|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الكثير من سلفنا الصالح وعلمائنا الأجلاء قد اهتم بهذا الجانب وصنف له مصنفات خاصة ، وأبواباً كاملة ، وفي أغلب الأحيان كانوا يفتتحون كتبهم ومؤلفاتهم بهذا البحث حتى يرشدوا الآخرين وينصحوهم بأدب التعليم وطلب العلم، وقد أكون هنا لم أقدم جديداً على هذا الجانب ولكن حاولت جاهدا أن ألخص ما وصل ليدي من مادة هذا البحث ، ولكن الفائدة كانت كبيرة جداً ، إذا تعرفت على مدى سمو أخلاق سلفنا الصالح ، وواسع علمهم ، واهتمامهم بالعلم وأهله ، وتقديرهم له، ففضل العلم كبير ، فقد قال الله تعالى : ( قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون) [الزمر:9] ، وقال الله تعالى أيضاًَ : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) [المجادلة]
وكذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العلم وثمراته ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سلك الله به طريقاً الى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ،إنما ورثوا العلـم ، فمن أخـذه أخذ بحظ وافر"(1). فنسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، وأن يقدرنا على الاقتداء بنبينا الكريم ، المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ، والسلف الصالح رحمهم الله وجزاهم عنا كل خير، وأن يعيننا على الالتزام بهذه الآداب ، وأن نكون من طلاب العلم وحملته ، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ، ونسأل الله الإخلاص والقبول والثبات . آداب المعلم آدابه مع نفسه : 1- دوام مراقبة الله : دوام مراقبة الله في السر والعلن، والمحافظة على خوفه في جميع حركات المعلم وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أُودع من العلوم ، وما مُنح من الحواس والفهوم ، قال تعالى : (بما استخفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) [سورة المائدة:43](2). 2- الإخلاص: أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى، ولايقصد توصلاً إلى غرض دنيوي كتحصيل مال أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأشباه أو تكثر بالمشتغلين عليه أو المختلفين إليه أو نحو ذلك، قال الإمام الشافعي رحمه الله : (وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا يُنسب إلي حرف منه)، وقال أبو يوسف رحمه الله : (ياقوم أريدوا بعلمكم الله فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح)(3). 3- التخلق بالزهد: أن يتخلق بالزهد في الدنيا والتقلل منها بقدر الإمكان الذي لا يضر بنفسه أو بعياله، وأن يعتدل ويقنع بما رزقه الله، فإن ذلك لا يعد من الدنيا ، والعالم هو أحق من يستصغر شأن الدنيا ولا يلقي لها بالاً لأنه يعلم مدى فتنتها وسرعة زوالها وكثرة تعبها ونصبها ، وأن يتنـزه عن دنيء المكاسب(4). 4- المحافظة على شعائر الإسلام: أن يحافظ على شعائر الإسلام وظواهر الأحكام ،كإقامة الصلاة في المساجد للجماعات، وإفشاء السلام للخواص والعوام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى، صادعاً بالحق ، لا يخاف في الله لومة لائم، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم السلام أسوة حسنة في الصبر على الأذى وماكانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى ، وكذلك القيام بإظهار السنن وإخمال البدع ، والقيام لله في أمور الدين ومافيه مصالح المسلمين على الطريق المشروع والمسلك المطبوع. ولايرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها(5)، ومن ذلك استعماله التهليل والتسبيح ونحوهما من الأذكار والدعوات ، والمحافظة على قراءة القرآن(6)، مع التفكر في معانيه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده والوقوف عند حدوده، وليحذر من نسيانه بعد حفظه(7)، ونوافل الصلوات والصيام وغيرهما ، معولاً على الله تعالى في كل أمره، معتمداً عليه، مفوضاً في كل الأحوال أمره إليه(8). 5- التحلي بمكارم الأخلاق: أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها وحث عليها، والخلال الحميدة والشيم المرضية التي أرشد إليها ، من الجود والسخاء، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة ، والحلم والصبر، وملازمة الورع والخشوع، والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع، واجتناب الضحك والإكثار من المزاح(9). ومما كتب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه إلى الخليفة هارون الرشيد رضي الله عنه: (إذا علمت علماً عليك علمه وسكينته وسمته ووقاره وحلمه لقوله صلى الله عليه وسلم : "العلماء ورثة الأنبياء"). وقال عمر رضي الله عنه : (تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار)(10). ومن مكارم الأخلاق أيضاً : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس ، واحتماله منهم ، والإيثار ، والإنصاف ، وشكر التفضل ، وإيجاد الراحة ، والسعي في قضاء الحاجات ، والتلطف بالفقراء ، والتحبب إلى الجيران والأقرباء، حتى إذا رأى من لا يقيم صلاته أو طهارته أو شيئاً من الواجبات عليه أرشده بتلطف ورفق كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم(11). 6- التنـزه عن الأخلاق الرديئة : أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الرديئة ، وأن يحذر من الحسد والرياء والإعجاب واحتقار الناس وإن كانوا دونه بدرجات ، وهذه أدواء وأمراض يبتلى بها كثيرون من أصحاب النفوس الخسيسة(12)، وحتى يتخلص من ابتلي بشيء من هذه الأمراض فهناك أدوية لها، فليسارع إلى هذه الأدوية، فمثلاً : • من أدوية الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا الإنسان، فلا يعترض ولا يكره ما اقتضته حكمة الله ، قال الشاعر : فإن تغضبوا من قسمة الله بيننا فلَله إذ لم يرضكم كان أبصَرا(13) • ومن أدوية الرياء أن يعلم أن الخلق لا ينفعونه ولا يضرونه حقيقة، فلا يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه ويضر دينه ويحبط عمله ويرتكب سخط الله تعالى ويفوت رضاه(14). • ومن أدوية العجب أن يعلم أن العلم فضل من الله تعالى ومعه عارية، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فينبغي أن لا يعجب بشيء لم يخترعه وليس مالكاً له ولا على يقين من دوامه(15)، وليعلم أن الله قادر على سلب هذا العلم منه في أي لحظة ، كما قال تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين? ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) [سورة الأعراف:175-176]. • ومن أدوية احتقار الناس تدبر قوله تعالى : ( لا يسخر قوم من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم) [سورة الحجرات:10]، وقوله تعالى : (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) [سورة النجم:32]، وقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات:12]، فربما كان الذي يراه دونه أتقى لله تعالى وأطهر قلباً وأخلص نية وأزكى عملاً.(16) 7- صيانة العلم : أن لا يذل العلم ولا يذهب به إلى غير أهله من أبناء الدنيا، وإن كان المتعلم كبير القدر، بل يصون العلم عن ذلك(17). قال الزهري رضي الله عنه : (هوان بالعلم أن يحمله العالِم إلى بيت المتعلم)، وأحاديث السلف في هذا النوع كثيرة ، ولكن إن دعت حاجة إلى ذلك أو ضرورة أو اقتضته مصلحة دينية راجحة على مفسدة ابتذال العلم وحسنت نية المعلم فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى وعلى هذا يُحمل ما جاء به بعض أئمة السلف من المشي إلى الملوك وولاة الأمر كالزهري والشافعي وغيرهما ، لا على أنهم قصدوا بذلك فضول الأغراض الدنيوية. وكذلك إذا كان المأتي إليه من العلم والزهد في المنزلة العلية والمحل الرفيع فلا بأس بالتردد إليه لإفادته(18). 8- اجتناب مواضع التهم : عليه أن يجتنب مواضع التهم وإن بعدت، ولا يفعل شيئاً يتضمن نقص مروءة أو ما يستنكر ظاهراً ، وإن كان جائزاً باطناً، فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضه للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة ، فإن اتفق وقوع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها أخبر من شاهده بحكمه ومقصوده ،كي لا يأثم بسببه أو ينفر عنه فلا ينتفع بعلمه ، وليستفيد الجاهل به. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية : "على رسلكما إنها صفية"، ثم قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئاً" أو قال : "فتهلكا"(19).(20) 9- الاجتهاد في الاشتغال بالعلم: أن لا يزال مجتهداً بالعلم قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقاً ومباحثة ومذاكرة وتصنيفاً(21)، وأن لا يضيع شيئاً من عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة من أكل أو شرب أو نوم أو استراحة لملل أو أداء حق زوجة أو زائر أو تحصيل قوت وغيره مما يحتاج إليه ، أو لألم أو غيره مما يتعذر معه الاشتغال ، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة له ، ومن استوى يوماه فهو مغبون، فقد كان بعض السلف لا يترك الاشتغال لعروض مرض خفيف أو ألم لطيف بل كان يستشفي بالعلم ويشتغل بقدر الإمكان، وفي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير قال : (لايستطاع العلم براحة الجسم)، وقال الشافعي رضي الله عنه : (حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله تعالى في إدراك علمه نصاً واستنباطاً ، والرغبة إلى الله تعالى في العون عليه)(22). 10- التواضع : أن لا يستنكف من التعلم ممن هو دونه في سن أو نسب أو شهرة أو دين أو في علم آخر، يحرص على الفائدة ممن كانت عنده وإن كان دونه في جميع هذا ، وأن لا يستحي من السؤال عما لم يعلم، وعن مجاهد رضي الله عنه قال : (لا يتعلم العلم مستحٍ ولا متكبر)، وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : (لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون)، ، وكان الكثير من السلف يستفيدون من تلامذتهم ما ليس عندهم ، وثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ( لم يكن الذين كفروا...) [البينة:1] على أبيّ بن كعب رضي الله عنه وقال : " أمرني الله أن أقرأ عليك "، فاستنبط العلماء من هذا فوائد، منها بيان التواضع، وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة على المفضول(23). 11- الاهتمام بالتصنيف: وينبغي للعالم أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له فيه أن يطلع على حقائق العلم ودقائقه، وأن يثبت معه، لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة، والتحقيق والمراجعة، ولكن ليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف مالم يتأهل له، فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعرضه، وليحذر أيضاً من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه وترداد النظر فيه وتكريره، وليحرص على إيضاح العبارة وإيجازها، فلا يوضح إيضاحاً ينتهي إلى الركاكة، ولا يوجز إيجازاً يفضي إلى المحق والاستغلاق، وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر، وليكن تصنيفه بما يعم الانتفاع به ، ويكثر الاحتياج إليه(24). آدابه في تعليمه: قبل أن نعلم آداب المعلم في تعليمه العلم ، لابد لنا أن نعلم أن التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين، وبه يُؤمن انمحاق العلم، فهو من أهم أمور الدين وأعظم العبادات وآكد فروض الكفايات، قال الله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) [آل عمران:187]، وفي الصحيح من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"(25). ومن أهم آداب تعليم العلم : 1- تصحيح النية وتنقيتها : فلا بد للمعلم من أن يقصد بتعليمه وجه الله ، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي ، بل يستحضر في ذهنه كون التعليم آكد العبادات ليكون ذلك حاثاً له على تصحيح النية ومحرضاً له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم . قالوا: وينبغي أن لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، فإنه يرجى له حسن النية ، فالامتناع من تعليمهم يؤدي إلى تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا أنس بالعلم. وقالوا أيضاً: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله . معناه كانت عاقبته أن صار لله(26). 2- أدبه مع تلاميذه: - أن يحرض تلميذه بأقواله وأحواله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات ، وأن يعرفه بأنه بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف ، وينشرح صدره وتنفجر من قلبه ينابيع الحكمة واللطائف ، ويُبارك له في حاله وعلمه، ويُوفق للإصابة في قوله وفعله وحكمه. - أن يزهده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها والركون إليها والاغترار بها ، ويذكره أنها فانية، والآخرة آتية باقية، والتأهب للباقي والإعراض عن الفاني هو طريق الحازمين ، ودأب عباد الله الصالحين . - أن يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا رتبة في الوجود أعلى من هذه(27). - أن يحنو عليه ويعتني بمصالحه كاعتنائه بولده، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه وسوء أدبه ، ويعذره في سوء أدبه وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص. - أن يحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له مايكرهه لنفسه من الشر ، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه"(28). - أن يكون سهلاً في إلقاء علمه إلى تلاميذه ، متلطفاً معهم مع رفق ونصيحة وإرشاد إلى المهمات، وتحريضهم على حفظ الفوائد، وأن لا يدخر عنهم من أنواع العلم شيئاً يحتاجون إليه إذا كان الطالب أهلاً لذلك، وأن لا يلقي إليه شيئاً لم يتأهل له لئلا يفسد عليه حاله . - أن لا يتعظم على المتعلمين ، بل يلين لهم ويتواضع ، ، عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا" [رواه مسلم]، فهذا في التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الذين هم كأولاده مع ماهم عليه من الملازمة لطلب العلم، ومع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم عليه واعتمادهم عليه؟! وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لينوا لمن تُعلمون ولمن تتعلمون منه". - أن يكون حريصاً على تعليمهم ، مؤثراً له على حوائج نفسه ومصالحه مالم تكن ضرورة ، ويرحب بهم عند إقبالهم إليه، وأن يظهر لهم البشاشة وطلاقة الوجه ، ويحسن إليهم بعلمه وماله وجاهه بحسب التيسير، ولايخاطب الفاضل منهم باسمه بل بكنيته، وأن يتفقدهم ويسأل عمن غاب منهم(29). 3- أدبه في أثناء إلقائه الدرس: -أن يبذل وسعه في تفهيم طلابه ، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، وأن يكون حريصاً على هدايتهم . -أن يفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه، فلا يعطيه مالا يحتمله ولايقصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كل واحد على قدر درجته وبحسب فهمه وهمته، فيكتفي بالإشارة لمن يفهمها فهماً محققاً، ويوضح العبارة لغيره ويكررها لمن لا يحفظها إلا بتكرار. -أن يحرضهم على الاشتغال والجد في كل وقت ، ويطالبهم في أوقات بإعادة محفوطاتهم ، ويسألهم عما ذكره لهم من المهمات ، وأن يكرم المجتهد ويثني عليه مالم يخف فساده، ومن وُجد مقصراً عنَّفه مالم يخف تنفيره ، ويعيد له ما لم يفهمه حتى يساعده في حفظه وتمكينه. -أن ينصفهم بالبحث، ويعترف بفائدة يقولها بعض الطلاب وإن كانت صغيرة ، وأن لا يحسد أحداً منهم على كثرة تحصيله واجتهاده . -أن يقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق ، ولايقدمه في أكثر من درس إلا برضا الباقين. -أن يتحرى تفهيمهم بأيسر الطرق ، وأن يذكر درسه مسترسلاً واضحاً ، ويكرر ما يصعب ويشكل من ألفاظه ومعانيه ، وإذا احتاج الأمر لتصريح بعبارة يُستحى منها بالعادة فليصرح بها إذا لم يكن بد من ذلك ، أما إذا لم تكن حاجة لذلك فليُكنِ. -أن يرتب أفكار درسه، وأن يقدم في درسه ما يحتاج لتقديم وأن يؤخر ما يحتاج لتأخير ، وأن يقف في موضع الوقف ، وأن يصل في موقع الوصل(30). -أن يهتم بمظهره وأن يلبس ثياباً نظيفة دونما تكلف وتفاخر ، وأن يحترم جلساءه ويوقرهم ، وأن يجلس في مكان يبرز فيه وجهه ويراه الحاضرون. -أن يبتدئ درسه بالبسملة والحمد لله والثناء عليه والصلاة والسلام على نبيه ، وإذا كان بإمكانه أن يبتدأ درسه بقراءة القرآن فذلك أفضل ، وأن يدعو لمشايخه والعلماء الماضين ووالديه وسائر المسلمين. -أن يصون مجلسه من اللغط ، والحاضرين عن سوء الأدب في المباحثة ، وإذا ظهر من أحدهم شيئاً من ذلك تلطف في دفعه قبل انتشاره ويذكرهم بأن الرفق والصفاء من شأن هذا الدرس ، وأن المشاحنة ليست من شأننا، وإذا سأل أحدهم عن أعجوبة فلا يسخرون منه . -إذا سئل المعلم عن أمر لا يعرفه فليقل: لا أعلم ، ولايستنكف عن ذلك ، فمن علم العالم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم والله أعلم . فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) ) رواه البخاري. -أن يصون يديه من العبث بهما أثناء درسه ، وأن يصون عينيه عن تفريق النظر بلا حاجة ، وأن يلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً بحسب الحاجة للخطاب، وأن لا يرفع صوته زيادة عن الحاجة ، ولا يخفضه خفضاً يمنع بعضهم كمال فهمه . -أن لا يحضر الدرس وبه ما يزعجه من مرض أو مدافعة حدث أو جوع أو شدة فرح أو غم ، وأن لا يطول مجلسه تطويلاً يُملهم أو يمنعهم من فهم بعض الدرس . -ينبغي للعالم أن يطرح على طلابه ما يراه من مستفاد المسائل ، ويختبر بذلك أفهامهم ، ويظهر فضل الفاضل ويثني عليه بذلك ترغيباً له وللباقين في الاشتغال والفكر في العلم ، وليتدربوا بذلك ويعتادوه ، ولا يعنف من غلط منهم في كل ذلك إلا أن يرى تعنيفه مصلحة له . -إذا فرغ من شرح درسه وإلقائه عليهم أمرهم بإعادته حتى يرسح لهم حفظه ، وإذا أشكل عليهم شيئاً عاودوه فيه . -أن لا يتأذى ممن يقرأ عليه أو يدرس عنده إذا علم أنه يدرس ويقرأ على غيره ، وهذه مصيبة يُبتلى بها جهلة المعلمين ، إلا إذا كان المعلم الآخر فاسقاً أو مبتدعاً أو كثير الغلط ، فمن واجبه أن يحذرهم من ذلك(31). آداب المتعلم 1-الإخلاص : وهذا أول ماينبغي لطالب العلم أن يتسلح به ويجعله نصب عينيه ، لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له سبحانه ، فإذا ما أخلص طالب العلم نال الأجر العظيم ، وبورك له في سعيه ، وأصبح أهلاً للشرف الذي منحه الله للعلم والعلماء ومن سلك طريقهم ، فقد ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: (يا حملة العلم اعملوا به ، فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم ، يجلسون حلقاً يباهي بعضهم بعضاً ، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى )(32). 2-الزهد في الدنيا : ينبغي لطالب العلم أن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل ويرضى باليسير(33)، فلا يجتمع في قلب مسلم الحرص على طلب العلم والشغف به مع الحرص على الدنيا والتكالب على شهواتها، لأن القلب المشغول بحب الدنيا والسعي وراء زخارفها ومنافسة أهلها فيها لا يدخله نور العلم ولا يذوق حلاوة الطاعة ، فلا تراه يحصل من العلم إلا القليل الذي يزداد به وجاهة عند أهل الدنيا ، ولقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الزهد فقال : (الزهد المشروع هو ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة وثقة القلب فيما عند الله)(34). 3-التواضع : ينبغي لطالب العلم التواضع للعلم والعالم ، فبتواضعه ينال العلم، وأن ينقاد لمعلمه ويشاوره في أموره ويأتمر بأمره(35) ، وليعلم طالب العلم أن التكبر من الصفات التي توجب كراهية الناس له وابتعادهم عنه ، وأن التواضع ولين الجانب والرفق يوجب محبة الناس له(36). 4-الصبر على طلب العلم : من أهم الطاعات التي تحتاج إلى الصبر طلب العلم الذي يُبتغى به وجه الله سبحانه ، بخاصة أن النفس تميل إلى الراحة والكسل، وطلب العلم يحتاج إلى عظيم جهد ومشقة وسهر، وترك كثير من فضول الدنيا ، وسفر في طلب علم ولقاء العلماء ، ودوام مذاكرة وحفظ ومتابعة وغير ذلك. روي عن الفضيل بن سعيد بن سلم أنه قال : (كان رجل يطلب العلم فلا يقدر عليه ، فعزم على تركه ، فمر بماء ينحدر من رأس جبل على صخرة ، قد أثَّر الماء فيها ، فقال :الماء على لطافته قد أثر في صخرة على كثافتها : والله لأطلبن العلم ، فطلب فأدرك)(37). 5-أن يتحرى أهلية المعلم : وأن لا يأخذ عن عالم لم تكتمل أهليته، ويتحرى أن يكون المعلم قد ظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته وسيادته، وأن يكون لهذا المعلم دربة ودين وخلق جميل وذهن صحيح واطلاع تام(38). 6-احترام العالم : أن ينظر الطالب معلمه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على أكثر طبقته، فهو أقرب إلى انتفاعه به ورسوخ ماسمعه منه في ذهنه ، وقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال : (اللهم استر عيب معلمي عني ولاتذهب بركة علمه مني)، وأن يتحرى رضاه، وأن لا يغتاب عنده ، ولايفشي له سراً ، وأن يرد غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس ، وأن لا يدخل عليه بغير إذن . 7-الصبر على معلمه : ينبغي على طالب العلم الصبر على جفوة شيخه وسوء خلقه، ولايصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة، وإذا جافاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار وأظهر أن الذنب له والعتب عليه، فذلك أنفع له ديناً ودنيا، وأبقى لقلب شيخه. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : (ذللت طالباً، فعززت مطلوباً). 8-الحرص على الوقت واغتنامه : فلا بد له من المواظبة على تعلم العلم ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً ، ولا يذهب من أوقاته شيئاً من غير العلم إلا بقدر الضرورة لأكل ونوم. قال الشافعي رضي الله عنه في رسالته: (حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه)(39). - ومن الحرص على الوقت أيضاً أن يتجنب التسويف في اشتغاله، ولا يؤخر تحصيل فائدة وإن قلت إذا تمكن منها وإن أمن حصولها بعد ساعة، لأن للتأخير آفات، ولأنه في الزمن الثاني يحصل غيرها(40). - وكذلك من الحرص على الوقت اغتنام الفرص وأوقات الشباب، لأن التعلم في الشباب مع كمال الذهن وراحة البال يجعل الحفظ أرسخ وأقوى قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة. فقد قال عمر رضي الله عنه : (تفقهوا قبل أن تسودوا) ، ولقد أورد الماوردي أن من أسباب التقصير في طلب العلم أن يغفل طالب العلم عن التعلم في الصغر ، ثم يشتغل به في الكبر، فيستحيي أن يبتدئ بما يبتدئ الصغير، فيبدأ بأواخر العلوم وأطرافها ليتقدم على الصغير ، فهذا ممن رضي بخداع نفسه ، ولهذا كان التعلم في الصغر أفضل(41). - ومن الحرص على الوقت أن يغتنم أوقات النشاط وفراغ الذهن. قال الخطيب البغدادي: ( أجود أوقات الحفظ الأسحار ، ثم نصف النهار ، ثم الغداة ، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع). ومن أفضل الأوقات لأخذ الدرس وطلب العلم هي أوقات البكور لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"(42)، وأن يغتنم الطالب كل وقت يجد نفسه فيه نشيطاً فارغ الذهن ، وأن يتجنب الأوقات التي يكون فيها مرهقاً متعباً ، مشغول الذهن(43). 8- الاجتهاد وعدم التكلف: أن يكون ذا همة عالية فلا يرضى باليسير مع إمكان الكثير ، وأن لا يحمل نفسه ما لا تطيق مخافة الملل ، وهذا يختلف باختلاف الناس(44). 9- آدابه في درسه: - عند دخوله إلى الدرس يدخل كامل الهيبة فارغ القلب من الشواغل متطهراً متنظفاً. - يسلم على الحاضرين كلهم ، ويخص المعلم أو المعلم بالتحية، وكذلك عند انصرافه من درسه. - لا يتخطى رقاب الناس ويجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يصرح له المعلم أو الحاضرون بالتقدم أو التخطي. - لا يقيم أحداً من مجلسه ، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للآخرين. - أن لا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة ، ولا بين صاحبين إلا برضاهما ، وإذا فسح له قعد وضم نفسه. - أن يحرص على القرب من المعلم ليفهم كلامه إذا أمكن له ذلك ، وبشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه. - أن يتأدب مع رفقته وحاضري المجلس، فإن تأدبه معهم تأدب مع المعلم واحترام لمجلسه. - يقعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين. - لا يرفع صوته رفعاً بليغاً من غير حاجة ، ولا يضحك ولا يكثر الكلام بلا حاجة، ولا يعبث بيديه ولا بغيرها ، ولا يلتفت بلا حاجة ، بل يقبل على معلمه مصغياً إليه. - أن لا يسبق معلمه لشرح مسألة أو جواب سؤال إلا أن يعلم من حال معلمه إيثار ذلك ليستدل به على فضيلة المتعلم . - أن لا يقرأ على معلمه عند شغل قلب المعلم وملله وغمه ونعاسه واستيفازه ونحو ذلك مما يشق عليه أو يمنعه من استيفاء الشرح . - أن لا يسأل معلمه عن شيء في غير موضعه إلا أن يعلم من حاله أنه لا يكرهه ، وأن لا يلح عليه في السؤال إلحاحاً مضجراً، ويغتنم سؤاله عند طيب نفسه وفراغه ، وأن يتلطف في سؤاله، وأن يحسن خطابه ، وأن لا يستحيي من السؤال عما أشكل عليه بل يستوضحه أكمل استيضاح فمن رق وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال. - إذا سأله المعلم: أفهمت؟ فلا يقل: نعم حتى يتضح له المقصود اتضاحاً جلياً لئلا يكذب ويفوته الفهم ، ولا يستحي من قوله: لم أفهم، لأن في استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة ، فأما العاجلة حفظه المسألة وسلامته من كذب ونفاق بإظهاره فهم مالم يكن يفهمه ، ومنها اعتقاد الشيخ اعتناءه ورغبته وكمال عقله وورعه وملكه نفسه وعدم نفاقه، ومن الآجلة ثبوت الصواب في قلبه دائماً ، واعتياده هذه الطريقة المرضية والأخلاق الرضية. عن الخليل بن أحمد رحمه الله أنه قال : (منزلة الجهل بين العلم والأَنَفة). - ينبغي منه إذا سمع من معلمه مسألة يعلمها أو يحفظها أن يصغي إليها إصغاء من لا يعلمها ، إلا إذا علم من حال المعلم إيثاره علمه بأن المتعلم حافظ لها . - أن لا يسأل المتعلم أحداً تعنتاً أو تعجيزاً ، فالسائل تعنتاً وتعجيزاً لا يستحق جواباً. - أن لا يعجب بفهمه ونفسه ، وأن لا يحسد أحداً ، ولا يحتقره(45). 10- مذاكرة العلم خشية النسيان : فإن من طبع الإنسان النسيان، وتفاوت قدرات الناس في الحفظ ، فلا بد لطالب العلم من مذاكرة العلوم وإعادة مدارستها مرة بعد مرة ، فينال بها أجراً ودرجات عند الله سبحانه وتعالى ، ويزداد فهمه لها ، ويقارن بينها وبين ما حفظه بعدها ، حتى تترسخ في ذهنه(46) ، ومن الأشياء التي تساعده في مذاكرته وتثبيته لحفظه أن : - يتحرى الأماكن والأوقات التي يكون فيها فارغ القلب نشيط الذهن. قال الخطيب البغدادي: (وأجود أماكن الحفظ الغرف ، وكل موضع بعيد عن الملهيات ، قال : وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار). - أن يبدأ دراسته بالبسملة والحمد لله والثناء عليه و الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ، والدعاء للعلماء والمشايخ ووالديه وسائر المسلمين. - أن بيدأ بدراسة ومطالعة الأهم فالأهم ، وأول مايبتدئ به حفظ القرآن ، فهكذا كان السلف. - أن يواظب على مطالعة ما كتبه وحفظه وتكراره ، وأن يعتني بدروسه ، ويعلق عليها ما أمكن، وأن يدون كل معلومة أو فائدة صغيرة كانت أم كبيرة . - أن يستذكر دروسه مع صحبته ورفاقه ، وأن يرشدهم إلى مواطن الفائدة ، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة ، وبإرشادهم يُبارك له في علمه ، ويستنير قلبه ، وتتاكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله عز وجل ، ومن بخل بذلك فلا يثبت معه، وإن ثبت لم يثمر(47). 11- الوقار والحياء سمة لطالب العلم ينبغي أن يتميز بها عن أقرانه ، فلا يلهو معهم ، ولا يشغل نفسه في الأمور المهينة التي تُفقده مكانته وقدره، وإنما يتحلى بالأدب ويتزين برونق العلم ، ويبعد نفسه عن سفساف الأمور.عن مالك رضي الله عنه أنه قال : (إن حقاً على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية ، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى قبله)(48). 12- الصحبة الصالحة : أن يحرص طالب العلم على أن يتحرى الصحبة الصالحة التي تنفعه في دنياه وآخرته ، والتي تقوم على الحب في الله والتواصي على البر والتقوى، فهو أحوج مايكون إليها ، لأنهم يصبرونه إذا فترت عزيمته ، ويذكرونه إذا نسي ، وينصحونه إذا أخطأ ، ويرشدونه إذا زل. قال الإمام ابن جماعة رحمه الله : (ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه ..... فإن تعرض لصحبة من يضيع عمره معه ولا يفيده ولا يستفيد منه ، ولا يعينه على ماهو بصدده ، فليتلطف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكنها ، فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها..... فإن احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحباً صالحاً ديناً تقياً ورعاً ذكياً ، كثير الخير ، قليل الشر ، حسن المداراة ، قليل المماراة ، إن نسي ذكره ، وأن ذكر أعانه ، وإن احتاج واساه ، وإن ضجر صبَّره)(49). وهناك آداب كثيرة مشتركة بين العالم والمتعلم ، وقد ذكر بعضها ، ومن الآداب المشتركة أيضاً: 1- أن يهتم كل منهما بوظيفته ولا يخل بها . 2- أن يعتني كلاهما بتحصيل الكتب وشرائها ، وإن لم يتمكن من ذلك فبالنسخ ، وإن صعب عليه ذلك ، فليستعر من غيره . 3- إذا استعار بعض الكتب أو المصنفات ، فلا يبطئ على صاحبها ، لئلا تفوته الفائدة والانتفاع ، وحتى لا يكسل هو أيضاً بالانتفاع منها ، وإذا حصل ذلك فإن كثيراً من الأشخاص يمتنعون من إعارة كتبهم لتأخر الآخرين بإرجاعها . 4- أن لا يبخل هو بعلمه أو بكتاب عنده . فقد قال سفيان الثوري رضي الله عنه : ( من بخل بالعلم ابتلي بإحدى ثلاث ، أن ينساه ، أويموت ولا ينتفع به ، أو تذهب كتبه). وختاماً: نلحظ انصراف المعلمين والمتعلمين في عصرنا هذا عن كثير من هذه الأخلاق والآداب، حيث انفصل العلم عن العمل والخلق ، وذلك لأسباب عدة، منها : انصراف الناس إلى العلوم غير الشرعية، وتغير أنماط التعليم ، واستيراد الأنظمة التعليمية من الشرق والغرب ، والبعد عن تراثنا وأخلاق سلفنا الصالح . وهذه دعوة للمعلمين والمتعلمين ليحيوا هذه الآداب والآخلاق ، ويسيروا على نهج سيد المعلمين محمد صلى الله عليه وسلم ، ونهج سلفنا رضوان الله عليهم الذين اهتموا بهذا الموضوع غاية الاهتمام، حتى صنفوا فيه التصانيف الكثيرة ، ونقلوا لنا العلم مع الخلق والسمت الصالح وطبقوا العلم واقعاً معاشاً سادوا به الدنيا . ــــــــــــ . رواه الترمذي وأبو داود ، وإسناده حسن . 2. الشيخ الإمام بدر الين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي الشافعي ، تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص25، ط1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان . 3. الإمام أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي ، المجموع في شرح المهذب ، ص28، المجلد الأول ، دار الفكر. 4. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، ص27. 5. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص 29-30. 6. المجموع ، ص29. 7. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص31. 8. المجموع ، ص29. 9. المجموع ، ص28. 10. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص26. 11. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص31-32. 12. المجموع ، ص28. 13. تذكرة السامع والمتكلم ، ص33. 14. المجموع ، ص28. 15. المجموع ، ص28. 16. المجموع ، ص28 ، وتذكرة السامع والمتكلم ، ص34. 17. المجموع ، ص29. 18. تذكرة السامع والمتكلم ، ص26-27. 19. رواه مسلم ، ج2، ص216. 20. تذكرة السامع والمتكلم ، ص29. 21. المجموع ، ص29. 22. تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ، ص35-36. 23. المجموع ، ص29. 24. المجموع ، ص29-30. 25. المجموع ، ص30. 26. المجموع ، ص30. 27. المجموع ، ص30. 28. المجموع ص31. 29. المجموع ص31. 30. المجموع ص 30 31. المجموع ص34-35 . 32. أنس محمد كرزون ، آداب طالب العلم ، ص27، 30،، دار نور المكتبات ، جدة ، المملكة العربية السعودية، ط2، 1997م. 33. المجموع ، ص35. 34. آداب طالب العلم ، ص101، 102. 35. المجموع ، ص36. 36. آداب طالب العلم ، ص48. 37. آداب طالب العلم ، ص69، 71. 38. المجموع ، ص36. 39. المجموع ص37. 40. المجموع ، ص38. 41. آداب طالب العلم ص109-110. 42. أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديث حسن. 43. آداب طالب العلم ، والمجموع. 44. المجموع ص38. 45. المجموع ، ص37، 39 . 46. آداب طالب العلم ، ص116. 47. المجموع ، وأداب طالب العلم . 48. آداب طالب العلم ، ص120 . 49. آداب طالب العلم ، ص123-125. |
#2
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خيرا موضوع جميل
__________________
![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() السلام عليكم
بارك الله فيكم اخي الامتياز على طيب مرورك الجميل العطر,اسال الله ان يجمعنا في ظله يوم لا ظل الا ظله وان يتقبل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم,الله اسالك رضاك والجنة واعوذ بك من سخطك والنار.اللهم اسالك شهادة في سبيلك يا ارحم الراحمين,نسال الله لك دوام الطاعة ودوام الايمان وحياة ملؤها السعادة والاستقرار في ظل شريعة الرحمن,والسلام عليكم اخوك في الله عبدالله ![]() "اللهم إنك أعطيتنى خير الناس في الدنيا دون أن أسالك .. فلا تحرمنى من صحبتهم في الجنة وأنا أسألك .. اللهم إجزهم عنى كل خير .. اللهم لقد أدخلوا السرور في قلبي .. فضاعفه في قلوبهم يارب العالمين .. اللهم آمين" |
#4
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
بارك الله فيك أخي عبد الله على هذا الرد المتميز اسال الله ان يجمعنا في ظله يوم لا ظل الا ظله
__________________
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |