|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شكرا أيها الهدهد عامر الخميسي الهُدهد أستاذ حاصل على الامتياز في مدرسة الحياة، ومنه نتعلم دروساً بالغةً في الأهمية.. أولها: يعلمنا التوحيد الخالص، فقد كان موحداُ لربه، يدل على هذا إنكاره على بلقيس عبادتها غير الله، وقوله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ فقد نطق بأعظم كلمة في الوجود وهي "الله" وبأعظم جملة وهي كلمة التوحيد المشتملة على ركني النفي والإثبات وهو بهذا يعلمنا أنواع التوحيد الثلاثة، الألوهية في "الله"، والربوبية في "رب"، والأسماء والصفات في ذكره صفتَي "القدرة والعلم" ﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾. ثانيها: يعلمنا الغيرة على دين الله، فقد غار على دين الله وهو ليس بمكلف عندما رأى قوماً خلقهم الله لعبادته يسجدون للشمس وذهب يخبر سليمان عليه السلام معترضاً عليهم مستغرباً من أمرهم. ثالثها: يعلمنا سرعة البديهة فهو عندما رأى علامات الغضب بادية على وجه سليمان يريد البطش به قال له: ﴿الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم﴾ يذكره بمن هو أعظم منه. رابعها: عرضُ الخبر بطريقة ذكية مشوقة مؤكداً صحة ذلك النبأ: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ والنبأ هو الخبر ذو الشأن العظيم وليس خبراً عادياً. خامسها: إنكار المنكر والاجتهاد في إزالته: فإن الهدهد سعى في إزالة منكر من أعظم المنكرات بل أعظم منكر عصي الله به فسعى حتى أزاله فلا تتوانى في إزالة المنكرات بقدر استطاعتك وبالطرق المشروعة مالم فالهدهد أحسن منك. سادسها: الضبط والإحاطة الكاملة بالخبر: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ والإحاطة هي العلم بالشيء من جميع جهاته. في بحثك أو دراستك أو تخصصك أو في مسألة رغبت في البحث عنها اسبر أغوارها وأحط بتفاصيلها، ما لم تفعل ذلك فلن تستفيد ولن تفيد، فالهدهد أحاط بتفاصيل الملكة ومملكتها وعملها وديانتها وديانة قومها وعرشها وأرضها.. إلخ.. سابعها: العلم منجاة: ولولا العلم ما نجا وهو مقدم على القوة كما في قصة العفريت الذي عنده علم من الكتاب وكما في قصة طالوت، فالذي نجاه علمه بهذا الخبر ودرايته بهذه المسألة وإلا هلك. ثامنها: انضبط في مواعيدك: فما تأخر الهدهد إلا لمهمة دعوية مهمة وكاد سليمان أن يقتله لتأخره لتعلم أن الحفاظ على المواعيد من شيم الأنبياء وهي قيمة أصيلة في ديننا الحنيف. تاسعها: الحكمة والرزانة والهدوء: فمع أنه خبر عجيب لا يصدق ولا يكذب فإن سليمان عليه السلام قال ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ ولم يقل أنا يأتيني الوحي من السماء ويأتيني الجن بأخبار كل من في الأرض ومن المستحيل غياب مملكة بأكملها عني...إنما تحلى بالحكمة واحتفظ بتوازنه وقال سننظر.. فإذا جاء طالبك بخبر عجيب لا علم عندك عنه توقف وابحث عن حقيقته ولا ترده.. العاشر: تثبت من كل خبر: ولا تكن كالإسفنجة إزاء الشائعات والأخبار الغريبة واستخدم أسلوب ﴿سننظر﴾. الحادي عشر: لا تحتقر أحدا من الناس، فهذا سليمان عليه السلام نبي ملك وكان يحكم الأرض كلها وجاء إليه مخلوق ضعيف وهو الهدهد بخبر لا علم له به فاستفاد منه وأنقُذت أمة بأكملها بسببه. الثاني عشر: كن صالحاً مصلحاً: فالصلاح وحده لا يكفي مالم يتعد هذا الصلاح إلى الغير وإلا فوجودك وعدمك سواء، أصلح من نفسك من أهلك من مجتمعك.. لا يكن الهدهد أصلح منك. الثالث عشر: احترام القيادة.. ﴿فمكث غير بعيد﴾ أي ما هي إلا فترة زمنية قصيرة حتى هبط خوفاً من سليمان ولأنه غاب بدون إذن مسبق من القيادة.. الرابع عشر: المتابعة المستمرة والتخطيط الأمثل: ويدل عليه ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ أي تنحّ عنهم جانبا وانظر ترتيباتهم إذ ليس الغرض إلقاء الكتاب إنما الغرض قطف الثمرة واكتمال المشروع. الخامس عشر: تحدث عن قضيتك بكل ثقة وشجاعة، فهذا الهدهد طائر ضعيف يتحدث أمام نبي وفي نفس الوقت هو أعظم ملوك الأرض بكل ثقة وشجاعة رغم أنه تأخر والذبح ينتظره ولم يرتبك أو يتلعثم، قضاياك الساخنة ألقها بشجاعة. يقول الغزالي المعاصر: الإسلام قضية عادلة لكن المحامي فاشل لو نظّرنا للإسلام بثقة كما تحدث الهدهد لأفلحنا. السادس عشر: تحلّ بالهمة العالية، فإن الهدهد حملته همته للذهاب إلى أرض سبأ وإحاطته بتفاصيل أمرها ومن ثم عودته لفلسطين ورجوعه مرة أخرى لسبأ بل سمت به همته أن يكون سفيرا لأعظم ملوك الأرض، وتسلم بسببه مملكة بأكملها فاحذر أن تقعد بك همتك.. السابع عشر: أدِّ دورك في الحياة، أنت إنسان زودك الله بأدوات العلم وميزك بالعقل وأكرمك بالإسلام فأين أنت من تأدية ما عليك؟ فالهدهد رغم أنه في مملكة موحدة وعلى رأسها نبي يوحى إليه وملك هو أعظم ملوك الأرض ويخدمه الجن إلا أنه شقّ لنفسه عملا وأدى دورا خلده الله في القرآن.. إذا لم تؤد دورك فلا معنى لوجودك. الثامن عشر: تواضع بعلمك، فالله أطلع الهدهد على علم ما علمه سليمان فما كان من سليمان إلا أن تواضع له وقبل خبره ثم لم يأمر الجن أن يأتوا له بتفاصيل الخبر في لمح البصر وإنما كلف الهدهد نفسه تواضعا منه، فتواضع لمن هو أعلم منك وإن كان أصغر منك، وفي مصطلح الحديث بابُ رواية الأكابر عن الأصاغر. تاسع عشر: التضحية من أجل الهدف، فقد قطع الهدهد مسافة اثني عشر ألف كيلو ذاهباً وآيباً بين أرض الشام وسبأ وقيل إن تلك المسافة كان يقطعها الهدهد في ثلاثة أيام ذاهباً ومثلها آيباً متحملاً قرص الشمس ومقاساة الأنواء متغلبا على الجوع والعطش فيا لله أي تضحية قام بها الهدهد لإنقاذ أمة بأكملها..؟ العشرون: أعظم ما يفتخر به هو العلم، والذي جعله يتحدث بكل جرأة مفتخرا أمام سليمان هي صولة العلم فإذا افتخرت بشيء فليكن بعلمك وخبراتك وسيرتك الذاتية ومؤهلاتك دون مباهاة وبينهما شعرة وليكن من باب التحدث بنعم الله وفي وقت الحاجة وقيمة كل امرئ ما يحسن كما قال الإمام علي. "وكفى بالعلم شرفا أن يفتخر به من ليس من أهله". الواحد والعشرون: لا تعجب بعلمك ، قال الرازي في تفسير ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾: "فيه تنبيه لسليمان على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به فيكون ذلك لطفا في ترك الإعجاب...". فاحذر العُجب فهو داء خطير والله يعطي الضعيف ما لا يعطي القوي، ويعطي الصغير ما لا يعطي الكبير.. الثاني والعشرون: كن إيجابيا في حياتك، فالهدهد بنشاطه وحيوتيه وخدمته للآخرين وحركته السريعة قدم شيئا عظيما استحق أن يحمد عليه وإذا أردت أن تكون إيجابيا" فعليك بالإحسان إلى كل من تلقاه". الثالث والعشرون: أوجز في عرض رسالتك وخطابك للملوك والأمراء والعلماء والقادة وأصحاب الشأن : .. لم يُلقِ على سليمان محاضرة أو تقريرا لمدة ساعة هو يخاطب ملكا لا وقت عنده للتفاصيل.. الرابع والعشرون: اعرض اقتراحات مناسبة وحلول للمشكلة لا مجرد خبر جاف، ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.. أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ.. تكن أكثر قبولاً. الخامس والعشرون: اقبل عذر من كان عنده عذر شرعي، لا تكن قاسيا، تمتع بقدر عالٍ من الخلق والعفو والصفح فسليمان قبل عذر الهدهد عندما علم صدق خبره. السادس والعشرون: إذا تزاحمت المصالح فيقدم الأولى والأهم، فحضوره مهم وأمر الدعوة أهم وقد كان الهدهد ملما بترتيب الأوليات.. السابع والعشرون: كن مبادراً إلى ما فيه خير وصلاح للأمة دون تكليف مسبق: فالهدهد عاش على روح المبادرة فاستحق هذا الثناء والخلود وكن واثقاً من عطاء ربك وقدرات نفسك. الثامن والعشرون: استفتح خطابك للملوك والقادة والعلماء والكبار بما يجذب الانتباه ويشد إليك الأبصار "أحطت بما لم تحط به". التاسع والعشرون: الأمانة في النقل ، فالهدهد لم يحرف ولم يغير ولم يبدل تردد بين سليمان عليه السلام وبلقيس وجاء بأصدق الأخبار فاحذر الأراجيف والشائعات والتحريف في نقل الأخبار. الثلاثون: كن صاحب حجة، فالهدهد إزاء قضية الوثنيين وعبادة غير الله أقام عليهم الكثير من الحجج وأعظم حجة أقامها ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فقد ظهر أنه مجادل وصاحب حجة قوية. الواحد والثلاثون: اجعل لنفسك خط رجعة، فسليمان عليه السلام جعل الخيار الأول العذاب والخيار الثاني القتل ثم تذكر أنه لربما الهدهد وقع في شباك الصياد أو مرض أو تأخر لعذر قاهر فاستدرك قائلا ﴿أو ليأتي بسلطان مبين﴾ أي: عذر واضح. فاعمل لنفسك دائما أمام أي خيارات خط رجعة وهذا يحميك من التهور في القرارات.. الثاني والثلاثون: تحدث بما تعرف، فالهدهد تحدث عن آية من آيات الله وهي إخراج الخبء، والخبء: المخبوء من الرزق، ولأن رزقه متوقف على المخبوء في الأرض من حشرات يتقوت عليها وحب فتحدث بالمشاهد في بيئته، ولأن الهدهد كما قال ابن عباس كان يدل سليمان على مواقع القطر وقرب الماء وعنده حاسة إبصار قوية فيعرف ما في تخوم الأرض ولذلك تضرب به العرب في الإبصار فيقولون" أبصر من هدهد" فتحدث هنا عن آية يشاهدها في بيئته فاضرب أمثلة قريبة كالهدهد ولا تضرب أمثلة بعيدة وعندك ما يغنيك.. الثالث والثلاثون: كن محاوراً لبقاً: والمحاور اللبق من اتصف بصفتي التحدث الجيد والإنصات الجيد فقد تحدث الهدهد بمنطق جذاب وجميل وعندما رد عليه سليمان لم يقاطع أو يعترض ولم يقل بل إني صادق لأنه قد أخذ دوره في الحديث وقد أكد مسبقا أنه صادق فلا داعي لإعادة الموضوع من أوله. الرابع والثلاثون: اخدم رسالة الإسلام من موقعك فالهدهد خدم رسالة الإسلام من خلال رفرفة جناحيه فماذا ستقول لله إذا سألك عن دينك بماذا خدمته؟ تستطيع أن تخدم الإسلام من خلال أي تخصص سلكته فكل العلوم بما فيها الفيزياء والكيمياء والطب والإدارة والهندسة والجيولوجيا تدل على الله فاخدم الإسلام من خلالها. الخامس والثلاثون: احمل هم الإسلام فالهدهد حمل هم الإسلام وأوصل رسالة الإسلام إلى مملكة سبأ ودخلت مملكة كاملة الإسلام بسببه وقد كان محترقا من الداخل وصاحب مشاعر صادقة أن يجد في الأرض من لا يعرف الإسلام. السادس والثلاثون: لا تحتقر نفسك فالهدهد لم يقل ماذا عساي أن أصنع وسليمان يحكم الأرض وتخدمه الجن وهذا الخبر لن يكون مهما عنده خاصة مني وأنا الطير الصغير الضعيف بل تقدم بين يدي سليمان ليقدم ذلك الخبر المهم ملفتا جميع أنظار المملكة. السابع والثلاثون: تفقد من ولاك الله عليهم، وتفحص أخبارهم واسأل عنهم ولا تهمل رعاياك فسليمان عليه السلام سأل عن الهدهد وهو طير ضعيف وماذا عسى أن يكون الهدهد بين آلاف العوالم وأنواع الحيوانات والطيور وبين عفاريت الجن ومن سأل عن هذا الطير الضعيف الصغير فلن يضيع كل كبير وعظيم في مملكته. الثامن والثلاثون: كن قوي الملاحظة دقيق الانتباه، فسليمان بمجرد نظرته العامة لجيشه إلا أنه كان قوي الملاحظة فقد لفت انتباهه غياب الهدهد بهذا تكون مهابا رفيع القدر. التاسع والثلاثون: كن جميلا ذواقا في تعاملك: فسليمان أعاد إرسال الهدهد لأنه أجمل الطيور وشكله جذاب ويحبه كل من رآه ولم يرسل الحمام مع أن العرب كانت ترسل الحمام فوصفت بلقيس الكتاب بأنه كريم والعرب تجعل العاقل صاحب الذوق الرفيع من يُعرف بتميزه من خلال كتابه ورسوله وهديته. الأربعون: تابع قضيتك بنفسك، ما دمت متحمسا لقضيتك وتريد أن تقطف ثمرتها اليانعة فلا توكل أحدا غيرك فالهدهد لم يعتذر لطول سفره ولم يلق بالتكليف على طائر آخر ولم يُشِر على سليمان بإرسال الجن في الحال إنما تولى ملفه بنفسه حتى وإن أخذ كثيرا من الوقت. الواحد والأربعون: شجع أصحاب المواهب في بيتك أو فصلك إن كنت مدرسا أو جامعتك أو منهم تحت إدارتك فقول سليمان له ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي﴾ تشجيع له على الاستمرار في هذا العمل النبيل ليت شعري كيف كان يتخيل الهدهد وهو يحمل رسالة أعظم ملك في الأرض أي جناح يرفرف به أي سماء تظله وهو يستشعر ثقة سليمان فيه. الثاني والأربعون: قم بتكريم من أحرز هدفا نبيلا، فالله تعالى جعل جزاء الهدهد أنه محرم الذبح والقتل وذلك لأن مملكة سبأ أسلمت بسببه فلا يجوز لك أن تقتله بأي حال من الأحوال وقد تولى الله إكرامه من السماء بضد ما كان ينوي سليمان فقم بتكريم من يستحق التكريم. الثالث والأربعون: نتعلم ظهور بشرية الأنبياء في عدم إحاطتهم بعلم الغيب وقصور علمهم وأنهم لا يعلمون إلا ما يحيطهم الله به من علم حتى وإن كان ذلك الشيء المخفي عنهم بين أيديهم وقريبا منهم. الرابع والأربعون: قدم شيئا جديدا للأمة: تميز في عملك وكن مبدعا في أدائك في دراستك في وضيفتك في رسالتك لا تكن زائدا في هذه الدنيا ولا يكن حياتك وموتك سواء فالهدهد قدم شيئا جديدا لم يسبقه إليه أحد فإن لم تقدم شيئا جديدا فلا جدوى من حضورك في مشهد الحياة. الخامس والأربعون: لا تعجز ولا تتوقف واستعن بالله فالهدهد لأنه استعان بقدرة الله فقد أعانه الله على تحقيق رسالته كيف لا وهو في نفس الآيات يلمح بقدرة الله وتذكر أنه إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده فلولا عون الله له ما توفق، وفي بعض الأخبار أن سليمان عرض عليه أن يزوده بحرس من الطيور فقال: لا، كيف أخاف وأنا أحمل بسم الله الرحمن الرحيم؟ السادس والأربعون: كن من أصحاب السمو جاء الخطاب من سليمان بقوله" فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ " ويحصل التنفيذ بإلقائه لأحد وزرائها أو كبير حجابها وقد كان في مملكتها اثني عشر ألف قائد تحت كل واحد منهم مائة ألف راية لكن تعمدها هي ليكون أكثر وقعا فسلمها الرسالة هو بنفسه، وقد قيل إنه دخل من كوة وهي في قيلولتها فألقاه عليها فكان ساميا في إيصال الرسالة فكن ساميا في أهدافك ولا ترضَ بالدون. السابع والأربعون: إذ فارقت موطنك فكن سفيرا له والمقصود أن تمثله أحسن تمثيل فالهدهد هو أفضل سفير مثّل مملكة سليمان كن مهذبا مخلقا ولا تشغب عليهم حتى وإن كانوا لا يدينون بدينك. الثامن والأربعون: لا تتهم الآخرين مباشرة فسليمان أنكر أولا بصره ﴿ما لي لا أرى الهدهد﴾ فقد يكون دونه ساتر أو غير مجلسه ولا يصح أن تقول مباشرة إن فلان غائب لأنه يحتمل أن يكون موجودا وهذا أسلوب العاقل الذكي الحصيف وقس على هذا. التاسع والأربعون: الملك يحتاج إلى حزم فلو لم يكن سليمان عليه السلام حازما مع رعيته لكثرت المخالفات وحصل التأخر بدون عذر فقد كان حازما أشد الحزم ولذا لم يتأخر عنه إلا جندي واحد وبعذر بيّن وحجة واضحة. الخمسون: نفّذ حالا، لا تتوان ولا تسترسل مع الأحلام ولا تسوف فالهدهد أوصل الخبر ثم عاد حالا ولم يأخذ إجازة أو استراحة والناجحون دوماً يقومون بتنفيذ أهدافهم دون تسويف، إنه تنتظره مملكة بأكملها ونبي ملك ينتظر بشوق تفاصيل أخباره فقم حالا لتنفيذ أهدافك وإياك أن يكون الهدهد أنشط منك.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شكرا أيها الهدهد (2) عامر الخميسي الواحد والخمسون: ضع لنفسك عدة خيارات ثم اختر المناسب: ولا تضيق على نفسك ثم تخسر من هم حولك، فسليمان عليه السلام وضع ثلاثة خيارات ثم اختار المناسب. الثاني والخمسون: تدرج في خطابك من الأدنى للأعلى: فالهدهد بدأ أولاً بحصوله على خبر عجيب ثم بدأ يذكر ملك تلك المرأة لقومها، ثم ما هو أعظم وأدهى من ذلك عبادتهم غير الله. الثالث والخمسون: أثبت صحة دعواك، فالهدهد لم يتردد في توثيق خبره بقوله (جئتك).. و(وجدت) و(وجدتها وقومها) ثم إثبات ذلك بامتثاله الذهاب إليها مرة أخرى فهو حريص على إثبات دعواه حتى ولو تعب في سبيل إثباتها. الرابع والخمسون: تحدث بموضوعية ولا تغرق نفسك في الجزئيات: فالهدهد تحدث بنقاط محددة حملها في ذاكرته ورتب فقراتها، وحتى عند حديثه عن إثبات وجود الله تحدث عن أصغر شيء خلقه الله وهو الخبء (أي ما هو مخبوء في السماوات والأرض من الحشرات والذرات والأرزاق والقطر في الغمام وعن أكبر مخلوق خلقه الله وهو العرش) فكان دقيقاً في طرحه موضوعياً للغاية. الخامس والخمسون: كن مهتماً بتفاصيل جنودك فقد يحمل أحدهم خبراً مهماً ونبأً عجيباً، فسليمان عليه السلام أرهف سمعه للهدهد وتابع تفاصيل خبره وبالفعل اكتشف حدثاً عظيماً من وراء الهدهد. السادس والخمسون: استشعر المسؤولية: سليمان عليه السلام استشعر المسؤولية وهو يتفقد الهدهد واستشعر المسؤولية وهو يخط رسالته لبلقيس والهدهد استشعر المسؤولية في أسفاره إليها باعتباره هو المسؤول عنها وباعتبار سليمان هو المسؤول عن الهدهد. السابع والخمسون: أظهر أن من تخاطبه هو المسؤول عن القضية: فالهدهد لم يقل جئناكم باعتباره يخاطب سليمان وحاشيته ووزراءه إنما جئتك أنت فاستمع لي، فأنت وحدك المقصود بكلامي وتحقيق أهدافي وإكمال مشاريعي وليكن هذا خطابك لأصحاب الشأن أن تقصد ذواتهم بخطابك. الثامن والخمسون: تحمس لسرعة التغيير: لا تتباطأ فالحديد يطرق عند اشتداد حرارته وهذا هو الوقت المناسب للتغيير فالهدهد رجع متحمسا للتغيير وطرح القضية بتحمس شديد ورجع سريعا كل ذلك راغبا في التغيير فإن كنت كذلك فستجد أثراً سريعاً لتغيير نفسك. التاسع والخمسون: استدرك في خطابك فالهدهد عندما وصف عرشها أنه عظيم تذكر أنه لا أعظم من عرش الله فذيل كلامه بقوله ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ وماذا عسى أن يكون عرشها مهما عظم بجانب عرش الله؟ فالسماوات السبع والأرض بما فيها كذرة أمام عرش الله مستدركا وصف عرشها أنه عظيم. الستون: كن مؤمناً بقضيتك: ولا تضع أدنى احتمال لصحة سواها فالهدهد لو اعتقد بصحة الرأي الآخر أو حتى نسبة ضئيلة ما حقق التغيير خاصة في مسألة كهذه وهي عبادة غير الله.. الواحد والستون: غلب الإيجابيات وانظر دوما إلى الجانب المشرق: فسليمان بدأ بذكر الصدق قبل الكذب ﴿أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ وبدئه بذكر الصدق يدل على تغليبه الجانب المشرق وأن هناك أملاً من وراء الحجب في صدق الهدهد رغم شكوكه. الثاني والستون: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد: مباشرة كلفه سليمان بالتوجه إلى مأرب ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي﴾ لأن القضية مهمة والأمر لا يحتمل التأخير، والهدهد لم يتأخر إلى الغد بل عاد مباشرة لعلمة بضرورة الإنجاز. الثالث والستون: لا تتجاهل أمر القائد "اذهب بكتابي" سمعَ وأطاع، ولو عصى لهلكت أمة بأكملها وفي أمره لك مصلحة عظيمة يتوقف عليها من الإنجاز ما لا تدركه أنت. الرابع والستون: تلذذ بالعمل الطوعي ففيه الخير والأجر ورفعة القدر: فالهدهد رغم سفره الأول الشاق دون تكليف إلا أنه استمتع به بدلالة أن طرح الموضوع بإثارة عجيبة ونفس متشوقة لإيجاد الحلول ورغبة في إصلاح عقيدة أولئك فتلذذ بالعمل الطوعي لأن فيه خيراً كثيراً وأجراً عظيماً وبركة ورفعة قدر، ويورث لك الذكر الحسن فقد خلد الله رفرفة جناح الهدهد في عمله الطوعي فكيف بك أنت. الخامس والستون: كن واسع الصدر: فالهدهد رغم أن خيارَي العذاب والذبح ينتظرانه ووُصِف أيضاً أنه لربما يكون كاذباً وهو في مهمة دعوية كبيرة إلا أنه احتملها من سليمان وكتمها موسعاً صدره فلا تضق ذرعاً من إخوانك وأساتذتك. السادس والستون: إذا كنت صاحب قضية فلا تحشر نفسك في التوافه: فالهدهد تحدث عن قضيته الرئيسية وجعل يناقشها ولم يشغل نفسه بقضايا ثنائية كي لا يضيع ما هو أهم. السابع والستون: لا تدافع عن ذاتك: فالهدهد لم يعترض على خياري العذاب أو الذبح ولم يدافع عن وصفه بصفة الكذب المحتملة، العظماء لا يدافعون عن أشخاصهم وذواتهم.. همهم إنقاذ البشرية. الثامن والستون: لا تقل قالوا: فلفظ ﴿جِئْتُكَ﴾ يعني أنا بذاتي ولفظ ﴿وَجَدْتُ﴾ يعني أنا: لم أسمع من أحد، وما تلقيته بواسطة، أو قيل لي، لا تتحدث إلا بما شاهدت أو سمعت ورأيت ولا تقل (قالوا) فهي صفة ذميمة إذا كانت بدون تحقق وبها تكون بوقا للأكاذيب. التاسع والستون: لا تستعجل قطف الثمرة قبل النضج: فسليمان أتى بلفظ (ثم) الذي يدل على التراخي قليلاً وأيضاً لم يرسل من هو أسرع من الهدهد، وكذلك كتب رسالة محبرة بكل تأني وتمهل ولو أراد معرفة أخبارهم في طرفة عين لقدر. السبعون: استخدم أسلوب التهديد في قيادتك إن لزم الأمر: فسليمان عليه السلام رغم أنه نبي وأخلاقه عالية وهو النبي الوحيد الذي حكى الله تبسمه في القرآن إلا أنه أمام تأخر الهدهد جعل يهدد لضرورة التهديد في ذلك الوقت، وأيضاً ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ ولكل مقام مقال. الواحد والسبعون: باشر الأوامر بنفسك إلى المنفذين: واحذر أن تترك حلقة وصل بينك وبينهم كي يشعروا بأهمية الأمر وضرورة التنفيذ وسرعة الإتيان بالمطلوب فسليمان لم يجعل وسيطا بينه وبينه الهدهد لكثرة من هم حوله من الجند والقادة ويحق له ذلك لكن باشر الأوامر بنفسه للمأمور. الثاني والسبعون: كن حريصاً على هداية غيرك: فسليمان عليه السلام لما تأكد له صدق وثنيتهم لم يسير جيشا للبطش بهم رغم حبه للجهاد وإنما استخدم الطرق الشرعية في هدايتهم وتحبيبهم للإسلام وقال: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾. الثالث والسبعون: ضع عينك على النهاية: في كل مشروع وهدف تريد تحقيقه ركز على نهاية ما تريد ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ وكأنه يترقب عن كثب خطواته القادمة.. الرابع والسبعون: أظهر اعتمادك على من هو أقوى منك: فسليمان عليه السلام رغم أنه أظهر أنه سيبطش بالهدهد وأظهر علوه وقوته على بلقيس في قوله ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ إلا إن الباء في (بسم الله) تدل على الاستعانة أستعين بك وبقوتك. الخامس والسبعون: استخدم أسلوب الثناء في عرض قضيتك: فالهدهد أثنى على الله بصفات كثيرة منها علمه وقدرته وعظم عرشه، وأثنى سليمان على الله باسم الرحمن الرحيم. السادس والسبعون: احفظ حركات عدوك وانتبه بعناية لتخطيطه وأهدافه وادرس بعناية خطواته القادمة ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ أي: (لا تنصرف إلا وقد حفظت كل حركة من حركاتهم وماذا سيقررون لتتخذ الخطوات اللازمة بعد ذلك وانتبه أن يشعروا بك). السابع والسبعون: استخدم أسلوب التوكيد أثناء طرح قضيتك ﴿وَجَدْتُ امْرَأَةً﴾، (وجدتها) والضمير في (كتابي) و(هذا)، و(الرحمن الرحيم) دون أن يشعر المستمع بملل والغرض تأكيد مقصدك الذي تريد تحقيقه. الثامن والسبعون: فرغ نفسك لتخصصك: الهدهد مثله مثل أي طائر عنده التزامات ببيئته وعائلته ومجتمع الهداهد حوله لكن برز مهتما بهذه القضية وكأنها هي تخصصه الوحيد وكأنه لم يخلق لغيرها رغم أنها مسألة ثنائية ولم يكلف حتى بها لكنه فرغ نفسه لها فأظهر نبوغا فيها وكذلك عندما استلم الرسالة تحرك فورا دون الرجوع لمجتمعه والتزاماته مخصصا نفسه لهذه المهمة حتى تكتمل ولن تنجح ما لم تفرغ نفسك لتخصصك. التاسع والسبعون: لتكن صاحب مرجعية: فماذا عسى الهدهد أن يفعل لقوم مشركين بغير سليمان فقط سيحترق من الداخل ولن يتوصل لنتيجة وسيعيش عمره متأسفا على ضياعهم ولكنه أول ما اكتشف أمرهم تذكر سليمان إذ هو مرجعيته لهذه المدلهمات فرفرف إليه قاطعاً الفيافي والقفار ليكون هو من يتحدث معه عن شأنهم فحدد مرجعيتك في مدلهمات أمورك لتكون أقدر على مواجهة الخطوب. الثمانون: لا تجعل أحداً يحول بينك وبين الناس فلو جعلت الحجاب والحرس دون نقباء قومك وأشرافهم وأصحاب الرأي فيهم وحتى ضعفاءهم فلن تستمع أجمل وأهم ما سيقال لك، فالهدهد مباشرة حط بجانبه دون استئذان من أحد ليفاجئه بـ﴿ أَحَطْتُ ﴾ ولو كان هناك حجاب أو حرس دون الهدهد لربما خطفت الكلمة ودخل الحسد، أو احتجز الهدهد بزعم تخريف عقله، فلا تجعل مدير مكتبك أو مسؤول علاقاتك يحول بينك وبين عامة الناس وكبارهم. الواحد والثمانون: لا تسمح للمزعجات والمشوشات أثناء استماعك لحديث مهم فرغم كثرة القصص في سورة النمل وتفرعها إلا أن حديث الهدهد مع سليمان مكتمل الأركان من غيابه إلى رجوعه إلى حديثه مع سليمان ثم ذهابه وكأنها جملة واحدة لضرورة أن تكون مرتبطة ببعضها. الثاني والثمانون: رتب مراحل القضية التي تريد الحديث عنها واستخدم فيها الترتيب الزمني فالهدهد تحدث مرتباً لها فهو دخل ابتداء أرض سبأ ثم وجد تلك المرأة التي تملكهم ثم اكتشف أنهم يعبدون غير الله ثم إن سليمان أمره بالذهاب إليهم وإلقاء الكتاب بحرف العطف (ف) فألقه إليهم، ثم جاء بحرف (ثم) وهو يدل على الترتيب والتعقيب والتراخي قليلا وكأن التزمين في طرح أي موضوع مهم للغاية.. الثالث والثمانون: الإرشاد إلى مصدري التشريع فإن الهدهد لخص لنا المصدر الأول للتشريع وهو الله بقوله ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ولأن الله هو المستحق للعبادة فإنه هو المشرع، والضمير في (وجئتك) عائد إلى نبي الله سليمان فكأنه يرشدنا إلى أن الله ورسوله هما من يتلقى عنهما أمور الشرع، فالكتاب والسنة بهما العصمة، وهما أصل التشريع والنور في الظلمة. الرابع والثمانون: سبيل الله واحد (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) بينما سبل الغواية لا عدّ لها وفي سورة الأنعام ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ فطريق الحق واحد لا يتعدد ولذلك استخدم معه أسلوب التعريف فـ(السبيل) (حصر وقصر) على سبيل الله وطريقه الموصل إليه وطرق الظلال متشعبة كثيرة ولذلك فهم يعمهون ولا يهتدون. الخامس والثمانون: الترك عمل ويدل عليه قول الهدهد ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ أي إن من أعمالهم القبيحة وصفاتهم الشنيعة عدم السجود لخالقهم عز وجل. السادس والثمانون: لا تستقيم الحياة إلا بإعمار الدنيا والدين فالهدهد تحدث أولا عن شؤونهم الدنيوية ثم أردف بشؤونهم الدينية فالأولى فيها ترف ظاهر في العمران والبنيان والثانية فيها فساد وعبادة للأوثان، ولا استقامة للحياة إلا بالتعمير الحسن، وعبادة الله وحده والتبرؤ من عبادة الوثن. السابع والثمانون: فكرة اتخاذ الطائرات والأقمار التي تستكشف المواقع المشبوهة وتزويدها بالأجهزة التي تنقل المعلومات حفاظا للأمن العام وضبطا لأي مخالفة ستظهر قبل بدئها كما فعل سليمان عندما أرسل الهدهد إلى مملكة سبأ. الثامن والثمانون: مشروعية التعزير والتنكيل وإنزال العقاب لمن خالف أمر الحاكم دون عذر شرعي فالهدهد كان سينال عقابه الرادع من نبي الله سليمان لتأخره لولا أنه جاء بعذر شرعي. التاسع والثمانون: طاعة الأفراد وانضباطهم يعكس صورة مصغرة للدولة النموذجية وهذا ما نلاحظه من شدة إخلاص الهدهد لسليمان وحرصه على الالتزام بنظام الدولة ومحاربته لأعدائها وتنفيذه لأوامر ملكها والدولة النموذجية يقوم كل فرد فيها بعمله على أكمل وجه فيكون المردود العام سير الحياة العامة للدولة بنظام راقٍ مهذب. التسعون: ينبغي أن تكون المراسلات الخارجية مختصرة ولها عمقها الواسع ودلالتها البالغة بعيدا عن التفاصيل والإغراق في الجزئيات فرسالة نبي الله سليمان كانت مختصرة جدا وحملت في طياتها أبلغ الدروس وأجمل الحكم، وهكذا يفعل القادة وأصحاب الشأن. الواحد والتسعون: الحرية أساس لمعرفة الله وعبادته فهي تملكهم وكأنهم عبيد لها ولذلك ذيل كلامه هذا بـ ﴿فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ إذ كيف يهتدي للطريق إلى عبادة الله وحده من جعل نفسه عبدا لغير الله فالحرية أساس للعبودية. الثاني والتسعون: لفظ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أشد في نسبته للكذب من قوله (أكذبت) ولذا قال له ﴿أَصَدَقْتَ﴾ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ..﴾ أي أم انخرطت في سلك الكاذبين الذين أصبح الكذب لهم عادة؟ ليكون ذلك أرهب له وأخوف فيجتهد في إيصال الرسالة ويغلب جانب الخوف على الرجاء. الثالث والتسعون: لا تحكم على الشيء قبل أن تفكر فيه وتتأمله من جميع جوانبه (قَالَ سَنَنْظُرُ) والنظر هنا بمعنى التأمل في الأمور وتدبر عواقبها والسين للتأكيد، ثم كرر هذا مرة أخرى ﴿فانظر ماذا يرجعون﴾ أي كن واعيا بصيرا سميعا متأملا لهم ولا تبني أحكامك بارتجالية فتخبط خبط عشواء فالعاقل دوما يتأمل ويستخدم عقله وفكره في النوازل ولا يقرر في أمر ألا بعد تفكير. الرابع والتسعون: المطلوب من الخلق وما كلفوا به من خالقهم العلم والعمل: والعلم مقدم على العمل، أما العمل فهو في ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ إذ فيه إثبات صفات الخالق العظيم وكونه صاحب جلالة وقداسة ورحمة، والعمل في قوله ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ أي: منقادين لمن هذه صفاته خاضعين له ذليلين بين يديه مستسلمين له منفذين لأوامره منخلعين من كل صفات العلو والغطرسة والكبر والإعجاب بالنفس، وهذا هو المراد من المسلم في هذه الحياة العلم والعمل فاشتمل عليهما كتاب سليمان. الخامس والتسعون: الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. أظهر قوتك أمام من لا يعرف قوة الله: فسليمان عليه السلام بدأ بذكر اسمه مقدما له على اسم الله تعالى لأنهم وثنيون لا يعرفون الله وحتى يكون ذلك أرهب في قلوبهم. السادس والتسعون: لا يجتمع علو النفس وكبرها وإعجابها والتواضع لله تعالى والانقياد له والاستسلام له فأمراض القلوب تتنافر بعكس أعمال الجوارح فقد تجد قاطع الصلاة لا يكذب أو قاطع الطريق يحج ولكن علو النفس وإعجابها بعملها وتواضعها لله لا يجتمعان فتخلص من أدواء نفسك. السابع والتسعون: الأمر بالشيء نهي عن ضده ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ فيه نهي لعلوهم عليه وتفاخرهم وعنادهم وكبرهم محذرا لهم أن تقع منهم هذه الصفات، ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فيه أمر لهم بأن يأتوا منقادين خاضعين مستسلمين وسواء كانوا مستسلمين له أو مسلمين لله فهو أيضا ينهاهم عن أن يتكبروا ويتغطرسوا ويعاندوا. الثامن والتسعون: لا تحكم من خلال سمعك وإنما من خلال رؤيتك وبعد توارد الأدلة وتواترها لديك وهذا الذي أورد كثيرا من الملوك والحكام المهالك وبه يوصف الملك أنه أذُن فيكون جلساؤه ووزراؤه هم من يسيطرون على قراراته ولا يبحث هو بنفسه ويستقصي الأخبار، فمن يشتكي إليك من فلان أنه فقأ عينه فلا تحكم مباشرة من خلال السماع الأول فقد يكون المشتكى منه مفقوء العينين فلا تحكم من خلال سمعك. التاسع والتسعون: فيه دليل على مشروعية تأديب البهائم والدواب على مخالفتها أو تأخرها أو إرادة إسراعها في المشي إن توانت دون سبب وأن العذاب على قدر الذنب لا على قدر الجسد. المائة: ينبغي أن يكون اسم المرسل في صلب الكتاب ومن أصل الرسالة لا في الهامش أو في رسالة مستقلة مع المرسل أو تتلقى شفهيا ولا تكون أبدا بدون اسم فإذا كانت الرسالة خطية كان الاسم خطيا وفي صلب الرسالة وإذا كانت شفهية أخذت نفس الحكم. المائة وواحد: وفيه إرسال الرسل لدعوة الملوك إلى الإسلام ومخاطبتهم بذلك وقد أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام رسله لكسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس يدعوهم إلى الإسلام يقيم عليهم الحجة بذلك. المائة واثنان: نتعلم أن قوة الحجة والبرهان تغلب قوة الملك والسلطان فسليمان عليه السلام توعد أن يبطش بالهدهد وأن يذيقه العذاب أو الذبح ثم استثنى تلك التهديدات إن جاءه الهدهد بحجة ظاهرة بينة ومن المعلوم أنه عندما تحدث الهدهد بحجته البالغة وبين سبب تأخره سقط عنه العذاب والذبح فبلاغة القول والبيان أقوى من سطوة الملك والسلطان، وطلاقة اللسان أنكى من ضراوة السنان.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |