أسئلة المؤمنين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4691 - عددالزوار : 1658214 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 139 - عددالزوار : 16143 )           »          رسالة لمن ينادي بإزالة الواسطة بين الناس والقرآن والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حول إصلاح التعليم الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 77 - عددالزوار : 23484 )           »          احترام الرأي المخالف عند الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.. راوٍ ماجنٌ وليس بمؤرخ مدقق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 327 )           »          خطر فتنة التكفير على الشباب وواجب البيان في زمن الفتن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الاستقالة الصامتة في ميدان الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 8947 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-11-2025, 04:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,579
الدولة : Egypt
افتراضي أسئلة المؤمنين

أسئلة المؤمنين(1)


الأستاذ مجاهد ديرانية




لحكمة يعلمها الله

هل ينتصر الخير حتماً؟ لماذا سمح الله بوجود الشر؟ كيف يكون في الشر خير؟ لماذا يسكت الله عن الظلم ويمد في آجال الظالمين؟ لماذا يموت الأخيار مبكرين؟ ما سبب البلاء؟ لماذا لا يُستجاب الدعاء؟ إذا كنا متوكلين على الله حقاً فلماذا نطلب المساعدة من الناس؟ هل الإسلام دين خيالي غير قابل للتطبيق؟ إذا قامت دولة الحق فهل تبقى أبداً؟ لماذا نُتعب أنفسنا من أجل انتصار لا يدوم؟

الأسئلة السابقة ليست جديدة، لكن المؤمنين يطرحونها اليوم كما لم يطرحوها من قبل، فقد ثقل الحِمْل على الناس وطالت المحنة فأثارت مكنونات النفوس، فأمسى كثيرون فرائسَ للقلق والهواجس، وباتوا حَيارَى يبحثون عن أجوبة مقنعة تُطمئن نفوسهم القلقة وتحفظ عليها الإيمان واليقين.

لعلكم لاحظتم أنني جمعت الأسئلة كلها تحت عنوان واحد: "أسئلة المؤمنين"، لأن جوابها لا يمكن تقديمُه ولا يمكن فهمه إلا باللغة التي يعرفها ويفهمها المؤمنون، فمَن لم يؤمن بالإسلام ابتداءً أو شكّ في نصوصه وتصوره للإنسان والحياة والوجود فلن تنفعه هذه الأجوبة، ولا أظن أنه سيجد غيرها أبداً في أي مكان.

* * *

"لحكمة يعلمها الله". كثيراً ما يسأل المبتلَون بأنواع البلاء: لماذا يا ربّ؟ فلا يجدون جواباً سوى تلك الكلمات، فيطمئنون زماناً ويسكتون، لكن البلاء يستمر ويتعاظم فيدفعهم إلى السؤال من جديد. وما تزال الأسئلة تعصف بأذهانهم القلقة فيكررون السؤال مرة بعد مرة، ويسمعون الجواب نفسه في المرات جميعاً، وذات يوم يبلغ الاحتمال بأحدهم غايتَه فيصرخ غاضباً: ما معنى لحكمة يعلمها الله؟ ما هذه الحكمة التي لم يعرفها ولا يفهمها أحدٌ من الناس؟

الذين بلغ بهم اليأس والغضب هذا المبلغ هم الذين أقصّ عليهم هذه القصة.

أخذني أبي ذات يوم إلى المدرسة وأنا في الرابعة، لم آلَفْ فراق الأب والأم ولم آنَس إلى الأغراب، ثم تركني ومضى. ما زلت أذكر صورة ذلك اليوم الحزين من وراء حجاب السنين؛ خمسٌ وخمسون سنة لم تُنسِني رهبته وكآبته. أُغلِق الباب على عشرين طفلاً من المخلوقات الرقيقة الضعيفة، ونظر الصغير حوله فرأى وجوهاً غريبة لا يعرفها، فاندفع إلى الباب يريد فتحه واللحاق بالأب الذي اختفى وتركه وحيداً بين الغرباء. وكذلك صنع كل واحد من الأطفال، فما كان من المعلّمة إلا أن جَرّت الطاولة فوضعتها وراء الباب، ثم جلست فوقها فأغلقت طريق النجاة الوحيد إلى عالم الحرية والأمان!

أمضى الأطفال وقتاً طويلاً بالبكاء، ربما اليومَ بطوله، حتى عاد الآباء فحرروهم من الحبس ورفعوا عنهم البلاء. لكنّ الغدَ كان محمَّلاً بالمزيد من تلك الآلام، وغداةَ الغد والذي بعده وبعده... وفي كل يوم يتشبث الطفل بأبيه، لكنّ أباه يُسْلمه إلى الكرب المُضني ويمضي. لماذا يا أبتِ؟ لحكمة ستعلمها يا صغيري ذات يوم.

وجاء اليوم الذي انكشفت فيه الحكمةُ فعرفها الصغير.

* * *

ما كل عمل يعمله الكبار يفهم حكمتَه الصغار، ولكنهم يَقبلون ويسكتون ويطمئنّون لأنهم يشعرون أنهم في أيد أمينة، رغم أن الفرق بين عقل الصغير وعقل الكبير هو فرقُ الأضعاف المفردة، ثلاثةُ أضعاف أو خمسةٌ أو عشرة. ولتكن مئةَ ضعف، ولتكن ألفاً، فهل فكرتم قَطّ بالفرق بين علم المخلوق وعلم الخالق؟ بين حكمة الخالق وحكمة المخلوق؟

إن الأبوين يطالبان صغيرَهما بالاستسلام لرأيهما لأنهما على يقين أنهما أعلم بما هو صالح له، وهما واثقان من محبتهما له ورحمتهما به، فلن يختارا له إلا الخير. وما نسبةُ علمهما بخير الصغير إلى علم الخالق بخير المخلوق؟ لماذا يرضى الواحد منا لنفسه بأن يهيمن على حياة الطفل الصغير ولا يرضى أن يهيمن عليه ويختار له قدرَه الربُّ الرحيمُ الحكيم العليم؟

لماذا أتجرأ وأنا الأب فأقول لولدي الصغير وهو يتجرّع الدواء المُرّ: ثق بي وتجرّعْه، فإن وراء مرارته الظاهرة ما لا تعلمه من الخير والنفع والشفاء. لماذا أقول لولدي ذلك ثم ألتفت إلى ربي متسخّطاً غاضباً وأقول: لماذا كتبت عليّ الشقاء والألم في هذه الدنيا يا ربّ؟ أين رحمتك؟ أين عدلك؟ أين محبتك ورأفتك بعبادك المؤمنين؟

* * *

يا أيها المؤمنون: إما أن تؤمنوا بالله كما وصف الله نفسه في قرآنه الكريم، فهو الرب العليم الرحيم الكريم الخبير القدير، وعندئذ سترفعون إلى السماء رؤوسكم كلما أصابكم البلاء فتقولون: شكراً يا رب، فأنت أعلم بما يصلح لنا ولن تختار لنا إلا الخير. أو تؤمنوا بإله غيره، معاذ بالله.

نعم، إنّ هذه الجملةَ جوابٌ للمؤمنين الذين تُلحّ على عقولهم القلقة تلك الأسئلةُ وأمثالها، ولكنّ لها أيضاً أجوبةً أخرى أرجو أن يجدوا فيها الرضا والاطمئنان. التفاصيل في بقية حلقات هذه السلسلة، فادعوا لي بالبركة في الوقت لكتابتها ونشرها في هذا الشهر الفضيل.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-11-2025, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,579
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسئلة المؤمنين

أسئلة المؤمنين (2)


الأستاذ مجاهد ديرانية


هل ينتصر الخير دائماً؟

قطعاً، لا أشك في ذلك أبداً، وما شككت فيه منذ عقلت وآمنت، فإن الشكّ في انتصار الخير هو شَكٌّ في عدل الله، والشك في عدل الله كالشكّ في وجوده. أليس من أسماء الله جَلّ جلاله "المُقْسط"؟ وما المقسط؟ هو الذي "ينتصف للمظلوم من الظالم" كما قال الإمام الغزالي في "المقصد الأسنى".

* * *

إنّ من الناس من أصابه الإحباط مما يراه من ضَعف أهل الحق وقوة أهل الباطل، ومنهم مَن شكّ في عدل الله وقدرة الله، وربما شك بعضهم في وجود الله فقال: لو كان الله موجوداً لانتصف للمظلوم من ظالمه ولوقَفَ البغيَ والظلمَ والعدوان. أستغفرُ الله من رواية ما يقولون.

ولكنْ مهلاً يا قوم! إنما مَثَل من يقول ذلك كمثل رجل ذهب لمشاهدة مسرحية من ثلاثة فصول، فلما أُسدلت الستارة في نهاية الفصل الأول قام مُغضَباً وغادر المسرح قائلاً: يا لها من مسرحية سخيفة! كيف قَبِل كاتبُها ومخرجها بأن ينتصر الأشرار والظالمون؟

سيقول له العقلاء المدركون من النظّارة، من المشاهدين: مهلاً يا هذا. انتظر قليلاً، فعمّا قليل سترتفع الستارة مرة أخرى ونشهد الفصل الثاني، ثم تنزل الستارة وترتفع من جديد في الفصل الثالث والأخير. فكيف أجزت لنفسك أن تحكم على المؤلف والمخرج من مشاهدة جزء صغير قصير من مسرحية طويلة متكاملة؟ هلاّ انتظرت لحظة الختام؟

* * *

يا أيها الناس: إن الحياة التي نحياها في هذه الدنيا هي أول الفصول وأقصر الفصول. إنكم ترونه فصلاً طويلاً لأنكم لا تعلمون ما بعده، فإذا انتقلتم إلى الحياة الثانية في البرزخ رأيتم ما قبله كرحلة يوم أو بعض يوم، كاستراحة مسافر نزل بشجرة فاستظل بظلها كما شبّهها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو العليم بها وبما بعدها من فصول.

البرزخ حياة طويلة ينعَم فيها الصالحون ويشقى الطالحون: {النار يُعرَضون عليها غُدوّا وعَشياً}. ثم ينتقل الجميع إلى الفصل الثالث والأخير، الفصل الطويل الطويل الذي لا نهايةَ له، حيث يطبَّق قانون العدالة الكاملة على المجرمين الذين نجوا من عدالة الدنيا الناقصة، فيعاقَبون بالعذاب الأبدي السرمديّ في نار الجحيم.

المؤمنون يعلمون ذلك كله فيطمئنون، أما الذين شكّوا في المَعاد والحساب أو أنكروه فإنهم سيعيشون أبداً في اكتئاب، لأن فطرة الخير التي جُبلوا عليها تنكر ما يرونه في الدنيا من ظلم وطغيان، والقدرات المحدودة التي يملكونها تَحول بينهم وبين تغيير هذا الواقع الكئيب، وهم يظنون أنه نهاية الطريق.

* * *

قرأت قوله تعالى: {إنّا لنَنْصُر رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} فعلمت أنه يقين. ولكنْ كيف نُصِر أنبياء الله وفيهم من أُخرج ومن قُتل؟ أجاب الطبري عن هذا السؤال في تفسيره بجواب عام فقال إن المراد هو "الانتصار لهم ممّن آذاهم، سواء أكان ذلك في حضرتهم أو غيبتهم أو بعد موتهم"، وإلى ذلك ذهب أكثر المفسرين.

على أنني أرى في هذا التفسير تكلّفاً وتعارضاً مع الواقع الحاضر ووقائع التاريخ، فالنص يقطع بنصر الله للمؤمنين، والله لا يُخلف وعده، لكننا ننظر فنرى أن الباطل هزم الحق في جولات كثيرة على مَرّ الزمان وأن المؤمنين لم ينتصروا على عدوهم في كل حال، فلزم أن المقصود هو "الانتصار المعجَّل" في الحياة الدنيا أو "الانتصار المؤجَّل" في الآخرة يوم يقوم الأشهاد.

هذا المعنى تحتمله الآية لأن الواو تأتي بمعنى "أو" عند الكوفيين، كقوله تعالى في سورة فاطر: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}. ونجد المعنى نفسه في وعد الله للمؤمنين بالعاقبة، فالسياق القرآني يفسّرها بالانتصار الدنيوي مرة والانتصار الأخروي مرة؛ قال تعالى: {استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين} وقال: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين}.

* * *

كم مضى على طاغية الشام وهو مستمر في الظلم والجبروت؟ لو أنه وقع اليوم في يد الثوار فقطّعوه ألف قطعة ونثروا أشلاءه ومِزَقَه في طول سوريا وعرضها لبردت أكبادٌ واطمأنت قلوب. إننا نرضى ونطمئن إذا شاهدنا هذا المصير بعين البصر، ولو آمنّا بالله حق الإيمان لأبصرنا بعين البصيرة مصيراً أشدَّ منه وأقسى بما لا يُقاس، في يومٍ يزول فيه كل مُلْك وتضمحل كل قوة فلا يبقى إلا ملك الله وقوة الله، يومٍ ينادي فيه المنادي: لمَن الملك اليوم؟ فيأتي الجواب الحاسم: لله الواحد القهار. في ذلك اليوم يُصفّى الحساب، فيه ينتقم الله من الظالمين.

إن الذين يملكون اليقين الكامل بأننا راجعون كلنا إلى الله، والذين يوقنون بقدرة الله وعدل الله، أولئك يعيشون مطمئنين لأنهم يعلمون علم اليقين أن الخير منتصرٌ في النهاية لا محالة، وأن أحداً من المجرمين لن ينجو من عقاب الملك المنتقم الجبّار.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-11-2025, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,579
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسئلة المؤمنين

أسئلة المؤمنين (3)


الأستاذ مجاهد ديرانية



لماذا وُجد الشر؟
السؤال عن الشرّ واحد من الأسئلة المبكرة التي طرحها الذهن البشري منذ استوطن آدمُ وذريته هذا الكوكبَ المليء بالشرور، وهو سؤال اشتغل به الفلاسفة منذ ثلاثة آلاف عام ولم يجدوا له جواباً كاملاً إلى اليوم، ولا يبدو أنهم سيجدون. لماذا؟ لأنهم يبحثون في المكان الخطأ. إنه سؤال كان ينبغي على الفلسفة رد النظر فيه "لعدم الاختصاص"، لأن جوابه يوجد في عالم آخر غير عالمها، إنه عالم الدين.

لقد كان نيوتن واحداً من أعظم الفيزيائيين، وربما كان أعظمَ فيزيائيّي الأزمنة كلها على الإطلاق، ولو أنه سُئل عن الطبيعة المزدوجة للضوء (جُسَيم-طاقة) فإنه سيقول: "الجواب ليس عندي، إنه ليس في قوانيني، اذهبوا فابحثوا عنه عند آينشتاين". هذا الجواب لا ينتقص من عبقرية نيوتن ولا من علمه وقوانينه، ولكنه يعترف فحسب بأن منظومة قوانينه "الكلاسيكية" التي استطاعت أن تفسر عالماً كبيراً من الموجودات تقف عاجزةً عن تفسير عالم الكائنات الدقيقة، فعندما يصل الأمر إلى الفوتونات والبوزونات والكواركات والأجسام تحت الذرية تتوقف قوانين نيوتن عن العمل وننتقل إلى قوانين أخرى تقدمها فيزياء الكم ونظرية آينشتاين.

الأمر نفسه يُقال عن الحياة. {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمْنى}: في تلك اللحظة وُجد كيان مادي لإنسان سيعيش في الدنيا ما شاء الله له أن يعيش. {حتى إذا جاء أحدَكم الموتُ توفّته رسلنا وهم لا يفرطون}: في تلك اللحظة انقطع وجوده المادي على الأرض. بين اللحظتين تقدّمُ المعارفُ الطبية والعلمية والفلسفية للإنسان حلولاً لكثير من مشكلاته، لكنها لا تستطيع أن تتعامل مع الأحداث التي تقع قبل اللحظة الأولى وبعد الثانية ولا تجيب عن أسئلتها: أين كنت قبل وصولي إلى الدنيا؟ أين سأذهب بعد مغادرتها؟ لماذا وُجدت فيها أصلاً؟ هذه "الأسئلة الوجودية" لا يستطيع أن يجيب عنها إلا الخالق الذي خلق الإنسان، ومنها أيضاً سؤال "الشر" المحيّر الكبير.

* * *

قبل أربعة وعشرين قرناً ارتكب الفيلسوف اليوناني أبيقور خطأ كبيراً ما يزال يرتكبه غيرُه إلى اليوم، فقد افترض مقدمتين وخلص إلى نتيجة. قال: إذا وُجد إله كامل فلن يوجد شر. الشر موجود. إذن نستنتج أن الإله الكامل غير موجود.

الخطأ الكبير الذي ارتكبه ذلك الفيلسوف وغيره هو أنهم نسوا أن يسألوا صاحب الشأن، فعنده الجواب. الكون مليء بالشرور؟ نعم. الله قادر عن منعها وتخليص الكون منها؟ نعم. لماذا لم يفعل؟ لأنه لا يستطيع؟ معاذ الله، لا يكون إلهاً قادراً إذن، وهو إله قادر. لأنه يحب الشر؟ معاذ الله، لا يكون إلهاً عادلاً رحيماً إذن، وهو إله عادل رحيم. لماذا إذن؟ نقول لهم: اسألوه، لقد أرسل إلينا كتاباً أجاب فيه عن هذا السؤال وعن غيره من الأسئلة الوجودية الكبرى، فاقرؤوه إن كنتم ترغبون في معرفة الجواب.

قال تعالى في كتابه العزيز: {ونبلوكم بالشر والخير فتنةً، وإلينا تُرجَعون}.

هذه هي العلّة وهذا سبب وجود الشر في الدنيا: إنه فتنة، ابتلاء، امتحان، لأن الدنيا -بالتعريف- هي دار امتحان، فلو خلت من الامتحان لم تكن دنيا أصلاً. إنه امتحان يُمتحَن به الناس جميعاً، فمَن آمن وصبر نجح ونجا، ومن تسخّط وكفر كان من الخاسرين. قال الطبري في التفسير: نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يحبون وكيف صبرهم فيما يكرهون، ثم إلى ربهم يُرَدّون فيجازَون بأعمالهم حسنها وسيّئها أجمعين.

* * *

لو شاء الله أن يخلق عالماً بلا شر لفعل، ولكن أين الاختبار؟ إن الحياة القصيرة التي نحياها في الدنيا هي إعدادٌ لما بعدها من حياة طويلة خالدة، حياة ممتدة من الشقاء أو حياة ممتدة من النعيم، فكيف يُعرف مَن يستحق الشقاء ومن يستحق النعيم؟ ثم إن النعيم درجات وطبقات، فكيف يُفرَز الناس وكيف يوزَّعون بين الدرجات والطبقات؟ إنها كالشهادة التي يحملها المرء بعد امتحان الثانوية العامة (البكالوريا)، فمَن حاز الدرجات العُلى دخل أفضل الكليات وعمل من بعدها في أفضل المهن وأكثرها دخلاً ووجاهة، وكلما قلّت درجته في الاختبار هبطت درجته في الكلية والوظيفة، حتى نصل إلى أقل الدرجات وأدنى الطبقات.

هذا هو السر، فمَن أدركه كان الشر خيراً له ومن لم يدركه كان الخير شراً عليه. إن الحياة كلها امتحان بخيرها وشرها وهي مقدّمة لما بعدها، وما بعدها هو الحيوان، الحياة الطويلة الخالدة التي لا نهاية لها ولا زوال؛ قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم} وقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، وللدار الآخرة خيرٌ للذين يتقون، أفلا تعقلون؟} وقال: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحَيَوان لو كانوا يعلمون}.

اللهم اجعلنا من الذين يعقلون ويعلمون فيعملون ويصبرون ويشكرون، اللهمّ اجعلنا من الناجين الفائزين في دار النعيم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-11-2025, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,579
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسئلة المؤمنين

أسئلة المؤمنين (4)


الأستاذ مجاهد ديرانية



هل في الشر خير؟

يقولون: هل في القصف والقتل والتدمير خير؟ أقول: نعم، المؤمن لا يزال بخير مهما أصابه، نأخذ هذا المعنى من الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمرَه كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له". وفي لفظ: "عجبت لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير. إن إصابه ما يحب حمد الله فكان له خير، وإن أصابه ما يكره صبر فكان له خير، وليس أحدٌ أمرُه كله خير إلا المؤمن".

سيقول قائل: قبلنا أن يكون في القصف والقتل والحصار والجوع خير وابتلاء، ولكن ماذا عن عدوان المجرمين على الأعراض؟ هذه المؤمنة التي كانت تحرص أن لا يرى الأجنبيّ شعرة من رأسها ثم أسرها الظالمون فكشفوا بدنها وانتهكوا عرضها، كيف يكون ما أصابها خيراً لها؟

أقول: جواب هذا السؤال أكبر مني ومنكم. نحن نسلّم بالأصل لأننا تلقيناه بخبر صحيح، إننا نؤمن بأنها ما أصابها إلا الخير حتى لو جهلنا التعليل والتفصيل. أخبرنا الصادق المصدوق أن المؤمنين والمؤمنات كل أمرهم لهم خير حتى ما بدا في ظاهره شراً، ونحن نصدق ما أخبرنا به الصادق المصدوق، حتى في مثل هذا المقام الذي تزيغ أمامه الأفهام، المقام الذي نحتاج فيه إلى تسليم الأولياء وثقة الصدّيقين: "إنْ كان قالها فقد صدق".

* * *

يا أيتها المكلومة المحزونة التي عانت في حبوس الظالمين، في الشام وفي غير الشام: إنْ ظننتِ أن ما أصابك شرّ رضيَه الله لك فقد أسأت الظن بالله، وإنما هو خير إنْ صبرتِ عليه فأنت من أهل الجنة إن شاء الله. وهل تريدين جزاء أعظم من التنعّم الأبديّ في جنة الرحمن؟

في الحديث الذي أخرجه الشيخان أن ابن عباس قال لعطاء بن أبي رباح: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء. أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرَع وإني أتكشف (أي أنها تفقد السيطرة على نفسها إذا أصابتها نوبة الصَّرْع فتتكشف فيراها الناس) فادعُ الله لي. قال: "إن شئتِ صبرت ولكِ الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك".

للحديث بقية تعرفينها يا أمة الله، لكنه لو أنه انتهى هنا لتَمّ المعنى، لأن النبي عليه الصلاة والسلام سمع منها شَكاتها فعلم أنها تتكشف إذا صُرعت، ورغم ذلك حبّبَ إليها الصبر ووعدها عليه بالجنة. أي أنه اختار لها أن ترضى بما أصابها، وما أصابها كان يكشفها بغير إرادتها، فرضي لها أن تُكشَف لأن هذا محل ابتلائها، ولم يَدْعُ لها بأن تُستَر ولا تُكشَف إلا حينما طلبت منه الدعاء، ولو شاء لدعا لها به حالاً. قال راوي الحديث: قالت: أصبر، لكن ادعُ الله ألاّ أتكشف. فدعا لها، فكانت لا تتكشف.

* * *

لو شاء النبي عليه الصلاة والسلام لدعا لكل مُبتلى مضرور فنجا من الابتلاء وذهب عنه ضُرّه، ولكنه علم أن الابتلاء منحة من الله اختارها لمن يحب لترتفع بها درجته، فتركه ولم يَدْعُ لرفع البلاء. في الحديث المشهور الذي تعرفونه جميعاً لمّا طلب منه المسلمون المستضعَفون في مكة أن يدعو لهم ويستنصر لهم ماذا فعل؟ إنما وعدهم بيوم يظهر فيه الإسلام وينتصر المسلمون. لم يدعُ بكشف الغمة، بل طالبهم بالصبر وعدم الاستعجال.

وقد رأيتم أن النبي صلى الله عليه وسلم صبّر المرأة ووعدها بالجنة فاختارت الصبر والجنة، ولو شاء لدعا لها فذهب صَرْعُها كما دعا لها بأن لا تتكشف فلم تتكشف من بعد. وفي الحديث أيضاً أن أعمى طلب منه أن يدعو له بردّ بصره، فشجّعه على أن لا يفعل وأن يرضى بما اختاره له الله، فلما ألحّ عليه استجاب له. محل العبرة في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام اختار للعبد ما اختاره له الله، فإن كان الله اختار لعبده البلاء فهو خير له، فكيف يدعو النبي بذهاب الخير الذي اختاره الله لمن يحب؟ إلا أن الرجل فضّل الفرج العاجل على الخير الآجل فاختار الدعاء، فشُفي وأبصر من جديد.

عن عثمان بن حنيف (وصحّحه الألباني في صحيح الترغيب) أن أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يكشف لي عن بصري. قال: أوْ أدَعُك؟ قال: يا رسول الله، إنه قد شَقّ عليّ ذهاب بصري قال: فانطلقْ فتوضأ، ثم صلّ ركعتين، ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّي محمد نبي الرحمة. يا محمد: إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، اللهمّ شفِّعْه فيّ وشفّعني في نفسي. فرجع وقد كُشف له عن بصره.

* * *

إن المؤمن يعيش مطمئنَّ النفس أبداً لأنه يوقن بأن الله اختار له الخير في كل حال، مهما بدا له ذلك الاختيار شراً وضرّاً في ظاهره. لكن الإسلام لا يتركنا بلا تفسير؛ إنه يقول لنا إن كل ما أصابنا من ضُرّ فهو خيرٌ حقاً، ثم يمضي أبعدَ من ذلك فيوضح لنا كيف يكون الشر خيراً للناس. هذا ما سنقرؤه في الحلقة الآتية إن شاء الله.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-11-2025, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,579
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسئلة المؤمنين

أسئلة المؤمنين (5)


الأستاذ مجاهد ديرانية



فهمُ هذا السؤال أصعب من جوابه، فإننا لن نستطيع معرفة الجواب إلا بعد الإجابة عن السؤال الأهم: ما الخير وما الشر؟

زعموا أن حكيماً صينياً عاش في زمن مضى وكان عنده جواد من أجود الخيل قاطبة، ثم أصبح ذات يوم فإذا بباب الحظيرة مكسور والجواد مفقود. وجاء أهل الضّيعة يواسونه، فقال: في أي شيء تواسونني؟ قالوا: في فَقْد الجواد. قال: وما أدراكم أنه شر؟ فعجبوا منه وتركوه. ثم رجع الجواد إلى صاحبه بعد حين، فجاء القوم يهنئونه. قال: في أي شيء تهنئونني؟ قالوا: في عودة الجواد الضائع. قال: وما أدراكم أنه خير؟ ثم إن ولده الشاب امتطى الجواد فجمح به فسقط وكُسرت رجله، فجاء القوم يواسونه في مصابه. قال: ما أدراكم أنه شر؟ ثم قامت حربٌ فجُمع الشباب من القرى وسيقوا إلى ميادين القتال فمات كثيرون، وتُرك الشاب بسبب رجله الكسيرة فنجا، فجاء أهل الضيعة يهنئون الحكيم بنجاة ولده، فقال: وما أدراكم أنه شر؟ قالوا: دعوه فإنه مجنون.

* * *

لا، ما بالرجل جنون، إنما هو باحث عن جواب السؤال الذي حيّر العوامّ والحكماء: ما الشر وما الخير؟

ربما قال بعض الناس: الشر هو ما نحسّ أنه شر بالحدس والعقل. يردّ ربنا تبارك وتعالى على هذا التعريف بقوله: {لا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم}. يقولون: الخير ما نحبه والشر ما نكرهه. نقول: فأين تذهبون بقوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم}؟ يقولون: فليكن الخير إذن هو ما امتلأت نفوسُنا باليقين الجازم أنه خير حتى ألححنا على الله بسؤاله. نقول: حتى هذا المبلغ الجازم من اليقين بأن ذلك الأمر خير وذاك شر لا يُسلَّم لصاحبه، واسمعوا قول الرب الحكيم العليم: {ويَدْعُ الإنسان بالشرّ دعاءه بالخير، وكان الإنسان عَجولاً}.

كيف إذن؟ أعود إلى ما صَدّرتُ به هذه السلسلة من المقالات: لن يجد المرء الجواب المطَمْئن إلا من داخل الدين، فمَن آمن بالله ورسوله وكتابه وجد الاطمئنان واليقين، ومن لم يؤمن لن يطمئنّ أبداً. المؤمن وحده هو الذي يطمئن إلى اختيار الله له، فإنه يقرأ قوله عز وجل: {وعسى أن تكرهوا شيئاً...} ثم يقرأ بعدها: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فيتوجه إلى الله بالشكر الممزوج بالرضا والاطمئنان.

* * *

لو أن امرءاً في سوريا فقدَ في هذه الأيام بيته ودكانه فإنه سيأسَى لا محالة، وسوف يخاطب ربه فيقول: لماذا ابتليتني بهذا البلاء يا رب؟ وسوف يقول أكثرَ منه مَن فقد ولده، ولن يشكّ كلاهما في أن ما أصابهما شر محض لا خير فيه. لكن الله يعرض علينا في كتابه الكريم وجهة نظر أخرى، إنه يقول لنا إن تخريب السفينة خير وإن قتل الغلام خير. فأما أصحاب السفينة فلا شك أنهم أسفوا لمّا خُرقت سفينتهم، لكنهم سرعان ما اكتشفوا السرّ فحمدوا الله، فقد سلمت السفينة من المصادرة بذلك العيب الهيّن، وهو عيب يسهل إصلاحه وتبقى لهم السفينة، ولو صادرها الملك الظالم الذي كان يسعى وراءهم لفقدوها فَقْدَ الأبد. وأما والدا الغلام فلم يدركا السر فعاشا في أسف على فراق الولد، ولو أيقنا أن الله لا يختار لهما إلا الخير لرضيا بقضائه وحمداه في كل حال.

لا بد أن ينكشف الغطاء -آجلاً أو عاجلاً- فيظهر للناس أن كثيراً مما يرونه شراً إنما هو في حقيقته خير، ولكن أكثر الناس لا يصبرون. ولو أنهم صبروا لرأوا الخير الكامن في الشر الظاهر فشكروا عليه الله، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. كثير من الشر الظاهر يبدو خيرُه لنا في هذه الدنيا ولو بعد حين، ولا بد أن تبقى حوادثُ لن يعرف أصحابُها وجهَ الخير فيها حتى ينكشف الحجاب الأخير، في يوم تجتمع فيه الخلائق بين يدي الله فيوفَّى الصابرون على البلاء أجرَهم بغير حساب، بغير حساب يا أيها المؤمنون.

* * *

كثيراً ما تكشف الأيام في هذه الدنيا أن الشر الذي حسبه الناس شراً لم يكن في حقيقته إلا خيراً مُدَّخَراً مؤجَّلاً، ولعل واحداً من أهم أوجه الخير التي يشتمل عليها كل ضر وشر يصيب الناس هو دفعهم إلى الإيمان وإعادتهم إلى الله، فإن الله الذي خلق الخلق رجا لهم الهداية ولم يحبّ لهم العذاب: {ما يفعلُ الله بعذابكم إنْ شكرتم وآمنتم؟} فأرسل الرسل والكتب لدعوتهم إلى الحق وإقناعهم به، فمَن أبى وثبت على الكفر ونسي الله ابتلاه الله بالضر ليذكّره به ويعيده إليه.

هذا هو تفسير ما يصيب المرء من بلاء إذا نسي ربه: {وإذا مسّ الإنسانَ ضُرٌّ دعا ربه منيباً إليه} وهو تفسير ما يصيب المجتمع كله إذا انحدر إلى الجحود والبعد عن الله: {وإذا مَسّ الناس ضرّ دعَوا ربهم منيبين إليه}. واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلهم يتضرعون}.

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك، اللهم إنا نسألك العافية من البلاء والضراء، فإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين الشاكرين يا رب العالمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 93.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.79 كيلو بايت... تم توفير 3.55 كيلو بايت...بمعدل (3.80%)]