبت مقالاً سابقاً بعنوان (شكراً لانتقادي) تكلمت فيه عن هذا الأمر.
18- لا تُغفِل فقه الأولويات، فإن كنت إماماً فرتب أمورك مع الكلمات دون تفريط بالمسجد لأن الإمامة مقدمة.
19- ربما يفضل في بدايات الإلقاء أن تتخير المساجد التي لا تُعرَف فيها و يقل عدد المصلين بها حتى تتدرب و تجتاز رهبة الإلقاء.
20. ربما يأتيك بعض الناس ليستفتيك فإياك والفتيا في أمر تجهله لا يفتننك الشيطان، وإنما قل: لا أدري.
21- إسأل عن الموضوع الذي يهم أهل الحي أو عن آخر كلمة ألقيت عندهم حتى لا تقع في التكرار.
22- اجعل في صدرك ومحفوظك مجموعة من العناوين التي تستحضرها وقت الحاجة مثل: الصلاة، الاستغفار، التوبة، صلة الرحم.. إلخ بحيث تكون مستعداً في أي وقت.
23- ربما تكون مقصراً في عبادة فتقول كيف أنصح الناس وأنا مقصر؟!.
فالجواب: وهل في الناس من ليس مقصراً؟ يقول الشاعر: لو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ: فمن يعظ العاصين بعد محمدِ! فربما لم يفتح الله عليك بقيام الليل لكن يجعلك سبباً للفتح على آخرين، وعليه فقس، لكن أن تكون مقصراً في التبكير للمسجد مثلاً و تلقي على أهل مسجدك عن التبكير فهذا خطأ، وإنما عالج نفسك ثم عظ غيرك، أو اذهب لمسجدٍ آخر و لتكن نصيحة ً لنفسك أولاً ثم لهم.
24- أطلب من الإمام أن يتلو آيات معينة لها صلة بموضوعك ثم علق عليها في كلمتك.
25- ليست العبرة بفصاحتك، فلربما تكون عند عوام لا يفهمون بعض الفصيح، فتنزل لهم وخاطبهم بعقولهم ولو بالعامية فلكل مقام مقال.
26- حين تعطي مواعيداً فحاول أن تتواجد في المكان مبكراً أو أن تفرغ نفسك و تذهب قبل الموعد، و جميل أن تكون مع الأذان أو قبله في المسجد، فهذا له أهمية في الارتياح النفسي و التهيؤ لإلقاء الكلمة.
27- خذ معك بعض الأحيان مبلغاً من المال أو بطاقات اتصال مسبوقة الدفع (سوا - موبايلي - زين) أو مما يخف حمله، و اسأل الأطفال والشباب في نهاية الكلمة وكافئهم وسترى للكلمة تأثيراً، وقد جربتها فوجدت لها قبولاً و أثراً نافعاً بحمد الله.
28- الكلمة لها سماتها و الخطبة لها سماتها فانتبه.
29- إن كنت حسن الصوت فرتل الآيات في الكلمة فإن لها وقعاً في النفس.
30- تجنب القصص التي لا يصدقها كثير من الناس وكأنها خيال، لئلا يكذبك الناس، و احرص على ما تقبله العقول.
31- لا تنزعج من انصراف الناس عنك و قيامهم أو قيام الإمام ـ مع أن الأولى جلوسه إكراماً لك ـ لكن ربما يكون منشغلاً و كذلك الناس فلا تيأس، إلا إن أطلت وأمللت فلا تلم الناس.
32- اتق الله حين تتصل بك النساء لتنسيق محاضرة أو استشارة، و احذر من أن تزين لها الكلمات و الدعوات، فكم سمعنا من أخواتٍ فاضلات تعلقن بدعاة و السبب انبساطهم بالأسلوب معهن، فلا تكن عوناً للشيطان على أخياتك.
ختاماً أسأل الله أن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.41 كيلو بايت... تم توفير 4.01 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]