|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لِبغداد العراقِ دموعُ صَبٍّ======على عَرَصاتها دنـيا غَرامَا تُذكِّــركَ الرُّبوع حياةَ قـومٍ======هُمُ كانــوا لدنيــانا قَـــوامــا اجتمع أربعة أدباء , نجباء , خطباء , فتعاهدوا , و تعاقدوا , و تواعدوا , على أن يصفوا بغداد دار الأمجاد , و بيت الأجواد , و كوكبة البلاد . فالأول: وصف علماءها , و فقهاءها . و الثاني : وصف خلفاءها , و أمراءها . و الثالث : وصف شعراءها , و أدباءها . و الرابع : وصف أرضها , و سماءها , و ماءها , و هواءها , و بهاءها . فبدأ الأول و يدعى أبا قتادة , و هو صاحب ذكاء و إجادة , و علم و إفادة . فقال : والله لو كتبت بدمع العيون , على صفحات الجفون , ما أنصفت بغداد على امتداد القرون , لكن سأصف ما كان فيها من علم و علماء , بلغ مجدهم الجوزاء : ما الـدَّارُ بـعـدك يا بغدادُ بالــــــدَّار ****** تفـنى عليك صَبَاباتي و أشعاري أنت المُنَى و حديثُ الشوق يقتلني ****** من أين أبدأ يا بغداد أخبـــــــاري و لكن أقول , بعد الصلاة و السلام على الرسول : اعلم أن من بغداد أشرقت شمس الرواية , و بزغ فجر الدراية , كانت في العلوم آية , و في الفنون غاية , فكان بها أهل الحديث , و لم يكن بها أي خبيث . و لك أن تتخيل مجلس أحمد بن حنبل , عمائم بيضاء ,و همة قعساء , و سكينة و حياء. إذا قال أحمد : حدثنا أو أخبرنا , أطرقت الرؤوس , و خشعت النفوس , و تفتحت أبواب السماوات , و تنزلت الرحمات . سَقَوني و قَالُوا لا تُغنِّ و لو سَقَوا ****** جبــالَ سُلَيمَى مــا سُقِيتُ لَغَنَّــتِ ثم تذهب إلى مجلس فيه طائفة من الخاشعين , فتجد وسطهم يحيى بن معين ,يحدث عن رسول رب العالمين , يجرح و يعدل , و يجمل و يفصل , كأنه ميزان منزل . لَوْ حَلَّ خَاطِرُهُ في مُقْعَدٍ لَمَشَى ****** أو مَيِّتٍ لصَحَا أو أخرَسٍ خَطَبَا و لله كم من ذكريات تشجيني , إذا ذكرت علي بن المديني , ذاك البطل , إمام العلل , السليم من الزلل , فتراه يفتش الأسانيد , وينخل المسانيد , بفهم دقيق , وعلم و تحقيق , يعرف العلة في المسند المستقيم , كما يعرف الطبيب السقيم . بِرَأي مثل ضوءِ الفجرِ ضَاف ****** كأنَّ بريـــقَهُ حَـدُّ الحُــسَـــــامِ و لا تنس البخاري , الضياء الساري , و النهر الجاري , قيَّد الألفاظ , و أفحم الحُفَّاظ , إن شك في حديث علقه , و إن طال متنه فرقه , و إن لقي كاذبا مزقه , هو السيف الحاسم , لسنة أبي القاسم , اقرأ تبويبه , و افهم ترتيبه , لترى كل عجيبة. من كالبخاري إذا قال حــــــدَّثنا ****** أو بَوَّب البابَ أو شدَّ الأســـانيـدا كأنــــما هـــو إلـــهــامٌ يُعَــلَّـــمُهُ ****** أو أنه قــبسٌ يُـعــطــَاهُ تأيـــيـــدا بغداد تشرّفت بالسّفيانين الثوري و ابن عيينة , و أصبحت بالعلماء أجمل مدينة , و هي مدينة الكرخي معروف , و الإمام الشافعي المعروف . من بغداد أصحاب الصحاح و السنن , و أهل الذكاء و الفطن , و هي للحديث دار الضرب و الصلب , بها تضرب الموضوعات للوضاعين , و لكن تصلُب الكذابين على خشب السلطان المتين , قال بعضهم : من لم يدخل بغداد لم يدخل الحياة الدنيا , و من لم يشاهد حسنها ما شاهد النجوم العليا . فقام الثاني يصف الخلفاء و الأمراء , الذين ملؤوا الدنيا بالعطاء و السخاء . فقال : هذه مدينة السفاح , الذي خضب السيوف و الرماح , و كان لكل مجرم بطاح , و لكل عدو نطاح . هذه مدينة المنصور , صاحب الدور و القصور , الداهية الجسور , و الأسد الهصور. هذه مدينة الرشيد , صاحب القصر المشيد , و المجد الفريد , و الصيت البعيد . هذه مدينة المأمون , صاحب الفنون , و جامع المتون , و لكنه بالفلسفة مفتون . هذه مدينة المعتصم المغوار , الذي أوطأ الخيل أرض الكفار , و أورد نحورهم كل بتار . بغدادُ أنت حديثُ الدهر و الأممِ ****** إذا مَدحْتُكِ سال السحرُ من قلمـي أنت المنى أنت للتاريخ مـلحـمـةٌ ****** كم من رشيدٍ و مأمونٍ و معتصمِ ثم قام الثالث يصف الأدباء , و يثني على الخطباء . فقال : في بغداد أكبرناد , للشعراء الأجواد , إذا شرب الشاعر من ماء الفرات , أتى بالمعجزات , و خلب الألباب بالأبيات , سمّ لي شاعرا ما دخل بغداد , اذكر لي أديبا ما تشرف بتلك البلاد . بغداد يا فتنة الشــرق التي خلبت ****** بسحرها العقل و الأقلام و الأدبا مــاذا أردد يا بغداد من حزنــــي ****** إذا ذكرتك بــعــت الهم و الـنصـبا من بغداد أبو تمام , و البحتري الهمام , و ترنح بها المتنبي بعض عام . سجل بها ابن الرومي رواياته , و أبدع إلياذاته , و أروع أبياته . و في بغداد أبو العتاهية , الشاعر الداهية , منذر القلوب اللاهية , و صاحب الرسائل الباهية , الآمرة الناهية , و هي أرض بشار , ناسج أجمل الأشعار , و المفتون بعبادة النار . من بغداد انطلقت في البحار و البراري , رائعة ابن الأنباري : علو في الحياة و في الممات . من بغداد استمع الدهر في عجب , لدويّ : السيف أصدق أنباء من الكتب . بغداد مهرجان أدبي كبير , لكل أديب نحرير , فيها شعر و نثر , و حصباء و در , و صديق و زنديق , و حر و رقيق , و موحد و ملحد , و حانوت و مسجد , وبارة و معبد , و مقبرة و مشهد , جد و هزل و حب و غزل , كأن التاريخ كله في بغداد اجتمع , و كأن الدهر لصوتها استمع , و كأن ضوء الشمس من بغداد يرتفع . فقام الرابع فقال : كأن الأرض أخذت من بغداد جمالها , أفدي بنفسي سهلها و جبالها , دجلة له خرير , و الفرات له هدير , و النسيم فيها له زئير , كأن الهواء سرق من المسك أريجه , و كان الماء أخذ من العاشق نشيجه . تغار من زهر بغداد الزهراء , و تحمر خجلا من حسن بغداد وجنتي الحمراء . كأن السحاب في سماء بغداد مع الشفق خضاب , و كأن بريق الفجر في مشارف بغداد ذهب مذاب , كان وجه بغداد مشرقا , فلما دخلها الرفاق , كتب على بغداد الشقاء و الإخفاق . لله يا بغــداد أنـــت نــشـــــيــــــدة ****** غنت بك الأعصار و الأمصـــار من لم يــشـــاهــد ذا الجمــال فإنه ****** ضاعت عليه مع المدى الأشــعار أظن بغداد أصابها عين أو دخلها لعين , ما لها قتلت المبدعين , و طردت اللامعين ؟ من ذا أصابك يا بغداد بالعين ****** ألم تكـــوني زمــاناً قرَّةَ العينِ ؟ و أنا عاتب على بغداد , و العتاب لا يغير الوداد ,لأنه جلد بها أحمد , و قتل بها أحمد , و أكرم بها أحمد . فجلد بها أحمد بن حنبل , الإمام المبجل , و قتل بها أحمد بن نصر الخزاعي , الإمام الواعي , و هو إلى الحق داعٍ , و إلى البر ساعٍ ,و أكرم بها أحمد بن أبي دؤاد , داعية البدعة و العناد , و الفتنة و الفساد . لكن بغداد لها حسنات يذهبن السيئات , و نهر الفرات و دجلة يطِّران من الحدث , و إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. منقول من كتاب مقامات عائض القرني للدكتور الأديب عائض القرني...مع رجائي بأن تعجبكم. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |